إن الهجمات وعمليات الهدم التي يشنها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة الغربية المحتلة تُشعر الراعي محمود بأنه “محاصر”. فهذا الراعي البالغ من العمر 58 سنة مهدد بإخلاء منزله في أم فغارة في أي لحظة بعد أن قضت محكمة إسرائيلية عليا في أيار/ مايو بالطرد القسري لأشخاص من ثماني قرى رعوية في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل لإجراء تدريبات عسكرية في المنطقة. وتقول الأمم المتحدة إن طرد السكان لإفساح المجال لميدان إطلاق النار يرقى إلى جريمة حرب.
يقول محمود: “الرعي هو مصدر رزقنا الرئيسي”. يعيش في منطقة مسافر يطا 1144 شخصًا نصفهم من الأطفال. كجزء من المجتمع الرعوي الفلسطيني الأكبر في المنطقة، يسكن الرعاة في الكهوف ويمارسون الزراعة على مدى أجيال وتعتمد سبل عيشهم على حرية الوصول إلى المراعي والمياه.
على مدى عقدين من الزمن، بات العنف سمة يومية من سمات الحياة حيث يسعى الإسرائيليون للسيطرة على المنطقة ج – الأجزاء الأقل كثافة سكانية في الضفة الغربية المحتلة التي لا تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة فحسب بل مهددة بالضم أيضا. مع بروز ظاهرة المزارع المستوطن الواحد، حيث يقيم المستوطنون الإسرائيليون بؤرًا استيطانية غير قانونية ويطالبون بقطع أراضي، أبلغ الفلسطينيون عن تصعيد في الهجمات. وقد استقر حوالي 450 ألف إسرائيلي في المنطقة.
يقول الرعاة إنهم تعرضوا للترهيب والضرب وسرقة الماشية وإضرام النار في المحاصيل والممتلكات، مما خلق لديهم حالة دائمة من الخوف والقلق. ويؤكد الرعاة أنه بعد عزلهم عن مساحات شاسعة من المراعي ومصادر المياه، باتت سبل عيشهم في خطر. وقد تعرضت منطقة أم فغارة، التي تضم 22 أسرة، للهجوم في 28 أيلول/ سبتمبر. بين بؤرتين استيطانيتين – حافات ماعون وأبيجيل – كان موقع أم فغارة “شوكة في حلق المستوطنين”، حسب محمود.
يقول محمود: “على الساعة 11:30 صباحًا، وصل حوالي 40 مستوطنًا إلى المزرعة الجديدة في أبيجيل”. ويضيف “الشيء التالي الذي سمعناه هو أن المستوطنين يطاردون راعيا محليا وطفليه، أحدهما عمره تسع سنوات والآخر خمس سنوات، ومئة رأس غنم يملكونها. عندما سمعنا الضجة ركضنا لإنقاذهم وكنا غير مسلحين. ثم اندلعت المواجهات”. يقول محمود إن بعض المستوطنين كانوا يحملون أسلحة.
ويتابع: “بدأنا في التراشق بالحجارة. عندما قدم الجيش، كنا قلقين من مهاجمتنا واعتقالنا. لقد حرصنا على ألا نكون قريبين منهم”. يقول محمود إن “الجيش أطلق الغاز المسيل للدموع والقنابل اليدوية عليهم. ثم وصلت سيارات أخرى مليئة بالمستوطنين. كنا محاصرين”.
يؤكد محمود أنهم “حطموا السيارات والنوافذ، وثقبوا إطارات الجرارات واعتدوا علينا في منازلنا”. أُصيب تسعة أشخاص بينهم طفل في الرابعة من عمره. تم طعن خمسة أغنام وإلحاق أضرار بالممتلكات. ويوضح الرعاة أن “الأراضي الزراعية المستخدمة في زراعة الشعير والقمح والعدس أصبحوا الآن ممنوعين من الدخول إليها”.
يقول محمود: “أقمنا خيمة حراسة على مدار 24 ساعة”. في غضون شهر، تمت مصادرة الخيمة لكننا لم نستسلم. أنشأنا موقعًا مصنوعًا من الإطارات وكُنّا نتناوب على الحراسة. على المستوى الشخصي، جعلني هذا الهجوم أكثر تصميما على البقاء. نطالب بالحصول على حماية دولية”.
يضيف محمود: “حافات ماعون وأبيجيل ترتبطان بالمياه والكهرباء والطرق، أما نحن فمحرومون من الحقوق الأساسية – الحق في منزل لائق، والحق في الحصول على الماء الصالح للشراب”. ويذكر محمود “ليس لدينا بنية تحتية ونعيش في ظل شبح الهدم والانتقال. هُدمت منازل أربعة من أبنائي وعائلاتهم في سنة 2020؛ تم تهجير 26 شخصًا إجمالا. لم يكن لديهم خيار سوى الانتقال إلى أقرب بلدة في يطا”.
تقول وعد (27 سنة) من جنوب الخليل: “ما يمارسه علينا المستوطنون من ترهيب أمر روتيني، حتى أننا نتعرض للإرهاب في عقر ديارنا أحيانًا”. وتضيف أن زوجها تعرض لهجوم في نيسان/أبريل 2021 من قبل خمسة مستوطنين صدموهم بسيارتهم تاركين ابنتها في حالة صدمة. وعندما تسمع سيارة تمر، تصاب ابنتها بالذعر معتقدة أنها قد تكون لمستوطنين”.
