ستكون قضية المهاجرين واللاجئين السوريين من بين أهم المواضيع خلال السنوات العشر القادمة. وقد ألقت هذه القضية بظلالها على انتخابات 2023 وتغيرت أبعادها بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ. وغالبًا ما تعكس خطابات الأحزاب السياسية ما يريد الناخبون سماعه وليس ما يوجد من حقائق على أرض الواقع. ولكن هذه الوعود غير الواقعية تثير التوتر وتجعل التعامل مع هذه القضية أكثر صعوبة.
أصبحت النقاشات حول المهاجرين والسوريين مسيّسة إلى حد كبير، لذلك ارتأينا التطرق إلى هذا الموضوع من منظور شخص من خارج الساحة السياسية ولكنه مرتبط بها وهو متين شوراباتير، رئيس مركز دراسات اللجوء والهجرة الذي قضى معظم حياته المهنية في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا. وحتى بعد تقاعده لا يزال لديه الآن اتصالات مع جميع الأطراف والأحزاب السياسية ذات الصلة بهذا الشأن. وقد سألناه عن الخيارات المطروحة أمامه وأسباب النقاشات السياسية.
احتدم النقاش حول وضعية المهاجرين في الأيام الأخيرة، إذ يقول البعض إن البلاد تستضيف خمسة ملايين بينما يدعي البعض الآخر أن عددهم يصل إلى 10 ملايين، وسط مزاعم بأن الأفغان والباكستانيين يمثلون الأغلبية. لقد كنتم تتابعون عمل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية عن كثب منذ سنوات، فما الذي تواجهه تركيا في وضعنا الحالي، وما الذي نناقشه، وهل يمكنك إيضاح هذا المشهد لنا؟
عندما نتحدث عن نظام اللجوء في بلد ما وعن اللاجئين فيجب ألا يقتصر التعامل على الأرقام فقط. لا شك أن الأرقام مهمة لكننا بحاجة إلى النظر في الإطار القانوني للقضية، والوضع الجغرافي للبلد، والعديد من العوامل الأخرى إلى جانب الهيكل الإداري ووضع المحاكم فيه. وعند تقييم كل هذه المعطيات، يمكن تحديد وضعية البلاد. وعندما يتعلق الأمر بالحلول المستقبلية، يجب أن تكون هذه هي مراجعنا.
بالنظر إلى الخريطة، من الواضح أن تركيا تمثل جسرًا جغرافيًا يربط بين الشرق والغرب والجنوب والشمال والشرق الأوسط وأوروبا. وتاريخيًا، تعرف تركيا بكونها نقطة عبور للمهاجرين. وفي السابق، أبدت تركيا بعض الاهتمام بتطوير قانون الهجرة المعاصر وأصبحت طرفًا في ”اتفاقية جنيف” لسنة 1951. ورغم التقييد الجغرافي، لا تزال تركيا ملزمة بهذه الاتفاقية مثل بقية الدول الموقعة عليها وهي تحمي الحقوق الأساسية للاجئين.
تعد كل من اتفاقية ”جنيف لسنة 1951” و”الإبادة الجماعية لسنة 1947” أقدم وثيقتين لحقوق الإنسان تم إصدارهما بعد الحرب العالمية الثانية. والمصدر الرئيسي الذي تستند إليه اتفاقية اللاجئين هو البيان العالمي لحقوق الإنسان. لذلك، يُنظر إلى قضية اللاجئين على أنها حق من حقوق الإنسان. ويجب على الدول التي تستضيف اللاجئين أن تمنحهم حقوقًا واسعة.
