ترجمة وتحرير: نون بوست
يكلف ملء خزان الوقود حاليًا أكثر مما كان عليه قبل ستة أشهر، والأمر سيان بالنسبة لسعر الدقيق والأثاث. وبات من الصعب العثور على سيارة مستعملة رخيصة، أما إذا كنت ترغب في شراء منزل فمن الأفضل أن تستعجل نظرًا لأن معدلات الرهن العقاري آخذة في الارتفاع.
يبدو أنه في كل مرة تقوم فيها بعملية شراء، تتضخّم الأسعار أكثر. تضرب هذه الأزمة جميع البلدان في جميع أنحاء العالم، وقد ارتفع التضخم إلى مستوى لم يسبق له مثيل. فعلى سبيل المثال، سجلت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة معدلات تضخم سنوية بلغت 9.1 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 40 عامًا. ولا يوجد سلع أو خدمات محمية من التضخم، فالمساكن والطعام وفواتير الكهرباء ولوازم البناء وتذاكر الطائرة أصبحت جميعها أكثر تكلفة. إذن ما هو التضخم ولماذا ارتفع معدله للغاية؟ إليك خمسة أمور يجب معرفتها:
ما هو التضخم ولماذا يحدث؟
يعني ارتفاع تكاليف السلع والخدمات أننا نشهد موجة تضخم، ما يعني ببساطة أنك ستحصل على سلع أقل مقابل دفع المبلغ ذاته من المال. ولطالما كان التضخم موجودًا لكنه لم يبلغ بشكل عام هذه المستويات المذهلة.
في الأساس، ترتفع الأسعار عندما يحدث نقص أو يزيد الطلب على السلع أو الخدمات. وبدورها ترفع الشركات الأسعار إذا كان نقص السلع يعني أنها بحاجة إلى زيادة الإنفاق على المواد أو الأجور أو الشحن، وستفرض رسومًا أكبر في حال أدركت أن العملاء على استعداد لدفع المزيد بسبب عامل الندرة.
في الوقت الحالي، نشهد عاصفة كاملة من عوامل التضخم التي بدأت مع ندرة جميع أنواع العناصر أثناء جائحة فيروس كورونا بسبب إغلاق المصانع والقيود اللوجيستية في بعض أكبر مراكز التصدير في العالم، مثل الصين. أدى هذا إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع المصنعة وتكاليف النقل، التي أثقلت بعد ذلك كاهل المستهلكين.
في الوقت نفسه، ضخت الكثير من البلدان مساعدات مالية في اقتصاداتها لمساعدة المستهلكين والشركات التي تكافح من تراجع الدخل أثناء تفشي جائحة كورونا. عندما بدأ الناس في الخروج من الإغلاق استمروا في الإنفاق بالأموال التي تلقوها كدعم من حكوماتهم ومن مدخراتهم. بالإضافة إلى نقص البضائع، جعل التضخم كل السلع بدءا من الثلاجات وصولا إلى الأحذية أقل توفرًا. وهذا دفع الشركات للاستجابة من خلال رفع الأسعار. وما نشهده حاليًا هو تضخم ناجم عن زيادة الطلب وانخفاض العرض في نفس الوقت. ويقول ستيفن زيلديس، أستاذ الاقتصاد في كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا: “ليس من المعتاد أن يساهم كلا العاملين في رفع التضخم في الوقت ذاته”.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير إلى تفاقم التضخم من خلال تعطيل تجارة الغاز الطبيعي والنفط والحبوب. وقد أدى ذلك إلى زيادة سعر القمح – وهو غذاء رئيسي في معظم أنحاء العالم – إلى جانب ارتفاع تكاليف تدفئة أو تبريد المنازل والمكاتب وأسعار وقود السيارات والطائرات وشاحنات نقل البضائع هذا إلى جانب ارتفاع أسعار الأسمدة، مما جعل زراعة الغذاء أكثر تكلفة. كل هذا يعني أن العديد من الأشخاص قد لا يتمكنون من الانتقال إلى العمل أو تناول الطعام الكافي أو الحصول على التدفئة في الخريف والشتاء إذا لم ترتفع أجورهم.
لا يستطيع الاقتصاديون حسم موعد انتهاء هذه الدوامة من التضخم، لكن المؤكد أن مشاكل سلسلة التوريد ستتلاشى في النهاية. قد تكون البنوك المركزية قادرة على تثبيط الإنفاق عن طريق زيادة أسعار الفائدة أو تكاليف الاقتراض من قبل الأفراد أو الشركات. لكن النقص في الطاقة والحبوب سيستمر لبعض الوقت.
في هذا السياق، يقول جوليان ماثونيير، الاقتصادي في مجموعة إنتليجنس للطاقة، “ينتشر التضخم الآن في كل مكان؛ لا يوجد مكان محصن”. ويضيف “يشهد قطاع الطاقة والسلع أزمة ضخمة. لا يزال الطلب في ارتفاع، لكن العرض ببساطة غير قادر على اللحاق بركب الطلب”.
