كان الهدف المعلن من إنشائها بداية الأمر دعم قضايا الشيعة في لبنان والعمل على انخراطهم في المجتمع بشكل أكبر وتقليل مساحة التهميش والإهمال لصالح السنة والمسيحيين، لكن سرعان ما تنامت بشكل فاق التوقعات كافة، فتحولت من حركة على الهامش إلى بطل مؤثر في مسرح العمليات.
حركة المحرومين.. تلك الحركة التي أسسها الإمام الشيعي موسى الصدر عام 1974 رفقة النائب حسين الحسيني، لتكون صوت الشيعة المهمشين وجدار الدعم والتأييد الأقوى في الدولة المهلهلة سياسيًا وأمنيًا في ذلك الوقت، والعمل على منحهم بعض ثروات البلاد التي كانت تهيمن عليها معظم الطوائف الأخرى.
لم يمر عام واحد فقط حتى وُلد من رحم المحرومين حركة “أمل” (اختصارًا لـ”أفواج المقاومة اللبنانية”) وهي الولادة الأسرع في تاريخ الجماعات المسلحة اللبنانية، لتكون بمثابة الجناح العسكري للحركة الأم، وقد اتخذت من شعارات المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي عنوانها الأبرز التي قدمت بها نفسها للشارع اللبناني فحازت ثقته.
خاضت الحركة عشرات المحطات الصدامية مع الجميع، بداية من السنة مرورًا باللاجئين الفلسطينيين، وصولًا إلى صدام الأشقاء بين الحركات الشيعية المنبثقة عنها وفي مقدمتها “حزب الله”، لتصل في نهاية المطاف من كيان عشوائي يعتمد على الشعبوية كخطاب اجتماعي ديني إلى ضلع مؤثر في الحياة السياسية، إذ تحظى اليوم بحضور نيابي ذات ثقل كبير في مجلس النواب (البرلمان) بكتلة تبلغ 16 نائبًا ينتمون لكتلة التنمية والتحرير التابعة لها، بالإضافة إلى علاقاتها وتحالفاتها الممتدة مع بعض القوى السياسية الأخرى.
ومع مرور الوقت سقطت الكثير من الأقنعة التي كانت ترتديها الحركة وقادتها، لينجلي الغبار عن الشعارات المثالية التي كانت تتبناها بداية نشأتها، ويتضح أنها لم تكن إلا مجرد أداة لخدمة الأجندة الإيرانية داخل البلد العربي، وأحد الأسباب الرئسية فيما آلت إليه الأوضاع اللبنانية حاليًّا، إذ كانت طرفًا أصيلًا في الحرب الأهلية التي خاضتها الدولة وأفرغتها من قواها الاقتصادية والسياسية والأمنية.. فماذا نعرف عن حركة أمل التي أفقدت اللبنانيين الأمل؟
ما قبل النشأة
قبل نشأة “حركة أمل” كانت الدولة اللبنانية غارقة في الفوضى الديموغرافية التي شهدت تحولات دراماتيكية منذ بداية القرن العشرين، فمن الأكثرية المسيحية أواخر القرن التاسع عشر إلى موجات الهجرة إلى أوروبا وأمريكا خلال الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، وصولًا إلى الأكثرية المسلمة بنهاية القرن العشرين، بعدما فقدت الخريطة السكانية اللبنانية غالبيتها المسيحية التي هاجرت هربًا من الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية.
ورافق التغير الذي شهدته تلك الخريطة الديموغرافية مرونة طائفية أيديولوجية موازية لم تشهدها دولة أخرى، ليجد المجتمع اللبناني نفسه أسير أكثر من 18 طائفة رسمية، غير طوائف أخرى لم يعترف بها حتى اليوم، وقد تنوعت تلك الطوائف ما بين المسيحية بشتى انتماءاتها والإسلامية بمختلف فروعها ومذاهبها.
وتصدرت طائفة الموارنة المسيحية قائمة الطوائف اللبنانية، سواء من حيث العدد أم النفوذ، فمنها يترشح رئيس الجمهورية، تليها الطائفة السنية (تتمركز في بيروت وصيدا وطرابلس) ومرجعيتها دار الإفتاء، ثم الطائفة الشيعية الأثنا عشرية (وتتمركز في بعلبك والهرمل والبقاع وصور) ومرجعيتها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ثم طوائف: الدروز والروم الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن والسريان والأقباط والإسماعيلية والكلدان واللتين والإنجيلية والعلوية، وأخيرًا الطائفة الأشورية ذات الانتماء العراقي.
