مجددًا يدخل الصومال مجاعة تهدد ملايين البشر فيه، فقد أعلن رئيس الصومال حسن شيخ محمود أن بلاده تمر رسميًا بمجاعة، وطالب شيخ محمود باستجابة محلية ودولية سريعة لمساعدة بلاده في هذه الظروف، بسبب وجود وفيات مرتبطة بالجوع، يشار إلى أن الصومال يقع تحت تأثير موجة جفاف إضافة إلى تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية التي خلفت أزمة غذائية كبيرة حول العالم.
ليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها الصومال حالة المجاعة، فهذا البلد الإفريقي الفقير شهد عدة مجاعات على طول العقود الماضية نتيجة للحروب والجفاف والاقتتال بين الحكومات والمجموعات المسلحة وراح ضحية الأزمات والكوارث الغذائية ملايين الأشخاص بين قتيل ومشرد، فيما تلوح بوادر الكارثة اليوم بتأثير من التغير المناخي والأزمة العالمية.
ليست المجاعة الأولى
في عام 1964 ضربت الصومال مجاعة سميت “عام جفاف المعكرونة”، حيث وزعت على المتضررين من هذه الكوارث علب المعكرونة، وخلال هذه الكارثة قتل الآلاف، ومن الأسباب التي أدت إلى تلك المجاعة توالي مواسم الجفاف وتصحر الأراضي الزراعية، ما أدى إلى نفوق المواشي التي كان يعتمد عليها السكان في تأمين مشتقات الحليب، هذا الأمر أدى لانتشار الأمراض وسوء التغذية.
لم يخرج الصومال من أزمة الستينيات بسلام حتى دخل في أتون مجاعة جديدة عام 1974 حين شهدت البلاد أزمة سميت بـ”الجفاف الطويل الأمد”، وبدأت الحكومة آنذاك في تنفيذ برنامج لتوزيع المساعدات ونقل المتضررين من الناس إلى الأقاليم الجنوبية حيث يقع نهر جوبا وشبيلي.
أما في عام 1992 ضربت الصومال مجاعة كانت الأكبر حيث نفقت المواشي وانتشرت الأمراض في ظل جفاف شديد أصاب البلاد، ولقي أكثر من 300 ألف صومالي مصرعهم، وزاد على ذلك مقتل الآلاف في حرب أهلية، ما تسبب بانتشار الفوضى وانعدام الأمن لتزيد الكارثة على الصوماليين، إثر ذلك تدخلت أمريكا بجانب دول أخرى في البلاد بموجب قرار أممي لما قالت إنه “حماية المواطنين الصوماليين وضمان وصول الإغاثة الغذائية والطبية إليهم”.
أما في عام 2011 فقد أعلنت منظمة الغذاء العالمية أن المجاعة التي ضربت البلاد بين عامي 2010 و2012 أودت بحياة أكثر من 260 ألفًا من سكان البلاد، وكما الموجات السابقة من المجاعة فقد ضرب الجفاف الأراضي وارتفعت أسعار المواد في ظل فقر مدقع، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف وترك المناطق الزراعية التي لم تعد صالحة.
لم تمض بعض السنوات حتى تجددت كارثة جديدة في الأراضي الصومالية حين مات المئات نتيجة للجفاف الذي ضرب البلاد عام 2017، وأعلن الرئيس الصومالي آنذاك محمد عبد الله محمد أن الجفاف بات “كارثة وطنية”، وقد أثر الجفاف على أكثر من 6 ملايين شخص وهو ما يعادل نصف السكان، كما أثر على مياه الشرب، ما أفقدها صلاحيتها، وزاد على ذلك عدم الاستقرار والصراع الذي يعاني منه الصوماليون منذ عقود، بالإضافة إلى ظاهرة التغير المناخي التي أثرت بشكل كبير على العالم.
7 ملايين شخص في خطر
أما اليوم، تعاني هذه الدولة الإفريقية من تبعات الأزمة العالمية إضافة للتغير المناخي، وهما الأزمتان اللتان تضربان العالم بأكمله، لكن كما العادة فإن الصومال يتضرر أكثر وأسرع من غيره، فلم يشف من مجاعة حتى يدخل في أخرى دون أن يستطيع علاج ما يحل به، وكما ذكرنا فقد أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن بلاده دخلت رسميًا في المجاعة وهو ما ينذر بخطر كبير.
