ترجمة وتحرير: نون بوست
قال مسؤولان أوكرانيان لصحيفة “بوليتيكو” إن الانفجارات التي هزّت مطارًا عسكريًا روسيًا في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو بالقوة، تشير إلى انطلاق هجوم مضاد أوكراني في الجنوب وبداية مرحلة جديدة حاسمة من الحرب يمكن أن تشكل نتيجتها النهائية.
تسببت سلسلة انفجارات يوم الثلاثاء في تصاعد كرات نارية ضخمة وسُحب من الدخان الأسود إلى السماء، مما أدى إلى تفريق المصطافين الروس المذعورين الذين شوهدوا في مقاطع فيديو تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي وهم يتدافعون بحثًا عن بر الأمان على الشاطئ ويهربون بسيارتهم فوق جسر القرم إلى روسيا.
قللت موسكو من أهمية هذه الانفجارات قائلة إنها ناجمة عن ذخيرة انفجرت عن طريق طريق الخطأ في المطار، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية عدة طائرات عسكرية متوقّفة. ومن جانبها، نفت وزارة الدفاع الأوكرانية مسؤوليتها محذرةً من مخاطر الدخان الذي أسفرت عنه المتفجرات، بينما صرّح الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأن “هذه الحرب الروسية ضد أوكرانيا وضد أوروبا الحرة بأكملها بدأت مع شبه جزيرة القرم ويجب أن تنتهي مع شبه جزيرة القرم – من خلال تحريرها. أعلم أننا سنعود إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية”.
لكن اثنين من المسؤولين الأوكرانيين الذين تحدثوا إلى صحيفة “بوليتيكو” أشارا بشكل مباشر إلى أن كييف كانت وراء التفجيرات. وفي حين كانت القوات الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة تضغط من أجل العودة إلى أرض المعركة باتجاه مدينة خيرسون الجنوبية – التي سقطت في أيدي الروس في الأيام الأولى من الغزو – قال المسؤولان إن الانفجارات في المطار تشير إلى أن هذا الهجوم المضاد بدأ الآن بشكل صريح.
إن توجيه ضربة ناجحة لهدف عسكري بعيدًا عن الخطوط الروسية، وخاصة في شبه جزيرة القرم التي تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للكرملين وظلت بعيدة إلى حد كبير عن القتال العنيف الدائر في البر الرئيسي لأوكرانيا، سيكون أمرًا محرجًا للغاية للرئيس فلاديمير بوتين الذي من المحتمل أن يعتبر ما حدث تصعيدًا دراماتيكيًا وضربةً لمعنويات قواته.
أطلقت روسيا أكثر من 3000 صاروخ منذ 24 شباط/ فبراير
كتب معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث أمريكي يتتبع الصراع، أن “الكرملين لديه حافز ضئيل لاتهام أوكرانيا بشن ضربات تسببت في الضرر لأن مثل هذه الضربات ستثبت عدم فعالية أنظمة الدفاع الجوي الروسية، وهو ما كشف عنه إغراق الأوكرانيين لسفينة موسكفا الحربية (الطراد الروسي) بالفعل”.
ردًا على سؤال من صحيفة “بوليتيكو” عما إذا كان يمكن اعتبار الانفجارات بداية للهجوم الأوكراني المضاد في جنوب البلاد، أجاب مسؤول أوكراني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح لهم بالتحدث إلى المراسلين المسجلين والإجابة عن أسئلتهم، أنه “يمكن اعتبار أن هذا ما حدث”.
صرّح مسؤول أوكراني ثان، تحدّث أيضًا دون الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام، لصحيفة “بوليتيكو” بأن شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر سيكونان “مهمين للغاية” من منظور عسكري ومن المحتمل أن يشكلا النتيجة النهائية للحرب.
حذّر المسؤول من أن احتدام القتال في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر سيكون “مثل شهر شباط/ فبراير” لكنه امتنع عن الخوض في هذا التقييم متذرعًا بالسرية العسكرية. وأضاف أن انفجارات المطارات كانت رسالة لروسيا مفادها أنهم “ليسوا بأمان في أي مكان”.
وأورد المسؤول: “دعهم يعرفون كيف يبدو الأمر”، في إشارة إلى حالة الخوف وعدم اليقين التي انتشرت في جميع أنحاء أوكرانيا حيث أطلقت روسيا أكثر من 3000 صاروخ منذ 24 شباط/ فبراير.
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، نقلاً عن مسؤول حكومي أوكراني، أن الهجوم نفذته قوات خاصة. ويوم الأربعاء، قال المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إغنات في مقابلة على التلفزيون الحكومي الأوكراني إن مطار ساكي في بلدة نوفوفيدوريفكا بالإضافة إلى المطارات العسكرية الأخرى في شبه جزيرة القرم كانت قاعدة لطائرات روسية نفذت غارات جوية على أوكرانيا، وذلك حسب ما ذكرته وكالة “إنترفاكس” الأوكرانية للأنباء.
وأضاف دون أن يؤكد صراحة أن أوكرانيا مسؤولة عن هذه التفجيرات: “هذا هو السبب في أن تعطيل أي مطار يعتبر أمرا جيدا للغاية”. وذكرت القوات الجوية على صفحتها على فيسبوك أن تسع طائرات روسية قد دمرت.
لا يزال النطاق الكامل للأضرار التي سببتها الانفجارات في مطار القرم غير واضح، لكن أي عدد من الطائرات العسكرية المدمرة من شأنه أن يؤثر سلبًا على القوات الجوية الروسية التي كانت تهاجم الأهداف في أوكرانيا.
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة “بلانيت لابز” قبل أربع ساعات من الانفجارات، التي نشرتها مخططات مكتب التحقيق الأوكراني لإذاعة أوروبا الحرة، أكثر من 20 طائرة عسكرية متوقفة في المطار.
