ترجمة حفصة جودة
في السنوات الأخيرة، نما سوق الملابس والأحذية المستعملة العالمي بشكل سريع، ففي 2002 كانت قيمة صادرات الملابس المستعملة 1.4 مليار دولار، ورغم التباطؤ الذي حدث في أثناء جائحة كوفيد-19، اقتربت قيمة الصادرات من 4 مليارات دولار في 2020.
كان جزء من هذا النمو مدفوعًا ببعض العلامات التجارية الشهيرة وتجار التجزئة في الشوارع الذين طوروا بيع ملابس البيت المستعملة وتأسيس شراكة مع منصات الملابس المستعملة الرقمية للعثور على استخدامات جديدة للموضة المستعملة خاصة الفاخرة منها.
في الغرب، اكتسبت الملابس المستعملة احترامًا جديدًا لاستدامتها ودورها في الاقتصادات الدائرية، يربط الاقتصاد الدائري الإنتاج بالاستهلاك للحد من الفائض من خلال إعادة الاستخدام والإصلاح والتجديد والتدوير بالإضافة إلى المشاركة والتأجير، دفع ذلك نحو اتجاه يتجاوز نمو سوق الملابس المستعملة بشكل عام.
إضافة إلى إعادة الاستخدام والتدوير في الغرب، فإن كمية ضخمة من الملابس المستعملة التي يتبرع بها الناس للمنظمات الخيرية يستمر تصديرها لدول الجنوب العالمي ومن بينها الدول الإفريقية.
لكن إفراط الغرب في استهلاك الملابس وتصديرها لم يخل من المشاكل:
فأولًا: ولّدت صادرات الملابس المستعملة في إفريقيا ملايين الأطنان من نفايات النسيج.
وثانيًا: خلقت شعبية تجارة الملابس المستعملة نقاشات عن تأثيرها السلبي على صناعات الملابس والنسيج المحلية.
ومرة أخرى ظهرت النقاشات عن حظر تلك الواردات، لكن واردات الملابس المستعملة المهربة كانت تتدفق بسهولة عبر الحدود الإفريقية المليئة بالثغرات، مما يجعل الحظر غير فعال بشكل كبير.
المخاوف المتزايدة بشأن نمو الصادرات من الصين طغت على الانتقادات العامة لصادرات الملابس المستعملة التي استمرت في ملء مكانها بالأسواق الشعبية
في كتابي عن تجارة الملابس المستعملة العالمية المنشور عام 2000، كان بحثي يركز بشكل كبير على زامبيا، وفي الكتاب درست التفاعل بين حماية البيئة والصدقات وإعادة التدوير والتوفير، كما استكشفت كيف تدور الملابس المستعملة عما هو أكثر من محاكاة الأسلوب الغربي، وتتبعت كيفية تحويل القطع إلى ملابس تتناسب مع الذوق والثقافة المحلية.
خلال العقدين الماضيين، غيرت الكثير من العمليات العالمية المشهد بطرق غير معقولة، الوضع كذلك في إفريقيا، ورغم هذه التغييرات ما زلت أعتقد أن ممارسات الملابس المستعملة الحاليّة لا تمثل نفايات الموضة، بل تكشف بعض الفوائد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتجارة الملابس المستعملة، وتحمل قيمة بارزة لهؤلاء الذين يصنعونها ويتابعونها، فمشاريع الملابس تلك ذات إمكانات تحويلية تبتعد عن التفاهة.
تغيير مشهد الملابس العالمي
كان التغيير الأول هو العصر الرقمي الذي جلب الإنترنت وأفكار جديدة ملهمة من صور ومنتجات وأساليب عالمية عابرة للحدود، كما سهلت التجارة الإلكترونية والابتكارات في أسواق الملابس الجديدة والمستعملة.
وثانيًا، أثرّت الموضة السريعة على أسواق الملابس في كل مكان، وثالثًا سمح انتهاء اتفاقية الألياف المتعددة لمنظمة التجارة العالمية في 2005 بدخول الملابس والمنسوجات القطنية المصنوعة في الصين دون رسوم جمركية إلى أسواق كانت مقيدة سابقًا على نحو غير مسبوق.
في كل أنحاء إفريقيا، يعمل الخياطون ورجال أعمال الموضة في سوق الملابس المجزأة الأقل تنافسية، حيث ينوعون ويغيرون أنشطتهم لتدبير أمورهم
لكن المخاوف المتزايدة بشأن نمو الصادرات من الصين طغت على الانتقادات العامة لصادرات الملابس المستعملة التي استمرت في ملء مكانها بالأسواق الشعبية.
ورابعًا، دخل فاعلون جدد في مجال تصدير الملابس المستعملة العالمي، ومن بينهم الهند والصين.
