في كل معركة عسكرية يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تعمل الماكينة الإعلامية الصهيونية على نشر روايتها على حساب الضحايا الفلسطينيين وشيطنة المقاومة وتأليب الشارع الفلسطيني ضدها.
في 5 أغسطس/آب الحاليّ حين قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية قطاع غزة، بدأت عناصر الشاباك الإسرائيلي في اختراق مجموعات الواتساب الغزية والدخول إليها بأسماء وهمية والتحدث بمصطلحات فلسطينية مثل “بدأت الحفلة” وهذا متداول بين الغزيين حين تشتعل الأحداث مع الاحتلال، كما طالب أحدهم بضرورة تزويد المجموعة بصور القصف من مكانه.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل بثت الكثير من الأخبار والفيديوهات التي تظهر المحتل بأنه ضحية، تزامنًا مع الدقيقة الأولى التي استهدفت الغارات الإسرائيلية شققًا سكنيةً ومركبةً ومواقع للمقاومة الفلسطينية في أنحاء قطاع غزة، ولا تزال تضخ الصفحات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية وأخرى تتبع شخصيات تعمل في الجيش الإسرائيلي الأخبار التي تزعزع ثقة الفلسطينيين بالمقاومة.
اقتحم جهاز الشاباك مجموعات الواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي في غزة بأسلوبه من أجل جمع معلومات عن أماكن إطلاق صواريخ المقاومة، لا سيما أن هناك بعض الصحفيين والنشطاء ينشرون أخبارًا دون تدقيقها، كأن يحددون مكان قصف منزل مدني وبجانبه منصة لصواريخ المقاومة.
وفي الساعات الأولى من العدوان على غزة، سجل المكتب الإعلامي الحكومي بعض المخالفات فيما يخص تقديم خدمات إعلامية لوسائل إعلام إسرائيلية، مؤكدًا أن من يعيد تقديم الخدمات الإعلامية يكون تحت طائلة المسؤولية القانونية.
التعرض لوسائل الاحتلال والنقل عنها يؤدي إلى عواقب وخيمة
كما طالب المكتب الإعلامي الحكومي على لسان رئيسه سلامة معروف، المحللين والكتاب بعدم قبول الاستضافة على أي من القنوات الإسرائيلية، احترامًا لدماء الشهداء، كونها أبواقًا باسم جيش الاحتلال.
أساليب تسلل الرواية الإسرائيلية إلى الإعلام الفلسطيني
خلال الأحداث العسكرية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية لا سيما قطاع غزة المحاصر منذ نحو 17 عامًا، تحاول “إسرائيل” تشديد الخناق عليه أكثر وتعمل على تشويه أخباره، بل وتدس روايتها عبر الإعلام الفلسطيني من خلال بثها لأخبار مضللة ومفبركة عن المقاومة.
كما تنشر الشائعات التي يقع بعض الصحفيين في فخها وينشرونها تحت تصنيف “مصادر عبرية” كأنها محل ثقة يتم التعامل معها في كثير من الأحيان، لكن واقعيًا التعرض لوسائل الاحتلال والنقل عنها يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ويحاول الاحتلال عبر ماكينته الإعلامية سواء التقليدية أم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بث الشائعات والفيديوهات التفاعلية التي تجذب النشطاء لتداولها والتعاطي معها كأنها حقيقة، فعملية النقاش التي تجري عبر التعليقات تسهل على الجيش الإسرائيلي تحديد أماكن إطلاق الصواريخ والحصول على الكثير من المعلومات.
ومن السلوكيات الإعلامية الخاطئة التي تضر الجبهة الداخلية الفلسطينية، عند تغطية الأحداث الميدانية المتصاعدة، ترديد الرواية الإسرائيلية الذي يمنحها انتشارًا ومصداقيةً عبر وسائل الإعلام العربية والدولية.
وخلال المواجهة الأخيرة لا تزال “إسرائيل” تحاول شيطنة حركة حماس عبر دس الأخبار التي تفيد بأنها تركت الجهاد الإسرائيلي وحيدة تدافع عن الغزيين، دون أن تطلق أي صاروخ كما في المرات السابقة، رغم أن حركة الجهاد أعلنت من اللحظة الأولى وجود “حماس” ضمن الغرفة المشتركة للمقاومة.
الصراع إعلاميًا وعسكريًا وقت التصعيد
بداية العدوان ظهر أحد المحللين السياسيين الفلسطينيين عبر قناة “روسيا اليوم” وكان في ذات اللقاء إيدي كوهي – إعلامي إسرائيلي – للحديث عن “تصعيد إسرائيلي في غزة.. مقدمة لحرب جديدة؟”، ما أثار امتعاض الإعلاميين الفلسطينيين، رغم إدراكهم بأنه خطأ غير مقصود.
