ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يكن هجوم زاخو سوى عملية مزيفة حدثت بمبادرة مشتركة من حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي والمنظمات الأخرى المدعومة من إيران، التي حرضت على العملية، فيما تغاضت عنها الولايات المتحدة وروسيا، ولعب العراق طواعية دور الضحية. المحزن في الأمر أن تركيا تبذل جهدها ووقتها في الدفاع عن نفسها تجاه هذا الادعاء السخيف. وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت؛ لم تقم إلى الآن أي لجنة مشتركة بجمع الشظايا التي سقطت في المنطقة من أجل فحصها ومعرفة مصدرها، وبالتالي فإن عدم إجراء تحقيق مفصل في مسرح الجريمة يخلق وضعًا مفتوحًا للتلاعب.
في 20 تموز/يوليو 2022؛ ومباشرة بعد الهجوم الذي نُفذ على منطقة سياحية في ريف قضاء زاخو شمال العراق، لوحظ في العراق تطور واضح في العداء تجاه تركيا، وعندما ننظر إلى التوقيت والأسلوب والمنطقة التي حدث فيها الهجوم وتزامن ردود الأفعال بعد الهجوم، نلاحظ بوضوح أن الهجوم كان استفزازًا مخططًا يستهدف شرعية الحرب الوقائية التركية ضد الإرهاب عبر الحدود.
توقيت الهجوم
على الرغم من أن الوضع الناشئ عن هذا العمل الاستفزازي يشير إلى مرتكبه، إلا أنه سيكون من المفيد تحليل توقيت الهجوم وطريقته والمنطقة التي وقع فيها ومشاهد العداء تجاه تركيا. من حيث التوقيت؛ فإن الهجوم يحمل معنىً ظرفيًّا؛ فقد تم الهجوم في فترة حرجة من شأنها أن تغير اتجاه سلسلة من التطورات الدورية التي تفيد تركيا. ومن الممكن التعبير عن هذه التطورات على النحو التالي؛ أولاً، جاء الهجوم بعد يوم واحد من قمة طهران، التي ناقشت العملية التركية العسكرية الأكثر شمولاً ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابي في شمال سوريا، وهكذا؛ أثناء مناقشة نطاق ومحتوى العملية التركية في سوريا، انجذب الانتباه الإقليمي والدولي فجأة إلى الوجود العسكري التركي في العراق، وهذا ما خلق تصورًا بأن تركيا لاعب يسعى للتوسع في المنطقة، وبالتالي يجب تأجيل العملية المحتملة في سوريا. ثانيًا؛ يتزامن الهجوم أيضًا مع الفترة التي تم فيها الضغط على حزب العمال الكردستاني عبر عملية المخلب في وادي الزاب.
وعبر سلسلة عمليات المخلب؛ تم تضييق مناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني في العراق، والتي يشير إليها الحزب بـ “مناطق الدفاع”، وتم تقليص النشاط المسلح للتنظيم في تلك المناطق التي تشمل هفتانين وماتينا وزاب وأفاشين وهاكورك، وبالتالي تحول نشاط الحزب هناك من البُعد الإستراتيجي والعملي إلى مجرد إجراءات تكتيكية.
ثالثًا؛ تزامن الهجوم مع فترة أسفر فيها التعاون الأمني والاستخباراتي بين الحكومة المركزية التركية العراقية والإدارة التركية الإقليمية عن نتائج إيجابية في الميدان، وقد عززت وكالة المخابرات التركية تواجدها في الأراضي العراقية حتى 300 كيلومتر من الحدود التركية، ونتج عن ذلك إجراء ارتباطات حساسة مع أفراد من حزب العمال الكردستاني والعناصر الإرهابية المدعومة من إيران المتعاونة مع حزب العمال الكردستاني، وهذا الوضع قد خلق ضغطًا كبيرًا على حزب العمال الكردستاني ووكلاء إيران، الذين يسعون إلى زعزعة الاستقرار في العراق. وأخيرًا؛ تزامن الهجوم مع الفترة التي عطلت فيها المخابرات التركية العمليات السرية للمخابرات الإيرانية في تركيا.
خدمة مشتركة لحزب العمال الكردستاني والنظام وإيران
بالنظر إلى هذه التطورات المتعلقة بتوقيت الهجوم؛ نلاحظ أن الهجوم قد خدم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري وإيران، فمن الواضح تمامًا أن الهجوم كان محاولة لفتح الطريق المسدود أمام حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وتأجيل أو إلغاء العملية العسكرية التركية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، إضافةً إلى تمهيد الطريق أمام إيران لتوسيع وتعزيز نفوذها الإقليمي، وبالتالي فإنه من غير المنطقي الاعتقاد بأن هذا الهجوم سيكون له مساهمة تكتيكية وعملية وإستراتيجية لتركيا.
