صوت مجلس النواب (البرلمان) المصري، في جلسة لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة، بالموافقة على تعديل وزاري ضم 13 حقيبة، أبرزها التربية والتعليم، والموارد المائية والري، والتجارة والصناعة، والسياحة والآثار، وقطاع الأعمال العام، والقوى العاملة، والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والصحة والسكان.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد دعا البرلمان إلى عقد جلسة طارئة، السبت 13 أغسطس/آب 2022، بحسب المادة 116 من الدستور التي تنص على أنه “يجوز انعقاد مجلس النواب في اجتماع غير عادى لنظر أمر عاجل، بناءً على دعوة من رئيس البلاد، أو طلب موقع من عُشر أعضاء المجلس على الأقل”، وذلك للموافقة على التعديل المقترح.
ولم يقترب التعديل من الوزارات السيادية المحورية كالدفاع والداخلية والخارجية، كما أنه تجاهل بعض الحقائب الأخرى التي كان يتوقع أن يجرى بها تعديلات كالمالية والزراعة والإسكان والمرافق والكهرباء والتموين والتضامن، كما لم يتطرق إلى حقيبة الإعلام بعد استقالة الوزير السابق، أسامة هيكل، في أبريل/نيسان 2021.
الخطوة أثارت الكثير من ردود الفعل المتأرجحة بين السخرية والتشكيك في جدواها وعدم تلبيتها لرغبات الشارع، بجانب استغراب الإبقاء على بعض الوزراء رغم الكثير من التحفظات بشأنهم، وكانت وسائل الإعلام قبل ساعات من انعقاد الجلسة تحدثت عن أنها ستتطرق إلى ملف “سد النهضة” وستشهد منح القيادة السياسية تفويضًا كاملًا بشأن التعامل مع تلك القضية بعد إعلان أديس أبابا اكتمال المرحلة الثالثة من الملء، وهو ما لم يحدث، ما انعكس سلبًا على تعاطي المصريين مع تلك التعديلات.
تساؤلات مشروعة
التعديل الذي يعد الخامس الذي تشهده حكومة الولاية الثانية للسيسي، التي بدأت منتصف 2018، شمل الكثير من المفاجآت أبرزها تعيين نائب وزير التربية والتعليم رضا حجازي، في منصب وزير التعليم بدلًا من الوزير المثير للجدل طارق شوقي، واختيار (المصرفي) الرئيس التنفيذى لقطاع التجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي أحمد عيسى، وزيرًا للآثار والسياحة بدلًا من خالد العناني، أستاذ علم المصريات، الذي شهد المقربون من القطاع بإسهاماته في إنعاش منظومة السياحة خلال العامين الماضيين.
كما تضمن أيضًا تعيين رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب أحمد سمير، في منصب وزير التجارة والصناعة خلفًا للوزيرة نيفين جامع، وتولي وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، حقيبة الصحة والسكان خلفًا لهالة زايد المختفية منذ 10 أشهر، كذلك اختيار أستاذ التنمية المستدامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة هاني عاطف سويلم، لمنصب وزير الري بدلًا من محمد عبد العاطي، وسها سمير ناشد في منصب وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والفريق محمد عباس حلمي وزيرًا للطيران المدني، وحسن محمد شحاتة وزيرًا للقوى العاملة، ونيفين الكيلاني وزيرة للثقافة، واللواء هشام آمنة وزيرًا التنمية المحلية، ومحمود عصمت وزيرًا لقطاع الأعمال العام، واللواء محمد صلاح الدين وزيرًا للإنتاج الحربي.
السيسي وعبر تدوينه على حسابه على موقع فيسبوك أوضح أن هذا التعديل يهدف إلى “تطوير الأداء الحكومي في بعض الملفات المهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، التي تساهم في حماية مصالح الدولة ومقدراتها، وتمس بشكل مباشر الخدمات المقدمة للمواطن المصري، الذي نعمل جميعًا من أجله. وأتقدم بالشكر والتقدير لجميع الوزراء الذين أنهوا مهمتهم، وأتمنى التوفيق والنجاح لمن كُلف بالمهمة بديلًا عنهم”.
جاء التعديل الحاليّ في وقت تشهد فيه الساحة المصرية موجة احتقان شعبية كبيرة في ظل الأوضاع المعيشية المتردية والفشل في التعاطي مع العديد من الملفات، وهو ما جعل التغيير مطلبًا لدى الشارع المصري، تغيير الأشخاص والسياسات على حد سواء
تساؤلات عدة فرضت نفسها على ألسنة الشارع المصري إزاء إصرار السيسي على الإبقاء على بعض الأسماء التي تعرضت لانتقادات حادة خلال الفترة الماضية بسبب أدائها المتردي أو لتورطها في قضايا فساد، على رأسهم وزير الأوقاف، مختار جمعة، المستمر في منصبه منذ يوليو/تموز 2013 وحتى اليوم، رغم تورطه في قضية رشوة وزير الزراعة السابق صلاح هلال، وإرسال زوجته ونجله وعشرات من المقربين له، لأداء مناسك الحج على نفقة الوزارة الخاصة.
