ترجمة حفصة جودة
كم مرة يعيد التاريخ نفسه؟ مرة؟ اثنين؟ ثلاث مرات؟ تأتينا الإجابة من غزة التي تعرضت للعنف 6 مرات خلال 16 عامًا: 2006، 2009، 2012، 2014، 2021، 2022.
وللأسف كان التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة مروعة، نظرًا لإنكار “إسرائيل” العنصرية لإنسانية الشعب الفلسطيني بشكل عام والفلسطينيين في غزة بشكل خاص.
أكتب هذا المقال في أول أيام الهدنة – وقف إطلاق النار بين حركة الجهاد الإسلامي و”إسرائيل” -، وكما حدث في السنوات الماضية، فقد شُيطنت غزة ونُزعت إنسانيتها بكل وحشية من “إسرائيل” العنصرية.
لكن بعض الأقنعة القبيحة تغيرت، فبدلًا من إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو، تقدم لنا “إسرائيل” وجهًا أجمل مثل يائير لابيد، وبدلًا من تسيبي ليفني التي كانت تهز إصبعها في القاهرة مهددة الأبرياء في غزة، أصبح لدينا مجرم الحرب بيني غانتز الذي له مقطع سابق يتفاخر فيه بأن تحت قيادته عام 2014 “عادت بعض أجزاء غزة إلى العصر الحجري”، وأنه قتل 1364 من سكان غزة.
تصفية العائلات
هنا في غزة، نرى وجوهًا ملائكية، مثل علاء قادوم ذي الخمس سنوات الذي مات بين ذراعي جده، والأشقاء نجم من مخيم جباليا للاجئين الذين قُتلوا وهو يلعبون في مقبرة المخيم، وعائلة نبهين “3 أشقاء ووالدهم” في مشرحة مستشفى الشفاء.
هناك أيضًا علاء طهرواي من رفح، الذي لم تستطع عائلته توديعه لأن جسده تحول إلى قطع صغيرة، وخليل أبو حمادة – 19 عامًا – وحيد والديه الذي أنجباه بعد 15 عامًا من المحاولات، كما استشهدت جدته في 2003.
من الواضح أن الأطفال الذين يشكلون 50% من سكان غزة، أصبحوا الهدف المفضل لـ”إسرائيل”
دُمرت عائلات بأكملها في رفح وخان يونس، فقد ارتفعت حصيلة الوفيات خلال الأيام القليلة الماضية فقط إلى 44 شهيدًا بينهم 15 طفلًا، من الواضح أن الأطفال الذين يشكلون 50% من سكان غزة، أصبحوا الهدف المفضل لـ”إسرائيل”.
وكأن الوقت قرر التوقف، فغزة في 2022 هي غزة في 2021 و2014 و2012 و2009 و2006، ومع ذلك فالفلسطينيون يملكون ما أسماه الراحل إدوارد سعيد “الأرضية الأخلاقية الأعلى”، ونصرنا في النهاية محتوم نتيجة صمودنا الذي لم يتزحزح لحظة، رغم شعورنا بأن الجميع تخلوا عنا.
الرغبة في السيطرة الكاملة
عندما هجمت “إسرائيل” على غزة 22 يومًا متتاليين في 2009، كان من الواضح أن لها 3 أهداف، لكنها فشلت في تحقيقهم: الإطاحة بحكومة حماس وإنهاء إطلاق الصورايخ من غزة وإعادة قوات أوسلو إلى غزة.
لقد كررت هذا السيناريو 4 مرات مع فرضها حصارًا مميتًا على غزة، والآن في 2022 ودون أي استفزاز مطلقًا، أعلنت عن هدف جديد لحربها الوحشية على أطفال ونساء غزة: ألا وهو التخلص من حركة الجهاد الإسلامي.
لكن الهدف الحقيقي غير المعلن، هو التأكد من ترسيخ الفصل بين غزة والضفة الغربية وأن تصبح فلسطين التاريخية تحت سيطرة “إسرائيل” بالكامل، هذا ما فشل العدوان على غزة عام 2021 في تحقيقه، فقد أدى إلى ما أُطلق عليه “انتفاضة الوحدة”.
يتمتع أهل غزة بصمود ومرونة تمنحهم الحق مع بقية الشعب الفلسطيني في الشتات والضفة الغربية وأراضي 48، لإطلاق حملة دولية لمقاطعة دولة الفصل العنصري الإسرائيلية.
مطلبنا الوحيد في هذا الوقت هو مقاطعة “إسرائيل” اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، هذا أقل ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي اللامبالي، للتعويض عن مشاركته في الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” ضد شعبنا.
أما بالنسبة للفلسطينيين، فيجب أن نوحد صفوفنا على الأرض في جبهة وطنية تدير ظهرها لبقايا أيام أوسلو البشعة والتنسيق الأمني، وتعلن انفصالها عن كل المقترحات العنصرية مثل حل الدولتين الفاشل.
يجب أن نوضح تمامًا أنه لا مكان للمطبعين بيننا منذ الآن، سنلاحق كل المطبعين من شيوخ دبي والمنامة والمغرب بدماء أطفالنا، لن نسمح لهم بالجلوس معنا مرة أخرى حتى يقطعوا علاقتهم بالاحتلال، والتوقف عن تبييض وجهه القبيح، ذلك الوجه الملطخ بدماء الأطفال الفلسطينيين مثل علاء قادوم وحازم خالد وأطفال نجم ونبهين ونيرب.
لماذا غزة؟
لماذا تُستهدف غزة تحديدًا؟ كما قال إدوارد سعيد في كتابه “سياسات نزع الملكية”، فإن غزة الجوهر الرئيسي للمشكلة الفلسطينية، فهي الجحيم المزدحم على الأرض الذي يتكون من اللاجئين المعدمين المضطهدين، وهي دائمًا مركز المقاومة والكفاح.
إنها تذكير دائم بخطيئة الاستعمار الإسرائيلي: النكبة، عندما قررت العصابات الصهيونية من المستعمرين الأوروبيين طرد السكان الأصليين من مئات القرى والمدن الفلسطينية وارتكاب مذابح ضدهم، طُرد الفلسطينيون من بيوتهم إلى مناطق مثل غزة التي تشكل قطعة صغيرة فقط من فلسطين التاريخية.
كم سيتحمل العالم من مجازر مثل دير ياسين وقانا وشاربفيل (في جنوب إفريقيا) وماي لاي (في فيتنام) وسطيف وقالمة (في الجزائر)؟
هذه المرة نحتاج إلى نموذج جديد، يجب أن نبتعد عن التنسيق الأمني وحل الدولتين وتحسين ظروف الاضطهاد، فبعد اعتداء وحشي آخر، نُطالب بقائمة كاملة من الحقوق، لنضمن أمان أطفالنا في دولة ديمقراطية حرة.
المصدر: ميدل إيست آي