خلال الأشهر الأولى من إدارة ترامب، أجرى جاريد كوشنر مكالمة عاجلة مع محمد بن سلمان – الذي كان آنذاك نائب ولي العهد السعودي – طالبا المساعدة لضمان نجاح أول رحلة خارجية للرئيس إلى المملكة. كان كوشنر، أحد كبار مستشاري البيت الأبيض، الوحيد الذي حثّ صهره الرئيس دونالد ترامب على الزيارة.
قال كوشنر للأمير محمد: “الجميع هنا يخبرني أنني أحمق لأنني أثق بك. فهم يقولون إن الرحلة فكرة مروعة، وأنني إذا ما بلغت المملكة العربية السعودية، حيث تنتشر الرمال والجمال، سأكون ميتا لا محالة”.
ضحك الأمير محمد وأكد لكوشنر أن الرحلة سيكون لها فوائد كبيرة لترامب والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على حد سواء. استقبل الأمير محمد والحكام السعوديين ترامب بحفاوة في أيار/ مايو 2017، في زيارة انتهت برقصة السيف وصفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار وأعلى ميدالية مدنية في البلاد لتعزيز العلاقات بين البلدين.
تقدم المكالمة المفصلة في مذكرات جاريد كوشنر لمحة نادرة عن العلاقة غير العادية بين الرجلين التي تطورت من تحالف سياسي ودي إلى شراكة تجارية عميقة في فترة ما بعد البيت الأبيض، ما جذب انتباه محققي الكونغرس.
يتضمن الكتاب المؤلف من 500 صفحة، الذي اطلعت صحيفة “وول ستريت جورنال” على أجزاء منه، تفاصيل جديدة حول كيفية إقامة كوشنر علاقات مع الأمير محمد. وتوضح مذكرات كوشنر وقوفه إلى جانب الأمير محمد بعد اتهامه بإصدار أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعدائه مع مسؤولين آخرين في إدارة ترامب الذين اتهموه بالارتياح في علاقته مع الحاكم السعودي التي استفاد منها لتكوين علاقات جديدة بين “إسرائيل” والعالم العربي.
أثبتت علاقات كوشنر الوثيقة مع الأمير محمد أنها واحدة من أكثر العلاقات المثمرة واستقطابًا للبيت الأبيض في عهد ترامب. وقد اتهم وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون كوشنر بالتهميش وإدارة السياسة الخارجية خارج مكتبه في الجناح الغربي. كما اتهمته جماعات حقوق الإنسان بالتقليل من شأن حملة الأمير محمد القاسية ضد المنتقدين وحملته العسكرية ضد المسلحين المدعومين من إيران في اليمن حتى تتمكن الولايات المتحدة من تأمين مبيعات عسكرية مربحة للسعودية. وفي الوقت الحالي، يريد محققو الكونغرس معرفة ما إذا كانت قرارات كوشنر في البيت الأبيض قد ساعدته على تأمين استثمار بقيمة ملياري دولار قام به الأمير محمد والمملكة العربية السعودية لإطلاق شركة كوشنر الاستثمارية في فترة ما بعد خروجه من البيت الأبيض.
قالت النائب الديمقراطية عن نيويورك كارولين مالوني، التي تترأس لجنة الرقابة في مجلس النواب، إن العلاقات المالية بين كوشنر والأمير محمد تستدعي تمحيصًا دقيقًا. وذكرت في بيان لها: “يستحق الشعب الأمريكي إجابات عما إذا كان مسؤول كبير في البيت الأبيض قد استغل منصبه لتحقيق مكاسب شخصية وما إذا كان الوعد بتحقيق تعويض في المستقبل عن الإجراءات الرسمية قد أثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق ترامب”.
نفى كوشنر الاتهامات المتعلقة بقراراته في البيت الأبيض التي تهدف إلى تعزيز طموحاته التجارية الشخصية. كما رفض المسؤولون السعوديون أي تلميح فيما يتعلق باتخاذهم أي قرارات لصالح كوشنر شخصيًا. أما في الرياض، حيث تتشابك العلاقات الأسرية بإحكام مع الثروات السياسية، كان يُنظر إلى كوشنر على أنه شخصية رئيسية في البيت الأبيض في عهد ترامب، وأنه يتمتع بنفوذ وتأثير فريد لأنه متزوج من ابنة الرئيس السابق إيفانكا ترامب.
قال مسؤول سعودي: “لقد فهم الجميع أهمية عملهم معًا؛ لقد كانت هناك ضرورة إستراتيجية”.
في كتابه “كسر التاريخ: مذكرات البيت الأبيض”، المقرر إصداره في 23 آب/ أغسطس، يدافع كوشنر بعناية عن علاقته بالأمير محمد قائلا إنه ينظر إلى الأمير محمد على أنه شخصية تاريخية أدخلت إصلاحات اجتماعية لم يكن من الممكن تصورها في المملكة العربية السعودية، وقد قاد المملكة نحو علاقة مريحة مع “إسرائيل”.
عندما اتُهم الأمير محمد بإرسال فريق إلى تركيا في سنة 2018 لقتل خاشقجي، وهو كاتب في صحيفة واشنطن بوست مقيم في الولايات المتحدة، أيد كوشنر ادعاء الزعيم السعودي بأنه لم يكن متورطًا بشكل شخصي، حيث يرى كوشنر أنه كان لابد من ضبط الحادث الوحشي مع جميع التغييرات التي كان الأمير محمد يشرعها في المملكة العربية السعودية.