في تلك الأثناء، كان الشيعة بمختلف طوائفهم يعانون من تفكك وتشرذم وعدم توحد، بل إن كثيرًا منهم كان منخرطًا داخل تيارات يسارية وقومية بحثًا عن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ كان معظم أبناء تلك الطائفة من الفقراء ذوي الأوضاع المعيشية المتردية الذين يقطنون العشوائيات حول العاصمة.
رافق التغير الذي شهدته تلك الخريطة الديموغرافية مرونة طائفية أيديولوجية موازية لم تشهدها دولة أخرى
لكن على الجانب الآخر كان قيادات الشيعة وزعماؤهم يتمتعون بثراء فاحش، فبعضهم كان من الإقطاعيين، غير أنهم كانوا منعزلين تمامًا عن عامة الشعب من أنصار مذهبهم الديني، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين النخبة والقاعدة العريضة، وقد انعكس هذا التشرذم على الثقل السياسي للشيعة إذ غابوا عن الواجهة السلطوية لعقود طويلة.
الفجوة اتسعت أكثر بعد حرب 1956، حين أجبر المصريون الدول المعتدية الثلاثة (بريطانيا وفرنسا و”إسرائيل”) على مغادرة البلاد بعد العدوان التي شنته في السويس فيما عرف بـ”حرب السويس”، حينها انخرط كثير من شيعة لبنان داخل الحركة القومية العربية خاصة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، عكس عقارب الساعة الإيرانية التي كانت علاقاتها مع دولة الاحتلال في أوجها في ذلك الوقت إبان ولاية محمد رضا بهلوي.
وفي الوقت الذي كان فيه شيعة لبنان معجبين بالحركة القومية العربية، كانت طهران بهلوي توثق عرى صداقتها مع “إسرائيل” وتعمق من خصومتها للعرب، بل إن الشاه دعم حينها الإمام الزيدي في حرب اليمن، نكاية في العرب، وردًا على تصاعد المد القومي في مواجهة النفوذ الإيراني.
وجدت إيران نفسها – في تلك الأثناء – في مأزق حقيقي، فربما تفقد أرضيتها الشعبية في لبنان، لذا وجب التحرك بأقصى سرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه واستعادة حضورها هناك، ولم تجد أفضل من ذلك الشاب الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين عامًا ليؤدي تلك المهمة، ويتم زراعته في الداخل اللبناني، شاب يجمع بين الثقافة والحماس، الانتماء الأيديولوجي والولاء العقدي، إنه الزعيم المؤسس موسى الصدر.
موسى الصدر.. رجل إيران في لبنان
أعدت طهران موسى الصدر إعدادًا جيدًا قبل إرساله إلى لبنان، فالرجل ولد في الحوزة العلمية، مدينة القم، عام 1928، وكان أحد المنتسبين للحوزة بصفته ابن من أبناء أسرة الصدر ذات الصيت الشيعي الكبير، وتشرب الشاب الصغير على أيدي عمائم الشيعة في المدينة معتقداتهم الطائفية التي شكلت شخصيته فيما بعد.
ويعد موسى أول شيعي معمم حوزي يدرس بكلية الحقوق جامعة طهران، وكان ذلك عام 1950، ليبدأ بعدها رحلة إعداده بشكل منهجي أكاديمي، فدرس جل العلوم الإنسانية، فلسفة وتاريخ وعلم نفس واجتماع، كما اتقن ثلاث لغات رئيسية (الإنجليزية – الفرنسية – العربية) بجانب لغته الأم الفارسية، وبات واحدًا ممن يشار لهم بالبنان في قوة الشخصية والحضور المجتمعي.
يشير الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، أحمد بدوي، في دراسة له نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات، إلى أن العديد من الكتابات والدراسات التاريخية تؤكد أن إيران أرسلت الصدر إلى لبنان عام 1958 بهدف تعميق الشعور الديني لدى شيعة لبنان، ودعم انتمائهم للطائفة واستعادة ولائهم للحوزة العلمية في قم.
