لم يرغب أحد في لعب كرة القدم مع محمد بن سلمان. بالتأكيد؛ كان الصبي عضوًا في العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية، مثله مثل 15000 شخص آخر؛ حيث يتذكر أحد معارفه في الطفولة أن زملاءه في الفصل فضلوا رفقة أبناء عمومته، الذين كانوا أعلى مرتبة في ترتيب الخلافة المفترض، أما بالنسبة للطفل المعزول الذي سيصبح يومًا ما ولي العهد، فيروي صديق للعائلة أنه كان يسمعهم يسمونه “صدام الصغير”.
كانت الحياة المنزلية صعبة بالنسبة لابن سلمان أيضًا – الذي أصبح الآن معروفًا بالأحرف الأولى من اسمه م. ب. س M.B.S -؛ فقد كان لوالده – سلمان – بالفعل خمسة أبناء من زوجته الأولى، وهي امرأة متعلمة من عائلة حضرية من النخبة، أما والدة محمد – وهي الزوجة الثالثة لسلمان – فكانت امرأة قبلية، وعندما زار محمد القصر؛ حيث عاش والده مع زوجته الأولى، سخر منه إخوته الأكبر سنًا ووصفوه بأنه “ابنٌّ بدوي”. في وقت لاحق؛ تم إرسال إخوته الأكبر وأبناء عمومته إلى جامعات في أمريكا وبريطانيا، في حين أقام نسل الأمير سلمان البدوي في الرياض للالتحاق بجامعة الملك سعود.
عندما كانوا صغارًا؛ كان أفراد العائلة المالكة يبحرون أحيانًا على اليخوت الفاخرة معًا؛ وبحسب ما ورد، عومل محمد بن سلمان كأنه صبي مهمات؛ حيث كان يرسل إلى الشاطئ لشراء السجائر، كما تُظهر صورة من إحدى هذه العطلات مجموعة من 16 من أفراد العائلة المالكة يقفون على سطح يخت يرتدون سراويل قصيرة ونظارات شمسية، وتلال الريفيرا الفرنسية خلفهم.، في الوسط يوجد ابن عم محمد بن سلمان، الأمير الوليد بن طلال، وهو مستثمر ملياردير أطلق عليه لقب “وارن بافيت العربي”، حيث تم وضع محمد بن سلمان، الذي كان طويل القامة وعريض الكتفين ويلبس قميصًا أبيض اللون، إلى أبعد حافة، ولكن حين ننتقل بالزمن سريعًا إلى اليوم؛ نجدل أن محمد بن سلمان انتقل إلى مركز الصورة، وأصبح أهم صانع قرار في المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم.
ورغم أن المملكة العربية السعودية تعتبر ملكية مطلقة، لكن والد محمد – البالغ من العمر 86 عامًا – يبقى الملك اسميًّا، ونادرًا ما يُرى في الأماكن العامة الآن، وكان واضحًا منذ عدة سنوات أن محمد بن سلمان هو من يمسك بزمام الأمور؛ وقد قال لي عميل سابق في المخابرات السعودية: “في الواقع؛ لم يعد الملك سلمان ملكًا”.
للوهلة الأولى؛ يبدو الأمير البالغ من العمر 36 عامًا وكأنه الحاكم الذي كان ينتظره العديد من الشباب السعوديين، فهو أقرب في العمر إلى شعبه من أي ملك سابق؛ خاصة وأن 70 بالمئة من السكان السعوديين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، ويقال إن الحاكم المستبد – الذي ينتمي للألفية الجديدة – متعصب بشأن لعبة الفيديو “Call Of Duty”؛ حيث يستوحي منها سياساته، فهو يحارب الجمود والامتيازات التي كان يأخذها المسجد – يعني التيار الديني والمشائخ – والتي كان يأخذها البلاط الملكي؛ كما لو كان يقاتل المعارضين الافتراضيين على الشاشة.
وساعد نفاد صبر محمد بن سلمان المضطرب، وازدرائه لما كان سائدًا قبله على دفع الإصلاحات التي اعتقد الكثيرون أنها لن تحدث لأجيال؛ حيث كان التحول الأكثر وضوحًا في المملكة هو وجود المرأة في الأماكن العامة، فقد كانت في يوم من الأيام إما غائبة أو تحت حراسة مشددة من قبل الزوج أو الأب. وهناك تغييرات أخرى أيضًا؛ ففي السابق، قدمت المملكة القليل من التحولات التي كانت تأتي بالتزامن مع الحفاظ على الصلاة في المسجد؛ ولكن اليوم يمكنك مشاهدة جاستن بيبر في حفل موسيقي أو غناء الكاريوكي أو الذهاب إلى سباق الفورمولا 1، وقبل بضعة أشهر ذهبت إلى حفلة في فندق، فرقص السعوديون والأجانب حفاة الأقدام على الرمال حتى الفجر، وقبل زوجين بعضهما، وكانت النساء يلبسن ملابس عارية الذراعين والصدر، وتم تقديم عصير الفاكهة المليء بالكحول في حانة مفتوحة.
لكن تبني ثقافة المستهلك الغربي لا يعني تبني القيم الديمقراطية الغربية؛ بجوار ذلك الانفتاح يمكن بسهولة دعم دولة بوليسية حديثة مميزة. في رحلاتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية؛ بدا الناس – من جميع مستويات المجتمع – خائفين من سماعهم وهم يعبرون عن عدم الاحترام أو النقد، وهو أمر لم أره هناك من قبل، فيما قال محلل مخضرم رفض التكهن لماذا يتم هدم جزء كبير من مدينة جدة، ثاني أكبر مدينة في البلاد: “لقد نجوت من أربعة ملوك؛ دعني أنجو من الخامس”.
وبدا الغرب؛ الذي خدعته وعود التغيير والاعتماد على النفط السعودي، مستعدًا في البداية لتجاهل تجاوزات محمد بن سلمان. بعد ذلك، في أواخر عام 2018، قتل مسؤولون سعوديون في إسطنبول الكاتب في واشنطن بوست، جمال خاشقجي، وقطعوا جسده وعظامه بمنشار عظمي؛ وهو الأمر الذي رفضه حتى أكثر القادة الدوليين المؤيدين للسعودية.
اليوم، وبفضل مستبد آخر – فلاديمير بوتين – عاد الأمير السعودي ليكون مطلوبًا، فبعد غزو بوتين لأوكرانيا في فبراير الماضي، ارتفع سعر الخام، ولهذا كان بوريس جونسون على متن طائرة متجهة للسعودية في غضون أسابيع، واحتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العدو اللدود لولي العهد سابقًا، محمد بن سلمان في الرياض في أبريل؛ حتى أن الحرب أجبرت الرئيس الأمريكي على التراجع المهين، فخلال الحملة الانتخابية في عام 2020؛ تعهد جو بايدن بتحويل المملكة إلى “دواة منبوذة”، لكنه في 15 يوليو، ذهب لتحقيق السلام مع محمد بن سلمان – وفي محاولة لتجنب مصافحة يد محمد، اختار بدلاً من ذلك مصافحته بقبضة اليد ما جعل الإثنين يبدوان أكثر صداقة -؛ ولهذا حتى النقاد في المنزل اعترفوا بانتصار محمد بن سلمان؛ حيث قال كاتب صحفي سعودي في جدة: “لقد جعل بايدن يبدو ضعيفًا؛ لقد وقف في وجه قوة عظمى وفاز أمام العالم”.