طريقة الهجوم
تم تنفيذ الهجوم بخمس طلقات نارية (هاون/ مدفع) على المنطقة، دون الملاحظة أنها منطقة سياحية، مما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة 23 مدنيًّا بجروح. وبالنظر إلى صور الهجوم، يظهر أن القطر الناتج عن القذيفة أصغر من القطر الذي ينتج عادة عن قذيفة مدفع عيار 155 ملم، لكنه بحجم القطر الناتج عن قذيفة هاون عيار 120 ملم. وبالنظر إلى فترات الإطلاق؛ يتبين أن الإطلاق قد تم من فوهة واحدة، مع إجراء تعديلات بسيطة فى زاوية الإطلاق؛ وهذا تفصيل آخر يدل على أن الهجوم قد تم من مسافة قريبة، وجميع هذه المؤشرات أدلة واضحة على أن الهجوم قد تم من مسافة قريبة وبقاذفة هاون واحدة، أي أن لدينا خمس قذيفات هاون ومنصة إطلاق واحدة وهذا مؤشر على استخدام قوة بشرية مكونة من 3 إلى 4 أشخاص لحمل السلاح والذخيرة إلى موقع الهجوم ومن ثم إخلاء الموقع بعد تنفيذ الهجوم، وهذا النوع من العمليات يشير إلى الوحدات الهجومية التكتيكية لحزب العمال الكردستاني.
وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت؛ إلا أنه إلى الآن لم تقم أي لجنة مشتركة بجمع الشظايا التي سقطت في المنطقة من أجل فحصها ومعرفة مصدرها، وبالتالي فإن عدم إجراء تحقيق مفصل في مسرح الجريمة يخلق وضعًا مفتوحاً للتلاعب.
من ناحية أخرى، يجب فحص الحُفر التي تم تشكيلها في المنطقة لأن ذلك سيوفر أيضًا أدلة مهمة حول هيكل وعيار السلاح المستخدم، كما أنه يشكل فرصة لتحديد مسافة واتجاه مكان الإطلاق. ومع ذلك؛ لم يتم إتخاذ أي إجراء بعد، ومع مرور الوقت، ستفقد هذه الأدلة فعاليتها، ولكن على الأرجح تم تنفيذ الهجوم بقذيفة هاون واحدة من عيار 120 ملم، وهو سلاح متواجد في مستودعات حزب العمال الكردستاني.
لماذا تم اختيار هذه المنطقة؟
وقع الهجوم في منطقة جسر دلال الواقعة في وادي السندي غربي جبل هلكورد في شرق منطقة زاخو؛ حيث توجد قبائل “سندي” و”قولي” في هذه المنطقة، كما هو الحال في باقي مناطق زاخو. وتقوم هذه القبائل عمومًا بالتجارة الحدودية مع تركيا؛ حيث يقوم الاقتصاد الإقليمي على هذه التجارة، لذلك؛ تتمتع هذه القبائل بعلاقة مستقرة مع تركيا. ومن المعروف أيضًا أن هذه القبائل قدمت مساعدة عملياتية لعناصر القوات المسلحة أثناء عملية الصلب التي نفذت في عام 1995. وتقع قرية دلال؛ في أقصى غرب منطقة عمليات المخلب (منطقة حفتانين)، وهي في الأساس خارج منطقة العملية. وبعد بدء عملية المخلب في حزيران/ يونيو 2020، تطورت من جبل هلكورد في الغرب إلى منطقة شمال بلدة باطوفا في اتجاه منطقة متينا وتم تطهير هذه المنطقة من عناصر التنظيم الإرهابي. ومع ذلك، خلال العام ونصف العام الماضيين، عندما بدأ التقارب بين الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني، لوحظ أن حزب العمال الكردستاني حاول مرة أخرى تعبئة فرقه التكتيكية المكونة من 3-5 أشخاص في منطقة جبل هلكورد، وهو أول نقطة توقف للعمليات اللوجستية لمنظمة حزب العمال الكردستاني بعد الانتقال بين منطقة المالكية السورية والجبل الأبيض في العراق، وبالتالي فإن عبور الحزب عبر هذا الخط يعزز المرور إلى سنجار ويخلق طريقًا بديلًا للحزب؛ حيث يتم جلب السلاح والذخيرة من سوريا إلى جبل هلكورد ثم يتم نقلها إلى تركيا عبر خط جبال جودي – كورفيل، ثم تدخل عبر أولوديري، وبعد ذلك يمكن تسليمها إلى مناطق كيل محمد وهيركول وصولًا إلى بيستلار.
حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وغيره من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران عرضت صورًا في المدن التركية الكبرى، مهددة بأنه إذا لم تنسحب تركيا من العراق، فسيتم تنفيذ الهجمات التالية مباشرة على الأراضي التركية
وبقدر ما يمكن رؤيته من كل ذلك؛ فإن هجوم تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي على تركيا في هذه المنطقة، يحمل هدفين أحدهما عرقلة التعاون بين تركيا والسكان المحليين، والثاني توسيع منطقة العمليات الهجومية داخل تركيا مرة أخرى، وذلك عبر إخراج القوات المسلحة التركية من مناطق هلكورد وحفتانين، التي يعتبرها مركزًا لوجستيًّا وإستراتيجيًّا، مستفيدًا من ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية.
ردود الفعل المتزامنة
بعد الهجوم – ودون وجود أي دليل – ووجهت الاتهامات تجاه تركيا من قبل بغداد وأربيل، ثم من قبل المنظمات الإرهابية بما في ذلك حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، ثم من قبل الجهات الإرهابية المدعومة من إيران مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة حزب الله النجباء، وكتائب سيد الشهداء في العراق.
حتى في تركيا، أدلت الأحزاب السياسية، التي تدعم حزب العمال الكردستاني وبعض نقابات المحامين التي تدعم هذه المنظمة، بتصريحات مختلفة تتهم فيها تركيا بالهجوم، ولا ينبغي إغفال أن ردود الفعل هذه هي محاولة لخلق أرضية منظمة لنقل الشراكة بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وسوريا وإيران إلى العراق عبر إضعاف تركيا، لدرجة أنه بعد ردود الفعل هذه، كانت هناك زيادة ملحوظة في هجمات حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وغيرهما من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران ضد أهداف تركية في العراق وسوريا.
وقد رافقت ردود الفعل هذه هجمات إرهابية متعددة الأطراف ومتعددة الأساليب شملت القنصلية التركية في الموصل في العراق، وقاعدة جيدو في شمال شرق الموصل، وقاعدة بامرني في شمال شرق دهوك، ومنطقة عمليات المخلب، إضافةً إلى شن هجمات إرهابية مختلطة في سوريا، خاصة في على خط اعزاز-عفرين، حتى إن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وغيره من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران عرضت صورًا في المدن التركية الكبرى، مهددة بأنه إذا لم تنسحب تركيا من العراق، فسيتم تنفيذ الهجمات التالية مباشرة على الأراضي التركية.
ومع ذلك؛ فإن المنظمات غير الحكومية ونقابات المحامين وما يسمى بالحزب السياسي الذي يعمل تحت مظلة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا لم يدن أو ينتقد أي من هذه الاعتداءات والتهديدات.
لم يكن هجوم زاخو سوى عملية مزيفة حدثت بمبادرة مشتركة من حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي والمنظمات الأخرى المدعومة من إيران، التي حرضت على العملية، فيما تغاضت عنها الولايات المتحدة وروسيا، ولعب العراق طواعية دور الضحية.
والمحزن في الأمر أن تركيا تبذل جهدها ووقتها في الدفاع عن نفسها تجاه هذا الادعاء السخيف. وبهذا الصدد تواجه تركيا واقعًا جديدًا في حربها ضد الإرهاب؛ فعلى غرار ما حدث في سوريا؛ ستعمل المنظمات الإرهابية الوكيلة لإيران جنبًا إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني في العراق، ومن المعروف مدى قدرة هذا النفوذ الإيراني على زعزعة استقرار المنطقة؛ حيث تنتهج إيران حاليًا سياسة خارجية توسعية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وهذا يزيد من ضعف إيران جنبًا بجنب مع فعاليتها. وبالتالي فإن التعاون الإقليمي مع إيران سيعزز حرب تركيا ضد الإرهاب. ومن ناحية أخرى؛ يبدو أنه على إيران أن تتذكر بشكل أكثر فعالية مدى هشاشة سياساتها في جنوب أذربيجان وبلوشستان، إضافةً إلى أزمة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني داخل حدودها بسبب النضال من أجل الحرية.
المصدر: صحيفة ستار