نجحت الأمم المتحدة قبل 4 أشهر في إبرام الهدنة الأولى، والتي استمرّت لشهرَين ثم مُددت لشهرَين إضافيَّين، بين جماعة الحوثيين والحكومة المعترَف بها والمدعومة من التحالف العربي، حيث توقفت المواجهات في جبهات القتال بشكل شبه كلّي، فضلًا عن تسيير عدد من الرحلات الجوية من مطار صنعاء، والسماح لسفن الوقود بالدخول إلى ميناء الحديدة غربي اليمن.
الهدنة التي توصف بالهشة، فشلت في رفع الحصار عن مدينة تعز غربي اليمن، وعدم تيسير كامل الرحلات الجوية من مطار صنعاء إلى القاهرة والأردن، فضلًا عن عدم إطلاق الأسرى والمحتجزين المتفق عليهم.
مشاورات مكثَّفة
تستمرّ المشاورات بين الوفد العُماني، الذي وصل الأحد 31 أغسطس/ آب إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وجماعة الحوثيين التي تعتبر الهدنة “تجربة صادمة ومخيبة للآمال، ولا يمكن تكرارها في المستقبل”، وتتمسّك بعدة شروط لتجديدها.
وقبل وصول الوفد العُماني إلى صنعاء، بعث المبعوث الأممي بمستشاره العسكري إلى صنعاء للقاء قيادة جماعة الحوثيين، لكن حسب مراقبين فإن تلك الزيارة لم تنجح في إقناع الجماعة بتمديد الهدنة.
وناقش الوفد مع رئيس المجلس السياسي للحوثيين، مهدي المشاط، القضايا المرتبطة بالهدنة والمقترحات التي طرحها المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، للوفد الحوثي المفاوض، وكذلك المقترحات المتعلقة بمعالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية، بحسب “وكالة سبأ” التابعة لجماعة الحوثيين.
وأكّد المشاط ضرورة أن يرافق أي هدنة تحسين ملموس للوضع الاقتصادي والإنساني للشعب اليمني، بما في ذلك صرف مرتبات كافة الموظفين اليمنيين والموظفين المتقاعدين من إيرادات النفط والغاز، ووقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن ابتداء بالفتح الكلّي والفوري لمطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، مشددًا على أهمية انخراط التحالف في إجراءات داعمة لبناء الثقة ومقتضيات السلام.
لا يزال الوفد العُماني في صنعاء دون أن يدلي أي طرف بتصريحات حول نتيجة المشاورات من الأطراف اليمنية والدولية حول مصير الهدنة
إذًا هذه مطالب الحوثيين للتوقيع على هدنة ثالثة، وهي مطالب يرى مراقبون أنها شروط تفرضها الجماعة لتحقيق مكاسب أكثر خلال أي هدنة قادمة.
وعشية انتهاء الهدنة أعلن الحوثيون تدشين ما أسموه “عام الانتصار” بعرض عسكري كبير لقوّاتهم التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة، التي يشمل مسرح عملياتها تعز وعدن، في رسالة تهديد للمجلس الرئاسي وحكومته.
ولا يزال الوفد العُماني في صنعاء، دون أن يدلي أي طرف بتصريحات حول نتيجة المشاورات من الأطراف اليمنية والدولية حول مصير الهدنة.
هُدَن خاسرة
وفي الجانب الآخر لم تحقّق الحكومة اليمنية أي مكاسب على الأرض، حيث لم يتمَّ رفع الحصار من قبل الحوثيين عن مدينة تعز جنوب غربي اليمن، ولم يتمَّ إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، فضلًا عن كون جماعة الحوثيين قد حقّقت جزءًا كبيرًا من مطالبها بتيسير رحلات من مطار صنعاء ودخول العديد من سفن الوقود إلى ميناء الحديدة.
وبالتزامن مع وصول الوفد العُماني إلى صنعاء، غادرَ المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، الأحد مطار عدن جنوب اليمن غاضبًا، حسب مصادر في المطار لـ”نون بوست”، عقب 5 أيام من المشاورات العقيمة مع المجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي والحكومة اليمنية حول تمديد الهدنة.
التقى المبعوث الأممي وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، الذي أكّد أنه منذ اليوم الأول للهدنة التزمت الحكومة اليمنية بكافة بنودها، وقدّمت كل ما يمكن أن يُوفَّر من ظروف إيجابية لإنجاحها، رغم التعنُّت الواضح وعدم الالتزام من قبل جماعة الحوثي، على حد قوله.