بالنسبة لمحمد بن سلمان؛ هذه لحظة انتصار، وقد كادت رحلته من هامش الصورة إلى قلب القوة أن تكتمل، ومن المحتمل أن يكون ملكًا لعقود. وخلال ذلك الوقت؛ ستكون هناك حاجة إلى نفط بلاده لتلبية طلب العالم الدائم على الطاقة.
المملكة التي تعتبر فيها كلمة الرجل الأكبر مهمة جدًا كما أنها تعتمد تمامًا على شخصيته؛ ولهذا يبقى الأمل هو أنه مع تأمين منصبه، سيتخلى محمد بن سلمان عن الانتقام وعدم التسامح الذي أدى إلى مقتل خاشقجي. لكن البعض – من بينهم زملائه في طفولته – يخشون شيئًا أكثر قتامة؛ حيث يتم تذكيرهم بالديكتاتور العراقي صدام حسين، والذي كان تغير مرة واحدة وأصبح مدمنًا على تراكم السلطة لدرجة أنه تحول إلى طائش وخطير، وقد قال لي ضابط مخابرات غربي سابق عن محمد بن سلمان: “في البداية تمنح السلطة العظمة، ولكن بعد ذلك تأتي الوحدة والشك والخوف من أن يحاول الآخرون الاستيلاء على ما أمسكت به”.
خلال السنوات الأولى من صعود محمد بن سلمان؛ كنت على دراية غامضة به كأمير واحد من بين العديد، وربما لم أكن لأوليه الكثير من الاهتمام إذا لم ينضم أحد معارفي القدماء إلى طاقمه؛ حيث قال الرجل الذي كان معرفتي إن رئيسه الجديد كان جادًا في تغيير الأمور، ورتب الاجتماع في قرية قديمة من الطوب الطيني في ضواحي الرياض في عام 2016، وعندما اقتربت أنا وزملائي في الإيكونوميست، انزلقت بوابات المجمع الذي يسكنه محمد فجأة، مثل عرين “جيمس بوند” الشرير، وفي الغرفة الداخلية جلس محمد بن سلمان.
غالبًا ما تم الوعد بالإصلاح في المملكة العربية السعودية – عادةً ردًا على المضايقات الأمريكية – لكن الملوك المتعاقبين افتقروا إلى القوة لدفع التغيير. وعندما غزا السعوديون الجزيرة العربية في عشرينيات القرن الماضي، أقاموا تحالفًا مع جماعة دينية محافظة للغاية تسمى الوهابيين. في عام 1979، بعد أن قامت مجموعة من المتطرفين الدينيين بالاستيلاء المسلح لفترة وجيزة على الحرم المكي، قرر السعوديون جعل المملكة أكثر تشددًا لدرء ثورة إسلامية محتملة، كما حدث للتو في إيران، فتم تمكين رجال الدين الوهابيين لإدارة المجتمع كما يرونه مناسبًا.
ومارس الوهابيون الرقابة من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المعروفة باسم الشرطة الدينية، فقد ضربوا كواحل النساء اللواتي ظهر شعرهن من حجابهن، وضربوا أرجل الرجال الذين كانوا يرتدون السراويل القصيرة، وكان الترتيب مناسبًا لآل سعود، فقد وفرت الوهابية السيطرة الاجتماعية وأعطت الشرعية للدولة السعودية، تاركة أفراد العائلة المالكة أحرارًا في الاستمتاع بثرواتهم النفطية في البيئات الأكثر تساهلاً في لندن وباريس، أو خلف بوابات قصورهم.
“وبحسب ما ورد؛ قام خلال مشادة مع والدته برش سقفها بالرصاص”.
أنا أعترف بذلك الآن، لكن بينما تحدث الأمير في الرياض عن خططه لتحديث المجتمع والاقتصاد، تأثرت بحماسه ورؤيته وقيادته للتفاصيل، فقد قدم ما تبين أنه إجابات دقيقة حول كيف ومتى ستحدث إصلاحاته، وعلى الرغم من أنه لم يكن ولي العهد بعد، إلا أنه كثيرًا ما أشار إلى المملكة العربية السعودية قائلًا إنها “بلدي”.
وصلنا حوالي الساعة التاسعة مساءً، وحتى الساعة 2 صباحًا؛ كان محمد بن سلمان لا يزال في حالة نشاط كامل، وكان لطيفًا وواثقًا من نفسه ومبتسمًا، وكان مستشاروه أكثر هدوءًا، وإذا تحدثوا – وهو نادرًا ما حدث – فكان كلامهم يتعلق بتكرار خطوط سيدهم بشكل آلي، ومع ذلك؛ عندما غادر محمد بن سلمان الغرفة لتلقي مكالمة، بدأوا في الدردشة بحماس، ومع عودة الأمير ساد الصمت.
مثل الكثيرين في تلك السنوات الأولى؛ كنتُ متحمسًا لما قد يفعله محمد بن سلمان للمملكة، فعندما عدتُ إلى العاصمة بعد بضعة أشهر رأيتُ عددًا من الرجال يرتدون سراويل قصيرة، وظللت أنظر من فوق كتفيأنتظر الشرطة الدينية، لكن لم يأت أحد، فلقد جُردوا من صلاحيات الاعتقال.
كولي للعهد، أدخل محمد بن سلمان مدونة قوانين بحيث تتوافق الأحكام القضائية مع إرشادات الدولة، وليس مع تفسير القاضي للقرآن، فقد جرم الرجم حتى الموت والزواج القسري، وكان التغيير الأكثر وضوحًا هو دور المرأة؛ فقد هاجم محمد بن سلمان قوانين الوصاية التي تمنع النساء من العمل أو السفر أو امتلاك جواز سفر أو فتح مشروع تجاري أو تلقي العلاج في المستشفى أو الطلاق دون موافقة أحد الأقارب الذكور. في الممارسة العملية؛ وجدت العديد من النساء السعوديات صعوبة في المطالبة بهذه الحقوق الجديدة في مجتمع أبوي، فلا يزال بإمكان الرجال تقديم دعاوى العصيان ضد الأقارب من الإناث، لكن إصلاحات محمد كانت أكثر من مجرد تجميل، فقدسُجن بعض رجال الدين؛ وسرعان ما سقط الباقون في الصف.
ويبدو أن محمد بن سلمان يستمتع بكسر المحرمات الدينية، فقد تطرقت قناته التلفزيونية الحكومية الجديدة إلى موضوع المثلية الجنسية. وفي أيلول/سبتمبر 2017، رفع الحظر المفروض على موقع “تيندر Tinder”، وهو تطبيق مواعدة. في العام التالي؛ تم استخدام أحد أئمة مكة في لعب المجموعة الأولى في مسابقة جديدة للعبة الورق – وهي هواية يتم إدانتها حتى الآن باعتبارها إلهاءً خاطئًا – ولقد جلب العديد من الرياضات الجديدة إلى المملكة؛ مثل: الملاكمة والمصارعة، ورياضات السيارات الوحشية لسيارات الدفع الرباعي المشحونة بالتيربو، وحتى سباق الثيران على غرار بامبلونا؛ حيث قال أحد المتفرجين الأمريكيين الذي شاهده وهو يتلقى ترحيبًا حارًّا في سباق الفورمولا 1 في جدة أواخر العام الماضي: “إنه مثل نجم موسيقى الروك”.
