يبحث عبد الله قاسم عن أرض صغيرة لبناء منزل له في مدينة إب – وسط اليمن -، لكن غالبية الأراضي والعقارات غالية الثمن لا تتناسب مع مستوى دخله، فما جمعه خلال غربته الطويلة في السعودية، لا يفي بشراء قطعة صغيرة خارج المدينة.
عبد الله ذو الـ29 عامًا، يعمل في مدينة الرياض السعودية، منذ أربع سنوات بمطعم للوجبات الخفيفة، ويأمل أن يتمكن من تحقيق حلمه ببناء منزل صغير في مدينة إب التي ينتمي إليها حتى يعود ويستقر فيها مع أسرته.
يقول عبد الله الذي غادر إلى المملكة مطلع عام 2020 لـ”نون بوست”: “أعمل براتب لا يتعدى ألفي ريال سعودي في الشهر، أرسل منه مصروفًا لوالدي، وكافحت لجمع 15 ألف ريال سعودي (نحو مليوني ريال يمني، حسب سعر الريال في صنعاء، الريال السعودي=148 ريالًا يمنيًا)، خلال سنوات عملي، وطلبت من أحد أصدقائي أن يبحث لي عن أرضية صغيرة، لكن كلما وجد أرضية كان سعرها أغلى بكثير من المبلغ الذي أملكه”.
ويضيف عبد الله “أعيش أنا وأسرتي في منزل صغير بالإيجار، فأدفع 60 ألف ريال شهريًا، (110 دولارات) إيجار المنزل الذي يقع خارج مدينة إب، وهو مبلغ كبير جدًا، لكنني مضطر لدفعه”، موضحًا “يتراوح سعر اللبنة (55 مترًا مربعًا) بين 15 و25 مليون ريال (45 ألف دولار)، في المناطق القريبة من المدينة، فيما تتراوح أسعارها في قلب المدينة بين 50 و100 مليون ريال، أما في القرى المجاورة والمناطق البعيدة يتراوح سعرها بين 5 و10 ملايين”.
يشهد قطاع العقارات في اليمن بشكل عام وفي محافظة إب بشكل خاص انتعاشًا كبيرًا رغم الحرب، فضلًا عن تردي الوضع الاقتصادي
يقول عبد الله: “أعتقد أن حلمي بامتلاك بيت داخل المدينة لا يمكن أن يتحقق قريبًا، فأنا أريد ثلاث لِبن (150 مترًا)، حتى ابني منزلًا ولن أجد ذلك بالمبلغ الذي أمتلكه حتى في المناطق البعيدة عن المدينة، ويجب أن أعمل لعدة سنوات أخرى حتى أستطيع تأمين مبلغ مناسب لشراء الأرض وبناء المنزل”.
انتعاش سوق العقارات
يشهد قطاع العقارات في اليمن بشكل عام وفي محافظة إب بشكل خاص انتعاشًا كبيرًا رغم الحرب، فضلًا عن تردي الوضع الاقتصادي للسكان، ناهيك بالارتفاع الكبير في أسعارها، إذ يتنافس سياسيون ومغتربون ورجال أعمال على شراء العقارات، ويسهم أيضًا تردي الوضع الاقتصادي في انتعاش سوق العقارات، فقد دفع الفقر بالكثير من السكان إلى بيع ممتلكاتهم من الأراضي والمنازل لتوفير لقمة العيش.
لدى عبد القادر عبد العزيز (40 عامًا) قطعة أرض زراعية واسعة ورثها عن والده في وادي نخلان الذي يعد واحدًا من أخصب الوديان في اليمن، كان يزرعها بالذرة حينًا وبالدخن حينًا آخر، لكن بمجرد أن تم شق الطريق الأسفلتي قريبًا من حقله، ارتفع سعرها من 5 ملايين ريال يمني (ما يعادل 8 آلاف دولار) إلى 80 مليون ريال (133 ألف دولار)، وبدأ تنافس التجار على شرائها، لإنشاء الدكاكين فيها، وبالفعل تم ذلك.