ويؤكد بدوي أن الدولة الإيرانية وقتها وفرت له كل أنواع الدعم، مادي ومعنوي، كما فتحت له خطوط اتصال وتواصل داخل لبنان، وأهلته لأن يكون رمزًا دينيًا ومجتمعيًا، حتى تحول في غضون وقت قصير إلى علم من أعلام لبنان وملأت سمعته السمع والبصر.
نجح الصدر من خلال الدعم الإيراني المادي في بناء أرضية اجتماعية قوية، ذات انتشار واسع، تستند إلى العمل الخيري كوسيلة لجذب أنصار الشيعة
ومع قدومه إلى بيروت لم يضيع الصدر وقته طويلًا، فبدأ في تدشين تيار ثوري مناهض للقومية الناصرية التي كانت تحتل شعبية كبيرة في ذلك الوقت، يعتمد – بحسب الدراسة – على المزج بين الاشتراكية والتراث الديني الشيعي، كما تبنى خطابًا انفتاحيًا على كل الطوائف، حتى إنه وصف في بعض الأحيان بالعلمانية في منهجيته، وهو الوصف الذي برره مؤرخون بالبرغماتية المطلوبة حينها لدغدغة مشاعر الشارع اللبناني وسحب البساط من تحت الناصرية وفكرة القومية.
المجلس الإسلامي الشيعي.. الانطلاقة الأولى
نجح الصدر من خلال الدعم الإيراني المادي في بناء أرضية اجتماعية قوية، ذات انتشار واسع، تستند إلى العمل الخيري كوسيلة لجذب أنصار الشيعة، فدشن عشرات الجمعيات والكيانات الخيرية مثل مؤسسات رعاية الأيتام وكبار السن، وبناء العديد من المدارس وفصول محو الأمية والمؤسسات الطبية التي تقدم الخدمات الصحية مجانًا، كذلك بناء جمعيات ذات طابع تطوعي بحت ولها أهداف اجتماعية بعيدة المدى، مثل جمعية البر والإحسان التي أنشأها في صور ونجحت في القضاء على ظاهرة التسول.
هذا الدور المجتمعي الكبير الذي قام به موسى في الداخل اللبناني دفع رئيس الدولة وقتها فؤاد شهاب، لمنح المعمم الإيراني الجنسية اللبنانية، ليصبح الصدر منذ عام 1963 مواطنًا لبنانيًا، بجانب جنسيته الإيرانية الأم، ليبدأ في وضع أقدامه بثبات نحو تحقيق الهدف الذي جاء من أجله من مدينة قم.
وما إن استقرت أموره الإدارية والمدنية بعد حصوله على الجنسية، كشف موسى عن الوجه الحقيقي الذي نجح في إخفائه 5 سنوات كاملة منذ أن وطأت أقدامه ثرى لبنان، حيث بدأ في التفكير في إنشاء مركز خاص بالشيعة يقوم على أمورهم ويناقش قضاياهم بعيدًا عن دار الإفتاء التي كانت تجب تحت لوائها كل المذاهب الإسلامية، وبالفعل نجح عام 1969 بما له من نفوذ وبعد أن تعمقت علاقته بمراكز القوى اللبنانية في تمرير قانون تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي، ليكون أول كيان يتحدث باسم شيعة لبنان، بعدما بات أول رئيس له.
انطلق المجلس الجديد من خلال 7 قواعد أساسية: تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، القيام بدور إسلامي كامل فكرًا وعملًا وجهادًا، عدم التفرقة بين المسلمين والسعي إلى التوحيد الكامل، التعاون مع كل الطوائف اللبنانية لحفظ وحدة لبنان، ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه، محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي، وأخيرًا دعم المقاومة الفلسطينية والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة، في إطار إستراتيجية عربية موحدة.
وبعد خمس سنوات فقط من تدشين المجلس، حاول موسى الانتقال بقطار حلمه من العمل الدعوي إلى العمل السياسي الاجتماعي، فأسس “حركة المحرومين” عام 1974 بدعوى دعم الشيعة في الجنوب ممن كانوا يعانون من الحرمان والتهميش، وقامت الحركة الجديدة على ذات المبادئ التي قام عليها المجلس الشيعي.
