بينما تشرع واشنطن في حملة تطوير أشباه الموصلات بمليارات الدولارات على مدى عقد من الزمان، تعتمد بكين على جهودها الخاصة غير الناجحة إلى حد كبير منذ 20 سنة، وسينفق كلاهما أموالًا ضائعة وسيواجه أهدافًا مضللة أثناء اللحاق بتايوان وكوريا الجنوبية.
وأفادت بلومبرغ نيوز هذا الأسبوع أن مهندسي جهود الصين الطموحة قد يواجهون عواقب لعدم إنتاجهم تكنولوجيا تهز العالم؛ حيث تنبع تحقيقات الفساد المتعددة التي أعلنت عنها السلطات من الغضب السائد بين كبار قادة البلاد بشأن عدم القدرة على تطوير أشباه الموصلات، التي يمكن أن تحل محل المكونات الأمريكية، ويتبع اثنان من أكثر المجالات التي تم فحصها هما خطة الإنقاذ البالغة 9 مليارات دولار لشركة تسينغهوا يوني جروب، والصندوق الوطني للاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة؛ المعروف باسم الصندوق الكبير.
فشلت الصين في تحقيق أهدافها المتعلقة بأشباه الموصلات، وسيتم محاسبة المكلفين بذلك، ولن تأسف بكين على خسارة المال – فقد كانت على استعداد لحرقه – ولكن في ظل غياب التقدم، كان المقصود من هذا الإنفاق هو الشراء.
أولئك الذين ينظرون إلى إنجازات الصين يجدون في الغالب ما يسعون إليه، ويتجاهلون البقية، فعلى سبيل المثال؛ حظيت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات بالكثير من الاهتمام مؤخرًا عندما كتب المحللون في شركة تاكينسايتس: “تمكنت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات من تصنيع نماذج صغيرة، بما يكفي، ليتم اعتبارها 7 نانومتر”، والنانومتر هو مقياس لحجم التوصيلات داخل شريحة (الأصغر هو الأفضل)، وفي هذه الأيام هي مصطلح تسويقي بقدر ما هو مصطلح علمي.
ويرى مؤيدو الرقائق في الصين أن هذا إنجاز مذهل، مما يجعل الشركة، التي تتخذ من شنغهاي مقرًّا لها، أقرب إلى قدرات الشركات العالمية الكبرى في هذا المجال، وهي: شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات وشركة سامسونج للإلكترونيات، لكنها ليست كذلك في الحقيقة، فيبدو أن ما فعلته الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات هو إنتاج شريحة معيارية إلى حد ما، تُستخدم في تعدين البيتكوين، ومع القليل من الأدلة يمكنها إنتاجها بعوائد جيدة أو على نطاق واسع.
تحتاج كل من الصين والولايات المتحدة إلى تعلم أهمية – ليس فقط – تطوير التكنولوجيا الخاصة بهما، ولكن بناء الثقة بين أقرانهم في المجال حتى يتعاونوا بحرية، فلم تصبح شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات أو سامسونغ رائدتين بالعمل الفردي
أي طباخ ناشئ يحاول صنع المعجنات سيحصل في النهاية على بعض العينات الجيدة. لكن لا يمكن ادعاء الإتقان إلا عندما تنجح جميع المحاولات تقريبًا (العائد)، ويمكن إجراؤها باستمرار وبكميات كبيرة (مقياس). على النقيض من ذلك؛ أطلقت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات وشركة سامسونغ الإنتاج الضخم عند 7 نانومتر قبل أربع سنوات؛ وهو دليل على أنهم قد نفذوا العملية بشكل صحيح. ويبقى السؤال حول كيفية إدارة الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات لهذا الأمر، مع عزله عن معدات التصنيع الغربية، كما تلاحظ شركة تاكينسايتس، أنه ليس من المستحيل صنع 7 نانومتر باستخدام آلات قديمة، فقط سيصبح أكثر تعقيدًا. ومن الحقائق الثابتة أن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات رفعت دعوى قضائية ضد الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات لسرقة التكنولوجيا، ولم يتم اتهام الشركة بارتكاب مخالفات فيما يتعلق بعمليات 7 نانومتر.
مهما كان سبب هذا الاختراق المحتمل، يمكنك أن تسامح بكين على كبح نفسها، فلم تقضي الحكومة والعديد من الصناديق المغذية السنوات العشرين الماضية وتنفق أكثر من 100 مليار دولار لينتهي بها الأمر متأخرة بأربع سنوات، فلقد توقعت تمامًا أن صناعة أشباه الموصلات لديها لا تلحق بالركب فحسب، بل وتضع البلاد على طريق الاستقلال التكنولوجي، ولكنها في النهاية حصلت على نموذج واحد لشريحة قريبة مما كان لدى الآخرين قبل بضع سنوات ولا يرقى إلى مستوى هذا الهدف.
