وجّه الاحتلال الإسرائيلي، في 5 أغسطس/ آب الجاري، ضربة عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة، من خلال اغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس -الذراع العسكرية للحركة-، تيسير الجعبري، مع مرافقه، في إحدى الشقق في مدينة غزة.
وسعى الاحتلال من خلال عملية الاغتيال للتخلُّص من أحد أبرز قادة الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي، بعد اغتيال رفيق دربه بهاء أبو العطا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، الذي باتت الضربات الصاروخية تحمل اسمه عند التاسعة مساءً بالتوقيت المحلي للفلسطينيين.
وخلال الجولة التي أطلق عليها الاحتلال اسم “الفجر الصادق”، وأطلقت عليها سرايا القدس اسم “وحدة الساحات”، عاد الاحتلال الإسرائيلي لنمط الاغتيالات من جديد، مع تتالي الضربات الصاروخية التي وصلت القدس وتل أبيب وعمق المركز المحتل عام 1948.
واغتال الاحتلال الإسرائيلي، في 6 أغسطس/ آب، قائد المنطقة الجنوبية في التنظيم، خالد منصور، الذي يُعتبر أحد القادة التاريخيين للسرايا، مع عدد من مساعديه، في غارة إسرائيلية استهدفت إحدى المناطق في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة المحاصر.
ورغم عمليتَي الاغتيال، إلا أن الصواريخ وإطلاق القذائف وردّ المقاومة الفلسطينية لم يتوقف، وهو ما يشير بوضوح إلى أن سياسة البناء التنظيمي للحركة والذراع العسكرية التابعة لها تتبع نمطًا يعتمد على الطابع الهرمي، بحيث يكمل من يتولى المهمة ما قام به سلفه دون أن يتأثر.
أبرز الاغتيالات.. من القائد العام إلى القادة الميدانيين
تاريخيًّا، تعرضت حركة الجهاد الإسلامي، وتحديدًا ذراعها العسكرية، لسلسلة من عمليات الاغتيال، لعلّ أبرزها كانت لقائدها العام خالد الدحدوح، الذي اغتيل في عملية تفجير لسيارته بعبوة ناسفة عام 2006 في مدينة غزة، وتبعها عمليات اغتيال أخرى.
خالد الدحدوح – اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 2006
وفي عام 2014 اغتال الاحتلال قائد لواء الشمال الأسبق في الحركة، دانيال منصور، ليصعد بعده بهاء أبو العطا الذي كان الاحتلال يحمّله مسؤولية صواريخ المشاغلة والإرباك، التي تُطلق تجاه المدن والبلدات المحتلة حتى اغتياله عام 2019.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، تولّى منصور عدة مهمات، منها التدريب والتسليح وتجهيز المقاتلين للعمليات العسكرية
ومع اغتيال أبو العطا تواصلت سياسة تنقيط الصواريخ تجاه المدن المحتلة عام 1948، وتولى خلفه تيسير الجعبري مسؤولية قيادة لواء الشمال الذي سار على نهج سلفه، وإن كان بوتيرة أقل حدّة، إلا أن الاحتلال ادّعى في أكثر من مناسبة أنه يقف وراء بعض العمليات التي جرت على الحدود، فضلًا عن الزعم بأنه كان يستعدّ لتوجيه عملية استهداف لآليات الاحتلال بصواريخ موجّهة قبل اغتياله بساعات.
دانيال منصور – اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 2014
وأشرفَ الجعبري على عملية استهداف جيب عسكري إسرائيلي شمال القطاع خلال معركة “سيف القدس”، تزامنًا مع رشقة الصواريخ التي أطلقتها كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، ردًّا على العدوان الإسرائيلي على المصلين في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.
أما خالد منصور، فقد برز خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) في العمل الطلابي والعسكري البدائي، فيما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) الانطلاقة الحقيقية لمنصور، ومعها أصبح مسؤولًا عن تشكيلات عسكرية للحركة في رفح، وينسب إليه الاحتلال المسؤولية عن عدة عمليات استهدفت جنودها ومستوطنيها قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005.
بهاء أبو العطا – اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 2019
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، تولّى منصور عدة مهمات، منها التدريب والتسليح وتجهيز المقاتلين للعمليات العسكرية الحدودية، إضافة إلى العمل الاستخباري للمقاومة، وكان له دور بارز في عمليات “تهريب” الأسلحة للمقاومة، وهو رفيق كثير من القادة العسكريين الشهداء في حركة الجهاد الإسلامي.