عندما نقول حلولًا دائمة، يمكن التفكير في ثلاث فئات رئيسية: العودة طوعًا، أو الاندماج في البلد المضيف، او إعادة التوطين في بلد ثالث
حسب التعريف، يصبح الأشخاص لاجئين إذا عبروا الحدود الدولية نتيجة غياب الحماية في بلدهم ووطنهم والدولة التي ينتمون إليها، أي أن حقوقهم غير محمية بالكامل في البلدان التي أتوا منها. في هذه الحالة، يقوم النظام الذي أنشأته اتفاقية جنيف على تزويد هؤلاء الأشخاص نيابةً عن المجتمع الدولي بالحماية التي لا تستطيع بلادهم توفيرها، حتى في الخارج. ولهذا القانون غايتان: توفير الحماية للاجئين وإيجاد حلول دائمة لهم.
وعندما نقول حلولًا دائمة، يمكن التفكير في ثلاث فئات رئيسية: العودة طوعًا، أو الاندماج في البلد المضيف، او إعادة التوطين في بلد ثالث. وحقيقة أن تركيا طرف في اتفاقية جنيف مع التقييد الجغرافي يعني أن المسؤوليات التي تفرضها الاتفاقية تقتصر على اللاجئين من أوروبا فقط. بعبارة أخرى، إذا جاء مواطن من بلد غير أوروبي إلى تركيا لأسباب تجعله لاجئًا فإن ذلك يوفر له الحماية ويفتح له الحدود ولكن ذلك لا يضمن الاعتراف بحقوقه الأساسية. ونظرًا لغياب إمكانية الاندماج في تركيا، تصبح إعادة التوطين في بلد ثالث حلاً معقولا. يعتمد نظام تركيا على هذا الافتراض، والحل الدائم للاجئين من خارج أوروبا هو إما العودة إلى الوطن طوعًا أو إعادة التوطين. وقد نشأت عن هذا النظام مشاكل عميقة.
تجاوز عدد الأشخاص المستفيدين من الحماية الدولية التي توفرها تركيا 4 ملايين
من أجل أن تصبح دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كان على تركيا استيفاء بعض الالتزامات منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كان هذا المجال على جدول أعمال تركيا لذلك سنّت قانون اللجوء الأول في تاريخها بناءً على طلب من الاتحاد الأوروبي في سنة 2014-2015، وهو قانون الأجانب والحماية الدولية عدد 6458. كما تم إنشاء المديرية العامة لإدارة الهجرة باعتبارها مؤسسة مدنية.
لتركيا قوانين ومؤسسات وتقاليد في هذا المجال، وهي من بين الدول التي تستقبل العديد من اللاجئين باستثناء الدول الغربية. مع ذلك، حافظت تركيا على القيود الجغرافية ما يعني أن القانون الجديد كان غائبًا بعض الشيء. في سنة 2011، قبل سن القانون، اندلعت الحرب في سوريا وبدأ اللاجئون بالتدفق وتسارعت وتيرة توافدهم مع مرور السنين. حاولت تركيا تطبيق ممارسات الهجرات الجماعية السابقة على الوضع الجديد لكن الأحداث تصاعدت بشكل كبير.
حسب البيانات الرسمية، مُنح 3.7 مليون سوري وضع “الحماية المؤقتة” التي حددها القانون الجديد، وهو يحاولون الآن مواصلة حياتهم تحت الحماية المؤقتة. وهناك ما بين 350-400 ألف شخص من طالبي اللجوء من دول أخرى أغلبهم من إيران وأفغانستان والعراق ودول أفريقية، وهم مسجلون أيضًا في نظام اللجوء في تركيا. وقد تجاوز عدد الأشخاص المستفيدين من الحماية الدولية التي توفرها تركيا 4 ملايين. ومع الأزمة الأوكرانية الأخيرة، توافد 100 ألف مواطن أوكراني على تركيا.
