أثارت البيانات المستمرة التي صدرت عن قيادات في الإطار التنسيقي الشيعي، وتحديدًا عبر قيس الخزعلي وشبل الزيدي وأحمد الأسدي، التي وصفت زعيم منظمة بدر المنضوية ضمن الإطار، هادي العامري، بـ”العامري شيخ الإطار”، العديد من الأسئلة والاستفسارات عن موقع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ضمن هيكلية الإطار، خصوصًا أنه اعتاد تقديم نفسه كقائد لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، كونه يملك أغلبية المقاعد النيابية المكونة للإطار، فضلًا عن تأثيره السياسي على العديد من القوى الأخرى.
التحول الذي طرأ على قيادة الإطار التنسيقي الشيعي جاء بعد يوم واحد من تغريدة أصدرها وزير الصدر، صالح محمد العراقي، التي وضع فيها شروطًا مسبقة للحوار مع الإطار التنسيقي الشيعي، وكان أحد هذه الشروط هي استقالة العامري من الإطار، وعلى ما يبدو فإن قوى الإطار التنسيقي الشيعي اختارت التضحية بالمالكي مقابل الحفاظ على العامري ضمن مظلة الإطار، وإبقائه وحدة عضوية متماسكة.
فقوى الإطار التنسيقي الشيعي وعبر الخطوة الأخيرة، أرادت إرسال رسالة واضحة للصدر، وهي إن كانت مشكلة الصدر مع المالكي فقد تم إبعاده عن قيادة الإطار، وإذا رغبت بالحوار مع العامري، فإننا نقدمه لك للحوار بوصفه قائدًا للإطار، وليس بصفته أحد أعضائه.
بدأت قوى الإطار التنسيقي الشيعي تدرك أن مواجهة الصدر عبر الشارع هي مواجهة خاسرة لا محالة
وعلى الرغم من أن الصدر قابل هذه الخطوة الإطارية، بالإيعاز لمناصريه بالانسحاب من داخل البرلمان ونقل الاعتصام إلى أمام ومحيط مبنى البرلمان، فإنه من جهة أخرى يعكس خشية صدرية من الانسحاب الكامل من المنطقة الخضراء، وذلك من أجل عدم منح فرصة لقوى الإطار التنسيقي الشيعي لدفع مناصريها للدخول للمنطقة، وسحب ورقة مهمة من يد الصدر.
كما أن الصدر بدخوله للمنطقة الخضراء، وإعلانه اعتصامًا مفتوحًا داخل مبنى البرلمان، لم يكن الهدف منه انتظار تسوية مرضية من قوى الإطار، فهو على ما يبدو يطمح لتسوية تتيح له إعادة تشكيل العملية السياسية من جهة، وإعادة تشكيل معادلة القوة داخل البيت الشيعي من جهة أخرى، بحيث يكون الصدر فيها هو المحور والمركز، وباقي القوى الشيعية خاضعة لتأثيره وقراره.
ففي الوقت الذي حاولت فيه قوى الإطار التنسيقي الشيعي الدفع بجماهيرها ومناصريها للتظاهر أمام المنطقة الخضراء، فإنها فشلت في تحقيق حضور أعداد كبيرة توازي أعداد مناصري التيار الصدري، رغم ممارستها عملية تحشيد إعلامي مكثف، وإجبارها للعديد من المنتسبين لهيئة الحشد الشعبي على النزول للشارع، إلا أنها أجُبرت على إنهاء التظاهرات بعد ساعة من بدءها.
وعلى هذا الأساس بدأت قوى الإطار التنسيقي الشيعي تدرك أن مواجهة الصدر عبر الشارع هي مواجهة خاسرة لا محالة، وعادت للتفكير في كيفية طرح مبادرات سياسية أو حوارات ثنائية مع الصدر، من أجل تخفيف مطالبه أو حتى في دفعه لفض اعتصامه داخل المنطقة الخضراء كمرحلة أولى.
أين تقف إيران من هذه المعضلة؟
مما لا شك فيه أن إيران تضررت كثيرًا من الخطوات التصعيدية التي أقدم عليها الصدر مؤخرًا، فهو أتعب قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، وجعله ضابطًا لإيقاع وسلوك قوى الإطار التنسيقي الشيعي والفصائل المسلحة المرتبطة به، بعد أن كان القائد السابق للفيلق قاسم سليماني يأمر وينهي.
