ترجمة وتحرير نون بوست
في أوائل 2011، بعد أن هزت مظاهرات ضخمة ميدان التحرير في القاهرة لتنهي حكم حسني مبارك الاستبدادي الذي استمر 3 عقود، وجد الكثير من النشطاء الذين خرجوا إلى الشارع إقبالًا كبيرًا عليهم، كانوا ضيوفًا في برامج “The Daily Show”.
زارت هيلاري كلينتون – وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك – ميدان التحرير، مشيرة إلى أنه من الرائع أن تكون حيث وقعت الثورة، والتقت بعض النشطاء.
كان علاء عبد الفتاح، الناشط والمدون والمفكر المصري، الذي وُصف بأنه مرادف لثورة يناير المصرية، يعلم بأن انتباه العالم سيتحول قريبًا، لقد قال لي قبل أكثر من عقد “سوف ينسون أمرنا قريبًا”.
كان محقًا بالطبع، كان علاء دائمًا واضحًا وواقعيًا، لكنه لم يكن متشائمًا أبدًا بطريقة ما، خرج علاء للتظاهر في ميدان التحرير وعمره 29 عامًا وبعد ذلك أيضًا، تحدث علاء المرح صاحب الشخصية الكاريزمية والطلاقة في اللغة الإنجليزية في الخارج كثيرًا، لكنه كان يعود دائمًا إلى مصر، حتى عندما واجه احتمالية التعرض للاعتقال بسبب صراحته، نُشرت كتاباته – التي هُرّب بعضها من السجن – في كتاب “لم تُهزم بعد” هذا العام.
هذه الأيام، أتساءل إذا كان علاء قد أصبح متشائمًا، ملاحظًا كيف أدار العالم ظهره لجيل الربيع العربي من الشباب والشابات الذين تجرأوا على الأمل، فبعضهم أصبحوا معتقلين سياسيين يتعرضون لظروف رهيبة.
لم أستطع أن أسأله فيم يفكر، فقد قضى غالبية الـ8 سنوات الماضية في السجن، وفي الأسبوع الماضي لم أكن أعلم إذا ما كان لا يزال على قيد الحياة.
يشتهر علاء بأنه كان مسجونًا سياسيًا تحت حكم مبارك، وتحت حكم محمد مرسي، ثم في أثناء حكم عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي أصبح رئيسًا لمصر
بعد سنوات من الاعتقال في ظروف مروعة، أبلغ علاء عن الحرمان فترات طويلة من التريض وأشعة الشمس والكتب والصحف وأي كلمة مكتوبة، بدأ علاء – الذي أصبح مواطنًا بريطانيًا في 2021 – إضرابًا عن الطعام في شهر أبريل/نيسان احتجاجًا على رفض زيارة القنصلية البريطانية.
في أواخر يوليو/تموز، فقدت أسرته التواصل معه ولم يكن هناك أي دليل على بقائه على قيد الحياة منذ آخر زيارة له في منتصف يوليو/تموز، بعد صخب دولي تمكنت والدته من رؤيته يوم الأحد، لكن من خلال حاجز زجاجي، فوفقًا لأسرته لم يكن مسموحًا لهم باحتضانه ولو مرة خلال الـ3 سنوات الماضية، ما المشكلة؟ ولماذا استغرقوا كل هذا الوقت لتأكيد وجوده على قيد الحياة؟ إنه كابوس لا نهاية له.
تدرك أسرة علاء جيدًا مدى قسوة الحياة تحت الحكم الاستبدادي، فشقيقته منى وُلدت بينما كان والدها – الذي أصبح لاحقًا محاميًا لحقوق الإنسان – في السجن، كما وُلد خالد ابن علاء عندما كان علاء في السجن أيضًا.
في 2014، كان علاء وشقيقته سناء – التي كانت 20 عامًا فقط حينها – في السجن ولم يُسمح لهما بزيارة والدهما في أثناء احتضاره، وفي 2020 خلال الانتظار خارج محبس علاء، تعرضت سناء لهجوم ثم اتُهمت بنشر أخبار كاذبة وسُجنت لمدة عام ونصف، في قضية أدانتها منظمة العفو الدولية وقالت إنها قضية ملفقة.
يشتهر علاء بأنه كان مسجونًا سياسيًا تحت حكم مبارك، وتحت حكم محمد مرسي، ثم في أثناء حكم عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي أصبح رئيسًا لمصر، وخلال فترة إطلاق سراحه القصيرة في 2014، أعرب علاء عن سعادته الشديدة لتمكنه أخيرًا من تغيير حفاضات ابنه، لكنه اعتُقل مرة أخرى بعد عدة أشهر، وفي 2019 بعد إطلاق سراحه مرة أخرى أعرب عن سعادته الشديدة لتمكنه من قضاء الوقت مع ابنه.
لكنه احتجز مرة أخرى بعد عدة أشهر دون تهمة، وفي 2021 كانت محاكمته أخيرًا، ليُحكم عليه بـ5 سنوات أخرى بتهمة نشر أخبار كاذبة، لم يكن علاء يعلم ما تهمته حتى وصوله إلى قاعة المحكمة.
تؤكد أسرة علاء أنه ليس سوى شخص مسجون ظلمًا، وأشارت والدته إلى وجود الكثير من الأبرياء الذين لا يتحدث عنهم أحد.