هل يمثل عدد اللاجئين مصدرا للخوف في حواراتك مع السلطات التركية في الأمم المتحدة، كانت هناك حوارات مختلفة حول حقوق اللاجئين. بناءً على هذه التجربة، هل تعتقد أن الأرقام التي تفصح عنها تركيا صحيحة؟ ما هو الرأي السائد حول مدى واقعية هذه الأرقام؟
أولًا، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولا تزال تقدم مساهمة كبيرة في سن القوانين وتطوير قدرات السلطات التركية اليوم. ومع زيادة عدد اللاجئين، تتزايد أيضًا أنشطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. إنهم يعملون مع الوزارات في مجال التعليم وبناء المهارات. وقد سألتهم عن مدى مصداقية الأرقام لأنه ليس لدينا مصدر آخر، ولا يمكن لمؤسسة أخرى من الخارج أن تحصي عدد الأفراد الخاضعين للحماية.
ثانيًا، عندما بدأ السوريون في التدفق في البداية كانوا يدخلون حدودنا في وقت كانت فيه البلاد تمر بوضع فوضوي. كان حرس الحدود يسألون النازحين عن كيفية كتابة أسمائهم لأنه لم يكن أحد يعرف كيف تكتب أسمائهم في بطاقاتهم الشخصية، ناهيك عن أن السلطات لم يكن لها سجلات دقيقة. في وقت لاحق، عندما بدأ تنظيم هذه العملية وأصبحت المساعدة الدولية أيضًا موضع تساؤل، بدأت عملية التحقق من عدد اللاجئين بمشاركة الأمم المتحدة لإحصاء السوريين في تركيا. وتم إجراء هذا الإحصاء في المقاطعات التي تم تسجيلهم فيها. وهكذا، تم إنشاء قاعدة بيانات جديدة لهم.
وفقًا للاتفاقيات، تلتزم الدول بتقديم جميع الأرقام إلى الأمم المتحدة. والتلاعب بهذه الأرقام لن ينفع تركيا لأنه توجد الآن خطة إقليمية للاجئين تشمل تركيا ولبنان والعراق ومصر هدفها توفير الحماية للاجئين السوريين. ويتم تحديد جميع البرامج والمساعدات في هذه الخطة في إطار الاحتياجات القائمة على الأرقام الواردة من هذه البلدان والدراسات التي أجرتها الأمم المتحدة. وهذا يعني أنه لا يمكن المبالغة في الأرقام أو تقليصها عندما يتعلق الأمر بتقدير عدد الأشخاص الذين لا يمكنك الوصول إليهم أو تسجيلهم تقنيًا، والأرقام المستخدمة حاليًا في الأمم المتحدة هي تلك التي توفرها الحكومة التركية.
يُقال الآن إن البلاد تستضيف 10 ملايين لاجئ، ولكنني أعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه ومسيّس وأصبح أداة لخلق الفوضى بالادعاء أن “بلادنا تحت الاحتلال العربي”، أو “تم الاستيلاء عليها”. من الطبيعي لمن يقدمون هذه الحجة أن يبالغوا في الأرقام. أما في منتديات الأمم المتحدة للمجتمع الدولي، والمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وفي المناقشات حول المساعدات وفي جميع الوثائق الدولية يتم استخدام الأرقام الرسمية التي قدمتها السلطات التركية.
توظيف قضية اللاجئين في انتخابات 2019 مثل نقطة تحوّل
هل تغيرت هذه الأرقام في السنوات الخمس الماضية؟ لماذا يتزايد رد الفعل؟ وفقًا لأرقام إدارة الهجرة – بدون احتساب الأوكرانيين – يبدو أن عدد اللاجئين مستقر.
لوحظ خلال الفترة الماضية استقرار في عدد اللاجئين السوريين. نعم، ما قلته صحيح، لم تحدث قفزة كبيرة في عدد السكان في السنوات الثلاث أو الخمس الماضية، وإنما سجلت زيادة طفيفة في عدد السكان بولادة حوالي 700 ألف طفل. هناك عائدون إلى وطنهم، منهم من عاد إلى المناطق الخاضعة للسيطرة التركية. أما البعض فيسلك طرقا غير شرعية إلى أوروبا. ومن جهتها، شيدت تركيا الجدران على الحدود واتخذت الكثير من الإجراءات مثل نشر الكاميرات الحرارية.