لفترة من الوقت، تسببت جائحة كوفيد-19 بشكل ملحوظ في الحد من أو إغلاق إنتاج الملابس في جميع أنحاء العالم، وظهرت العديد من المشكلات في بعض نقاط البضائع العالمية ووصلت سلاسل التوريد الأولية والنهائية إلى مشهد صارخ، مع إغلاق متاجر التجزئة على نطاق واسع وتراكم فائض المخزون.
من ناحية؛ لم يحصل عمال الملابس ذوو الأجور المتدنية في جنوب وجنوب شرق آسيا على رواتبهم، ومن ناحية أخرى في فرنسا وغيرها أحرقت العلامات التجارية الباهظة البضائع غير المبيعة لمنع انخفاض قيمة اسم العلامة في أسواق الملابس.
أما تجار التجزئة في أمريكا وأوروبا فقد باعوا مخزون البضائع غير المبيعة إلى عمال إعادة التدوير لاستخدامها في تصميماتهم بدلًا من رميها كنفايات.
إستراتيجيات النجاة
اليوم في زامبيا وكل أنحاء إفريقيا، يعمل الخياطون ورجال أعمال الموضة في سوق الملابس المجزأة الأقل تنافسية، حيث ينوعون ويغيرون أنشطتهم لتدبير أمورهم، فباعة الملابس المستعملة وباعة التجزئة للملابس الصينية وعمال المتاجر الراقية في الأسواق الكبرى والخياطون والخياطات والمصممون الصاعدون، جميعهم يعملون على خدمة الاحتياجات المختلفة لزبائنهم المهتمين بالموضة.
هناك أيضًا جانب عملي واقتصادي يشارك في إعادة استخدام الملابس المستعملة، إذ يعتبر المستهلكون في العديد من الأسواق الإفريقية أن الملابس الواردة من الصين أقل جودة من الملابس الموجودة في أسواق الملابس المستعملة
وفي الوقت نفسه يساهمون جميعًا في المظهر العام الأنيق والأسلوب الابتكاري الذي تشتهر به العديد من الدول الإفريقية، يستلزم عملهم صراعًا اقتصاديًا وإبداعيًا مستمرًا لكسب المعيشة وإضفاء الطابع الاحترافي على مشهد الموضة، يعمل غالبيتهم داخل الاقتصاد غير الرسمي الضخم لبلادهم، ما يجعلهم يفتقرون إلى دعم الدولة الثابت والرعاية الدائمة.
لم تُستغل إمكانات الموضة لاقتصاد الملابس الإبداعية في الدول الإفريقية، وفي الوقت نفسه لم تسقط الملابس المستعملة عن ممارسات الملابس الشعبية، بل على النقيض تمامًا، استُخدمت الملابس المستعملة لأغراض أخرى بشكل عصري جديد.
يتضمن ذلك أحيانًا تحويل الملابس المعاد تدويرها إلى أزياء معاد تدويرها مرة أخرى للأفضل، ينشغل الخياطون والخياطات الذين يعملون في الأسواق والمنازل وكذلك المصممون الطموحون في دراسات الموضة بإفريقيا وخارجها، بالحصول على الملابس المستعملة المتاحة بالفعل لتعديلها وإعادة تصميمها بشكل مبدع لتصبح ملابس وإكسسوارات جديدة.
هناك أيضًا جانب عملي واقتصادي يشارك في إعادة استخدام الملابس المستعملة، حيث يعتبر المستهلكون في العديد من الأسواق الإفريقية أن الملابس الواردة من الصين أقل جودة من الملابس الموجودة في أسواق الملابس المستعملة.
تطور جذب الزبائن من خلفيات اقتصادية وعرقية مختلفة كجزء مقبول في سوق الملابس بأكمله، دخل اختيار الملابس المستعملة مكانة خاصة كملابس عتيقة، بينما مُزقت الملابس التالفة وأُعيد استخدامها بإبداع.
فقد أُعيد تدويرها لتصبح دمى محاكة أو تُنسج على السلال، أو جزء من التزيين الداخلي كمفارش المائدة وأكياس الوسائد، كما استخدمت المتاجر المؤقتة ذات الأساليب الإبداعية تلك الملابس التي تظهر في المناسبات الخاصة لجذب العملاء المهتمين بالموضة.
إضافة إلى ذلك، تتغير الموضة اليومية مع تحدي الشباب للملابس النمطية القائمة على النوع أو التقاليد بارتداء ملابس مختلفة في المجال العام لإرضاء رغبتهم في لبس ما يحلو لهم، وتكييف الملابس المستعملة الصادرة لتناسب إداركهم الثقافي لأجسادهم وملابسهم وإضفاء الطابع المحلي عليها في تلك العملية.
المصدر: ذي كونفرسايشن