كتب كوشنر: “بينما كان هذا الوضع فظيعا، لم أستطع تجاهل حقيقة أن الإصلاحات التي كان محمد بن سلمان ينفذها كان لها تأثير إيجابي على ملايين الأشخاص في المملكة، وخاصة النساء”. وأضاف أن “جميع هذه الإصلاحات كانت من بين الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة، حيث أدت إلى مزيد من التقدم في مكافحة التطرف وتعزيز الفرص الاقتصادية والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة التي مزقتها الحرب. لقد كانت المملكة مستعدة للنسج على هذا التقدم التاريخي، وأعتقد أنها ستنجح في فعل ذلك”.
في وقت لاحق، خلص تقييم استخباراتي أمريكي إلى أن الأمير محمد أمر بتنفيذ العملية المميتة التي قتلت خاشقجي، وهو اكتشاف أشار كوشنر سابقا إلى أنه لم يجادل في صحّته لكنه لا يذكره في مذكراته.
في ذلك الوقت، وصف ترامب مقتل خاشقجي على أنه حالة شاذة ولا ينبغي أن تقوض علاقة الولايات المتحدة بالمملكة. سعى الرئيس بايدن إلى اتباع نهج مختلف عندما تولى منصبه في سنة 2021 من خلال تعهده بمعاملة المملكة العربية السعودية على أنها منبوذة بسبب مقتل خاشقجي.
في وقت سابق من هذا الشهر، غير بايدن رأيه وسافر إلى المملكة أين التقى الأمير محمد وصافحه باستخدام ضربة القبضة. قال بايدن إنه ناقش قضية خاشقجي مع الأمير محمد، لكنه مثل ترامب، لم يدع القضية تلقي بظلالها على بقيّة المناقشات حول قضايا أوسع مثل الأمن الإقليمي.
خلقت علاقة كوشنر الوثيقة بالأمير محمد احتقانا داخل إدارة ترامب بين المسؤولين الآخرين الذين نظروا إليها بريبة. وفي إحدى المواجهات الساخنة لسنة 2017 التي ذُكرت في الكتاب، اتهم تيلرسون كوشنر بتقويض سلطته كأكبر دبلوماسي أمريكي من خلال العمل مع الأمير محمد دون علمه. عارض تيلرسون محاولة كوشنر الناجحة لنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” من تل أبيب إلى القدس واتهم صهر ترامب بدعم محاولات المملكة العربية السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
وفقا للكتاب، قال تيلرسون: “الأمر شبيه بإشعال عود ثقاب في غابة جافة، والشرق الأوسط بأكمله يحترق. وعليك أيضا أن تقف أمام مجلس الشيوخ للحصول على الموافقة لأنك ستتسبب في حرب، ولن أكون الشخص الذي سيتم إلقاء اللوم عليه”.
كتب كوشنر أنه اتصل على الفور بالأمير محمد في مكالمة هاتفية، بينما كان تيلرسون يستمع لهما، وطلب من القائد السعودي أن ينزع من وزير الخارجية فكرة تشكيل السياسة دون مساهمته. صرخ تيلرسون قبل أن يغادر الغرفة قائلا: “لا يمكنني العمل بهذه الطريقة!”، ولم يكن من الممكن الوصول إليه للحصول على تعليق، لكنه أخبر المشرعين الأمريكيين بعد مغادرته إدارة ترامب، أنه كان يعتقد أن كوشنر قد قوض سلطته.
كتب كوشنر عديد المرات أنه التقط الهاتف للاتصال بالأمير محمد لحل ألغاز السياسة الخارجية، مثل أسعار النفط أو تحسين العلاقات مع “إسرائيل” أو حل الخلاف المستمر منذ سنوات مع قطر.
ومن بين إنجازات كوشنر أنه تزعم اتفاقات إبراهيم، وهي سلسلة من اتفاقيات السلام التاريخية التي وقعتها “إسرائيل” في سنة 2020 مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. ضغط كوشنر شخصيًا على الأمير محمد للسماح للطائرات التجارية الإسرائيلية بالتحليق فوق المملكة العربية السعودية للمساعدة في الاتفاقات وحث ولي العهد على الانضمام إلى المجموعة، لكن بالنسبة للأمير محمد، لم يكن التوقيت مناسبا.
عندما انضم كوشنر إلى ترامب ومساعديه الآخرين في المكتب البيضاوي لإجراء مكالمة بين “إسرائيل” وقادة الإمارات العربية المتحدة، الذين أبرموا اتفاقهم في آب/أغسطس 2020، أشاد ترامب بصهره باعتباره عبقريا وذلك وفقًا لما ورد في الكتاب. وقال ترامب مازحا: “الناس يشتكون من محاباة الأقارب، لكن أنا الرابح هنا”. فأجاب كوشنر أنه “ربما في المستقبل، سوف يقوم المزيد من الرؤساء بمضايقة أصهارهم من خلال تكليفهم بحل مشاكل مستحيلة الحل”.
المصدر: صحيفة وول ستريت جورنال