لماذا تتزايد هذه المناقشات؟ لدي تعقيب على ذلك بناءً على بعض البيانات وما اكتسبته من خبرة. تم تسييس هذه القضية منذ البداية، أي منذ سنة 2011. وعلى الرغم من أنها لم تجذب انتباه السياسيين ووسائل الإعلام في البداية، إلا أن المعارضة كانت تدلي دائمًا بتصريحات مشبوهة بأنهم “لاجئو رجب طيب أردوغان”. وإذا سألتني، فإن نقطة التحول هي الانتخابات السابقة. أُجريت العديد من الاستفتاءات والانتخابات ما بين 2011 و2019، لكن قضية اللاجئين لم تكن على جدول الأعمال كثيرًا. لقد رأينا في الحملات الانتخابية لسنة 2019 كيف بدأت النخبة السياسية تربط العداء تجاه المهاجرين بما تواجهه البلاد من مشاكل. فعلى سبيل المثال، حقق رئيس بلدية بولو الحالي أكبر نجاح في تلك الحملة الانتخابية بفضل معاداته للاجئين.
بصفتنا مركز دراسات اللجوء والهجرة، وبما أننا مؤسسة غير سياسية، نلتقي مع كل حزب في البلاد. تحدثنا إلى الحزب الديمقراطي وكليتشدار أوغلو عدة مرات. وتحدثنا مع الكثير من مساعدي رؤساء الأحزاب. كما نجري محادثات مع حزب العدالة والتنمية. نحن منفتحون على أي شخص يطرح علينا سؤالًا ويريد الحصول على رأي خبير. أتذكر في بعض المحادثات التي أجريناها مع أحد كبار مسؤولي حزب الشعب الجمهوري بعد انتخابات 2019 أنه قال: “كلما قلنا سنعيد السوريين في الحملات والتجمعات حظينا بتصفيق كبير”، وذلك دليل على أن هذه القضية اتخذت بعدا سياسيًا.
في السنة الماضية، عندما توترت الأوضاع في أفغانستان واجهنا حركة ديمغرافية جديدة. كان هناك أيضًا مبالغة كبيرة، وأنا شخصيا ذهبت إلى ولاية فان مرتين وسألنا مراقبين مختلفين، نعم كانت هناك زيادة في عدد اللاجئين وبعضها شهد زيادة موسمية. كان سبب هجرة البعض الهرب من المجاعة الكبيرة في أفغانستان نتيجة الجفاف. وهناك أيضًا من يأتون للعمل من أجل إرسال المال إلى بلادهم. نعم هناك زيادة، لكن مبالغ في تقديرها للغاية. وعلى عكس ما يقوله أوميت أوزداغ فإن الوافدين ليسوا فقط “شبانا عزاب”.
لقد تحدثنا عدة مرات مع مسؤولي حزب الشعب الجمهوري وكان ردهم دائما “إذا وصلنا إلى السلطة، لن يتم إعادة اللاجئين إلا بمصافحة الأسد”. لكننا أخبرناهم أنه لا يمكن القيام بذلك دون النظر إلى القانون الدولي، واقترحنا خطابًا مختلفًا.
بدأ الرئيس والحكومة الحديث عن عودة اللاجئين إلى الوطن، لكن هناك فرق بسيط في تصريحات حزب الشعب الجمهوري والحكومة والرئيس. بدأ كيليتشدار أوغلو في تقديم شروط تمتد على سنتين بشأن تحسين العلاقات مع نظام الأسد منذ اللحظة التي سيصل فيها إلى السلطة، وقال إن عودة السوريين ستتم بشكل إنساني وطوعا إلى مناطق سيطرة الأسد.