لم يكن عبد القادر ينوي بيع أرضه، لكن ظروفًا اقتصاديةً أجبرته على ذلك في ظل قلة المحصول الذي يجنيه من الأرض، يقول عبد القادر لـ”نون بوست”: “الأراضي الزراعية لم تعد تجدي في محصولها والأمطار شحت، لذلك كان الأفضل أن أبيعها لأن ذلك أجدى لي في الجانب المالي”.
قوانين ميتة
في الثمانينيات من القرن الماضي كانت الحكومة اليمنية تمنع البناء في الأراضي الزراعية بمحافظة إب الخضراء والعاصمة السياحية لليمن بشكل عام وفي قلب مدينة إب بشكل خاص، ونشرت اللوحات الإرشادية في كل الأماكن الممنوع البناء فيها وسط المدينة، ومن يخالف ذلك يتعرض للسجن والغرامة، لكن هذه القوانين تلاشت مع مطلع الألفية الثالثة.
يقول مصلح قايد صالح (70 عامًا) لـ”نون بوست”: “مع الأسف الكثير يفكر بطريقة استثمارية، فيقارن بين ما كان يجنيه من ثمار ما زرعه في أرضه وما يجنيه الآن بعد أن باعها واستثمر المال أو بنى فيها واستثمر بتأجير الشقق والدكاكين، فيرى أن ما يحصده من بيع الأرض أو تحويلها إلى مبانٍ سكنية من أموال يساوي مئات أضعاف ما كان يحصده من الأرض، وبذلك حول الغالبية أراضيهم الزراعية إلى مبانٍ”.
ولأن محافظة إب تتمتع بخصوبة التربة، وأكثر المناطق تعرضًا لتساقط الأمطار الموسمية، ناهيك بطقسها المعتدل طوال العام، فقد تهافت الناس من مختلف أنحاء اليمن للسكن فيها والاستمتاع بمناظرها الخلابة خاصة وسط المدينة، لذلك ارتفعت أسعار الأراضي فيها بشكل جنوني.
ارتفاع أسعار الأراضي في مدينة إب التي يطلق عليها “اللواء الأخضر”، بشكل خيالي، جعل المباني تستولي على غالبية المساحة المزروعة من المدينة وهو ما أثار استهجان اليمنيين، خاصة في ظل الحرب، فضلًا عن افتقار المدينة للكثير من الخدمات الأساسية.
أسعار الأراضي في محافظة إب تزداد يومًا بعد آخر، فالحرب أيضًا بالغت من أسعارها خصوصًا في ظل التغير الديموغرافي ومسلسلات النزوح المستمرة
يقول الناشط اليمني أحمد الأشول الذي يعيش في بريطانيا بمنشور نشره في صفحته على الفيسبوك تعليقًا على ارتفاع أسعار الأراضي في إب: “جزيرة تقع جنوب إسكتلندا – بريطانيا للبيع بمبلغ 400 ألف دولار فيها فيلا ومتحف ومنارة ومهبط طائرات وقارب صغير”، وأكد أن السفر من الجزيرة يأخذ ساعة إلى مدينة غلاسكو ثاني أكبر مدن بريطانيا، وساعة طيران إلى العاصمة لندن، وأيضًا يتوافر إنترنت منزلي 5G وخط كبل بي بي سي.
واختتم منشوره “هذه الجزيرة بقيمة لبنتين (نحو مئة متر مربع) في مدينة إب، مؤكدًا أن أرضها حرة وليست وقفًا للدولة ولا يوجد عليها أي مشاكل تذكر.
