لم تمضِ ساعات على الزيارة المفاجئة لقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، إلى بغداد، والتي التقى خلالها بقيادات الإطار التنسيقي الشيعي والفصائل المسلحة، حتى بدأ جمهور التيار الصدري بالزحف نحو المنطقة الخضراء، مندّدين باختيار قوى الإطار لمحمد شياع السوداني كمرشّح لرئاسة الوزراء، ومطالبين مجلس النواب بعقد جلسة جديدة يوم السبت المقبل، لانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشحهم بتشكيل الحكومة الجديدة.
أظهرت الخطوة الصدرية الأخيرة بوضوح مدى التصميم السياسي لزعيم التيار مقتدى الصدر، على قطع الطريق على أي محاولة إيرانية أو إطارية برسم ملامح المشهد السياسي المقبل بمعزل عن أي مشاركة صدرية فيها، أو حتى عدم منحهم فرصة مريحة لتحقيق ذلك، فالشعارات المنددة التي رفعها جمهور التيار لم تقتصر على قادة الإطار فحسب، والتي كان في مقدمتها زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وزعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، بل كان لإيران نصيب منها.
إذ إنه بعد اقتحام مبنى مجلس النواب أخذ جمهور التيار الصدري برفع شعار “إيران برّا برّا”، في رسالة واضحة لزيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني الذي يتواجد في بغداد، من أجل ضبط خيارات قوى الإطار منعًا لأي استفزاز للصدر، فضلًا عن ضبط التصعيد المسلَّح الذي تمارسه فصائل بالضد من الوجود التركي في العراق، خصوصًا بعد استهداف مبنى القنصلية التركية بعدة صواريخ في مدينة الموصل.
قاآني يراهن على النجاح
رغم التحفُّظ الإيراني على الخطوات السياسية للتيار الصدري، والتي كانت أبرزها التحالف مع الكرد والسنّة، والانسحاب من العملية السياسية، إلا أن إيران يبدو أنها ما زالت ماضية في استراتيجية احتواء الصدر، والحيلولة دون تحوّله إلى طرف سياسي مهيمن على التوازنات الشيعية في البلاد، خصوصًا أن إيران تريد إبقاء العلاقة بين الصدر وباقي قيادات الإطار التنسيقي الشيعي على أنها مساحة للمناورة وكسب الولاءات وتأمين المصالح، أكثر من كونها مساحة للصراع والتنافس والخلاف.
حيث رغم معارضة إيران السابقة لخطوة الصدر الذهاب نحو تشكيل حكومة أغلبية، إلا أنها من جهة أخرى رافضة لأي حكومة توافقية تشكّلها قوى الإطار تستثني الصدر أو على الأقل لا تحظى بموافقته، لإدراك إيران أهمية الحفاظ على التيار الصدري ضمن المعادلة الإيرانية-الشيعية، وعدم تحوّلها إلى معادلة إيرانية-إطارية-صدرية، لما يمتلكه الصدر من تأثير سياسي واجتماعي على الحاضنة الاجتماعية الشيعية العراقية.
يبدو أن الصدر يطمح إلى إيصال قوى الإطار إلى هذه الخيارات المعقّدة
ويبدو أن إيران ليست على عجلة لتشكيل حكومة جديدة في العراق، حتى مع الأغلبية التي بدأ يتمتّع بها حلفاؤها، فهي رغم الدعم الذي أظهرته لمرشح الإطار، وهو ما بدا واضحًا في تغطية العديد من الصحف الإيرانية لخبر ترشيح السوداني، إلا أنها تدرك أيضًا أهمية الربط بين الوضع العراقي ونتائج المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، إذ سيؤدي فشلها، أو استمرار تعثّرها كما هو مرجّح في الوقت الحالي، بالجانب إلى طبيعة العلاقات المتأزّمة مع تركيا بعد هجوم دهوك الأخير، إلى إمكانية أن تستخدم إيران الساحة العراقية بالضد من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
فخيار الفوضى السياسية قد يكون أكثر فائدة لإيران، خصوصًا إذا ما أدّت هذه الفوضى إلى وقف تدفّقات النفط العراقي إلى السوق العالمية، فسيكون ذلك مناسبًا لإيران تمامًا، لأن ارتفاع الأسعار سيوفر فرصة لتصدير كميات كبيرة من الإمدادات النفطية المقيَّدة بسبب العقوبات الأمريكية لتعويض الاحتياج العالمي، وهو ما تخشى منه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.
الإطار يفقد قدرة الاختيار
يوم بعد آخر تجد قوى الإطار نفسها محاطة بمجموعة من التحديات السياسية التي تعقّد من فعالية عملية تشكيل الحكومة، ففي الوقت الذي ما زالت فيه تداعيات التسريبات الخاصة بالمالكي تؤدّي دورها في إعادة تشكيل خيارات قوى الإطار، عبر استبعاد المالكي من سباق الترشيحات، حتى بدأت تواجه موجة أخرى من التحديات عبر رفض السوداني، الذي يُعتبر من قيادات الصف الثاني لحزب الدعوة الذي يقوده المالكي، رغم إعلانه الاستقالة عن الحزب أثناء اندلاع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث اعتبرت العديد من الأوساط السياسية، وتحديدًا التيار الصدري، أن عملية ترشيح السوداني هي بطريقة أخرى عملية ترشيح لأحد رجالات المالكي.
الصدر يريد أن يجعل الخيارات الإطارية منسجمة مع رؤيته السياسية، حتى إن كان خارج العملية السياسية
ففي تغريدة له بعد انتهاء عملية اقتحام المنطقة الخضراء، أعلن الصدر أن جمهوره نجح في إيصال رسالته لقوى الإطار، واعتبر أن عملية دخول أنصاره للمنطقة الخضراء بمثابة “جرة أذن”، وأن على قوى الإطار أن تحسن الاختيار، فالسلوك الصدري الأخير على ما يبدو سيعقّد خيارات قوى الإطار أكثر.
حيث لم تعد كابينة الإطار تحتوي على الكثير من الأسماء التي يمكن المراهنة عليها، فإلى جانب الأسماء التي تمَّ رفضها، هناك أسماء أخرى فضّلت الانسحاب، ومن ثم إذا ما أدّت الخطوة الصدرية الأخيرة إلى انسحاب السوداني أيضًا، واستبداله بمرشح آخر يمكن أن يُرفَض أيضًا، فإن قوى الإطار ستصل في نهاية المطاف إلى خيارَين، إمّا حلّ البرلمان وإما التجديد لحكومة مصطفى الكاظمي.
إجمالًا، يبدو أن الصدر يطمح إلى إيصال قوى الإطار إلى هذه الخيارات المعقدة، فهو سبق أن أعلن عبر وزيره المعروف باسم صالح محمد العراقي أن “لا حكومة غير الحكومة التي يشكّلها التيار”، هذا إلى جانب تهديده المستمر لقوى الإطار، سواء عبر التلويح المستمر بخيار الشارع، أو تحديد قوى الإطار بشروط مسبقة.
ومن ثم إن الصدر يريد أن يجعل الخيارات الإطارية منسجمة مع رؤيته السياسية، حتى إن كان خارج العملية السياسية، فضلًا عن جعل الجانب الإيراني يقرّ بدوره ومركزيته في المعادلة الشيعية، وعدم المراهنة على قوى الإطار التي تبدو عاجزة عن مواجهة تياره وتأثيره في الواقع السياسي العراقي.