بالنسبة للأجانب؛ أصبحت الرياض أقل حظرا هذه الأيام، فقد قال لي رجل أعمال ممتلئ بالحيوية: “أخشى أن يتم القبض عليَّ لعدم شرب الخمر”، فيما قال أحد رواد الحفلة: “هناك كوكايين وكحول وعاهرات بشكل لم أره في جنوب كاليفورنيا؛ إنها حقًا أشياء قوية”، وقال مسؤول سعودي كبير سابق إن المشتغلين بالجنس، وكثير منهم من أوروبا الشرقية، يمكنهم كسب 3000 دولار لحضور حفلة و10000 دولار لقضاء الليل.
عندما دخل محمد لأول مرة الحياة العامة، اشتهر بكونه متشددًا مثل والده، وهو أمر نادر بين أفراد العائلة المالكة، ولكن سرعان ما تغير ذلك، فقد قال العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في هذا المقال؛ إنهم يعتقدون أن محمد بن سلمان كثيرًا ما يستخدم المخدرات، وهو ما ينفيه. يقول أحد المطلعين في البلاط الملكي إنه في عام 2015 قرر أصدقاؤه أنه بحاجة إلى بعض الراحة والاسترخاء في جزيرة من جزر المالديف. ووفقًا لما رواه الصحفيان الاستقصائيان برادلي هوب وجوستين شيك في كتابهما “الدم والنفط؛ فقد تم تجنيد 150 عارضة أزياء للانضمام إلى التجمع ثم تم نقلهم “بواسطة عربة غولف إلى مركز طبي لفحصهم بحثًا عن الأمراض المنقولة جنسيًا”، تم نقل العديد من نجوم الموسيقى العالمية، بما في ذلك “آفرو جاك”، وهو دي جي هولندي؛ ثم كشفت الصحافة وجود محمد بن سلمان السري.
بعد ذلك؛ فضل الأمير الاسترخاء قبالة ساحل البحر الأحمر. ففي عطلات نهاية الأسبوع؛ تشكل حاشيته أسطولًا من خلال إرساء يخوتهم حول “سيرين”؛ يخت محمد بن سلمان الخاص التي تضم منظومة قيادة وسينما. ووفقًا لمسؤول سابق، كان “الدي جي محمد بن سلمان” – كما أطلق عليه أصدقاؤه – يدور الأقراص مرتديًا قبعة رعاة البقر التي تحمل علامته التجارية، واليخت هو واحد فقط من الكماليات التي تفاخر بها، فقد اشترى قصرًا فرنسيًّا بقيمة 230 مليون جنيه إسترليني بالقرب من فرساي، والذي تم بناؤه في عام 2008 (حيث غرفة التأمل فيها مضاعفة حاصة وأنها في شكل حوض مائي)، ويقال إنه تفاخر بأنه يريد أن يكون أول تريليونير.
قدمنا هذه الادعاءات وغيرها – من المذكورة في هذا المقال – لممثلي محمد بن سلمان، ومن خلال السفارة السعودية في لندن، أصدروا نفيًا واسعًا، قائلين إن هذه “المزاعم مرفوضة ولا أساس لها”.
ويعكس تخفيف محمد بن سلمان للأعراف الاجتماعية قيم العديد من أقرانه الشباب، في السعودية وخارجها؛ وكذلك ميله للجانب الأكثر إشراقًا من الحياة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الثورة الاجتماعية، فإن الأمير ليس أكثر حرصًا من رجال الدين الوهابيين على السماح للناس لأن يفكروا ويقرروا بأنفسهم. فقبل وقت قصير من رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارة في عام 2018؛ قام مسؤولو محمد بسجن لجين الهذلول، إحدى قائدات الحملة من أجل حقوق المرأة؛ حيث تقول عائلتها إن السجانين أغرقوها بالغرق وصعقوها بالكهرباء، وأن سعود القحطاني، أحد أقرب مستشاري محمد بن سلمان، كان حاضرًا أثناء تعذيبها وهددها باغتصابها. (ووجد تحقيق أجرته الأمم المتحدة أسبابًا معقولة للاعتقاد بتورط القحطاني في تعذيب ناشطات، ويُزعم أن القحطاني قال لإحداهن: “سأفعل بك ما يحلو لي، وبعد ذلك سأذوبك وألقي بك في المرحاض”). واتُهمت الهذلول بالتحريض على تغيير نظام الحكم، وكانت الرسالة واضحة: مسموح لشخص واحد فقط القيام بذلك.
ويعتبر محمد بن سلمان طموحًا بلا رحمة؛ حيث يقال إنه أحب القراءة عن الإسكندر الأكبر عندما كان مراهقًا، لكنه أيضًا مدين بصعوده إلى بعض التقلبات غير العادية في الثروة؛ حيث يمكن أن تكون الخلافة أمرًا لا يمكن التنبؤ به في المملكة العربية السعودية. فالنظام الملكي عمره جيلان فقط؛ حيث تأسس في سنة 1932، وانتقل التاج حتى الآن من أخ إلى أخ بين أبناء الحاكم المؤسس، وأصبح الأمر أكثر صعوبة مع تقدم الورثة المحتملين، فلم يكن والد محمد بن سلمان ليصبح ملكًا، ولكن بعد وفاة شقيقيه الأكبر سنًا بشكل غير متوقع في سنتي 2011 و 2012، فقد ارتقى في خط الخلافة.
وعندما أصبح سلمان الوريث المعين عن عمر يناهز 76 سنة، كان بحاجة إلى من يدير دفة الأمور معه؛ وقد توقع معظم رجال الحاشية منه أن يختار أحد الأبناء اللطفاء، الذين يتحدثون الإنجليزية، من أبناء زوجته الأولى. لكنه بدلًا من ذلك؛ قام بتعيين ابن يتحدث العربية بلكنة بدوية. (لقد تعلم بن سلمان اللغة الإنجليزية بسرعة منذ ذلك الحين: عندما التقينا في سنة 2016، قام مترجمه أحيانًا بالتصحيح له).
لم يكن اختيار ترقية محمد بن سلمان مفاجئًا لأولئك الذين يعرفون والده جيدًا، فقد كرس سلمان نفسه لمنصبه كحاكم للرياض بدلاً من ملاحقة المزيد من العمولات المربحة، وكان متمسكا بالاستيقاظ عند الساعة الثامنة صباحًا، حتى في السبعينيات من عمره. كان يُعرف باسم مؤدِّب الأسرة، ولم يكن يتوانى عن إعطاء أفراد العائلة المالكة الضالين ضربة بعصا المشي الخاصة به أو حبسهم حتى فترة في سجنه الخاص، ومن الواضح أنه رأى شيئًا خاصًا به في ابنه السادس، فربما يكون محمد بن سلمان محبًّا لألعاب الفيديو، لكنه كان أيضًا مجتهدًا وحريصًا على التقدم.
وضع محمد بن سلمان قيودًا قليلة على ما كان مستعدًا للقيام به لتحقيق السيطرة، فقد حصل على لقب “أبو الرصاصة” بعد انتشار شائعات مفادها أنه أرسل رصاصة في البريد إلى مسؤول حكم ضده في نزاع على أرض (نفى مسؤولون سعوديون هذه الشائعة سابقًا). كما كان مخيفًا في السر أيضًا، حيث يقول مصدر له صلات بالقصر: “هناك هذه الأعصاب الرهيبة، حيث يقوم بتحطيم المكاتب، وتحطيم القصر، إنه عنيف للغاية”، ويصفه العديد من الزملاء بأنه يعاني من تقلبات مزاجية شديدة، ويقول اثنان من المطلعين السابقين على القصر إنه قام ذات مرة، خلال مشادة مع والدته، برش سقف منزلها بالرصاص، ووفقًا لمصادر وتقارير إخبارية متعددة؛ فقد حبس والدته في مكان بعيد عن الأعين.