نجا خالد منصور خلال الأعوام الماضية من عدة محاولات اغتيال إسرائيلية استهدفته مباشرة، وظلَّ لفترات طويلة متواريًا عن الأنظار ولا يشارك في المناسبات العامة، إلا في فترات الهدوء التام وعلى نطاق ضيِّق.
النتائج والتبعات.. هل تضررت حركة الجهاد الإسلامي؟
يرى بعض المراقبين للشأن الفلسطيني أن فقدان قائدَين بحجم منصور والجعبري هو خسارة عسكرية كبيرة للحركة، التي تشتهر فلسطينيًّا باسم “الأسود” في إشارة إلى الراية الخاصة بها، إلا أن الرأي الغالب هو أن الخسارة معنوية.
وترجع أسباب الرأي الثاني إلى أن الحركة التي سبق وأن تعرضت لضربات عسكرية مماثلة، كانت تخرج منها أكثر قوة وحضورًا في المشهد الفلسطيني، عبر شخصيات عسكرية جديدة أكثر عنادًا وجرأة في التعامل مع الاحتلال.
ويستدل هؤلاء بعمليات الاغتيال التي شهدتها الحركة على مدار 20 عامًا، وأفضت إلى الكثير من التغييرات على صعيد البنية التنظيمية، من ناحية جرأة القيادات العسكرية وقدراتها على تعويض من سبقوهم، والبناء والمراكمة على ما هو قائم.
ويعتبر هذا السلوك هو الأكثر حضورًا في عدد من التنظيمات الفلسطينية، إذ لم تعد سياسة الاغتيالات ناجعة بالنسبة إليها، وبات الاحتلال يلجأ إليها لمجرد تدويلها إعلاميًّا على أنها صورة نصر زائف، في ظل الاستنزاف المتواصل له من قبل المقاومة الفلسطينية.
مع امتلاك الحركة لهذه الألوية، إلا أن المتابع لعمل السرايا يرى أن لواء الشمال هو الأكثر حضورًا وعملًا بالنسبة إلى الحركة مقارنة مع بقية الألوية
أما من الناحية العسكرية، فإن منصور الذي كان يشرف في الفترة الأخيرة على خطوط الإمداد والتطوير العسكري للسرايا، سيحل شخص آخر محله ليواصل المسيرة، إلى جانب تيسير الجعبري الذي كان يشرف على العمليات النوعية والصاروخية للجهاد الإسلامي.
ويقدِّر الاحتلال الإسرائيلي عدد أعضاء الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بقرابة 6 آلاف عنصر، يعملون في مختلف الوحدات العسكرية التابعة لها، ما يعني امتلاك التنظيم لبنية هرمية قادرة على استبدال أي شخص حال غيابه.
,بخلاف معظم الأذرع العسكرية للمقاومة الفلسطينية، لا تمتلك سرايا القدس قائدًا عامًّا كما كتائب القسام أو بقية التنظيمات الفلسطينية، حيث يوجد رئيس للدائرة السياسية يتبع الحركة ويشرف على إدارة الجناح العسكري لها.
ويُعتبر أكرم العجوري هو رئيس الدائرة العسكرية للحركة، ويقيم في سوريا منذ سنوات، وتعرّض عدة مرات لمحاولات اغتيال إسرائيلية، إلا أنه نجا منها، ولعلّ أبرزها كانت عام 2019 حينما تمَّ اغتيال القيادي بهاء أبو العطا.
ويوجد في الحركة عدد من قادة الألوية، هي لواء الشمال ولواء الجنوب ولواء غزة، وتتفرّع منها وحدات أبرزها الوحدات الصاروخية ووحدات الدفاع الجوي ووحدات المدفعية والإعلام الحربي والتصنيع العسكري، إلى جانب الجهاز الأمني.
ومع امتلاك الحركة لهذه الألوية، إلا أن المتابع لعمل السرايا يرى أن لواء الشمال هو الأكثر حضورًا وعملًا بالنسبة إلى الحركة مقارنة مع بقية الألوية، وعادة ما يضمّ قيادات عسكرية ذات طابع ووزن يختلفان عن بقية الألوية.
ورغم فقدان الحركة في السنوات الـ 10 الأخيرة لعدد من قادتها التاريخيين، إلا أنها لا تزال قادرة على تجاوز حالة الصدمة أو الآثار المعنوية، خصوصًا أنها رغم هذه الاغتيالات شاركت في جميع الحروب وجولات التصعيد، وواصلت مراكمة القوة لتكون القوة العسكرية الثانية بعد حركة حماس فلسطينيًّا.