هناك أيضًا وزير الخارجية سامح شكري، الذي يتهمه البعض بالإخفاق في بعض الملفات الحيوية، أبرزها ملف سد النهضة الذي يعرض مستقبل الأمن المائي المصري للخطر بعد إكمال أديس أبابا المرحلة الثالثة من الملء، بجانب وزير الكهرباء محمد شاكر، ثاني أقدم الوزراء الحاليّين، الذي يواجه هو الآخر اتهامات باستغلال النفوذ وتسهيل عمل شركته في مجال الاستشارات الكهربائية.
توجيه إعلامي.. لا انتقادات للراحلين
تشير التعديلات الوزارية كإجراء تقليدي عام في عرف علم السياسة إلى فشل الأسماء الموجودة في تحقيق الأهداف المرجوة وتنفيذ السياسات المتبعة والموضوعة في غالبها بقرارات فوقية، وعليه كان تغييرها هو الخطوة الأولى نحو العودة للطريق الصحيح، من وجهة نظر السلطة على أقل تقدير، ومن ثم فهناك خطأ ما أو فشل محدد استوجب ضخ دماء جديدة بأفكار ورؤى مختلفة.
لكن يبدو أن السلطات المصرية لها رأي آخر، لتغرد وحيدة خارج السرب، متجنبة الولوج في فخ “الفشل” على اعتبار أن هذا التغيير يسيئ لها، كما هو الحال في بعض الملفات الأخرى وأبرزها جائحة كورونا، رغم أن هذا الأمر طبيعي جدًا في كل دول العالم، دون استشعار أي حرج.
أدت سياسات الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الثمانية الماضية إلى تعاظم الأزمة وتفاقمها، إذ تشير البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي
هذا التوجه السلطوي كشفته قائمة التعليمات الصادرة عن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (تابعة لجهة سيادية وتحت إشراف الدولة) للمواقع الصحفية والقنوات الفضائية المصرية بحظر نشر أي أخبار سلبية عن الوزراء الراحلين، وأن يكون التعاطي بشكل إيجابي مع المعينين من خلال عرض سيرتهم الذاتية والملفات الخاصة بكل وزارة.
ومن أبرز الوزراء الراحلين المحظور التطرق إليهم إعلاميًا في قائمة الممنوعات التي اطلع عليها موقع “مدى مصر” وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم، وملابسات خروجها من الوزارة إثر قضية نجلها المُتهم بجريمة قتل في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك وزير التربية والتعليم طارق شوقي، الذي كانت إقالته مطلبًا جماهيريًا، حيث منع نشر أي أخبار سلبية تتعلق بإدارته لهذا الملف.
امتصاص الاحتقان
جاء التعديل الحاليّ في وقت تشهد فيه الساحة المصرية موجة احتقان شعبية كبيرة في ظل الأوضاع المعيشية المتردية والفشل في التعاطي مع العديد من الملفات، وهو ما جعل التغيير مطلبًا لدى الشارع المصري، تغيير الأشخاص والسياسات على حد سواء.
وقد أدت السياسات المتبعة خلال السنوات الأخيرة إلى زيادة معدلات البطالة والتضخم والزج بأكثر من 30% من الشعب إلى آتون الفقر، فيما زادت الحرب الروسية الأوكرانية ومن قبلها جائحة كورونا من الوضعية الصعبة، ما نجم عنه تصاعد الغضب لا سيما بعد الإخفاق الواضح في إدارة ملف سد النهضة الذي بدأ يلقي بظلاله القاتمة على مستقبل المياه والكهرباء في مصر، وهو ما تلمسه المواطن من خلال بعض القرارات الحكومية منها قرار ترشيد الكهرباء الأخير الذي أثار ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي.
خريطة التعديلات الحاليّة ابتعدت بشكل كبير عن طموحات الشارع الذي كان يؤمل نفسه بـ”غربلة” للحكومة بأكملها وتبني سياسات جديدة تراعي البعد الاجتماعي في سياساتها المتبعة، ومن ثم يرى البعض أن التعديل بصيغته المعلنة هدفه الرئيسي امتصاص الاحتقان وتخفيف حدة الغضب الشعبي المتفاقم، دون أي إرادة حقيقية للتغيير، لا سيما أنه أغفل الحقائب محل الانتقادات كالتموين والخارجية والأوقاف والمالية.
وقد أدت سياسات الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الثمانية الماضية إلى تعاظم الأزمة وتفاقمها، إذ تشير البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي من 145.529 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، وبنسبة ارتفاع بلغت نحو 8.5% تقريبًا خلال ثلاثة أشهر.
وتصل أعباء الدين بشقيه، الداخلي والخارجي، إلى نسبة 110% من إجمالي إيرادات الدولة، أي نحو تريليون و655.7 مليار جنيه (89 مليار دولار) (690.2 مليار جنيه فوائد و965.5 مليار أقساط ديون) في حين أن إجمالي الإيرادات المتوقعة يبلغ تريليونًا و517.9 مليار جنيه (81.6 مليار دولار) بحسب البيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي (2022-2023)، فيما زادت الفجوة بين الدين الخارجي والاحتياطي النقدي خلال السنوات الـ12 الماضية، بنحو 4 أضعاف خلال 12 عامًا، بحسب بلومبيرغ.
وفي تقرير لها تحت عنوان “أزمات الاقتصادات الناشئة.. الجوع وانقطاع الكهرباء مجرد بدايات” حذرت بلومبيرغ من تراكم الصدمات التي تتعرض لها الأسواق الناشئة والنامية خلال الأعوام الماضية، التي على رأسها التحول إلى كارثة ديون أوسع نطاقًا، لافتة أن مصر ضمن قائمة المعرضين للخطر بسبب معاناتها من مشكلات في ميزان المدفوعات.
10 تعديلات و3 حكومات في 8 سنوات
منذ تولي السيسي السلطة في 2014 أجرى قرابة 10 تعديلات وزارية داخل أروقة 3 حكومات متعاقبة، الأولى كانت بعد تنصيبه حين كلف إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة التي تضمنت 35 حقيبة، وكان أول تعديل وزاري بعد عام واحد فقط من حلف الحكومة اليمين، حيث شمل 6 حقائب وزارية (وزارة الداخلية والزراعة والتربية والعليم والسياحة والثقافة)، كما استحدث وزارتين جديدتين آنذاك هما وزارة التعليم الفني والتدريب ووزارة الإسكان.
وفي 19 سبتمبر/أيلول 2015 تولى شريف إسماعيل منصب رئيس الوزراء خلفًا لمحلب، وشملت الحكومة 33 وزارة منهم 17 وزيرًا من حكومة محلب، وخلال ولايته الممتدة قرابة 3 سنوات أجرى إسماعيل 4 تعديلات وزارية، الأول عام 2016 وشمل 9 وزارات، الثاني عام 2017 وشمل 9 حقائب وزارية، فيما جاء التعديل الثالث عام 2018 وشمل 4 حقائب وزارية، وذلك قبيل استقالة الحكومة في 5 يونيو/حزيران 2018.
انتقادات لاذعة قوبلت بها تلك التعديلات وصلت حد السخرية والاستهزاء وفقدان الثقة في جدوى الخطوة برمتها، خاصة مع إيمان الجميع بأن الأزمة ليست في الأشخاص إنما في السياسات والقرارات الفوقية التي يهيمن النظام عليها دون ترك أي مساحة للتشارك مع العامة
وبعد استقالة إسماعيل، اختار السيسي وزير إسكانه القديم، مصطفى مدبولي، لتولي الوزارة الجديدة، وبعد أقل من عام كان التعديل الأول على الحكومة، وذلك في فبراير/شباط 2019، لكنه كان تعديلًا محدودًا للغاية شمل حقيبة وزارية واحدة حيث تم تولية منصب وزير الإسكان للدكتور عاصم الجزار بدلًا من مدبولي، وبعد شهر واحد فقط تم تعيين كامل الوزير وزيرًا للنقل بدلًا من هشام عرفات الذي قدم استقالته بعد حادث حريق محطة مصر.
التعديل الثالث في ولاية مدبولي كان في ديسمبر/كانون الأول 2019 الذي شمل 10 حقائب وزارية، وفي عام 2020 اختير المهندس محمد أحمد مرسي وزيرًا للإنتاج الحربي خلفًا للفريق الراحل محمد العصار، ومع بدايات العام التالي تولى خالد عبد الغفار مهام القائم بأعمال وزير الصحة بدلًا من الدكتورة هالة زايد التي غابت عن الأضواء بداعي الظروف الصحية بعد تعرض مكتبها لتهم الكسب غير المشروع بمساعدة طليقها.
انتقادات لاذعة قوبلت بها تلك التعديلات وصلت حد السخرية والاستهزاء وفقدان الثقة في جدوى الخطوة برمتها، خاصة مع إيمان الجميع بأن الأزمة ليست في الأشخاص إنما في السياسات والقرارات الفوقية التي يهيمن النظام عليها دون ترك أي مساحة للتشارك مع العامة، ومن ثم يمكن القول إن ردود الفعل الأولية تكشف أن إستراتيجية “المهدئات والمسكنات” التي تتبعها السلطات الحاليّة لتبريد الاحتقان الشعبي لم تعد صالحة في ظل تفاقم الوضع وسقوط الكثير من الشعارات التي كان يلجأ إليها النظام لتخدير الرأي العام.