ترجمة حفصة جودة
في الأسبوع الماضي، وبقرار سابق، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن الدولة تمتلك سلطة سحب الجنسية من الشخص المدان في جرائم ترقى إلى “خرق الولاء” حتى لو كان الشخص سيصبح بلا جنسية نتيجة لذلك، بما ينتهك القانون الدولي.
تداولت المحكمة القرار في قضية علاء زيود – فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية -، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015 اندفع زيود بسيارته داخل محطة حافلات وطعن 3 إسرائيليين، وفي 2017 بعد عام من إدانته أبلغ وزير الداخلية زيود بعزمه إسقاط الجنسية عنه وفقًا لقانون المواطنة.
وافقت المحكمة الإدارية في حيفا على القرار، فاستأنف زيود وانتهى الأمر بالقضية في المحكمة العليا، قالت المحكمة العليا في قرارها: “لا يوجد خلل دستوري في الترتيبات التي تسمح بنزع الجنسية عن شخص متهم بأفعال تخرق الولاء في دولة “إسرائيل” مثل الأعمال الإرهابية والخيانة والتجسس، أو الحصول على جنسية أو إقامة دائمة في دولة معادية”.
“في حال نتج عن ذلك أن يصبح الشخص بلا جنسية، فيجب على وزير الداخلية أن يمنحه إقامة دائمة أو أي وضع آخر”.
لا يمكن إغفال أهمية هذا القرار، فتوابعه خطيرة وسنراها في المستقبل القريب والبعيد، لقد خلق هذا القرار طريقةً قانونيةً لانتزاع جنسية فلسطينيي 48، الأمر الذي يشكل حجر الأساس في الجهود الإسرائيلية للتقدم في عملية التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين.
نية إرهابية
على المستوى العملي، مهدت المحكمة الطريق لما قد يصبح وسيلة روتينية لنزع الجنسية عن الفلسطينيين، ما يجعلهم عرضة للترحيل وهو ما تطمح إليه “إسرائيل”، أما قرار استبدال الجنسية بما يُطلق عليه إقامة دائمة، فقد يسمح للأفراد بالاستمرار في الحصول على بعض الخدمات الاجتماعية، لكنه يحرمهم من أقصى حماية تقدمها الجنسية ألا وهي: حق البقاء في الوطن.
رغم أن هذا القرار ينتهك القانون الدولي بشكل واضح، ما زالت المحكمة تؤكد أنه من الدستوري نزع جنسية الفلسطينيين
تعلم “إسرائيل” جيدًا أن طرد فلسطينيي 48 يستوجب أولًا نزع جنسيتهم، وقد سهلت المحكمة هذا الأمر، كما أن “إسرائيل” وأجهزتها الأمنية هم من يحددوا ما يعد خرقًا للولاء، الذي يمثل أرضية مناسبة لنزع الجنسية وفقًا لقانون المواطنة.
في الوقت الراهن، تعرّف “إسرائيل” خرق الولاء وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي الذي يسمح لها بتصنيف الجرائم المختلفة على أنها أفعال إرهابية.
تطبق “إسرائيل” بشكل روتيني تهمة “النية الإرهابية” عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فعلى سبيل المثال، عقب انتفاضة الوحدة في مايو/أيار 2021، اعتقلت “إسرائيل” آلاف الفلسطينيين وقدمت لوائح اتهام ضد مئات المتظاهرين، وأدانت 167 منهم بارتكاب اعتداءات إرهابية وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب.
بعد قرار المحكمة العليا الأخير، فإنهم جميعًا يواجهون تهديدًا بانتزاع جنسيتهم، وجميع الفلسطينيين يعلمون ما الذي يعنيه ذلك: الطرد من وطنهم.
عملية انتزاع الجنسية تلك، ستترك الفلسطينيين المتضررين بلا جنسية، كانت “إسرائيل” قد انتزعت جنسية الفلسطينيين بالفعل عام 1948 عندما أبطلت الجنسية الفلسطينية تحت الانتداب البريطاني، وما زال العديد من الفلسطينيين بلا جنسية، أما الفلسطينيون الذين لم يرحلوا بعد النكبة فقد حصلوا على الجنسية الإسرائيلية في أول عقدين من بناء الدولة، والآن تهدد “إسرائيل” بنزع جنسيتهم مرة أخرى.
رغم أن هذا القرار ينتهك القانون الدولي بشكل واضح، ما زالت المحكمة تؤكد أنه من الدستوري نزع جنسية الفلسطينيين، مشيرة – بشكل خاطئ – إلى أن وضع اللاجنسية يمكن معالجته بمنحهم إقامة دائمة في “إسرائيل” أو أي وضع آخر.