يأتي كلام الرئيس الصومالي بعد عدّة تحذيرات من المؤسسات الدولية والمنظمات المعنية على مدار الشهور الماضية بأن البلد الإفريقي معرض لأزمة كبيرة سيتضرر منها أكثر من 7 ملايين إنسان، ومنذ أسابيع حذرت الأمم المتحدة على لسان منسقها المعني بالصومال آدم عبد المولى من أن البلاد أصبحت “على شفا مجاعة جماعية مدمرة يمكن أن تودي بحياة مئات الآلاف”، وقال المسؤول الأممي: “أخفقت أربعة مواسم متتالية للمطر، ما تسبب في أسوأ موجة جفاف أثرت على 7 ملايين شخص وشردت 805 آلاف آخرين في الصومال، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، ولا تزال المساعدات الإنسانية بعيدة المنال”.
ويشهد القرن الإفريقي أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، فبالإضافة إلى الصومال ستتأثر كل من كينيا وإثيوبيا بالمجاعة القادمة في حال لم تتخذ الإجراءات للوقاية منها، لكن مقديشو تعاني من نقص حاد في التمويل من المنظمات والمؤسسات الدولية، ومنذ منتصف العام 2021، نفق ثلاثة ملايين رأس ماشية بسبب الجفاف، وهي حصيلة مروعة في بلد رعوي تعتمد فيه الأسر على قطعانها في اللحوم والحليب والتجارة.
إضافة إلى ما سبق فقد قفزت أسعار المواد الغذائية المستوردة في الصومال إلى مستويات قياسية، إذ ارتفعت إلى 160%، مما ترك الأسر الفقيرة جائعة، وفي السياق قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إن الصومال على “عتبة المجاعة بعد ندرة هطول الأمطار للموسم الرابع على التوالي”، وأضاف ممثل الفاو في الصومال إيتيان بيتر شميت “مئات الآلاف يواجهون خطر الجوع والوفاة”.
تبعات الأزمة الأوكرانية
وصلت تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية إلى الصومال وهو البلد المنكوب أصلًا، حيث تسببت هذه الحرب بأزمتي غذاء ووقود عالميتين، وربطت مجلة “إيكونوميست” البريطانية المجاعة في الصومال بهذه الحرب إضافة إلى الجفاف الحاصل، يشار إلى أن الصومال يستورد 80% من احتياجاته الغذائية، في حين أنه يعتمد على روسيا وأوكرانيا في أكثر من 90% من وارداتها من القمح، وقد أدى ارتفاع تكاليف الشحن إلى بلوغ الأسعار الحد الذي بلغته عام 2011 عندما بدأت المجاعة في البلاد.
إلى ذلك تشير المجلة إلى أن “الحرب في أوكرانيا وما أسفرت عنه من ارتفاع أسعار الوقود، أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية وجعلت شراء القوت اليومي للصوماليين الذين يعيشون على ما تنتجه أراضيهم الزراعية أكثر تكلفة، كما جعلت من الصعوبة بمكان تقديم المساعدة لهم من سكان المدن”.
وتضيف المجلة “كما أدى ارتفاع أسعار الحبوب إلى زيادة تكلفة المساعدات المقدمة للصومال، فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، ارتفعت الفواتير التشغيلية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بنسبة 44%، وتمكّن المانحون من تقديم 30% فقط من المبلغ الإجمالي الذي تقول الأمم المتحدة إنها بحاجة إليه لتجنب وقوع كارثة في الصومال، الذي يبلغ 1.5 مليار دولار”.
في المحصلة، فإن المؤسسات والمنظمات الدولية لطالما حذرت من المجاعة في الصومال إلا أنها لا تتخذ إجراءات عملية من أجل تفادي الكوارث، وعند وقوع الأزمة تبدأ المحاولات لتدارك الأمر لكن الأوان يكون قد فات حيث يتضرر مئات الآلاف، وكذلك الدول التي ما زالت تهتم بالصراعات أكثر من تلك الشعوب التي تموت من الجوع، فإن مهمتها أصبحت النواح والدعوة إلى إنقاذ الصومال دون خطوات واضحة، واليوم يحيط الخطر بهذه الدولة المنكوبة فهل تتحرك الدول العربية الغنية وغيرها إما أن الأمر متروك ليحصد الجوع أرواح الناس كما حصل سابقًا؟