ويقول الأشول في منشور آخر: “أرض مساحتها سبع لبن في إب بـ210 ملايين ريال يمني يعني 390 ألف دولار ويعتبرونها بسعر مغرٍ، لكنها أغلى من قيمة الأرض في أمريكا بعشرين ألف دولار بس”، ويضيف ساخرًا “من مزايا هذه الأرض المعروضة للبيع في مدينة إب أن إلى جوارها بنشر (إشارة إلى أنه لا يتوافر حولها أي خدمات)”.
مسلسل النزوح رفع أسعار الأراضي
أسعار الأراضي في محافظة إب تزداد يومًا بعد آخر، والحرب أيضًا بالغت من أسعارها خصوصا في ظل التغير الديموغرافي ومسلسلات النزوح المستمرة.
مدينة القاعدة التابعة لمديرية ذي السفال بمحافظة إب أنموذجًا، حيث كان وادي خنوة ووادي عبلال من الوديان الخضراء الخصبة التي تحوط المدينة وتعد متنفسًا لها، لكن فتح الطريق الدائري صنعاء – تعز من خلال هذه المدينة، والقتال في محافظة تعز رفع أسعار الأراضي بنسبة 500%، حسب الناشط المجتمعي محمد عمر أحد أبناء مدينة القاعدة.
وأكد محمد “أن الكثير من السكان في محافظة تعز (المحاذية لمدينة القاعدة والبعيدة عن مركز مدينة تعز ذات الكثافة السكانية بـ20 كيلومترًا) نزحوا إلى مدينة القاعدة وبدأوا بالتنافس على شراء الأراضي منذ اندلاع الحرب في نهاية عام 2014، وتحولت تلك الوديان إلى منازل ومناطق مزدحمة بالآلاف من السكان، فيما ارتفعت الإيجارات من مبلغ 30 ألف ريال (أي ما يعادل 50 دولارًا) إلى نحو 200 دولار، وما زال الزحف العمراني في هذه المنطقة مستمرًا”.
مصدر رزق وفير
انتعاش سوق العقارات دفع بالكثير من السكان للعمل في هذا المجال، بشير عبد الله معلم مادة الرياضيات (40 عامًا) اتجه للعمل في العقارات بسبب زيادة الإقبال عليها، فضلًا عن زيادة أرباحها، فأنشأ مؤسسة تحمل اسمه، لبيع وشراء العقارات في منطقة شبان جنوب مدينة إب.
مؤكدًا في حديثه لـ”نون بوست”، ارتفاع أسعار العقارات في المتوسط إلى الضعف، عما كانت عليه قبل الحرب، مشيرًا إلى أن توافد أصحاب رؤوس الأموال من مناطق الحرب والاستقرار الحاصل في محافظة إب التي ظلت بعيدة عن نيران النزاع الدائر في اليمن، ساهما في ارتفاع أسعار العقارات.
أسعار الأراضي والعقارات في محافظة إب تصاعدت، لتسجل المحافظة أرقامًا قياسية
يوافقه في الرأي جميل الراشدي الذي يعمل دلالًا في سوق العقارات، فقال لـ”نون بوست”: “الأراضي التي كانت قبل ست سنوات بمليون ريال، بلغ الآن سعرها 5 و6 ملايين، وهناك أراضٍ ومبانٍ ارتفعت أسعارها بشكل خيالي، ولا يتم بيعها إلا بالدولار الأمريكي.
لافتًا إلى أن سعر العقار يتحدد من خلال موقعه القريب من الخدمات، وأيضًا وجود طريق سيارة إلى باب المنزل والقرب من الأسواق، وأشار جميل إلى أسباب أخرى أدت إلى ارتفاع الأسعار في المحافظة أهمها هجرة المواطن من الريف إلى المدينة، وأيضًا التنافس على شراء العقارات بين النازحين والتجار والمغتربين في الخارج. وبحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي عام 2019 فإن “أسعار الأراضي والعقارات في محافظة إب تصاعدت، لتسجل المحافظة أرقامًا قياسية، إذ تجاوز سعر المتر الواحد 200% في بعض المناطق”.