من هي البلدان الأكثر تضررا؟
أثّر التضخم تقريبًا على كل بلد، غني أو فقير. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، زادت معدلات التضخم في 37 من أصل 44 من أكبر اقتصادات العالم بأكثر من الضعف ما بين الربع الأول من سنة 2020 إلى الفترة ذاتها من سنة 2022. تضاعف معدل التضخم في إسرائيل 25 مرة، وتسير كل من اليونان وإيطاليا على خطاها. تأثرت الاقتصادات الأقل قوة أيضا. منذ آذار/ مارس، دفعت أزمة غلاء المعيشة العالمية 71 مليون شخص إلى الفقر في العالم النامي، وذلك وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
يعد الأشخاص ذوي الدخل المنخفض وذوي الأجور الثابتة وكبار السن الذين يعيشون على معاشات تقاعدية ثابتة من بين الفئات التي ستعاني أكثر من غيرها. أما المستفيدون من التضخم فهم بالأساس شركات النفط التي يمكن أن تفرض أسعارًا مرتفعة بشكل تاريخي. ومن المتوقع أن يتمكن العمال الذين واكبت أجورهم التضخم من التحوّط ضد الأزمة.
لماذا تعتبر الطاقة “نقطة اختناق حرجة”؟
بدأت أزمة الطاقة الحالية خلال فترة الجائحة لكنها أصبحت ملموسة أكثر في الوقت الراهن. أغلقت مصافي التكرير التي سجلت خسارة، والتي تحول النفط الخام إلى وقود استهلاكي مثل الديزل والبنزين أو النفط، في جميع أنحاء العالم. وقد تراجع المعروض بنحو 3.3 مليون برميل يوميًا.
في الوقت الراهن، بعد أن بدأ العالم يتعافى من كوفيد-19 وتعافي الطلب، هناك نقص في المعروض من البنزين لاسيما في الديزل ووقود الطائرات، بغض النظر عن إنتاج الدول المنتجة للنفط الخام. هذا يجعل الطيران ونقل البضائع بالشاحنات والتزوّد بالوقود بشكل عام أكثر تكلفة. على سبيل المثال، تجاوز متوسط تكلفة البنزين للسيارات في الولايات المتحدة 5 دولارات للغالون (3.8 لترًا)، أي أكثر من ضعف ما كان عليه في بداية الجائحة.
مع أن عمليات إنشاء مصافي جديدة جارية، يقول الخبراء إن وصول المزيد من الوقود الاستهلاكي إلى السوق سيستغرق على الأقل حتى سنة 2023. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب غزو روسيا لأوكرانيا. تعد روسيا من بين أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم، وتعتبر أوروبا أكبر أسواقها. كجزء من عقوباته ضد روسيا، سيحظر الاتحاد الأوروبي جميع واردات النفط الروسي بداية من السنة المقبلة، مما يؤدي إلى انعدام الأمن وارتفاع الأسعار. وتتزايد المخاوف من أن روسيا ستحرم أوروبا من غازها الطبيعي، مما سيتسبب في المزيد من الاضطرابات الهائلة.
ومن شأن النقص الحالي وتوقعات زيادة الفوضى جعل أسعار الطاقة أكثر تكلفةً، وبذلك سترتفع أسعار كل السلع لأن اقتصاد العالم لا يزال قائما على النفط والغاز. وحسب ماثونيير، فإن “أزمة الطاقة هي نقطة اختناق حرجة”.
وفقا للبنك الدولي، تعتبر الزيادة في أسعار الطاقة خلال السنتين الماضيتين هي الأكبر منذ أزمة النفط لسنة 1973. ارتفع سعر النفط وحده بنسبة 21 في المئة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
ذكر ماثونيير أن أسعار الكهرباء في أوروبا ارتفعت عشرة أضعاف في متوسطها طويل الأجل. أدى هذا إلى زيادة تكاليف المعيشة وممارسة الأعمال التجارية ويمكن أن ترتفع أكثر خلال الأشهر الباردة عندما يحتاج الناس إلى تدفئة المباني. تقدم الحكومات في جميع أنحاء أوروبا الإعانات أو تضع سقوفًا للارتفاعات لتقليل العبء على المستهلكين. في المقابل، ظلت الأسعار آخذة في الارتفاع مما دفع الناس إلى الاعتماد على مواقد الحطب أو الفحم أو الطاقة الشمسية وتجنب تناول وجبات ساخنة أو أخذ حمام.
هناك نهاية تلوح في الأفق لهذا الوضع. يتوقع ماثونيير أن ترتفع أسعار النفط هذا العام بأكثر من 50 في المئة مقارنة بسنة 2021، بمتوسط 110 دولارا للبرميل على الرغم من أن سعر البرميل كان يبلغ 40 دولارًا في بداية الجائحة عندما انهار الطلب.