خطة سرية
لكن تجربة المقدسيين تعلمنا أنه لا ديمومة لوضع “الإقامة الدائمة” خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين، فمنذ 1967، انتزعت “إسرائيل” جنسية المقدسيين بشكل منتظم ومنعتهم بشكل دائم من دخول مدنهم ومنازلهم، فحتى الآن، انتُزعت أكثر من 15 ألف جنسية كجزء من الجهود المستمرة لطرد الفلسطينيين من المدينة.
لم تتصالح “إسرائيل” يومًا مع وجود مواطنيها الفلسطينيين، وخططت لطرد فلسطينيي 48 بشكل جماعي منذ عقدها الأول، فمذبحة كفر قاسم في أكتوبر/تشرين الأول 1956 التي أعدم فيها الجيش 51 فلسطينيًا كانت جزءًا من خطة سرية أكبر تُسمى “عملية الخُلد” لطرد السكان الفلسطينيين من المثلث الصغير.
إضافة إلى ذلك، ففي بداية الخمسينيات، حاولت “إسرائيل” تقديم خطة لطرد 10 آلاف فلسطيني من 7 قرى في الجليل، وكذلك خطط أخرى لإعادة توطين الفلسطينيين في الأرجنتين والبرازيل.
ما زالت محاولات طرد الفلسطينيين مستمرة، فقد عاودت الظهور في المشهد العام والسياسي الإسرائيلي خلال الثمانينيات مع صعود مائير كاهانا الحاخم المتشدد الأمريكي المولد وحزبه الفاشي “كاخ”، دعا الحزب إلى نزع جنسية المواطنين الفلسطينيين ونقلهم وكذلك طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1967.
منذ بداية الألفية، كانت هناك جهود بارزة لتسهيل نزع جنسية الفلسطينيين، فقد قُدمت خطط مقترحة لتخفيض أعداد المواطنين الفلسطينيين، وقد أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الإسرائيلي السياسي السائد وبدعم غالبية المواطنين الإسرائيليين.
نزعت “إسرائيل” جنسية مئات البدو في النقب وتركتهم بلا جنسية، لم يكن مصادفة أن تبدأ “إسرائيل” بالبدو فهم أكثر المجتمعات ضعفًا وتهميشًا بين فلسطينيي 48
فقد شهدنا دعوات تطالب فلسطينيي 48 بحلف يمين الولاء للدولة الإسرائيلية كدولة يهودية، واعتمادها كوطن قومي لليهود في 2018، كذلك تقديم ما يُعرف بخطة “التبادل السكاني” التي تهدف إلى نقل سكان قرى المثلث الصغير وعددهم نحو 300 ألف مواطن إلى الدولة الفلسطينية ضد إرادة سكان تلك المناطق.
أداة الصمود
في تطور مثير للقلق، انتزعت “إسرائيل” في السنوات الأخيرة جنسية البدو الفلسطينيين في النقب، في حالة اختبار واضحة لمشروع أوسع بنزع جنسية المواطنين الفلسطينيين، وفي 2010 بدأ وزير الداخلية في مراجعة جنسية البدو.
خلص التقرير إلى أن آلاف البدو حصلوا على الجنسية عن طريق الخطأ، وهكذا نزعت “إسرائيل” جنسية مئات البدو في النقب وتركتهم بلا جنسية، لم يكن مصادفة أن تبدأ “إسرائيل” بالبدو فهم أكثر المجتمعات ضعفًا وتهميشًا بين فلسطينيي 48.
لا يخفى علينا أن “إسرائيل” ترغب في اختفاء جميع الفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيي 48، ومع ذلك فقد حصل فلسطينيو 48 على الجنسية الإسرائيلية، لكن “إسرائيل” تراهم ضيوفًا غير مرغوب فيهم ووجودهم مشروط دائمًا.
ترى “إسرائيل” دائمًا أن هذه الجنسية فضل وبادرة منها وليست حقًا وبالتالي يمكن التراجع عنها، مثلما قال وزير النقل الإسرائيلي السابق بتسلايل سموتريش: “إننا ملاك هذه الأرض، هذه الأرض ملك للشعب اليهودي منذ آلاف السنين، وقد وعدنا الله بأرض “إسرائيل” وأوفى بوعده، لكننا أكثر شعب مضياف في العالم منذ عهد إبراهيم، لذا ما زلتم هنا، على الأقل حتى الآن”.
يجب أن نرى الوضع كما هو عليه بالفعل: “إسرائيل” تعمل خطوة بخطوة لخلق مسار قانوي لنزع جنسية الفلسطينيين، وبالتالي يصبح طرد فلسطينيي 48 ممكنًا، بالنسبة لفلسطينيي 48 فقد كانت الجنسية الإسرائيلية أداةً للصمود والمثابرة المستمرة، فهي تضمن لغالبيتهم استمرار وجودهم في وطنهم، بالنسبة لفلسطينيي 48 فالجنسية تعني البقاء في أرضهم.
المصدر: ميدل إيست آي