تعلَّق الانتخابات الجديدة، المزمع إجراؤها بعد نضوج التوافق السياسي، على شجرة من التناقضات والمفارقات، فبعد دعوة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى إجراء اقتراع مبكّر، ومن ثم مسارعة عديد من القوى السياسية إلى مباركة قراره، تنشغل الغرف السياسية -ومثلهم الصحفيون والخبراء- في تحليل مضمون دعوة حلّ البرلمان.
كما تنشغل بإبراز العقبات التي تواجهها الانتخابات الجديدة من الناحية السياسية والقانونية والفنية -تتعلق بعمل مفوضية الانتخابات في العراق-، لا سيما بعد سلسلة من الخروقات القانونية والدستورية التي شهدتها فترة ما بعد الانتخابات المبكرة التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي جاءت بطلب شعبي عقب حركة احتجاجية كبيرة شهدتها البلاد عام 2019.
يتطلب إجراء انتخابات تشريعية مبكرة حلّ البرلمان الحالي أولًا، وفقًا للدستور وبتأييد الأغلبية المطلقة، إذ تنصّ المادة 64 أولًا: “يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء، وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حلّ المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء”، وثانيًا: “يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يومًا من تاريخ الحل، ويعدّ مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلًا ويواصل تصريف الأمور اليومية”.
في العودة إلى المعضلة القانونية والنص الدستوري، لا يحقّ لحكومة تصريف الأعمال المطالبة بحلّ البرلمان.
الحل الأصعب
يمكن التكهُّن بمصير الدعوة إلى انتخابات جديدة، من خلال محاولة تطبيق ما نصَّه الدستور العراقي على المشهد السياسي، إذ تبرز صعوبات كبيرة في الحل الدستوري من خلال حلّ البرلمان نفسه، فهو مرهون بموافقة “النصف + 1” بناءً على طلب ثلث الأعضاء، الذين قد يُبدون رفضهم لفكرة حلّ البرلمان، لخشيتهم من خسارة مقاعدهم في البيت التشريعي وعدم ضمان فوزهم مرة ثانية، إذ يعود القرار إلى أعضاء مجلس النواب في نهاية المطاف، والصدريين ليسوا ضمنهم.
تكمن المعضلة الثانية في أن تجري الانتخابات بمدة أقصاها 60 يومًا، وطبقًا لحالة التشظّي في القرار السياسي المحلي فمن الصعوبة المضيّ في ذلك، بناءً على عدة قضايا، من بينها خلاف التيار الصدري والإطار التنسيقي على المفوضية وقانونها، والانتخابات وقانونها، التي تعدّهما قوى في الإطار مفصّلَين على مقاس الصدريين، فضلًا عن مشكلة حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، المتَّهمة من قِبل الإطار أيضًا بتنفيذ ما يريده الصدر.
في العودة إلى المعضلة القانونية والنص الدستوري، لا يحقّ لحكومة تصريف الأعمال المطالبة بحلّ البرلمان، وبذلك ينحصر واقعيًّا قرار الحل بتقديم ثلث أعضاء المجلس طلبًا للتصويت على حله، وإذا ما جاء الحل افتراضًا بقرار سياسي، بعيدًا عمّا ينصّه القانون، فإنه لا يحقّ لرئيس الجمهورية -المنتهية ولايته- إصدار دعوة إلى إجراء انتخابات مبكّرة.
تشريعات ملزمة
في 27 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ألزمت المحكمة الاتحادية الدورة التشريعية المقبلة -البرلمان الحالي- بضرورة “تعديل قانون الانتخابات واعتماد نظام العدّ والفرز اليدوي حصرًا”، وهذا خلاف سياسي آخر غير معلَن بالأصل بين الصدريين والإطاريين، لن يُحَلَّ داخل البرلمان بالتأكيد، بعدما استقال نواب التيار الصدري الـ 73 في يونيو/ حزيران الماضي من البرلمان، رغم أنهم كانوا يشغلون كتلة أكبر، وذلك بعدد المقاعد البرلمانية التي حازوها.
هل العراق مستعدّ لإجراء انتخابات خلال 6 أشهر؟ يقودنا هذا السؤال إلى التفكير في توفُّر إمكانات ما تحتاج إليه الانتخابات، من موازنة وتخصيصات مالية، توفّرها حكومة أصيلة لا تصرّف الأعمال اليومية، حيث لا يتيح لها النظام الداخلي لمجلس الوزراء القيام بهذه المهمة.
وفي هذا السياق، تقول المفوضية إنها تحتاج إلى مدة 6 أشهر أو أكثر لإنهاء جميع الاستعدادات الفنية واللوجستية لأي عملية انتخابية، على أن يسبق ذلك تخصيص ميزانية قد تكون من ضمن الموازنة الاتحادية أو مخصَّصة بشكل منفرد، وهو أمر يحتاج إلى تشريع.
انفتاح مشروط
يدرس خصوم الصدر -الإطار التنسيقي- بحذر دعوة زعيم التيار لتنظيم انتخابات مبكرة في العراق، لكنهم يختلفون على الآلية، مبدين انفتاحًا مشروطًا عليها “من خلال توفير الأجواء الآمنة والإجماع الوطني”، على أن يسبق ذلك “العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها”، في إشارة إلى اعتصام أنصار التيار في المنطقة الخضراء وفي البرلمان ومنع انعقاد جلساته.
دستوريًّا وقانونيًّا، وفي ظل التعقيد الحاصل، لا يمكن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يعزز فرصة اللجوء إلى تسوية ثنائية، قد تعيد الأوضاع إلى ما قبل انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول.
تريد قوى في الإطار الانتخابات المبكرة لكن وفقًا لشروطها، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس وزراء جديد، لكن الصدر يرفض ذلك، ما يعزّز من بقاء الأزمة واحتجاجات الصدريين الذين يمارس من خلالهم الصدر ضغطًا سياسيًّا على الخصوم، وبقاء حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي في مزاولة أعمالها.
أما فيما يتعلق بحلفاء الصدر -إنقاذ وطن- أبدى تحالف السيادة انسجامه مع ما طرحه التيار، لكن الموقف ما زال ضبابيًّا بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني من دعوة الانتخابات الجديدة.
هل الحل بالحل؟
أسفر عن فوضى نتائج التعطيل المستمر منذ نحو 10 أشهر عقب انتخابات تشرين، خرق عديد من القوانين والتجاوز على المدة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، في أكثر من مرة، نتيجة غياب التوافق السياسي الذي انسحب أيضًا على تكليف رئيس جديد للحكومة، إذ صعّبت الخلافات من إمكانية فضّ الاشتباك باللجوء إلى القانون، لكن في العراق غالبًا ما تعالَج مثل هذه المشاكل بتوافُق سياسي يغيب منذ انتخابات العام الماضي.
دستوريًّا وقانونيًّا، وفي ظل التعقيد الحاصل، لا يمكن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يعزز فرصة اللجوء إلى تسوية ثنائية، قد تعيد الأوضاع إلى ما قبل انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول، أو الركون إلى مزيد من التصعيد والتصعيد المضادّ، اللذين قد يفرضان واقعًا سياسيًّا جديدًا للبلاد، في ظل احتدام الصراع بين الفريقَين الشيعيَّين، ما ينذر بوقوع مواجهة مباشرة.