تقول وعد: “أصبح الرعي أصعب ووحده الله يعلم كيف نصل إلى نهاية الشهر. نحن نكافح. يُعرض على أبنائي الحصول على عمل لكن ذلك يتطلب منهم البقاء بعيدًا عن المنزل لذلك لا يمكنهم مزاولته. عليهم أن يحرسونا ليلا نهارا بالتناوب. من المحبط العيش تحت ضغط لا هوادة فيه، وفي خوف دائم من الهجوم القادم للمستوطنين والجيش. نحن عاجزون عن الدفاع عن أنفسنا – ليس لدينا مكان نذهب إليه هذا بيتنا وأرضنا”.
عادة ما ينتقل سكان الكهوف إلى العيش في منازل مع نمو المجتمع ويرغب المزيد منهم في اتخاذ هذه الخطوة، بيد أن بناء منزل في هذه المنطقة الخاضعة للسيطرة يتطلب تصريحًا إسرائيليًا.
وفقًا لمنظمة “ييش دين” الإسرائيلية لحقوق الإنسان التي تراقب عنف المستوطنين، أخفقت الشرطة الإسرائيلية في التحقيق في 81 بالمئة من الشكاوى المقدمة ضد الإسرائيليين ما بين 2005 و2021. وقد أُغلِقت أكثر من 90 بالمئة من جميع التحقيقات دون توجيه اتهامات.
يذكر زياد (64 سنة) من بئر اللد “في سنة 2013، كنت في الخارج أرعى أغنامي عندما هاجمني مستوطنون من بؤرة نوف نيشر الاستيطانية، وقيدوني بالأصفاد، ثم اتصلوا بالجيش للشكوى من أنني هاجمتهم وحاولت سرقة أغنامهم”.
ويضيف “سلمني الجيش إلى الشرطة. لم يتم الإفراج عني إلا في اليوم التالي بكفالة. اضطررت لدفع 2000 شيكل (أي حوالي 480 جنيه استرليني). لمدة ست سنوات ومرتين في السنة، كان علي الذهاب إلى محكمة العسكرية. وأُغلق الملف أخيرًا في سنة 2019. لم تكن هذه المرة الأولى أو الأخيرة التي اتهم فيها بكوني الجاني وليس الضحية”.
يعيش زياد وزوجته رتيبة وحيدين في بئر اللد، وقد أكّدا أن ممارسات العنف والترهيب أجبرت بقية السكان على المغادرة. ويوضح جمعة (48 سنة) من قرية التواني إنه أصيب بعرج دائم بعد أحد الهجمات التي تصل إلى حوالي 30 التي تعرض لها ويقول “لقد قدمت أكثر من 100 شكوى بشأن عنف المستوطنين إلى الشرطة الإسرائيلية دون جدوى. في الحقيقة، جعل المستوطنين والاحتلال حياتنا صعبة”.
يتساءل جمعة “ماذا تعني الحياة عندما يشعر المرء أنه عاجز على الدفاع عن نفسه؟ ولا يستطيع الدفاع عن نفسه وأبنائه أو منزله؟ وغير قادر للوصول إلى أرضه؟” ويضيف “الصغار والكبار مرعوبون. يتصرف المستوطنون مثل أسياد الأرض ويسعون إلى تشريدنا. لكن هذه حياتنا وأرضنا. نحن أناس عاديون نريد حياة عادية وسلمية وعادلة وكريمة”.
يزيد ارتفاع تكلفة المعيشة من حجم معاناتهم. يقول محمود إن “علف قطيعه المكون من 100 رأس غنم يكلف حوالي 350 شيكل في اليوم (84 جنيهًا إسترلينيًا) مقارنة بحوالي 150 شيكل في السنة الماضية. ويوضح “في سنة 2018 كان لدي 350 رأسًا من الأغنام، واليوم لدي 100 فقط. علينا بيعها لتغطية التكلفة وإعالة عائلاتنا لأن الحياة أصبحت صعبة”.
وفقًا لتقرير نشرته منظمة بتسيلم – وهو مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة – في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي هناك ما يقارب 290 مستوطنة في الضفة الغربية – 138 مستوطنة بنتها الحكومة الإسرائيلية، وحوالي 150 بؤرة استيطانية غير قانونية للاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن البؤر الاستيطانية غير معترف بها رسميًا، إلا أن الحكومة تزود المستوطنين هناك بالأمن والطرق والمياه والكهرباء والدعم المالي، وأكثر من ثلثها كليًا أو جزئيًا مبني على أراض مملوكة لفلسطينيين. وقد بنيت حوالي 40 بؤرة استيطانية في العقد الماضي على مزارع للماشية في جنوب الخليل.
يوضح محمود إن حافات ماعون وأبيجيل من المناطق التي تعد طور التوسع، “لقد وقع توفير البنية التحتية لهم، بينما نحن محرومون من الأساسيات ولدينا أوامر بالهدم ووقف العمل، حتى إنه وقع إصدار أوامر بهدم خزان المياه. نحن في سنة 2022، وما زلنا نعيش في الكهوف. نريد أن نعيش في منازل مثل سائر الناس. نريد العيش في بيوت لها نوافذ ونستنشق الهواء النقي. ونعيش حياة مريحة”.
المصدر: الغارديان