يخشى بعض المراقبين من أن يصبح محمد بن سلمان أكثر خطورة فقط مع بدء تراجع احتياطيات النفط وتقلص الثروة.
من الصعب تحديد عدد زوجاته. رسميًّا، هناك واحدة فقط، وهي أميرة ساحرة تدعى سارة بنت مشهور، لكن رجال الحاشية يقولون إن لديه واحدة أخرى على الأقل، فيما يقدم محمد بن سلمان حياته العائلية على أنها طبيعية وسعيدة، فقد قال في وقت سابق من هذا العام لمجلة أتلانتيك إنه يتناول وجبة الإفطار مع أطفاله كل صباح (لديه ثلاثة أولاد وفتاتان، وفقًا لـ”غولف نيوز”، ويُقال إن أكبرهم يبلغ 11 عامًا)، وتحدث أحد الدبلوماسيين عن مودة محمد بن سلمان لزوجته، لكن مصادر أخرى داخل الدائرة الملكية تقول إن الأميرة سارة قد تعرضت للضرب المبرح، مرة واحدة على الأقل، على يد زوجها لدرجة أنها اضطرت إلى طلب العلاج الطبي.
وضعنا هذه المزاعم وغيرها في هذه المقالة لممثلي محمد بن سلمان، والذين وصفوها بالافتراء الواضح، مضيفين: “أن المملكة للأسف معتادة على سماع مزاعم كاذبة ضد قيادتها، والتي تستند عادة إلى مصادر ضارة ذات دوافع سياسية (أو غيرها)، وخاصة الأفراد الذين فقدوا المصداقية بشكل خاص والذين لديهم سجل طويل من التلفيقات والادعاءات التي لا أساس لها”.
حصل محمد بن سلمان أخيرًا على السلطة السياسية سنة 2015 عندما أصبح سلمان ملكًا، فقد عين سلمان ابنه نائبًا لولي العهد ووزيرا للدفاع، وكانت إحدى أولى خطوات محمد بن سلمان هي شن حرب في اليمن المجاور. وحتى أمريكا، الحليف العسكري الأقرب للمملكة، لم يتم إخبارها إلا في اللحظة الأخيرة. وكانت هناك عقبة واضحة في طريق محمد بن سلمان إلى العرش؛ وهي ابن عمه الوريث المعين البالغ من العمر 57 سنة، محمد بن نايف، الذي كان رئيسا للمخابرات والمحاور الرئيسي للمملكة مع وكالة المخابرات المركزية، وكان له الفضل على نطاق واسع في القضاء على القاعدة في السعودية بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001.
في حزيران/يونيو 2017، تم استدعاء بن نايف للقاء الملك المسن في قصره في مكة؛ حيث ظهرت قصة ما حدث بعد ذلك في التقارير الصحفية والمقابلات التي أجريتها، فيبدو أن بن نايف وصل بطائرة مروحية ونزل بالمصعد إلى الطابق الرابع، وبدلًا من مقابلة الملك، كان عملاء محمد بن سلمان ينتظرونه؛ حيث تم تجريده من أسلحته وهاتفه، وأُبلغ أن المجلس الملكي قد عزله، وقد تُرك وحده للنظر في خياراته، وبعد سبع ساعات صور مصور فيديو تمثيلية محمد بن سلمان وهو يقبل ابن عمه، ثم يقبل تنازله عن العرش كولي للعهد، فيما احتفظ الملك سلمان بالمقعد الخلفي طوال الوقت. وابن نايف الآن رهن الاعتقال (وعمه، الذي كان له أيضًا مطالبات بالعرش، تدخل على ما يبدو لمحاولة حماية ابن نايف، لكنه اعتقل هو نفسه لاحقًا)، وهذه الاستقالة المرحلية – وهي خدعة قديمة لصدام حسين – ستصبح الخطوة المميزة لمحمد بن سلمان.
كان هذا مجرد عملية إحماء؛ في تشرين الأول/أكتوبر 2017؛ استضاف محمد بن سلمان مؤتمرًا دوليًا للاستثمار في فندق ريتز كارلتون بالرياض. وفي دافوس في الصحراء، استمع أمثال كريستين لاغارد وسون ماسايوشي وغيرهما من أصحاب الأعمال البارزين إلى عرض محمد بن سلمان لمستقبل ما بعد النفط في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك بناء نيوم، وهي مدينة ذكية جديدة بقيمة 500 مليار دولار، وكان الحدث ناجحًا وتلاشى التذمر الدبلوماسي من الحرب في اليمن أو مصير الشريك الأمني لأمريكا محمد بن نايف.
كان التجمع أيضًا فرصة لدعوة أفراد العائلة المالكة الذين كانوا غالبًا في الخارج، وبمجرد أن غادر الأجانب، انقض محمد بن سلمان واعتقل المئات من الأمراء ورجال الأعمال، ووفقًا لسيرة ذاتية عن محمد بن سلمان كتبها بن هوبارد، وهو صحفي من نيويورك تايمز، فقد أدرك أحدهم أن شيئًا ما كان خاطئًا فعندما وصل إلى غرفته بالفندق، لم يكن هناك أقلام أو شفرات حلاقة أو نظارات؛ لا شيء يمكن استخدامه كسلاح.
احتجز بن سلمان الرهائن في فندق ريتز كارلتون لعدة أسابيع (تم أيضًا مصادرة فندق ماريوت وفنادق أخرى لإيواء الفائض)، وتمت مصادرة هواتف الرهائن، وقيل إن بعضهم غُطيت رؤوسهم وحُرموا من النوم وتعرضوا للضرب حتى وافقوا على تحويل الأموال وتسليم مخزون من أصولهم. في نهاية المطاف؛ سلم ضيوف بن سلمان في فندق ريتز كارلتون حوالي 100 مليار دولار.
حتى أفراد العائلة المالكة الذين اعتقدوا سابقًا أنه لا يمكن المساس بهم، مثل متعب بن عبدالله الأمير القوي الذي كان يدير الحرس الوطني، تلقوا معاملة مماثلة، وسجنت الأميرة بسمة، أصغر أبناء ثاني ملوك المملكة العربية السعودية، لمدة ثلاث سنوات دون تهمة أو الاتصال بمحام؛ وبعد إطلاق سراحها، كان عليها أن ترتدي سوارًا إلكترونيًا في الكاحل، وفقًا لشريك مقرب منها.
وتم وصف سحق أفراد العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال بأنه حملة على الفساد؛ ولا شك أنه أدى إلى حصد العديد من الأصول المكتسبة عن طريق الفساد، والتي قال محمد بن سلمان إنها ستُعاد إلى الخزانة السعودية. ومع ذلك؛ بدت الأساليب أشبه بشيء من فيلم العصابات أكثر من كونها إجراءً قضائيًا.
أشرف سعود القحطاني على الاستجواب؛ وكان يقدم تقاريره مباشرة إلى محمد بن سلمان عندما يستسلم أحد المعتقلين ويعطي تفاصيله المصرفية. (جميع الادعاءات الواردة في هذا المقال بخصوص القحطاني نُقلت إليه عبر محاميه، ولم يتم تقديم أي رد).
