يومًا بعد آخر تتزايد الفجوة بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي في العراق، سواء على مستوى التعاطي مع تحركات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أم على مستوى المواقف والخطابات السياسية، فبالرجوع قليلًا إلى الوراء، وتحديدًا إلى مرحلة ما بعد نتائج الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ونجاح التيار الصدري في الحصول على أغلبية مقاعد مجلس النواب وتحالفه مع الكتلتين الكردية والسنية، ساهمت هذه الظروف جميعها في نشأة وتشكيل ما يعرف اليوم بالإطار التنسيقي الشيعي، وهو إطار مكون من مجمل الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة المرتبطة بها.
ويبدو أن وجود الصدر في العملية السياسية قبل انسحابه منها في مطلع يوليو/تموز الماضي، كان محركًا مهمًا لوحدة الإطار التنسيقي الشيعي، كما أن انسحابه أظهر حجم الفجوة الكبيرة بين قوى الإطار، سواء على مستوى المواقف أم البيانات، وقد يبدو هذا بديهيًا في علم السياسة، فالإطار لم يكن تحالفًا سياسيًا مبنيًا على أساس وحدة أيديولوجية أو فكرية، بل مجموعة كتل متحالفة سياسيًا وضروراتيًا لمواجهة الصدر لا أكثر، ولعل هذا ما يفسر حجم التباين الكبير الذي شهده الإطار التنسيقي الشيعي بعد اقتحام الصدر لمبنى البرلمان العراقي، وإعلانه اعتصامًا مفتوحًا داخله، ومن ثم انسحابه إلى محيط البرلمان.
في مقابل التشدد الذي يبديه كل من المالكي والخزعلي بخصوص تشكيل الحكومة بالمرشح الحاليّ وعدم الانصياع لضغوط وتظاهرات الصدر، حاول العامري إطلاق مبادرة للحوار مع الصدر
ففي هذا الإطار، ظهرت تباينات واضحة بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي، ففي مقابل المواقف التصعيدية التي ظهرت في خطابات زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، برزت بيانات تهدئة من قادة آخرين في الإطار، وأبرزهم زعيم منظمة بدر هادي العامري وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، فيما بقي أطراف آخرون في الإطار على الحياد، دون أن يتبنوا موقفًا سياسيًا واضحًا.
تحركات مريبة للمالكي والخزعلي
في هذا السياق، حاول المالكي والخزعلي التغلب على الصدر، باستخدام أساليبهما الخاصة عبر تنفيذ احتجاجات مضادة، وأُعيد نشر بيان “اللجنة التنظيمية لدعم الشرعية والحفاظ على مؤسسات الدولة” في البداية على حسابات ائتلاف دولة القانون على التلغرام مثل “نعيدها دولة” و”ذكريات جنوبي”.
وفي غضون ذلك، أصدر الخزعلي تسجيلًا صوتيًا في 1 أغسطس/آب أعطى فيه تعليمات لمتظاهري “الإطار التنسيقي”، وحاول الخزعلي البروز كزعيم “المقاومة” المتحالف بشكلٍ وثيقٍ مع المالكي والأكثر انسجامًا مع رغبة المالكي في رؤية “الإطار التنسيقي” يتبنى موقفًا تصادميًا تجاه الصدر، ويشكل حكومة ويطرد الصدريين من الوكالات الحكومية، ويبدو أن المالكي والخزعلي حصلا على مرادهما، عبر إصرارهما على إبقاء ترشيح محمد شياع السوداني الذي يرفضه الصدر.
في مقابل التشدد الذي يبديه كل من المالكي والخزعلي بخصوص تشكيل الحكومة بالمرشح الحاليّ وعدم الانصياع لضغوط وتظاهرات الصدر، حاول العامري إطلاق مبادرة للحوار مع الصدر، عبر تخفيف سقف المطالب وإمكانية التراجع عن ترشح السوداني، خصوصًا بعد إعلان رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي دعمه لرؤية الصدر في حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
الارتباك الحاصل في سلوكيات قوى الإطار التنسيقي الشيعي اليوم قد لا يكون مرده تداعيات الخطوات الصدرية فحسب، بل إن إيران هي الأخرى فقدت على ما يبدو بوصلة التحكم في سلوكيات هذه القوى
ورغم ذلك، فإن الصدر على ما يبدو غير مبالٍ بتحركات التيارات المتصارعة داخل الإطار التنسيقي الشيعي، وذلك ما بدا واضحًا في الملامح التي حملتها خطبة الجمعة الموحدة التي أقيمت في ساحة الاحتفالات ببغداد.
وعلى الرغم من محاولة الخزعلي استمالة العامري في بيان له، أشار فيه إلى العامري بوصفه “شيخ الإطار”، فإن العامري على ما يبدو مصمم على القفز من سفينة الإطار، ما بدا واضحًا في البيان الذي أصدره العامري مؤخرًا، واصفًا قادة الإطار بالأخوة، كما أنه بدأ يجد أنه لم يعد له مكانًا مؤثرًا في قرار الإطار، في ظل استفراد المالكي والخزعلي بالقرارات، والأكثر من ذلك لم ينصاعا للتعليمات التي أصدرها قائد فيلق القدس إسماعيل قآني في زيارته الأخيرة إلى بغداد، التي طالب فيها بضرورة التهدئة مع الصدر وعدم التصعيد.
مما لا شك فيه أن في حالة الذهاب نحو الانتخابات المبكرة كما يطالب الصدر، فإن قوى الإطار التنسيقي الشيعي على ما يبدو، وفي ظل الخلاف الداخلي الحاليّ لن تدخل موحدة هذه المرة، بل قد نكون أمام ثلاثة تحالفات انتخابية متنافسة قد تتمخض عن الإطار، تحالف يقوده المالكي والخزعلي، وتحالف يقوده العامري والعبادي والحكيم، وتحالف ثالث يجمع بقية الإطار، فالانقسمات أصبحت كبيرة، والخوف من خسارة جديدة قد يكون أكبر.
فالسلوكيات التي مورست تحت عنوان “الإطار التنسيقي” الفترة الماضية، قد تعيد تشكيل قناعات العديد من جمهور الإطار، ودفعهم لدعم ومساندة قوى أخرى خارج مظلة الإطار.
إن الارتباك الحاصل في سلوكيات قوى الإطار التنسيقي الشيعي اليوم قد لا يكون مرده تداعيات الخطوات الصدرية فحسب، بل إن إيران هي الأخرى فقدت على ما يبدو بوصلة التحكم في سلوكيات هذه القوى، وهو ما أوضحته وكالة رويترز للأنباء، التي أشارت إلى أن قآني عاد إلى إيران دون أن يحقق الهدف من زيارته، فتعدد الجهات الإيرانية الفاعلة في الساحة العراقية، انعكس سلبًا على الدور الإيراني، وجعل العديد من حلفاء إيران ينقبلون عليها، لأسباب عديدة، أبرزها رغبة الحلفاء تصحيح موقعهم في المعادلة الإيرانية في العراق، عبر تغيير سلم الأولويات الإيرانية، على مستوى الأسماء والفصائل، وهي مهمة لم ينجح قآني في تحقيقها حتى اللحظة.