في المقابل، قالت الحكومة إنه لا يمكنهم العودة إلى المناطق التي يسيطر الأسد، لذلك اقترحت إرسال حوالي مليون سوري طوعًا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة التركية ليكونوا تحت حمايتها حيث سيتم وضع برنامج إسكان، وذلك وفق تصريحات الرئيس التركي. في رأيي، كلا الاقتراحين طموحان، لكن اقتراح حزب الشعب الجمهوري على وجه الخصوص لن ينجح في ظل الظروف الدولية الحالية.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، انعقد في بروكسل المؤتمر الدولي السنوي السادس حول دعم الشعب السوري وشعوب دول الجوار. وفي المؤتمر الذي حضرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومفوضية الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال الجميع إنه ليس هناك بيئة ملائمة للعودة الطوعية إلى المناطق التي تقع تحت إدارة دمشق.
بالنظر إلى العمليات الدستورية في محادثات جنيف، يبدو أنه لم يتم إحراز أي تقدم. لذلك يتم توجيه دعوات لجمع الأموال للاجئين في البلدان الخمسة، بما في ذلك تركيا. وتشير تقارير عديدة إلى أنه لن يكون من الآمن العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة إدارة دمشق. لكن تصريح كيليتشدار أوغلو بأننا سنعيدهم دون الأخذ بعين الاعتبار رأي المجتمع الدولي، سيخلق صعوبة بالنسبة لهم إذا وصلوا إلى السلطة غدًا.
في سياق آخر، هناك مشكلة في الرقم التي اقترحته الحكومة التركية. فمليون سوري رقم كبير، ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك المناطق قادرة على استيعابه. وتكمن المشكلة الحقيقية في أن المنطقة التي نقول إننا سنعيد مليون شخص إليها موجودة على الأراضي السورية، التي يتم الاعتراف بوحدة أراضيها داخل حدود سوريا الأسد. وقد سبق أن طلبت تركيا عدة مرات من المجتمع الدولي “إنشاء منطقة عازلة”.
في سنة 2012، عندما كان داوود أوغلو وزيرًا للخارجية اقترح هذا الأمر في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، لكنه لم يحظ بشعبية. في سنة 2019، وجّه الرئيس نفس الدعوة فيما يتعلق بالخرائط وخطط التسوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن المجتمع الدولي لا يتقبل قضية المنطقة العازلة بسبب تجاربها السابقة غير الناجحة. ستنشئ تركيا من جانب واحد منطقة عازلة في تلك المناطق وترسل اللاجئين هناك طواعية، ولكن تبقى مشكلة السيادة مطروحة.
في هذه المرحلة، لدي علامات استفهام جديّة، لأن منطقة سيادة الدول موضع تساؤل وقد سيطرت تركيا على منطقة تابعة لدولة أخرى ذات سيادة وتوفر الأمن فيها. ولهذا السبب، وحتى مع ما لديها من مسؤوليات تجاه اللاجئين هناك، فإن إعادة مليون شخص يمثل علامة استفهام بالنسبة للمجتمع الدولي.
حتى لو قبل المجتمع الدولي إنشاء منطقة عازلة، ما مدى قانونية هذا الخيار؟ هل هناك أساس قانوني للسماح بذلك؟ أولئك الذين يريدون العودة سيعودون على أي حال، لكن هل لدى تركيا فرصة لإرسال أولئك الذين لا يريدون العودة إلى سوريا؟ نحن نتحدث عن 3.5 مليون لاجئ. ماذا تقول التجارب السابقة؟
بما أننا نعمل عن كثب مع اللاجئين، فإن بعض الذين يذهبون في إجازات إلى سوريا يخبرهم أقاربهم بأن “ظروف المعيشية في تركيا صعبة للغاية، لذلك عليهم العيش في بلدهم”. يستطيعون إقناع الزوج لكنهم لا يستطيعون إقناع زوجته، وتؤدي بعض الخلافات حول العودة إلى الطلاق. ورغم وجود أمان بشكل عام في تلك المناطق، إلا أنها تتعرض من وقت لآخر لهجمات من قبل قوات سوريا الديمقراطية، أي أنه لا يوجد استقرار بنسبة 100 بالمئة. في الأثناء، تقوم المؤسسات التركية بفتح المدارس والمراكز الصحية وإنشاء البنية التحتية للمياه والصرف الصحي وفتح فروع بعض الجامعات، مثل جامعة غازي عنتاب.