نصّب القحطاني نفسه كواحد من الأتباع المفضلين لدى محمد بن سلمان، على الرغم من أنه في وقت سابق من حياته المهنية، تآمر ضد سلمان وابنه، محاولًا تهميشهم بشائعات عن إصابة سلمان بالخرف، وكان القحطاني مخلصًا جدًا للفصيل السابق لدرجة أنه أطلق على ابنه اسم رئيسه في ذلك الوقت، وبحسب أحد رجال البلاط الملكي السابق، فقد خرج الرجلان في يوم جنازة الملك العجوز؛ حيث صفع محمد بن سلمان القحطاني على وجهه. ولاحقًا؛ أعطى محمد بن سلمان الفرصة للقحطاني كي يثبت جدارته وضمه إلى موظفيه، وسمى هذا الأخير ابنه الأصغر محمد حسب الأصول.
على الورق؛ كان القحطاني مستشارًا للاتصالات، وصحفيًّا سابقًا يفهم موقع تويتر واستخدم جيشًا من الروبوتات والأتباع المخلصين لترويع النقاد على وسائل التواصل الاجتماعي. (تضمن مكتبه شاشات عملاقة وصور ثلاثية الأبعاد استخدمها الموظفون للتدريب على التصويب باستخدام مسدسات الليزر). من الناحية العملية؛ تم تكليفه بمهمات محمد بن سلمان الأكثر أهمية وعنفًا؛ وخاصة تلك التي أثبتت قبضته على السلطة.
وامتد اختصاصه إلى ما هو أبعد من حدود السعودية. ففي سنة 2016، اختُطِفَ الأمير سلطان، وهو أحد أفراد العائلة المالكة الصغار السن والذي كان يتكلم وينتقد بفظاظة؛ حيث عرض محمد بن سلمان طائرته لنقل سلطان من باريس إلى القاهرة، وبدلاً من ذلك تم تحويل مسار الطائرة إلى المملكة، ووفقًا لكتاب هوب وشيك “الدم والنفط”؛ انتحل القحطاني شخصية الكابتن سعود، وهو طيار، على الرغم من أنه من المدهش أنه كان يملك ساعة “هوبلوت” باهظة الثمن.
حتى الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالسياسة أصبحوا خائفين من التحدث بالقرب من هاتف محمول مفتوح.
مع إستراتيجيات الترحيل السري مثل هذه، وإغلاق صنبور الأموال، شعر حتى أفراد العائلة المالكة الذين لم يكونوا داخل فندق ريتز كارلتون بالضغط للتخلص من الأصول الفاخرة، فقد عرض والد السفير السعودي في بريطانيا أرضه التي كان يحبها، جليمبتون بارك، والتي تبلغ مساحتها 2000 فدان في كوتسوولدز، للبيع، وأجرى تجار المجوهرات في الرياض تجارة مزدهرة في رهن الماس لأفراد العائلة المالكة الأقل نفوذًا، وقال مستشار لدار مزادات: “الأمر يشبه قيام عائلة رومانوف ببيع بيض فابرجي”.
ابتهج العديد من عامة الناس بسقوط ورثة النخبة، وبدأ الأمراء والأميرات الذين عاشوا في يوم من الأيام على أموال ضخمة في البحث عن وظائف، وأصبحت ألقابهم عديمة الفائدة، ولأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة الري؛ تحولت مزارعهم الخضراء إلى صحراء مرة أخرى، كما أن البنوك رفضت التعامل معهم، وتذكر أحد المستشارين الماليين رده على الأمراء الذين حاولوا الحصول على قرض باستعمال قوة مكانتهم الملكية: “أنتم تطلقون على أنفسكم أمراء، لكنهم يقولون إن هناك أميرًا واحدًا فقط الآن”.
كانت حلقة فندق ريتز كارلتون مجرد عنصر واحد من مشروع استثنائي للمركزية، فقد انتزع محمد بن سلمان السيطرة على مختلف الأجهزة الأمنية من الأمراء، وتولى مسؤولية شركة أرامكو، شركة النفط الحكومية شبه المستقلة، ونصب نفسه كرئيس لصندوق الثروة السيادية، وصندوق الاستثمارات العامة؛ حيث يقول دبلوماسي متقاعد: “لقد دمر كل العائلات القوية”. وبحلول أواخر سنة 2017، كان القانون والمال والأمن في السعودية يتدفقون منه مباشرة.
من بين أولئك الذين خسروا، الأمراء الذين دفعوا محمد بن سلمان صغيرًا إلى حافة صورة العائلة على اليخت طوال تلك السنوات الماضية. فالأمير الوليد بن طلال، وسط تلك اللقطة، تنازل عن جزء من ثروته البالغة 17 مليار دولار. ومع اتساع نطاق الابتزاز؛ عرض الأشقاء الأكبر سناً لمحمد بن سلمان يختهم للبيع، كما تم حبس العديد من أبناء عمومته، وقد قال أحد الضحايا: “إنه وقت دفع الثمن”.
وبينما كان محمد بن سلمان يضغط على النخبة في الداخل؛ كان يصوغ بعض الصداقات المهمة في الخارج؛ حيث كان لديه مع دونالد ترامب – الذي تم انتخابه رئيسًا سنة 2016 – الكثير من القواسم المشتركة، فكلاهما كان يعاني من جوع المستضعف ويكره مؤسسات صنع السياسة المتعجرفة في بلديهما، كما أنهما يستمتعان بالاستفزاز، وكان الاتفاق التاريخي؛ الذي قدمت المملكة العربية السعودية بموجبه النفط للمستهلكين الأمريكيين وضمنت أمريكا أمن البلاد، قد تلاشى في السنوات الأخيرة، فقد ترك خروج باراك أوباما السريع من العراق في 2011 واتفاقه النووي مع إيران في 2015 السعودية قلقة من عدم قدرتها على الاعتماد على الحماية الأمريكية، كما أدى تطوير أمريكا احتياطياتها من النفط الصخري إلى تقليل اعتمادها على النفط السعودي، ثم أصبح ترامب و بن سلمان صديقين حميمين.
بدعم ضمني (وصريح أحيانًا) من إدارة ترامب، شرع محمد بن سلمان في التعامل مع الشرق الأوسط بأسره مثلما فعل مع المملكة العربية السعودية، محاولًا إبعاد الحكام الذين وجدهم غير مريحين، فأعلن حصارًا لقطر، الدولة الصغيرة الغنية بالغاز شرقي السعودية. وفي سنة 2017؛ دعا محمد بن سلمان رئيس الوزراء، سعد الحريري، المستفيد منذ فترة طويلة من الرعاية السعودية، في رحلة تخييم، بسبب غضبه من تعاملات لبنان مع إيران، وحين حضر الحريري وصودر هاتفه وسرعان ما وجد نفسه يقرأ خطاب استقالة على شاشة التلفزيون.
كلتا الحركتين جاءت بنتائج عكسية في النهاية؛ لكن مستشار ترامب للشرق الأوسط وصهره، جاريد كوشنر، لم يفعل الكثير لردع مثل هذه التصرفات الغريبة. معًا، حلم هو وبن سلمان بنظام إقليمي جديد عبر تطبيق الواتساب، حيث يطلقون على بعضهم بعضًا اسم “جاريد” و “محمد”، وقد كانت علاقتهم كبيرة جدًا لدرجة أنه، بدفع من كوشنر، بدأ محمد بن سلمان عملية الاعتراف بإسرائيل، ولكن وضع والده، الذي لا يزال ملكًا رسميًّا، حدًا لذلك.
زار محمد بن سلمان أمريكا في آذار/مارس 2018، حيث شوهد متسكعًا في وادي السيليكون مع بيتر ثيل وتيم كوك، والتقى بالمشاهير، بما في ذلك روبرت مردوخ وجيمس كاميرون ودواين جونسون «ذا روك»، وكان الكثير من الناس حريصين على مقابلة الرجل الذي كان يسيطر على صندوق ثروة سيادية بقيمة 230 مليار دولار، ولكن مما أثار إحباطه أنهم كانوا أقل استعدادًا للرد بالمثل من خلال الاستثمار في المملكة.