لكن في 6 يوليو/تموز 1975 وقعت حادثة كان لها صداها القوي في الداخل اللبناني، حين تعرضت قاعدة البقاع التابعة لمنظمة فتح الفلسطينية في لبنان إلى تفجير هائل أسفر عن 35 قتيلًا، معظمهم من الشيعة، وهنا وجد موسى الفرصة مواتية تمامًا للإعلان عن تدشين الجناح المسلح لـ”حركة المحرومين” تحت مسمى (أفواج المقاومة اللبنانية) المعروف إعلاميًا بـ”حركة أمل” التي انطلقت من قاعدة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
وتبنى الصدر خطابًا دعائيًا شعبويًا في مخاطبة الداخل، معتمدًا على انجذاب الشيعة لفكرة المقاومة ضد الاحتلال، فعقد الاتفاقات مع الحركات الفلسطينية لتدريب أبناء الحركة على الأسلحة وتنمية مهاراتهم القتالية، وبذلك ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، كسب ثقة أنصار الفكر العروبي والداعمين للقضية الفلسطينية وقوى من شوكة حركته وقدرات أبنائها القتالية.
انشقاق داخل الحركة
بصورة مفاجئة اختفى موسى الصدر عن الساحة في أغسطس/آب 1978، فيما يقال إنه اختفى في ليبيا على أيدي الزعيم معمر القذافي، لتبدأ مرحلة جديدة داخل “حركة أمل” خاصة بعد الثورة الإسلامية عام 1979 تحت زعامة المرجع الديني آية الله روح الله الخميني، حيث كانت إيران الجديدة بحاجة إلى كيانات أكثر ولاءً لها، وقادة يدينون قلبًا وقالبًا للمرشد الجديد.
ولم تكن التيارات داخل الحركة على قلب رجل واحد في الولاء لنظام ولاية الفقيه، حيث تأرجح الموقف بين داعم ومتحفظ ورافض للدور الإيراني في لبنان، إلى أن جاءت حادثة الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني عام 1982 لتعلن الحركة بكل فروعها المقاومة دون الاستعانة بطهران، التي اعتبرت هذا التحرك خروجًا واضحًا للحركة من العباءة الإيرانية، ليبدأ العقد في الانفراط.
الانشقاقات لم تهدم حركة أمل اللبنانية الأم، التي ظلت تقاوم ما تتعرض له من هزات عنيفة، إلى أن استطاعت أن تفرض نفسها كأحد اللاعبين المؤثرين على الخريطة الشيعية في البلاد منذ عام 1980
وانشق عن الحركة الأم ثلاث حركات جديدة: الأولى عام 1985 تحت مسمى “حزب الله” بقيادة حسن نصر الله، واعتبرت نفسها ممثل إيران الرسمي في البلاد، والثانية “حركة أمل الإسلامية” وكانت تتبنى خط الحزب ذاته، وهو ما دفعها في النهاية تحت ضغوط إيرانية إلى الاندماج تحت قيادة حزب نصر الله عام 2004، وهو نفس الموقف الذي اتخذ مع حركة “أفواج المقاومة المؤمنة”.
الانشقاقات لم تهدم حركة أمل اللبنانية الأم، التي ظلت تقاوم ما تتعرض له من هزات عنيفة، إلى أن استطاعت أن تفرض نفسها كأحد اللاعبين المؤثرين على الخريطة الشيعية في البلاد منذ عام 1980 حين رأسها رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي نبيه بري الذي منحها قوةً وثقلًا كبيرًا.
مجزرة صبرا وشاتيلا
سرعان ما كشفت الحركة الشيعية عن وجهها المذهبي القبيح، حيث تخلت عن شعاراتها الخاصة بمقاومة المحتل ودعم القضية الفلسطينية لتتحالف مع القوات الإسرائيلية في القضاء على المخيمات الفلسطيينة في مخيم صبرا وشاتيلا، تلك المجزرة التي وقعت في 16 سبتمبر/أيلول 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام، وأسفرت عن سقوط ما بين 750 – 3500 قتيل، أغلبهم من الفلسطينيين برفقة بعض اللبنانيين.
وقد كشفت التحقيقات في تلك المجزرة عن تورط الشيعة، ممثلة في “حزب الكتائب” و”حركة أمل” في التعاون مع الجيش الإسرائيلي، للقضاء على سكان المخيمات، فيما أشار المؤرخون إلى أن الحركة شاركت في تلك المجزرة بناء على تعليمات من نظام حافظ الأسد الذي توترت علاقته بمنظمة “فتح” فأعطى توجيهاته لأنصاره من الشيعة بتطهير لبنان من المخيمات.