لكن معاملة علاء تشير إلى قلة اهتمام العالم، ورغم أن علاء معروف عالميًا ومواطن بريطاني وصفته منظمة العفو الدولية بأنه سجين رأي مسجون ظلمًا، ونُشرت عنه الكثير من مقالات الرأي وطالبت منظمات حقوق الإنسان بإطلاق سراحه، لكن دون جدوى.
لا يحتاج المرء لأن يكون ساذجًا بشأن السياسات الدولية ليفهم كم أن هذا الأمر مدمر، فنحن جمعيًا نعلم أن العديد من الدول التي تلتزم علنًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان تعقد صفقات مع الأنظمة المروعة بسبب أهدافها الإستراتيجية أو للوصول إلى الموارد وتحقيق التعاون.
لكن هذه المرة، فإن الدول التي تدعي اهتمامها بحقوق الإنسان هي صاحبة النفوذ، حيث تعتمد مصر على المساعدات الخارجية والتجارة والسياحة للحفاظ على الاقتصاد، ولا يوجد سبب واحد يمنع إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين وتحسين ظروف السجن ولو من أجل المظهر الخارجي، لأن ذلك لن يشكل أي خطر على النظام، لكن عدم دفع مصر للقيام بحتى القليل من ذلك، لهو وصمة أخلاقية لا يمكن تبريرها بالواقعية السياسية.
في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، تستضيف مصر قمة المناخ العالمية، وقد حضر القمة الأخيرة في إسكوتلاند 120 زعيمًا عالميًا بينهم الرئيس الأمريكي بايدن، كان بإمكانهم أن يطالبوا بأي تقدم قبل ظهورهم في هذا الحدث والتصرف كما لو أن الأمور بخير.
بإمكان بريطانيا إعلان عدم حضور أي ممثلين رفيعي المستوى قبل إطلاق سراح مواطنهم علاء عبد الفتاح المسجون ظلمًا، لكن للأسف تورطت بريطانيا في أزمة سياسية جعلت القيادة الأمريكية أكثر أهمية.
فعلى نحو باهر، وقع سيناتور أمريكي من مجلس الشيوخ و13 عضوًا من مجلس النواب على خطاب يطالب باتخاذ إجراء عاجل، وقد ينضم إليهم آخرون، خاصة أن الولايات المتحدة تقدم أكثر من مليار دولار من المساعدات لمصر، ومليارات المبيعات العسكرية التي تتطلب موافقة الإدارة.
أقل ما ندين لهم به هو الكثير من أنصاف ساعات للتريض والتنفس بحرية وحمل أطفالهم، وربما مواصلة الحلم بعالم أفضل
يستطيع بايدن أن يرفع سماعة الهاتف ويُعلم الحكومة المصرية أن إساءة معاملة المعتقلين السياسيين ستُوضع في الاعتبار عند الموافقة على أي مساعدات أو مبيعات عسكرية لاحقة.
سيقول بعض المتشائمين: “ماذا إذًا؟ فحتى لو أطلقت مصر سراح بعضهم وحسّنت ظروف السجن لآخرين، سيظل هناك الكثيرون خلف القضبان ولن تتعير الظروف السياسية”، هذا صحيح، وسيكون آلاف المعتقلين السياسيين – أطفال الربيع العربي المنسيين المهملين – الأقل توهمًا بتلك الحقيقة.
لكن من الصحيح أيضًا أن أي حدّ ولو صغير لإفلات النظام من العقاب سيكون مفيدًا، فقد عرفت الكثير من المعتقلين السياسيين الذين أُطلق سراح بعضهم بعد ضغط خارجي، وبعضهم ما زال في السجن، لم ألتق بأي شخص يتصرف بسذاجة بشأن تلك العملية، لكنني لا أعلم أيضًا أي شخص لا يرحب بهذا التقدم، فكل شخص بمثابة حياة بأكملها.
في 2011، بعد 3 أيام من ولادة خالد، سُمح لخالد بزيارة والده في السجن لمدة نصف ساعة تمكن فيها علاء من حمله 10 دقائق، كتب علاء عن تلك الزيارة قائلًا: “لقد تغيرت في نصف ساعة وتغير العالم كله من حولي، الآن أفهم لماذا أقبع في السجن، إنهم يريدون أن يحرمونني من البهجة، والآن أفهم أيضًا لما سأقاوم: لأن السجن لن يوقف حبي”.
كتب علاء بعد ذلك عن أحلامه بمستقبل مع ابنه، فقال: “ماذا لو منحوه نصف ساعة ليحدثني عن مدرسته، نصف ساعة لنا نتحدث فيها عن أحلامه”، لقد حُرم علاء من كل أنصاف الساعات.
يجب أن يخبر أحد أصحاب السلطة، الحكومة المصرية أننا ربما تخلينا عن أهداف أسمى، لكن العالم لم ينس تمامًا كيف أُعجب يومًا بشجاعة هؤلاء الشباب الذين تجرأوا على الحلم بمستقبل أفضل، وأقل ما ندين لهم به هو الكثيرمن أنصاف ساعات للتريض والتنفس بحرية وحمل أطفالهم، وربما مواصلة الحلم بعالم أفضل.
المصدر: نيويورك تايمز