تناولت العائلة آخر عشاء في الساعة 8.45 مساءً يوم السبت، ثم طلب أحمد النيرب، البالغ من العمر 11 سنة، وشقيقه مؤمن، البالغ من العمر 5 سنوات، من والدهما محمد أن يصطحبهما إلى محل بقالة صغير بجوار منزلهما في مخيم جباليا شمال غزة.
اشتروا في المتجر رقائق البطاطس والعلكة، ثم شاهد محمد النيرب سقوط كرة ضخمة من النار وسمع دوي انفجار هائل.
في هذا السياق، قال الأب، البالغ من العمر 38 سنة لموقع “ميدل إيست آي”: “لم أستطع رؤية أي شيء، عندما بدأ الدخان المتصاعد يتبدد، وجدت مؤمن ملقى على الأرض ومغطى بالدماء”، وأضاف قائلا:” حملته بسرعة بين ذراعي وبدأت أركض للعثور على سيارة أو سيارة إسعاف. وبعد بضع أمتار، وجدت أحمد مُلقى على الأرض”.
وتابع قائلا: “شخص ما حمل أحمد، وركضنا معًا لمسافة 200 متر تقريبًا، ثم وجدنا سيارة مليئة بالمصابين، كان صندوقها مفتوحًا وفيه جثتان أو ثلاث جثث متجهة إلى المستشفى الإندونيسي في جباليا، ووضعنا أحمد ومؤمن في صندوق السيارة. لم أكن أعرف ما إذا كانوا قتلى أو مصابين”.
بعد دقائق مرت سيارة أخرى متجهة إلى المستشفى نفسه، ركبها محمد النيرب، وصرّح النيرب لموقع “ميدل إيست آي” في جنازة أطفاله: “عندما وصلت إلى المستشفى، وجدتهم يغطون أحمد، وبعد ذلك بوقت قليل، أخبروني أن مؤمن قد توفي أيضًا”.
وأوضح النيرب، الذي لم يكن له أطفال سواهما: “كنت لا أسمح لهما بمغادرة المنزل أثناء اندلاع الغارات، وكنت أخاف عليهم من كل شيء”.
كان كل من أحمد ومؤمن مولعان بالسباحة، كان من المفترض أن يذهبوا إلى حمام السباحة يوم الجمعة 5 آب/أغسطس، عندما شنت إسرائيل هجومها العسكري على غزة، مما أسفر عن مقتل القائد العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري في برج سكني يقع وسط غزة.
أسفر الانفجار عن مقتل سبعة فلسطينيين من بينهم أربعة أطفال وخلف 15 جريحًا، خلّف الهجوم الذي استمر ثلاثة أيام، والذي لم ينته إلا بعد قرار وقف إطلاق النار بوساطة مصرية مساء يوم الأحد 7 آب/أغسطس، إلى مقتل 44 فلسطينيًا – من بينهم 15 طفلاً – ناهيك عن إصابة 360 آخرين بجروح، من بينهم 151 طفلاً.
في هذا الصدد؛ أوضح إبراهيم النمنم، الذي يعمل في محل بقالة ذهبت إليه الأسرة قبل وقوع الهجوم، لموقع “ميدل إيست آي” إن جميع الأطفال الأربعة الذين قُتلوا في جباليا في 6 آب/ أغسطس اشتروا أشياء مختلفة للأطفال هناك، بما في ذلك العلكة ورقائق البطاطس والكولا.
كان كل أفراد عائلتي السبعة يُصلٌّون في شرق غزة. أثناء الركوع في الركعة الثالثة، استهدفت غارة إسرائيلية شقتنا أسفرت عن تعرضهم جميعَا لإصابات مختلفة
في الإطار ذاته، أشار النمنم، الذي لا يزال في حالة من الصدمة والرعب، والذي تعرض متجره الصغير للبقالة لأضرار جسيمة، لموقع “ميدل إيست آي” قائلًا: “بعد بضع دقائق، سمعت دوي انفجار قوي، وكان الزجاج المكسور متناثرًا في كل مكان، فاختبأت تحت الطاولة وبقيت لفترة من الوقت، ثم سمعت صراخًا، وعندما نظرت من الباب، شاهدت العديد من الجثث على الأرض”.
في وقت الهجوم؛ كان محمد أبو شكان يصطحب طفليه، أسامة البالغ من العمر ستة سنوات وأحمد البالغ من العمر أربع سنوات، إلى متجر البقالة ذاته.
وفي شأن ذي صلة، أعربت زوجته، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، لموقع “ميدل إيست آي”: “بعد أن غادروا المنزل، سمعت دوي انفجار، ولم أتخيل أن هذا الصوت يمكن أن يكون صاروخًا، فقد كان حيّنا مكتظًّا بالسكان وآمنًا”.
وتابعت بينما كانت تجلس بجانب أطفالها المصابين في الجناح: “ثم سمعت صراخًا، ركضت لأبحث عن أطفالي وزوجي. فلم أجدهم. ثم عرفت بعد ذلك إنهم أصيبوا ونُقلوا إلى المستشفى”.
وأضافت: “عندما وصلت إلى المستشفى، وجدتهم جميعا ملطخين بالدماء. تم نقل زوجي على الفور إلى غرفة العمليات وكان الطفلان مصابيْن بشظايا في كل جزء من جسديهما، ولا سيما في بطنيهما”.
تعرض أبو شكان البالغ من العمر 33 سنة، إلى إصابة في صدره ونُقل إلى وحدة العناية المركزة. في الوقت الحالي، استقرت حالته وحالة أطفاله، وقد ذكرت أم الطفلين وهي تبكي: “سجلت أسامة في الصف الأول بالمدرسة الشهر الماضي واشتريت له الزي المدرسي والقرطاسية. وقبل يومين؛ أطلعني على صورة لملابس منشورة على فيس بوك، وقال لي: “ماما، أريد زيًا مثل هذا””، وتابعت قائلة: “ماذا عليَّ أن أفعل؟ إنهم يرقدون على سرير المستشفى ذاته الآن”.
في الغرفة المجاورة؛ كانت وسام رجب، البالغة من العمر 18 سنة، تعرض لأختها البالغة من العمر ثماني سنوات مقطع فيديو كوميديًّا قصيرًا لمساعدتها على التخلص من الألم.
وفي هذا السياق؛ أوضحت وسام لموقع “ميدل إيست أي” في المستشفى: “كان كل أفراد عائلتي السبعة يُصلٌّون في شرق غزة. أثناء الركوع في الركعة الثالثة، استهدفت غارة إسرائيلية شقتنا أسفرت عن تعرضهم جميعَا لإصابات مختلفة”.
وأضافت قائلة: “كانت إصابة والدي خطيرة ولا يزال في العناية المركزة، بيد أن أخي وأمي وشقيقاتي التوأم في حالة مستقرة. ما زلنا جميعًا في المستشفى، باستثناء شقيقتيّ الكبيرتين اللتين غادرتا أمس، وهما يعيشان حاليا في منزل عمي، بعد أن دُمّر منزلنا”.
بعد إغلاق الفيديو؛ لعبت سارة، البالغة من العمر ثماني سنوات، ببعض الألعاب البلاستيكية.
في الإطار ذاته: قالت: “كنت أصلي مع بابا وماما وأخواتي عندما سقط الصاروخ الذي أطاح بنا جميعا أرضًا. بدأ بابا بالصراخ، كان وجه أخي حسن مغطى بالدماء، وأمسكتني ماما ونزلت السلم، ثم جاءت سيارات الإسعاف”.
بعد معانقة سلسلة من المعزين في جنازة طفليه، جلس محمد النيرب بجانب صورة كبيرة لهما ثم قال: “لقد سجلت مؤمن الشهر الماضي في المدرسة، كان من المفترض أن أشتري له الزي المدرسي وحقيبة جديدة الأسبوع المقبل”.
وأضاف قائلًا: “أخذته إلى المدرسة التي كان ينتظر بفارغ الصبر الذهاب إليها، واعتاد أن يسألني: “بابا، متى ستشتري لي حقيبة وأدوات قرطاسية جديدة؟” لكن اليوم عيد ميلاد مؤمن، فلترقد روحه بسلام”.
المصدر: ميدل إيست آي