في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام؛ توقفت لعبة “بون هومي bonhomie” العابرة للقارات بشكل مفاجئ، وكان من المقرر أن أذهب إلى مؤتمر في تركيا في ذلك الشهر، واتصل الصحفي السعودي الذي أعرفه، جمال خاشقجي، ليقترح أن نلتقي؛ حيث كان سيكون أيضًا في اسطنبول، للحصول على موعد في القنصلية، كان خاشقجي من المطلعين على شؤون البلاد، والذي جذبت انتقاداته لمحمد بن سلمان في واشنطن بوست وأماكن أخرى الكثير من الاهتمام، وبدا أنه يبذل جهدًا أكثر من المعتاد للبقاء على اتصال، وبينما كنت في المؤتمر، اتصل بي صديق له: لم يخرج جمال بعد من القنصلية، على حد قوله، وبحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى هناك، كانت الشرطة التركية تطوق المبنى.
سرعان ما ظهرت القصة الكاملة في تقارير استخباراتية مسربة، وفي – كما ظهر لاحقًا – تحقيق الأمم المتحدة؛ فقد سافرت فرقة اغتيال سعودية، قيل إنها نسقت مع سعود القحطاني، إلى إسطنبول، وبينما كانوا ينتظرون دخول خاشقجي القنصلية، ناقشوا خطط تقطيع أوصال جسده، وبحسب الأشرطة التي سجلتها المخابرات التركية داخل القنصلية، قيل لخاشقجي: “نحن قادمون لإحضارك”، وكان هناك عراك، تبعه صوت تغليف صفائح بلاستيكية، فيما ذكر تقرير وكالة المخابرات المركزية أن محمد بن سلمان وافق على العملية.
وقال محمد بن سلمان إنه يتحمل مسؤولية القتل، لكنه ينفي أنه أمر بذلك، وقد أقال القحطاني ومسؤول آخر متورطين في تقارير المخابرات، وكانت التداعيات فورية، فقد انسحبت الشركات والمتحدثون من مؤتمر دافوس الصحراء في ذلك العام؛ وأنهت مؤسسة جيتس شراكتها مع مؤسسة خيرية فنية وتعليمية أنشأها الأمير، وألغى آري إيمانويل، وكيل هوليوود، صفقة بقيمة 400 مليون دولار مع المملكة.
ويبدو أن ولي العهد قد فوجئ حقًا بالعداء؛ فقد كان “محبطًا”، كما يقول أحد المساعدين؛ حيث تساءل: ألم يلتزم بكل الإصلاحات التي كان الغرب يطلبها؟ ربما كان قد قلل من شأن الاحتجاج الذي أثاره ملاحقة شخصية دولية ذات علاقات جيدة – على عكس المجهول الملكي خارج المملكة – أو ربما فهم أولويات الحكومات الغربية أفضل مما فهمته هي نفسها، فلم يفعلوا شيئا يذكر عندما اختفى محمد بن نايف، شريكهم في مكافحة الإرهاب؛ ولقد تجاهلوا تقارير التعذيب في فندق ريتز كارلتون، وقصف محمد المتهور لليمن؛ فلماذا لديهم الكثير ليقولوه عن مقتل صحفي واحد؟
بعد ثلاث سنوات من مقتل خاشقجي؛ افتُتِحَ منتدى “دافوس الصحراء” مع المغنية غلوريا جاينور، والتي عندما ظهرت صور أطفال مبتسمين على شاشة عملاقة خلفها، غنت أعنيتها “سأعيش”، وسألت الجمهور: “هل تعتقد أنني سأنهار؟ هل تعتقد أنني سأستلقي وأموت؟”.
عاد الرؤساء التنفيذيون لعمالقة الأسهم الخاصة؛ بلاك روك وبلاكستون، وكذلك رؤساء جولدمان ساكس، وسوك جين، وستاندرد تشارتد، وحتى أمازون أرسلت ممثلاً على الرغم من حقيقة أن رئيسها، جيف بيزوس، يمتلك صحيفة واشنطن بوست، الصحيفة التي وظفت خاشقجي. في غضون ذلك؛ كان القحطاني يتسلل مرة أخرى إلى الديوان الملكي؛ على الرغم من تورطه – وفقًا لتحقيق الأمم المتحدة – في مقتل خاشقجي؛ حيث اتخذت محكمة سعودية قرارًا بعدم توجيه الاتهام إليه.
يحارب الجمود والامتيازات التي كان يأخذها رجال الدين والبلاط الملكي؛ كما لو كان يقاتل المعارضين الافتراضيين على الشاشة”.
أعاد محمد تنشيط صندوق الثروة السيادية شبه الخامل، وضخ عشرات المليارات من الدولارات في التكنولوجيا والترفيه والرياضة، لخلق صورة أكثر ليونة وأكثر جاذبية للسعودية واستمالة شركاء جدد. وفي أبريل 2020؛ قاد الصندوق تحالفًا لشراء نادي نيوكاسل يونايتد، وهو فريق كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز (استغرقت الصفقة 18 شهرًا). في العام التالي، أطلقت محاولة جريئة لإنشاء جولة غولف سعودية خاصة، وهي سلسلة “ليف LIV”، على أمل جذب اللاعبين بجوائز قدرها 255 مليون دولار، وهي أكبر بكثير من البطولات الأمريكية. وفي أول جولة “ليف LIV” هذا العام، قاطع بعض كبار اللاعبين الحدث، وذهب آخرون للحصول على المال.
وأثبت جو بايدن أنه أكثر صعوبة في العودة؛ فبعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة سحب بايدن الدعم العسكري الأمريكي للحرب في اليمن، ولم يتحدث إلى محمد بن سلمان، وأصر على أن الاتصالات يجب تمر عبر الملك سلمان بدلاً من ذلك، ولم يرشح حتى سفيرًا في الرياض لمدة 15 شهرا، وكانت الحديث في كل مكان عن أن العلاقات السعودية الأمريكية كانت في حالة تجمد عميق، ثم؛ في شباط/فبراير 2022، جاءت ضربة الحظ لمحمد بن سلمان: غزت روسيا أوكرانيا.
في الأيام التي أعقبت اندلاع الحرب؛ حاول بايدن نفسه الاتصال بمحمد بن سلمان، ولكن ولي العهد رفض التحدث إلى الرئيس، ومع ذلك، فقد استقبل دعوة من بوتين، وكان الرجلان قريبين بالفعل، فقد جلب محمد بن سلمان روسيا شخصيًا إلى نسخة موسعة من تحالف الأوبك من أجل أن تحافظ المملكة العربية السعودية على السيطرة على إنتاج النفط العالمي. وعزز بوتين الصداقة في 2018 في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، التي وقعت بعد أسابيع من مقتل خاشقجي، فبينما تجنب القادة الغربيون محمد بن سلمان، أعطى بوتين الحاكم السعودي مصافحة على شكل تحية “هاي فايف” قبل الجلوس بجانبه.
ويبدو أن تحدي محمد بن سلمان لأمريكا قد أتى ثماره، فبعد شهور من التهرب؛ وافق بايدن على مضض على لقاء محمد بن سلمان في جدة في تموز/يوليو الحالي، وعلى أرض الأمير وشروطه الخاصة، وقد أعطت الزيارة تقديرًا لمحمد بن سلمان لكنها لم تفعل الكثير لإعادة بناء العلاقات، فلم يكن هناك حتى ضمان ملموس لزيادة إنتاج النفط.