وإذا كان هدف الصندوق الكبير هو توفير عائد مالي قوي – مثل أي صندوق استثمار مشترك أو تحوط أو رأس مال مخاطر – فقد نستنتج أنه قام بعمله، فقد استثمر في 23 شركة شرائح على الأقل بين سنتي 2014 و2019، ثم بدأت في البيع بعد الارتفاع الهائل في أسعار أسهمها.
ولكن هناك القليل من الأدلة على أن الصندوق الكبير نفسه، أو المكانة الهائلة لكونه مرتبطًا بمنظمة مدعومة من الدولة، قد أدى في الواقع إلى تسريع تنمية الصناعة، فقد كانت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات تعمل منذ 15 سنة قبل أن تعلن سنة 2015 أن صندوق الاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة الصينية سيشتري 4.7 مليار سهم جديد بإجمالي 400 مليون دولار تقريبًا، وفي ذلك الوقت؛ كانت الشركة متخلفة عن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، ولكن ليس كثيرًا. وفي كانون الأول/ديسمبر 2014، قامت ببناء أول معالج “سناب دراغون” لشركة كوالكوم، باستخدام تقنية 28 نانومتر، وبعد أكثر من ثلاث سنوات بقليل من تحقيق شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات إنجازًا مشابهًا، ومن المريح مقارنة الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات بشركة أنتل، العملاق الأمريكي الذي كافح في السنوات الأخيرة وتراجع أيضًا عن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات وسامسونغ، لكن الحقيقة القاسية هي أن فجوة الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات والشركات الكبرى قد ضاقت بالكاد.
المال وحده لا يكفي ليكون قائدًا لصناعة أشباه الموصلات. وإذا كان هذا هو الحال؛ فإن شركة إنتل وغلوبال فوندريس المدعومة من الإمارات العربية المتحدة ستكونان من الكبار
ثم هناك تسينغهوا يوني جروب، التي استفاد اسمها وحده من الارتباط بإحدى المؤسسات الأكاديمية المرموقة في الصين. وعلى الرغم من أنه قد أثير حولها الكثير من الضجة وحول رئيس مجلس الإدارة تشاو ويغو، إلا أنها لم تفعل الكثير لجعل البلاد أقل اعتمادًا على التكنولوجيا الأجنبية، وكان من بين أكبر تحركات تشاو شراء شركات محلية معروفة – بما في ذلك شركة الاتصالات سبريدتروم وشركة “آر دي آي” للإلكترونيات الدقيقة – مقابل 2.6 مليار دولا، وقد فشلت محاولة مشروع مع شركة ويسترن ديجيتال، عندما استخدمت حكومة الولايات المتحدة حق النقض ضد استثمار يقارب 4 مليارات دولار.
وكان فوز شركة يون جروب الكبير هو دعم شركة يانغتسى لتكنولوجيا الذاكرة، وهي شركة تتقدم ببطء في صفوف مصنعي رقائق الذاكرة العالميين، ولكن إذا كان الهدف هو فطم الصين عن التكنولوجيا الأجنبية، فإن شركة يانغتسى تخدم إلى حد كبير مكاسب العلاقات العامة، فرقائق الذاكرة هي منتج سلعي – المكافئ السليكوني لخزانة الملفات – وهي تخزن ببساطة المعلومات بدلًا من الحسابات التي تقوم بها المعالجات، وإذا كانت الصين تريد أشباه موصلات قادرة على قيادة الذكاء الاصطناعي أو توجيه الصواريخ، فسيتعين عليها أن تفعل ما هو أفضل بكثير من التباهي بشرائح الذاكرة.
ومع ذلك؛ كانت هذه مشكلة من صنع الصين، فالمال وحده لا يكفي ليكون قائدًا لصناعة أشباه الموصلات. وإذا كان هذا هو الحال؛ فإن شركة إنتل وغلوبال فوندريس المدعومة من الإمارات العربية المتحدة ستكونان من الكبار مباشرة.
وبدلًا من ذلك، تحتاج كل من الصين والولايات المتحدة إلى تعلم أهمية – ليس فقط – تطوير التكنولوجيا الخاصة بهما، ولكن بناء الثقة بين أقرانهم في المجال حتى يتعاونوا بحرية، فلم تصبح شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات أو سامسونغ رائدتين بالعمل الفردي؛ حيث إنهما تعتمدان بشدة على موردي المعدات والبرمجيات والمواد – وكثير منهم في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا- بدلاً من القيام بمهمة فردية لمتابعة الاستقلال التكنولوجي.
إذا كان هدف الصين هو تعزيز قوتها وعزل نفسها عن العالم، فإنها ستفشل في الأولى وتنجح بالتأكيد في الثانية، وإذا أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات بموقف مستقل مماثل، فمن المرجح أن تكرر نفس الخطأ.
المصدر: واشنطن بوست