ارتفاع التضخم يعني أن هناك كارثة غذائية تلوح في الأفق
تجاوزت أسعار الحبوب سقف التوقعات لأن الحرب عطلت جمع المحاصيل والصادرات القادمة من روسيا وأوكرانيا. ويوفر البلدان معًا ربع إنتاج العالم من القمح، و80 في المئة من صادرات زيت عباد الشمس. علاوة على ذلك، أضر الجفاف منذ السنة الماضية في أمريكا الجنوبية بمحاصيل فول الصويا والذرة، وقد أدى النقص في هذه السلع إلى ارتفاع الأسعار. كما لو أن ذلك لم يكن سيئًا بما فيه الكفاية، أدى انفجار أسعار الأسمدة – التي تعد روسيا المُصدر الرئيسي لها في العالم – إلى تقليص أرباح المزارعين.
وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، دفع هذا الوضع 50 مليون شخص في 45 دولة إلى حافة المجاعة. ويشير برنامج الغذاء العالمي إلى أنه منذ ظهور الجائحة، يعاني 345 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل سنتين. تأثرت القارة الإفريقية بشكل خاص لأنها تستورد منتجات زراعية وأغذية أكثر مما تصدره، وتنفق أكثر من 85 مليار دولار سنويًا لتوفير هذه المنتجات الأساسية. ويتصدر كل من القمح والزيوت النباتية قائمة صادرات القارة.
في هذا الصدد، يقول وانديل سيهلوبو، كبير الاقتصاديين في غرفة الأعمال الزراعية في جنوب إفريقيا: “تمر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء بأوقات عصيبة”. ويشير سيهلوبو إلى أن البلدان التالية المعرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار القمح هي نيجيريا ومصر والجزائر وإثيوبيا والمغرب وزيمبابوي وكينيا واليمن وباكستان وتركيا.
وفقًا لبنك التنمية الأفريقي، ارتفع سعر القمح في إفريقيا بأكثر من 45 في المئة منذ بدء الحرب في أوكرانيا. وارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 300 بالمئة. وفي مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، وضعت الحكومة سقفًا لأسعار الخبز من أجل تخفيف العبء على الأسر.
ويتوقع سيهلوبو أن تظل أسعار السلع الأساسية مرتفعة لمدة تزيد عن خمس سنوات. وحتى سلع مثل الأرز الذي يعتبر متوفرًا بكثرة ستتأثر. في هذا الشأن، يقول سيهلوبو: “من المحتمل أن نشهد ارتفاعًا في أسعار الأرز إلى حد ما في الأشهر المقبلة لأن بعض الدول ستستخدمه كبديل للقمح”.
ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومات والأفراد العاديون؟
تميل البلدان التي تكافح التضخم إلى النظر في الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم وهيمنة عملتها الدولار على 40 في المئة من المعاملات التجارية الدولية. رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يشرف على النظام المالي الأمريكي، أسعار الفائدة بمقدار 1.5 نقطة مئوية منذ آذار/ مارس من أجل إبطاء معدل الإنفاق.
وأعلم البنك المركزي الأوروبي بلدان منطقة اليورو التسعة عشر أنه سيسير على خطى نظيره الأمريكي من خلال رفع أسعار الفائدة في تموز/ يوليو للمرة الأولى منذ 11 سنة.
يتوقع الاقتصاديون على نطاق واسع أن يتبع ذلك المزيد من الزيادات في الولايات المتحدة، لكن هذا يستلزم الحفاظ على توازن بعض المعايير الأخرى. تؤدي زيادة معدلات الفائدة إلى إضعاف النشاط التجاري ناهيك عن معدلات التوظيف وزيادة رواتب الموظفين، وهو أمر لا يحظى بقبول واسع النطاق على المستوى السياسي. ويمكن أن يؤدي ارتفاع الفائدة إلى مستوى عال إلى حدوث ركود أو تسجيل نمو سلبي.
متى يجب أن يتوقف هذا المسار الصعودي؟
يوضح زيلديس، المتخصص في اقتصاديات الأسرة: “هذا هو السؤال الرئيسي الذي يشغل بال مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل متواصل”. ويضيف “ليس هناك عصى سحرية تنظم الأسواق، لكن الأمر زاد عن حدّه”.
يمكن للناس جعل أموالهم تدوم أكثر عن طريق البحث عن الصفقات أو الاستغناء عن الكماليات. كملاذ أخير، قد يضطرون إلى استعمال مدخراتهم أو زراعة الخضروات في حدائقهم. تعد أفران الميكروويف أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من الأفران العادية، ويمكن الاستعاضة عن المصابيح العادية بمصابيح ثنائية باعثة الضوء. ويمكن لمن يعيشون في مناطق فيها وسائل نقل عام ذات تكلفة متواضعة التخلي عن السيارات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأوقات غير مناسبة للحصول على قرض، بينما ينبغي الإسراع في سداد ديون بطاقة الائتمان قبل أن ترتفع أسعار الفائدة أكثر. وعليك أيضا مراجعة ميزانية الأسرة للتخلي عن كل المشتريات غير الضرورية. وإذا كان بإمكانك زيادة المدخرات، فضع خطة لتجاوز هذه الفترة لأنه لا أحد يعرف متى ستضرب موجة التضخم التالية.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية