ترجمة وتحرير نون بوست
وفقًا للأساطير الإغريقية، فقد أتت أفروديت (إلهة الحب) إلى الأرض من البحر، جالسة على صدفة تحملها الجنيات.
ليست غزة جزءًا من اليونان القديمة، لكن تاريخها يعود إلى العصر البرونزي، ولدى غزة أفروديت الخاصة بها أيضًا، تمثال رخامي يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، استخرجه صياد من البحر المتوسط وتبرع به لما يسمى بمتحف آثار غزة اليوم.
يحتل المتحف صالة طويلة من الفندق المسمى بـ “فندق المتحف”، الذي يرقد بدوره على ساحل غزة المتلاطم في جزئه الشمالي، أسس المتحف السيد “جودت خضري” رجل الأعمال والمهتم بجمع التحف عام 2008، وأُعيد ترميمه وتجديده مرة أخرى تحت إشراف ابنته “ياسمين”.
جودت خُضري، رجل الأعمال وجامع التحف ومؤسس المتحف
مرت غزة بأربعة حروب في الستة أعوام الماضية؛ وفي الحرب الأخيرة تحديدًا حيث وصل عدد القتلي لما يقارب 2200 قتيلاً، أصبح الجزء الشمالي من القطاع (حيث يقع المتحف) أحد أخطر الأماكن من الجو والأرض.
قالت “ياسمين الخضري” إن المتحف لم يتعرض لأي ضرر ضخم في الحرب الأخيرة، وأن بعض نوافذه قد تكسرت نتيجة لانفجارات قريبة فحسب، وقالت لي على الهاتف “نحن بخير والمتحف بخير”، وبذلك بقي المتحف كدليل هام على الهوية وتاريخ غزة.
يقول الدكتور “مارك آندري هالديمان” الباحث المختص بآثار المتوسط في جامعة بيرن بسويسرا: “يخفي التصور الشعبوي لغزة – ذلك الذي يرى فيها أرضًا خرابًا ممتلئة بالسيارات المحروقة والجنازات – خلفه تاريخًا غنيًا للغاية؛ ففي غزة وحدها 17 موقعًا أثريًا ضخمًا، ولم يعرف العالم أي شيء عن هذه المواقع قبل أن يبدأ السيد خضري في تجميع الآثار عام 1987”.
“لا يمكن لتصورنا الغربي لغزة أن يتخيل مدى غناها بالكنوز الأثرية التي تختبئ خلف روتين الموت والدمار اليومي”.
بدأ خضري في جمع الآثار على نفقته الخاصة وبمساعدة مدرسة الآثار الفرنسية بالقدس ومتحف الفن والتاريخ بجينيف، على حد قول الدكتور هالديمان.
وإذ تسبب غلق الحدود في إيقاف السياحة الخارجية، بدأت السياحة الداخلية في النمو، وأبدت اهتمامًا خاصًا بالمواقع الساحلية والتاريخية، وبالطبع كان متحف الخضري جزءًا من هذه التجربة.
“أصبح في استطاعة أهل غزة التعرف على قدر كبير من تراثهم الحضاري”، على حد قول هاليدمان.
يحتل المتحف المجاني صالة حجرية طويلة على يمين مكتب استقبال الفندق، ويعرض قرابة الـ 350 قطعة أثرية تعود إلى العصر البرونزي (قبل قرابة 5500 عامًا)، وتضم مجموعة المتحف أيضًا أعمدة وعملات وأوانٍ تعود إلى العصور الإسلامية والصليبية والرومانية والبيزنطية، وهناك ما يزيد على قرابة 800 قطعة أخرى مخزنة خارج البلاد.
يقول السيد خضري: “كم كانت مدينتنا متحضرة في وقت من الأوقات، كانت لنا عملتنا الخاصة في القرن الخامس قبل الميلاد؛ حاملة اسم وشعار المدينة، كنا كما الإسكندرية، مدينة لا مثيل لها على سواحل المتوسط”.
تغطي صورة عملاقة بالأبيض والأسود أحد الجدران، تظهر الصورة التي صورها المصور السويدي “أولوف أندرسون” الصيادين في ميناء غزة عام 1956، هؤلاء الرجال في الصورة هم آباء وأقارب الكثير من صيادي اليوم، الصيادين الذين استمروا في جلب الآثار من البحر منذ عام 1985 للسيد خضري.
البحر هو الموضوع الأكثر تكررًا في مجموعة المتحف، يجلس عدد من الصواري الرومانية العتيقة مزين بالرمال المحلية خلف زجاج العرض، وعامود بيزنطي من الرخام ذا تاج سليم استخرجه أحد الصيادين، وقد وجد خضري الكثير من القطع بفضل شركة البناء التي يملكها (سقا وخضري).
فقد حدثني قائلاً: “لا توجد أي قواعد للتنقيب قبل البناء في غزة، فلا توجد أي مصادر أو رغبة سياسية للحفاظ على تاريخ القطاع”، وأكد على مواظبته على البحث عن أي آثار قبل الشروع في أي مبنى.
وقد تأثر التنقيب عن الآثار والكثير من جهود علمائها بالعدوان المستمر، فقد أخبرني الدكتور “معين سابق” مؤسس وزارة الآثار السابقة في غزة والأستاذ في جامعة قطر أنه قد اضطر إلى ترك غزة لهذا السبب، فقد “أصبح من المستحيل العمل ميدانيًا في غزة تحت قصف الطيران”، على حد قوله.
المصدر: نيويورك تايمز