أصبح خطاب الكراهية شائعًا جدًا، ويعيش بعض اللاجئين في خوف هنا. يعتقد الكثيرون في الواقع أنه يمكنهم أن يكونوا أكثر راحة هناك، لكن يجب الاهتمام بالبنية التحتية إذا سيتم تنفيذ هذا المشروع. بغض النظر عن البنية التحتية، يجب اختبار العمل تحت رعاية الأمم المتحدة. مثلاً، يتصلون بهم ليخبروهم ”أنت تعيش في إسطنبول فعل ترغب في العودة إلى سوريا حيث ستتمتع بنفس الحقوق التي تحظى بها حاليا وسنمنحك منزلاً. سنحتاج توقيعك إذا كنت موافقًا على ذلك”. في إطار هذه العملية، يجب أن يكون هناك وكالة مراقبة محايدة، مثل الأمم المتحدة، في المكان الذي تُجرى فيه كل مقابلة.
إذا قالت الحكومة المستقبلية إنها ستعيد اللاجئين، فسوف يتسبب ذلك في دمار كبير. ماذا سيحدث لمن يقولون “لا، لن نذهب” هل يمكن إعادتهم بالقوة؟
في كلتا الحالتين، لا ينبغي إعادتهم. اسمحوا لي أن أقدم إجابة افتراضية، لنقل إن المعارضة وصلت إلى السلطة وقالت: “سنطبّع العلاقات مع نظام دمشق”. فهل سيقبل نظام دمشق بهذا الصلح؟ ثانيًا، يقولون إن الأسد أعلن عفواً جديداً. فهل سوف يذهبون بموجب هذا العفو. لا، لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك.
إن هؤلاء الناس لم يرتكبوا جريمة حتى ينالوا عفوًا، وإذا كان هناك مذنب فهو النظام الذي دمر منازلهم. لذلك، إذا كانت الحكومة المستقبلية تنوي “إعادة هؤلاء اللاجئين” تحت أي ظرف من الظروف وفعلت ذلك فسيؤدي هذا إلى موجة فوضى أخرى، وسوف يقوّض ذلك علاقات تركيا مع العالم الغربي.
علينا التذكير بأن مبدأ عدم الإعادة القسرية شرط لا غنى عنه في القانون الدولي للاجئين والقانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. إن حظر الإعادة القسرية منصوص عليه في المادة 33 من اتفاقية جنيف وهو حظر واضح للغاية. كما أن هناك أحكامًا في معاهدة التعذيب تحظر الإعادة القسرية إلى أماكن محفوفة بالمخاطر قد يتعرض فيها السكان لمعاملة مهينة. إذا قلت “سأعيدهم مهما كلف الأمر”، فإن ذلك يعني انتهاك المبادئ المتعارف عليها، وبذلك ستقضي تركيا على الاتصال بالعالم المتحضر. والأهم من ذلك، عندما ترسلهم إلى هناك بثقة دون تهيئة الظروف الكافية، ستواجه البلاد حركة سكانية أكبر، ويبدأ هؤلاء الأشخاص في الفرار من مناطق النظام بسرعة.
أظهر المجتمع التركي نجاحًا كبيرًا في هذه العملية. بصراحة تمكنا من إدارتها بسلام. بما أن الأرقام لم تتغير منذ سنة 2019 كما قلتم، فهل يمكننا التحدث عن وضع تُعزى فيه التطورات السلبية في الاقتصاد إلى اللاجئين باعتبارهم الشريحة الأكثر ضعفًا في المجتمع؟
إن 11 عامًا فترة طويلة سواء في حياة اللاجئ أو في حياة البشرية، ولكنها فترة قصيرة في حياة الدولة. في وقت قصير، زادت أرقام اللاجئين من 100 ألف إلى 250 ألف، ثم مليونين واستمرت في الارتفاع. ولا شك أن وضع الخطط التعليمية والصحية لهم يمثل حملا إضافيا على النفقات المخططة للقطاعات الأخرى، والأمر أشبه بمشاركة نفس الكعكة ونفس الخدمات مع عدد أكبر من السكان. وقد خلق ذلك مشكلة في جميع أنحاء العالم. وسأوضح الرابط بين هذه المشكلة ووضع الأحزاب في تركيا.