ويحذر البروفيسور جواد الدلو أستاذ الإعلام في الجامعات الفلسطينية من الانسياق وراء الأخبار الإسرائيلية دون التأكد من صحتها، مشيرًا إلى أن الصراع وقت المعركة مع الاحتلال ليس عسكريًا فقط بل إعلاميًا أيضًا، لما لتلك الوسائل من دور كبير في حسم المواجهة.
وأكد الدلو لـ”نون بوست” أنه لا بد لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من تعزيز الرواية الفلسطينية في التعاطي مع الأحداث، داعيًا الصحفيين والنشطاء إلى أن يكونوا أكثر وعيًا في نقل الأخبار خاصة وقت الأحداث، كي لا يؤثر على الجبهة الداخلية ومعنويات المواطنين.
بمجرد أن يكون الخبر موسومًا بـ”مصدر إعلام عبري” يصبح لبعض الوكالات كأنه خبر موثوق
ويرى أن خطورة تناقل الأخبار العبرية تكمن في أنها تساعد على تشكيل الرأي العام الدولي وتبني الدعاية الصهيونية التي تقدم تبريرات للأعمال العنصرية التي يرتكبها جنود الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين.
وبحسب متابعة أستاذ الإعلام يقول: “وقت الحروب من الأفضل أن تستقي الأخبار من جهات رسمية، كونها أكثر مصداقية وتحمي الصحافي من الوقوع في فخ الأخبار المفبركة”، مؤكدًا أن النقل عن وسائل الإعلام الإسرائيلية يعزز روايتها على حساب الفلسطينيين ويضعف موقفهم أمام العالم.
وفي ذات السياق يقول سمير النفار مختص الإعلام الاجتماعي: “هناك أمر يتكرر وهو النقل عن الإعلام العبري، ما يوقع وكالات الأنباء في استخدام مصطلحات عبرية موجهة ضد الجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى نقل أخبار من باب السبق الصحفي تعظم الاحتلال وتشيطن قطاع غزة ومقاومته”.
وذكر النفار لـ”نون بوست” أنه بمجرد أن يكون الخبر موسومًا بـ”مصدر إعلام عبري” يصبح لبعض الوكالات كأنه خبر موثوق، لافتًا إلى أن هذا الأمر خطير، والأخطر من ينقل عن صفحات عبرية مثل “المنسق وأفخاي أدرعي وإسرائيل تتكلم العربية وقف معنا”، فكلها تتبع المخابرات الإسرائيلية وتهدف إلى زعزعة الصف الفلسطيني والتحريض على المقاومة.
ولفت إلى أن بعض النشطاء يقعون في فخ نشر تفاصيل أمنية وعسكرية، فمثلًا عند استهداف شقق مدنية لا داعي للذكر أنها قريبة من أراضي زراعية كون ذلك يفيد المحتل ويؤكد روايته “من بين البيوت تطلق صواريخ المقاومة”، وبالتالي يبرر استهدافهم لتلك الأماكن التي يذهب ضحيتها عشرات المواطنين.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم إعلامه لخدمة استخباراته، فهو يبث أسماء قادة بهدف استدراجهم أو التوصل لأماكنهم ليستهدفهم، ووفق إحصائية رصدها مركز الشباب الإعلامي فإنه في عام 2020 هناك 72% من الفلسطينيين تعرضوا لأخبار مضللة قبل عدوان 2021، وأكثر من 65% أخبار مزيفة كانت من صفحات يديرها الاحتلال.
لا بد أن يعي الناشط والصحافي قبل نقلة للحدث أنه ليس في ماراثون رياضي
وبحسب طبيعة عمل النفار في الإعلام الجديد، فقد رصد منذ اللحظة الأولى لقصف قطاع غزة فيديو عبر منصة تتبع الاحتلال بعنوان “بينما تقرأ هذا، يتعرض مدنيون إسرائيليون لنيران الصواريخ”، ويدعو المتابعين إلى “تخيل لو دولتك تعرضت للقصف هل تصمت” في إشارة إلى أحقية طائرات الاحتلال بقصف غزة.
ويعلق المختص على ما سبق: “دومًا يقلب العدو الرواية الصحيحة ليصل إلى المجتمع العربي والأجنبي بواسطة صناعة أخبار مغلوطة”، مؤكدًا أنه من الأجدر إنتاج قصص إنسانية فلسطينية بعدة لغات والتركيز على حكايا الأطفال لوضع الحقيقة أمام الجميع.
في النهاية، لا بد أن يعي الناشط والصحافي قبل نقله للحدث أنه ليس في ماراثون رياضي، لذا عليه “فلترة” الأخبار والمعلومات التي يبثها الاحتلال لنشرها بمصداقية للشارع الفلسطيني والعربي وحتى الدولي كي لا يقع في فخ وسائل الإعلام العبرية التي تظهر “إسرائيل” أنها ضحية والفلسطينيون قتلة.