واستعرض وزير الخارجية اليمني أمام المبعوث الأممي ما تمَّ تنفيذه من بنود الهدنة، حيث تمَّ تسيير 29 رحلة بين صنعاء وعمان ورحلتَين بين صنعاء والقاهرة حتى تاريخ 22 يوليو/ تموز 2022، نقلت أكثر من 10 آلاف مسافر رغم، حسبما قال، العراقيل التي اختلقتها جماعة الحوثيين في اللحظات الأخيرة قبل تسيير أول رحلة، واستمرارها في ذلك.
وأوضح بن مبارك أن عدد سفن المشتقات النفطية الداخلة إلى ميناء الحديدة، بلغت حتى تاريخ 21 يوليو/ تموز 26 سفينة، بإجمالي أكثر من 720 ألف طن من المشتقات النفطية، إضافة الى 7 سفن أخرى تمَّ استلام ملفاتها من مكتب المبعوث الخاص، جنت خلالها الجماعة من رسوم ضريبية وجمركية 105 مليارات ريال يمني، تكفي لتغطية الجزء الأكبر من المرتبات الشهرية لموظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين في مناطق سيطرتها، إلا أنها استمرت في جبايتها وحرمان الموظفين منها حسب وزير الخارجية.
واتّهم وزير الخارجية الجماعة الحوثية بممارسة الخروقات بمعدل 50 خرقًا مختلفًا خلال فترة الهدنة، أسفرت عن 81 قتيلًا و133 جريحًا.
ضغوط دولية
وفي سياق متصل، تلقّى رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي، اتصالًا هاتفيًّا من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في دلالة على الضغوط الدولية والإقليمية لدفع الأطراف المتحاربة في اليمن نحو القبول بمقترح أممي لتجديد الهدنة الإنسانية، حيث أكّد العليمي أنهم يمارسون مع التحالف بقيادة السعودية ضبط النفس، إزاء الانتهاكات والخروقات الواسعة من جانب جماعة الحوثيين.
جدّد العليمي التأكيد على حرص المجلس الرئاسي والحكومة على دفع كافة رواتب موظفي الخدمة العامة في مختلف أنحاء البلاد، على أن تفي جماعة الحوثيين بتعهّداتها بموجب اتفاق ستوكهولم
واتهم العليمي الحوثيين بالتنصُّل من كافة التزاماتهم في الهدنة، بما في ذلك إبقاء الحصار على مدينة تعز والمحافظات الأخرى، وعدم دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، والتلكُّؤ في تنفيذ التفاهمات المتعلقة بملفَّي الأسرى والمحتجزين وناقلة النفط صافر، على حد قوله.
وجدّد التأكيد على حرص المجلس الرئاسي والحكومة على دفع كافة رواتب موظفي الخدمة العامة في مختلف أنحاء البلاد، على أن تفي جماعة الحوثيين بتعهّداتها بموجب اتفاق ستوكهولم الملزم بتوريد كافة عائدات موانئ الحديدة وتخصيصها لهذا الغرض.
وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكّد من جانبه التزام الولايات المتحدة الأميركية بدعم جهود المبعوثَين الأممي والأميركي، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في اليمن.
استراحة محارب
مجيب شمسان، رئيس لجنة المتحدثين العسكريين في جماعة الحوثيين، أكّد لـ”نون بوست” أن الطرف الحكومي استغلَّ الهدنة الأممية كاستراحة محارب، وهو يعدّ العدّة للقتال، مضيفًا أنه إن جنح الطرف الآخر أو الحكومي للسلم بتحقيق شروطهم لتمديد الهدنة، فهُم سيجنحون للسلم، وإن جنح للحرب فهم مستعدّون لذلك، ولديهم تطور كبير في المجال العسكري، وما تمَّ استهدافه من قبل في العمق السعودي، كشركة أرامكو وغيرها من الأهداف العسكرية، ما هو إلا غيض من فيض قوّتهم العسكرية والصاروخية.
موضّحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر إلحاحًا على تمديد الهدنة التي تصبّ في مصلحتها لنهب ثروات البلاد من النفط والغاز، خصوصًا مع الحرب الأوكرانية الروسية، وانقطاع تصدير الغاز الروسي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني أكرم الحاج في حديثه لـ”نون بوست”، أن كل طرف من الأطراف المتصارعة في اليمن يضع شروطه لأجل تمديد الهدنة، الأمر الذي قد يؤدّي لا محالة إلى فشلها.
وأكّد أن على الأمم المتحدة أن تفرض رؤيتها بالقوة على الأطراف المتصارعة، حتى ينجح تمديد الهدنة لفترة ثالثة، وتكون الطريق إلى السلام الدائم في اليمن.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بارتكاب خروقات للهدنة، فيما يرى مراقبون أن تنصُّل الحكومة وجماعة الحوثي من تنفيذ كافة بنود الهدنة السابقة، هو السبب في عدم قبولهما على تمديدها لفترة 6 أشهر قادمة.