إذا انتبهت الآن للقيود التي تفرضها تركيا، فلا أحد يتحدث عن الاندماج. لكن يجب إشراك اللاجئ في خطط الاندماج مع توفير الحماية المؤقتة. لم يكن لهؤلاء الأشخاص حقوق منذ 11 عامًا، وجربت تركيا أنظمة مختلفة. والآن، يزاولون تعليمهم في المدارس التركية، حيث يذهب 750 ألف طفل سوري إلى المدارس، لكن ذلك يقدم لهم كخدمة وليس كحق وكذلك الصحة. بعبارة أخرى، ليس لديهم ضمانات معينة تربطهم بهذا البلد وبالمستقبل. نتيجة لذلك، يتم انتهاك حقوق اللاجئين. كحل دائم، دعونا ننظر إلى خطاب المعارضة بقولهم إننا سنتصالح مع الأسد. ماذا سيحدث لو قال الأسد “أنا أتكفل بهم”؟ يقول الأسد إنه أصدر عفوًا لكنه لا يزال يصفهم بالإرهابيين.
الاندماج هو الحل
قد يقول الأسد: “سأعيدهم، لكن اسحب جيشك من أرضي”..
بالطبع، سينطوي الاتفاق على تطبيق شروط معينة. وإذا كان النظام المقترح فاشلا، فلا يزال الحلّ البديل له هو الاندماج والاعتراف بهم كلاجئين، وعلى جميع الأحزاب السياسية القبول بذلك.
اسأل جميع الأحزاب، هل تفكرون في إزالة التقييد الجغرافي؟ لقد عاد بعض من السوريين على الأقل، لكن ما الذي سيتم تقديمه للسكان الذين يمكنهم البقاء؟ لا أحد يتحدث عن هذا الأمر. والحل الدائم الحقيقي هو ضمان الاندماج المحلي حتى يعود اللاجئون إلى بلدهم. لكن لا أحد يتحدث عن الاندماج من خلال الاعتراف بوضعهم ومنحهم حقوقهم. ومن بين أكبر المشاكل غياب الحق في العمل. كيف يعيش هؤلاء الناس؟ إما بمساعدة الاتحاد الأوروبي أو العمل بشكل غير رسمي. وهم يشغلون أطفالهم الصغار بأجور متدنية وبدون ضمان وظيفي ولا ضمان اجتماعي..
شيء مثل العبودية الحديثة
بالتأكيد، وهذا الوضع مستمر منذ 11 عامًا، كيف ستجد حلًا له؟ لديك كتاب والحكم في يدك. تعترف ألمانيا والدول الأوروبية بوضع اللاجئين وتمنحهم حرية التنقل، والتمثيل المتساوي أمام المحاكم، والحق في الملكية، والتعليم، والصحة، والعمل الحر.. وهناك حقوق معترف بها في اتفاقية جنيف. عندما نقول مكانة اللاجئ فإن هذا يعني تمتعه مباشرة بهذه الحقوق. عندها فقط ستصبح حياة اللاجئين في تركيا طبيعية وسيتمكنون من تأمين مستقبلهم.
متين شوراباتير هو، رئيس مركز دراسات اللجوء والهجرة. شغل ما بين 1995 و2013 منصب مدير العلاقات الخارجية والمتحدث الصحفي باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وعمل ما بين 1977 و1995 صحفيًا في العديد من المؤسسات الصحفية الرائدة في تركيا.