لا يزال البعض في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية يأملون في أن يصبح محمد بن سلمان شريكًا مفيدًا في المنطقة، مشيرين إلى انسحابه الأخير من المواجهة مع قطر وحرصه على إيجاد خروج دبلوماسي من اليمن، وربما يقولون إنه ينضج كقائد.
هذا يبدو متفائلًا؛ فقد كانت حملة محمد بن سلمان كارثية في اليمن، فربما كانت ظاهريًّا لدعم رئيس البلاد، ولكن في نيسان/أبريل الماضي؛ وبعد ساعات من استدعائه لحضور اجتماع وتقديم القهو العربية؛ كان الرئيس اليمني يقرأ خطاب استقالة على شاشة التلفزيون، فقد أخذ محمد على عاتقه التخلص منه شخصيًّا؛ مما يشير إلى أن أسلوبه في الدبلوماسية الدولية لا يزال متسلطًا كما كان دائمًا، فيما يقول أحد المحللين الأجانب: “ما تعلموه هو عدم قتل الصحفيين الذين يتناولون العشاء بانتظام مع أعضاء الكونجرس في الولايات المتحدة”.
لقد علم الغرب محمد بن سلمان شيئًا آخر أيضًا – وهو أمر قد يستمد المستبدون في جميع أنحاء العالم الراحة منه – وهو أنه بغض النظر عن الخطيئة فإنهم قد يناقشونك، وإذا بقيت متماسكًا في السراء والضراء؛ فسيعود الممولون والمشاهير وحتى القادة الغربيون. وفي عمر السادسة والثلاثين؛ فيبدو أن الوقت في صف محمد بن سلمان؛ حيث يخشى بعض المراقبين من أنه قد يصبح أكثر خطورة فقط حين تبدأ احتياطيات النفط في الانخفاض ويتقلص الكنز الدفين، حيث تساءل دبلوماسي يعرف محمد بن سلمان شخصيًّا: “ماذا يحدث عندما يكون رجلاً في منتصف العمر يحكم دولة متوسطة الدخل ويبدأ بالملل؟؛ هل سيخوض المزيد من المغامرات؟”.
في وقت سابق من هذا العام؛ زرتُ صديقًا قديمًا في مكتبه في المملكة العربية السعودية، وقبل أن نبدأ الحديث، وضع هاتفه في حقيبة تحجب الإشارة، وذلك لمنع جواسيس الحكومة من الاستماع إليها، ويقوم المعارضون بهذا النوع من الأشياء في الدول البوليسية مثل الصين؛ لكنني لم أره من قبل في المملكة. ولا يقتصر اتخاذ مثل هذه الاحتياطيات، على الأشخاص المشاركين في السياسة؛ بل أصبح معظم السعوديين خائفين من التحدث بالقرب من أي هاتف محمول مفتوح ويعمل؛ حيث كان الناس معتادون على التحدث بصراحة إلى حد ما في مكاتبهم ومنازلهم ومقاهيهم. ولكن الآن، يتم اعتقالهم مقابل لا شيء تقريبًا.
وبينما كنا نتحدث حول أزيز مكيف الهواء في مكتبه؛ وضع صديقي قائمة بالأشخاص الذين يعرفهم والذين تم احتجازهم في الشهر الماضي؛ حيث كان من بينهم قائد متقاعد للقوات الجوية توفي في السجن، ونقل مدير مستشفى بعيدًا عن مكتبه، وأم أُخذِت من أمام أطفالها السبعة، وهي محامية توفيت بعد سبعة أيام من إطلاق سراحها من السجن؛ حيث قال صديقي: “هؤلاء الناس ليسوا شخصيات من قاع المجتمع؛ لا أحد يفهم السبب”.
رسميًّا؛ تقول الحكومة إنه ليس لديها سجناء سياسيين، لكن تعتقد الجماعات الحقوقية أن الآلاف تم اعتقالهم؛ ولقد غطيتُ الشرق الأوسط منذ التسعينيات ولا يمكنني التفكير في أي مكان في هذه المنطقة يوجد فيها الكثير من جهات الاتصال الخاصة بي عندما أكون خلف القضبان.
توقع قلة من السعوديين العاديين أنه عندما يتم الدوس على النخب ورجال الدين، سيأتي دورهم بعد ذلك؛ فلقد سهّل وصول السعوديين إلى عالم الإنترنت الحديث والتواصل عبره؛ على الدولة مراقبة ما يقولونه؛ فمثلًا: اعتاد موظف في الهلال الأحمر يُدعى عبد الرحمن السدحان تشغيل حساب ساخر على تويتر باسم مستعار. ولكن في عام 2018؛ اعتقلته قوات أمن محمد بن سلمان واحتجزوه في الحبس الانفرادي لمدة عامين، فيما اتهم المدعون الأمريكيون في وقت لاحق اثنين من موظفي تويتر السابقين بتسليم الأسماء الحقيقية وراء حسابات مختلفة إلى مسؤول سعودي؛ حيث تعتقد عائلة السدحان أن اسمه كان من بينهم. (تجري محاكمة موظف واحد ؛ وينفي نقل المعلومات إلى المسؤولين السعوديين).
في ظاهر الأمر؛ ليس لدى محمد بن سلمان ما يدعو للقلق، فتشير استطلاعات الرأي العام – إذا كان من الممكن الوثوق بها – إلى أنه يتمتع بشعبية، خاصة لدى السعوديين الأصغر سنًا، ولكن هناك شعور متزايد بأن السخط يختمر تحت السطح، فقد كسر محمد بن سلمان العقود الاجتماعية الحاسمة مع الشعب السعودي، من خلال تقليل الصدقات مع الاستغناء – في الوقت نفسه – عن التقليد الذي كان متبعًا بسماع شكاوى وطلبات الناس العاديين بعد صلاة الجمعة.
ليس من الصعب تخيل بعض المشكلات التي سيثيرونها إذا أتيحت لهم الفرصة، فكثير من الناس يكافحون مع ارتفاع تكلفة المعيشة، وعندما كانت الحكومات الأخرى تخفف من وطأة مواطنيها أثناء الجائحة، خفض محمد بن سلمان دعم الوقود؛ حيث تضاعفت ثلاث مرات، ولأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة ضخ المياه؛ ترك بعض المزارعين المحاصيل لتذبل في الحقل، كما ارتفعت رسوم التصاريح والغرامات، وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان يتحدث ببلاغة عن شباب البلاد، إلا أنه يكافح من أجل العثور على وظائف لهم، فلا تزال البطالة عالقة بعناد بأرقام مزدوجة، ونصف العاطلين عن العمل حاصلون على شهادة جامعية، لكن معظم العمال ذوي الياقات البيضاء – أي ذوي الشهادات العليا – الذين قابلتهم في مشاريع محمد بن سلمان الضخمة كانوا أجانب.
محاولات المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها – وبالتالي تعويض الانخفاض طويل الأجل لاحتياطيات النفط – لا تسير على ما يرام أيضًا، فقد وأدى الوباء إلى تأخير خطط الزيادة السريعة في السياحة الدولية؛ وقد لا يكون ابتزاز مليارات الدولارات من أقاربك أفضل طريقة لإقناع المستثمرين بأن المملكة ملاذ حر للاستثمار.