فمنذ الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، زار قآني العراق أكثر من 6 مرات متتالية، دون أن يحقق أي نتائج على الأرض، ما يشير إلى حجم التعثر الإيراني في العراق، والأكثر من ذلك، تشير المعلومات الاستخبارية إلى مغادرة الجنرال حيدر أفغاني مسؤول ملف الفصائل المسلحة العراقية في فيلق القدس للعراق، بسبب عدم قدرته على ضبط سلوك الفصائل وعدم انصياعهم لأوامره.
وفي ذات السياق، بدأت الصحف الإيرانية في اليومين الماضيين بشن هجوم على الصدر، فأشارت “صحيفة كيهان” المقربة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بأن احتجاجات التيار الصدري مثيرة للفتنة، كما أنها نشرت صورًا للاستعراض العسكري الذي نظمته الفصائل المسلحة المنضوية ضمن هيئة الحشد الشعبي نهاية الشهر الماضي، مشيرة إليها بعنوان “استعراض القوة في مواجهة الفتنة في العراق”.
إيران تضررت كثيرًا من الخطوات التصعيدية التي أقدم عليها الصدر مؤخرًا، فهو أتعب قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، وجعله ضابطًا لإيقاع وسلوك قوى الإطار التنسيقي الشيعي والفصائل المسلحة المرتبطة به
أما “صحيفة أفتاب” فقد أشارت في افتتاحية عددها الصادر صباح الثلاثاء بعنوان رئيسي تتساءل من خلاله عما يجري في العراق، مشيرةً إلى أن الخطوة الصدرية هل هي استعراض للقوة من الصدر، أم تمهيد لانقلاب عسكري قادم؟ في حين تحدثت “وكالة مهر” المقربة من الحرس الثوري عن الاعتصام الصدري، وأشارت إلى أن الاعتصام داخل البرلمان يمثل انتهاكًا للسيادة، ويجب ألا يخدم مشاريع أعداء العراق وشعبه.
حوارات جديدة لإنهاء الانسداد السياسي
وفي سياق التوتر بين الصدر والإطار التنسيقي الشيعي، أعلن النائب عن قوى الإطار حامد الموسوي، بدء حوارات بين الطرفين، وقال إن المفاوضات بدأت بين الصدر والإطار عقب الأحداث الأخيرة من أجل التوصل إلى تسوية بين الطرفين، وفيما أكد أن الإطار متمسك بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، ألمح إلى إمكان التخلي عنه، وأوضح أن الطرفين لديهما الرغبة في إنهاء حالة الانسداد السياسي الحاصل، وطبقًا للمعلومات المتداولة في الأروقة السياسية، فإن العامري سوف يبدأ وساطة بين الطرفين بعد موافقة ضمنية من الصدريين على ذلك.
منذ الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، زار قآني العراق أكثر من 6 مرات متتالية
وفي إطار الحوارات السياسية، يستعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أيضًا لجمع الفرقاء السياسيين العراقيين حول طاولة حوار وطني، بهدف عبور الأزمة الحاليّة بين الصدر والإطار التنسيقي الشيعي، وطبقًا لمصادر خاصة من مكتب الكاظمي، وبعد أن حظيت المبادرة التي أطلقها الأحد الماضي بتأييد واسع النطاق داخليًا وخارجيًا، فإن الاستعدادات جارية الآن بغرض تهيئة الأرضية الخاصة بالحوار، وكيفية ترتيب الإجراءات الخاصة بذلك، رغم تباين المواقف بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي الشيعي، وفي حين عبر زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، وحيدر العبادي رئيس ائتلاف النصر، عن تأييدهما دعوة الكاظمي، لم يصدر موقف رسمي من الصدر عن المشاركة من عدمها.
إجمالًا.. يفرض الاحتقان السياسي الذي تمر به البيئة السياسية العراقية، إنتاج رؤى سياسية تعالج أسباب استمرار نشوب الأزمات السياسية بعد كل انتخابات، وتحديدًا على مستوى تحديد الكتلة المؤهلة لتشكيل الحكومة، فضلًا عن معالجة بعض المواد الدستورية المنشئة للأزمة، وإعادة النظر في العديد من التفسيرات القانونية التي صدرت عن المحكمة الاتحادية، وهي رؤى يمكن أن تضع حدًا لعدم تكرار مشهد الانسداد السياسي في العراق، وأي حوارات لا تتضمن معالجة هذه الأسباب، لن تعدو كونها حوارات الهدف منها تأجيل الاحتقان السياسي لمراحل قادمة يمكن أن تنفجر في أي لحظة من جديد.