وتشير الروايات إلى أن ما مارسته الحركة الشيعية ضد الفلسطينين في لبنان تجاوز حاجز الحرب النظيفة إلى جرائم ضد الإنسانية، إذ تعرض سكان المخيم على مدار 6 أشهر كاملة إلى مجاعة ضارية ونقص في الخدمات الصحية “فأكل الناس لحم القطط والكلاب، والبرغل مسلوقًا بالماء والملح. وكان كل اثني عشر مقاتلًا يأكلون علبة حلوى واحدة فقط، وكان المقاتل يقتات على نصف رغيف خبز في اليوم في آخر شهرين من الحصار” بحسب الباحثة منى عوض في مقال لها أكدت فيه أن الحركة “استباحت دم أشقائها من الفلسطينيين، الذين وجدوا في أركان مخيمات دولة شقيقة ملاذًا لهم من بطش عدو لا يرحم”.
حرب الأشقاء.. صراع مستتر
منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي دخلت العلاقات بين “حركة أمل” و”حزب الله” مرحلة من التوتر وصراع النفوذ، وهو التوتر الذي أرجعته الكاتبة الصحفية رجا أمين، إلى عدة أسباب منها زيادة نفوذ الحزب والدعم الإيراني المتواصل له الذي أدى إلى إحداث حالة من الخلخلة والارتباك داخل الحركة التي انشق عنها الكثيرون وانتقلوا إلى الحزب الجديد الذي سحب الأضواء والبساط من تحت كل الكيانات الشيعية في لبنان.
التمدد الإيراني في الشرق الأوسط لم يكن وليد ظهور الخميني والثورة الإيرانية، كما يشير بعض المؤرخين، فالأمر يعود إلى ما هو أقدم من ذلك
وتشير أمين إلى أن الحركة والحزب بدآ في انتهاج سياسة “القط والفأر” حيث يكيل كل طرف للآخر حقدًا وعداوات مستترة، حتى إن لم يجاهر بها، فحاولت الحركة كثيرًا إحراج الحزب من خلال قيامها ببعض الجرائم التي تنسب للحزب، وكان من أبرزها جرائم خطف المسيحيين في بيروت الغربية.
كما تحولت ضاحية بيروت الجنوبية إلى ساحة للمعارك الدامية بين أنصار الجبهتين، سقط فيها الكثيرون من الجانبين، حيث سيطر مقاتلو “حزب الله” على مقرات “أمل” في الضاحية واندلعت العديد من المواجهات العنيفة، التي وصلت إلى حد إطلاق الحزب النار على موكب رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان، غازي كنعان، خلال عودته من اجتماع لفض الاشتباك بين الطرفين.
وتفسر الكاتبة هذا الصراع إلى أنه في مضمونه معركة في الظل بين إيران وسوريا، وخلافات على المصالح بينهما في الداخل اللبناني، فالتقارب الشديد بين الحزب وطهران دفع الحركة إلى الاستقواء بالنظام السوري وبمبدأ برغماتي بحت عمقت الحركة من علاقتها بدمشق في مواجهة نفوذ الحزب المدعوم إيرانيًا.
وبعيدًا عن التنسيق الكبير بين “حركة أمل” وولاية الفقيه في إيران، لكنها تختلف في منسوب وحجم ومسارات التبعية لطهران عن حزب الله، فالأخير هو ذراع إيران الطولى في لبنان والمتحدث الرسمي باسم الولاية الإسلامية، فيما تحافظ الحركة على علاقتها القوية بطهران لكن بشيء من الاستقلال النسبي.
في ضوء ما سبق، فإن القراءة الأولى لمسيرة “حركة المحرومين” وجناحها العسكري “أمل” تكشف أن التمدد الإيراني في الشرق الأوسط لم يكن وليد ظهور الخميني والثورة الإيرانية، كما يشير بعض المؤرخين، فالأمر يعود إلى ما هو أقدم من ذلك، خلال فترة الشاه، لتثبت طهران أن أجندتها الاستعمارية قديمة ومستمرة وتتطور مع مرور الوقت بما يحقق الأهداف التوسعية عبر نشر الأذرع والأدوات في شتى دول المنطقة.