وفي السياق ذاته، وقبيل انتهاء الهدنة، أعلنت الأمم المتحدة عن توافق الأطراف المتحاربة في اليمن على تكثيف الجهود لتحديد قوائم المحتجزين بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن، وأعلن مكتب المبعوث الأممي في بيان أن اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق إطلاق سراح المحتجزين وتبادلهم بين الأطراف في اليمن اختتمَت الأحد اجتماعها السادس في العاصمة الأردنية عمّان، بعد 6 أيام من المشاورات لتحديد أسماء المحتجزين الذين سيتمّ الإفراج عنهم بناءً على الأعداد التي تمَّ الاتفاق عليها في مارس/ آذار من العام الحالي، بمشاركة مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
واتفقت الأطراف على تكثيف الجهود لتحديد قوائم المحتجزين بشكل نهائي، وتوحيدها في أقرب وقت ممكن، كما تمَّ الاتفاق أيضًا على تسهيل زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مراكز الاحتجاز للمساعدة في التحقق من الهويات، وإنشاء لجنة مشترَكة بينهم لدعم عملية التحقق من هوية أسماء المحتجزين المدرجة في القوائم، ومن المتوقع أن تجتمع الأطراف في الأسابيع المقبلة بعد إحراز مزيد من التقدم حول القوائم، حسب مكتب المبعوث الأممي.
تشمل الصفقة الإفراج عن 1400 أسير من الحوثيين، مقابل الإفراج عن 823 أسيرًا من التحالف، بينهم وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي
وقال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن: “يحدوني الأمل أن تحافظ الأطراف على التزامها باتفاقها، وألّا تدخّر جهدًا في تحقيق إطلاق سراح ناجح للمحتجزين ضمن إطار العملية التي تيسّرها الأمم المتحدة. إن تحديد الأسماء خطوة أساسية صوب هذه الغاية”.
وأضاف: “من المؤسف عدم اتفاق الأطراف على إطلاق سراح المحتجزين في هذا الوقت، ما سيؤدي إلى تحمّل المحتجزين وعائلاتهم المزيد من المعاناة والانتظار لوقت أطول حتى يتم لمّ شملهم”، حاثًّا الأطراف على الانتهاء من تحديد قوائمهم في أقرب وقت ممكن، مع إعطاء الأولوية للإفراج غير المشروط عن جميع المرضى والجرحى والأطفال المحتجزين، وكذلك الأشخاص المحتجزين تعسفيًّا، والمحتجزين السياسيين والصحفيين.
وكانت مشاورات بين التحالف الحكومي والحوثيين في مارس/ آذار الماضي برعاية الأمم المتحدة، قادت إلى التفاهم في سياق الهدنة الإنسانية السارية على الإفراج عن 2223 أسيرًا محتجزًا، في صفقة تبادل لم تتمَّ حتى اليوم.
تشمل الصفقة الإفراج عن 1400 أسير من الحوثيين، مقابل الإفراج عن 823 أسيرًا من التحالف، بينهم وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي، و16 سعوديًّا، و3 من المقاتلين السودانيين مع التحالف في اليمن.
مطالبات دولية بضرورة تمديد الهدنة
طالبت 30 منظمة إنسانية دولية غير حكومية أطراف الصراع في اليمن بالموافقة على تمديد الهدنة الأممية، وقالت المنظمات في بيان مشترَك، أصدرته الأحد: “قبل انتهاء اتفاقية الهدنة الحالية التي تقودها الأمم المتحدة في 2 أغسطس/ آب 2022، نحثّ جميع أطراف النزاع على تمديد الهدنة لمدة أطول، 6 أشهر أو أكثر، والالتزام ببنودها، والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية المدنيين والوفاء بجميع عناصر الاتفاق، بما في ذلك إعادة فتح الطرق في تعز”.
وأشاد البيان بالخطوات المهمة التي اتخذتها جميع أطراف النزاع للحفاظ على الهدنة خلال الأشهر الأربعة الماضية، والنتائج الإيجابية لها على المدنيين، وقال: “شهد اليمنيون العاديون أطول فترة هدوء في البلاد منذ أكثر من 7 سنوات، فمنذ أن دخلت الهدنة حيّز التنفيذ في 2 أبريل/ نيسان، تراجعَ سقوط الضحايا المدنيين بشكل كبير”.
يأمل اليمنيون بشكل كبير أن تتّفق الأطراف المتصارعة على تمديد الهدنة بأي حالٍ من الأحوال، خصوصًا بعد التوقف التامّ لتحليق أو قصف مقاتلات التحالف خلال الأربعة أشهر الماضية من الهدنة، والهدوء النسبي في جبهات القتال، وانحسار مسلسل النزوح في البلاد، فضلًا عن توفّر المشتقات النفطية على مدار الفترة الماضية من الهدنة، وبالذات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.