“يصف الناس محمد بن سلمان بأنه يعاني من تقلبات مزاجية جامحة. حبس ذات مرة وزيرًا في مرحاض لمدة عشر ساعات”
لقد انقلب الأمير الشاب حتى على الخطوات الصغيرة نحو الديمقراطية التي اتخذها الملوك السابقون، فقد تم تعليق الانتخابات البلدية – كتمرين لخفض التكاليف، كما توضح الصحافة المؤيدة له. واجتمع مجلس الشورى، وهو هيئة استشارية مكونة من 150 شخصًا، عبر الإنترنت فقط منذ انتشار الوباء؛ فيما اجتمعت مؤسسات أخرى بشكل طبيعي منذ شهور؛ حيث قال أحد الأعضاء: “أتمنى لو كان لدي صوت أكثر”، وكلما ذكرتُ الأمير، كانت ساقه ترتعش.
ويقول زائر متكرر للديوان الملكي إن محمد بن سلمان يعطي الآن انطباعًا عن شخص يعتقد دائمًا أن الناس يتآمرون ضده، فيبدو أنه منشغل بالولاء؛ حيث إنه يشغل بنفسه المناصب الرئيسية، ويتشارك المسؤوليات إما مع أفراد العائلة المالكة الشباب أو الأجانب الذين ليس لديهم قاعدة محلية لتهديده أو الأشخاص الذين كسرهم بالفعل، فقد كان وزير الحكومة، إبراهيم عساف، أحد المحتجزين في فندق ريتز كارلتون، وبعد شهرين أرسله محمد إلى المنتدى الاقتصادي العالمي كممثل له، فيما يقول مسؤول تنفيذي كبير في أحد مشاريعه الإنشائية إنه تعرض للتعذيب في أحد سجونه، كما يقول أحد معارفه المقربين: “لقد تحول من تعليقه عارياً من كاحليه، وضربه وتجريده من جميع أصوله إلى مدير مشروع رفيع المستوى”.
لا يزال الجميع عرضة لنوبات الغضب؛ حيث تقول مصادر سعودية إنه حبس ذات مرة وزيرًا في مرحاض لمدة عشر ساعات؛ حيث ظهر الوزير لاحقًا على شاشة التلفزيون وهو يتحدث بالتفاهات حول حكمة الأمير، وتحدثتُ إلى مسؤول كبير يقول إنه يريد الخروج من المملكلة، ويقول أحد المطلعين: “كل شخص في دائرته مرعوب منه”، وهذا قد يجعل من الصعب عليه حكم بلد يبلغ عدد سكانه 35 مليون نسمة بشكل فعال؛ حيث يقول رجال الحاشية السابقون إنه لا أحد قريب من محمد بن سلمان مستعد لتقديم تقييم صادق لما إذا كانت مخططاته الفخمة بشكل متزايد قابلة للتطبيق، فيما يقول أحدهم: “قول لا، ليس شيئًا سيفعلونه على الإطلاق”.
إذا كان لدى محمد بن سلمان مهمة تتجاوز توسيع قوته، فقد تتوقع العثور عليها في نيوم، المدينة التي وعد ببنائها في الصحراء؛ حيث قال في عام 2017 إن نيوم لن تكون أقل من “قفزة حضارية للبشرية”؛ فيما تأتي التفاصيل التي تدير الرأس بعد ذلك؛ فسيتم زراعة طعام المدينة على جدران الزراعة المائية على هيكل عائم، والذي سيتم تشغيله بواسطة أكبر محطة هيدروجين أخضر في العالم، الآلاف من آلات تجميع الثلج ستعمل على إنشاء منتجع للتزلج على جبل قريب، وفي يوم من الأيام سيكون لديها سيارات بدون سائق وطائرات بدون طيار للركاب.
وفقًا للجدول الزمني الرسمي؛ كان سيتم الانتهاء من المدينة الرئيسية بحلول عام 2020، فيما سيتم إضافة مناطق أخرى بحلول عام 2025، بينما نفى وزير الأمير ابن سلمان للسياحة؛ أحمد الخطيب، الشائعات بأن الجدول الزمني أثبت أنه مفرط في الطموح، قائلًا: “تعال وانظر بعينيك وليس بأذنيك”؛ لذلك ذهبتُ.
كان العثور على نيوم هو المشكلة الأولى، فلم تكن هناك لافتات طريق إليها، وبعد ثلاث ساعات بالسيارة وصلنا إلى المكان المشار إليه في الخريطة؛ حيث كانت منطقة جرداء إلا من شجرة تين غريبة، فيما سارت الجمال عبر الطريق السريع الفارغ، واصطفت أكوام من الأنقاض على الطريق، وجُرِفَتْ بقايا البلدة لإفساح المجال أمام المدينة العظيمة.
المنطقة المخصصة هي تقريبا مثل مساحة بلجيكا، وبقدر ما أستطيع أن أقول، فقد تم الانتهاء من مشروعين فقط، قصر الأمير محمد بن سلمان، وشيء تسميه “جوجل إيرث” “مركز تجربة نيوم” (عندما قدت السيارة لرؤيته، تم حجبه بواسطة كوخ جاهز)، وكان المبنى الصلب الآخر الوحيد الذي استطعتُ رؤيته؛ هو فندق تم تشييده قبل تصور نيوم: رويال توليب؛ حيث حثني ملصق – موجود في ردهة الفندق – على “اكتشاف نيوم”، لكن عندما طلبت مرشدًا، أطلق مدير الفندق عليّ سبة عربية بذيئة، وحاول إبعادي، ولم تكن هناك أي علامة على المركز الإعلامي مع “التسهيل الخالي من الاحتكاك” و”البنية التحتية المتقدمة” و”النظم البيئية التعاونية” التي وعد بها موقع نيوم؛ فيما قال رئيس الاتصالات والإعلام في نيوم، واين بورغ، إنه “خارج المملكة في الوقت الحالي”.
كان مطعم الفندق يعج بالمستشارين؛ حيث كان كل من قابلتهم من الأجانب. (وجدت لاحقًا مدير مشروع سعودي. قال لي: “نعتقد أننا على وشك بدء العمل، لكن كل شهرين يضع المستشارون خطة جديدة؛ ما زالوا يقومون بخطط”).
وكان هناك نوع من الهوس قصير المدى بين هؤلاء الأجانب؛ حيث يتقاضى الكثير منهم 40 ألف دولار شهريًّا، بالإضافة إلى مكافآت رائعة؛ حيث قال لي أحد مستشاري نيوم: “الأمر أشبه بركوب الثور؛ أنت تعلم أنك ستسقط، ولا يمكن لأحد أن يدوم على ثور أكثر من دقيقة ونصف، ودقيقتين، لذا يمكنك تحقيق أقصى استفادة منه”.
وعلى الرغم من ارتفاع الرواتب؛ هناك تقارير تفيد بأن الأجانب يغادرون مشروع نيوم لأنهم يجدون الفجوة فجوة بين التوقعات والواقع مرهقة للغاية؛ فيما أخبرني أصدقاء رئيس نيوم أنه “مرعوب” من عدم إحراز تقدم.
في النهاية؛ وجدت فنيًّا متقاعدًّا في سلاح الجو السعودي والذي عرض أن يقودني في جميع أنحاء المدينة مقابل 600 دولار؛ حيث أخذني إلى منحوتة واقفة في الصحراء مع عبارة “أنا ❤ نيوم”، وعلى مسافة قصيرة وجدنا امتدادًا جديدًا من مدرج المطار، يُقال إنه يمثل حافة مدينة الأحلام، وبخلاف ذلك؛ امتدت الرمال على مدى البصر.