يُظهر مقطع فيديو مدته ثانية واحدة نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي ما لا يقل عن طائرة روسية واحدة مدمرة بالكامل ورجل إطفاء يرشّ الماء على منطقة المطار المتضررة، لكن لم تتمكن صحيفة بوليتيكو من التحقيق في الأمر بشكل مستقل.
نشر أنطون جيراشينكو، مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية، في تغريدة مقطع فيديو آخر يظهر على ما يبدو آثار الانفجار وكتب عليه: “يبدو أنه لا توجد أي فرصة لنجاة أي طائرة. لا يختلف تأثير انفجار يوم أمس عن الدمار الذي لحق بالطراد الروسي موسكفا”، في إشارة إلى السفينة الرئيسيّة في أسطول البحر الأسود التي دمرها صاروخان أوكرانيان من طراز نبتون في نيسان/ أبريل. وأضاف جيراشينكو: “لن تتمكن عشرات الطائرات الحربية بعد الآن من إلقاء القنابل والصواريخ علينا”.
تستعد أوكرانيا بشكل منهجي لتنفيذ هجومها المضاد الجنوبي في منطقتي خيرسون وزاباروجيا منذ أيار/ مايو، واستهدفت بشكل متزايد البنية التحتية الحيوية في خيرسون والمناطق القريبة منها التي تعتمد عليها روسيا لتعزيز جيشها وإعادة تزويده بالإمدادات. تساعد الأسلحة الغربية الأوكرانيين، من بينها على وجه الخصوص أنظمة هيمارس أو أنظمة الصواريخ عالية الحركة المقدّمة من الولايات المتحدة التي استخدمتها قوات كييف لتدمير جسر أنتونيفكا المهم، مما أجبر القوات الروسية على نقل الإمدادات عبر نهر دنيبرو الواسع.
علاوة على ذلك، دربت أوكرانيا كتائب جديدة ونشرتها في الجنوب مما مكّنها ببطء من استعادة عشرات البلدات والقرى الصغيرة.
تمكّنت القوات الروسية من اجتياح منطقتي خيرسون وزاباروجيا والاستيلاء عليها في وقت مبكر من الغزو، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى إخفاقات الأمن الداخلي والمتعاونين المحليين والدفاعات الضعيفة، إذ تعدّ هذه المناطق ذات أهمية اقتصادية وذات أهمية استراتيجية نظرا لموقعها. جنبا إلى جنب مع منطقة دونيتسك الجنوبية، تشكل المناطق الثلاث جسرا بريا يربط روسيا بشبه جزيرة القرم المحتلة، ويمنع أوكرانيا من الوصول الحيوي إلى بحر آزوف والبحر الأسود.
ينبع تركيز أوكرانيا على خيرسون وزاباروجيا الآن إلى حد كبير من القلق بشأن خطط الكرملين لتعزيز السيطرة على المناطق والجسر البري الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم. إلى جانب ذلك، وزعت روسيا جوازات سفر على الأوكرانيين في خيرسون وأدخلت الروبل كعملة للمنطقة.
قال مسؤولان أوكرانيان، بالإضافة إلى مسؤول ثالث مقرب من زيلينسكي على علم بالهجوم المضاد، لصحيفة بوليتيكو إنهم متأكدون من أن روسيا ستستخدم وكلاءها المختارين بعناية والمتعاونين المحليين لإجراء استفتاءات غير قانونية في الأراضي الأوكرانية المحتلة في 11 أيلول/ سبتمبر أو قريبًا من ذلك التاريخ. وأشار أحد المسؤولين إلى أنه لم يتضح ما إذا كانت الاستفتاءات ستُجرى على “أسلوب القرم” أو “أسلوب دونباس”.
استعادة السيطرة على الجنوب ستسمح لأوكرانيا بالتفاوض من موقع أقوى في حال استؤنفت المحادثات بين كييف وموسكو
سأل الاستفتاء الذي نظمته روسيا في القرم في نيسان/ أبريل 2014 سكان شبه الجزيرة عما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى روسيا، بينما سعت عمليّة التصويت في المناطق التي تسيطر عليها موسكو في شرق دونيتسك ومناطق لوهانسك في أيار/ مايو من ذلك العام إلى إضفاء الشرعية على “استقلال” هذه المناطق و”الجمهوريات الشعبية”. وقد أدان المجتمع الدولي كلا الاستفتاءين ولم يعترف بهما إلى حد كبير، باستثناء روسيا ودويلات مختلفة منشقة.
قال المسؤول المقرب من زيلينسكي، في شرح لضرورة قيام الجيش بشن هجوم مضاد الآن، إنهم يعتقدون أن هذا الزخم في صالح أوكرانيا. لم تحرز القوات الروسية تقدما كبيرا في منطقة دونباس الشرقية منذ معارك سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك، أين قامت أوكرانيا بانسحابات تكتيكية في حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو على التوالي، كما أضاف المسؤول أن الروح المعنوية الروسية متدنية.
أكد المسؤول أن استعادة السيطرة على الجنوب ستسمح لأوكرانيا بالتفاوض من موقع أقوى في حال استؤنفت المحادثات بين كييف وموسكو. وأضاف المسؤول أن الأوكرانيين المحاصرين في منطقة خيرسون وزاباروجيا التي تحتلها روسيا ينتظرون لمعرفة ما إذا كانت كييف قادرة على “تحريرهم” أو ما إذا كانوا سيبقون عالقين تحت سيطرة الكرملين. وقال المسؤول: “كلما طالت فترة بقاء شعبنا تحت الاحتلال الروسي، زاد خطر فقداننا له”.
المصدر: بوليتيكو