بغض النظر عن التوجيهات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي، يجب ألا يتجاهل المستثمرون القلق المتزايد بشأن احتمالية التخلف عن سداد الديون.
صدق أو لا تصدق، يفكر المستثمرون أحيانًا في أشياء لا تتعلق مباشرة بسياسة أسعار الفائدة الأمريكية. بطبيعة الحال؛ فإن الجدل حول ما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك مهم؛ حيث إنها بلا شك أكبر قضية في الوقت الحالي.
وهذا الأسبوع ساد الهدوء على ظروف السوق الصيفية مرة أخرى؛ وذلك بفضل البيانات التي تظهر تباطؤًا متواضعًا في التضخم؛ حيث قال مكتب إحصاءات العمل، يوم الأربعاء، إن المعدل السنوي انخفض إلى 8.5 بالمئة في تموز/يوليو، انخفاضًا من 9.1 بالمئة في الشهر السابق له، مما أثار التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون مقتنعًا بخفض ارتفاع أسعار الفائدة، وتم تأكيد عن هذا المحور المزعوم ونفيه مرارًا وتكرارًا مرات أكثر في الشهر الماضي أكثر مما يمكنني تذكره؛ حيث إنه له مدة صلاحية أجندة السياسة الأساسية لمرشح قيادة حزب المحافظين، لكن الآن؛ إلى حد ما، عادت الأسواق مرة أخرى لدعم الأسهم.
من المؤكد أن هذه قد تكون بداية لشيء كبير؛ فربما يتجه التضخم حقًا إلى الانخفاض، وربما تعتبر لحظة عابرة؛ إذا كان يمكنك تغيير تعريف كلمة “عابرة” بما فيه الكفاية، ولكن إذا كنت تعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يهدأ ويتمهل مع ارتفاع التضخم الرئيسي عند 8.5 بالمئة، مقابل هدفه البالغ 2 بالمئة، فأنت ساذج.
حتى في العقد الذي سبق أزمة كوفيد، نما الاقتراض في الأسواق الناشئة من 3.3 تريليونات دولار، أو حوالي ربع الناتج الاقتصادي، إلى 5.6 تريليونات دولار، أي ما يقرب الثلث.
ولقد لاحظ المحللون في ميرابود أنه “إذا كان لدينا تضخم بنسبة صفر بالمئة شهريًا كل شهر (وهو ما سيكون متشائمًا بشكل لا يصدق) حتى نهاية السنة، فلا زال لدينا تضخم أعلى من 6 بالمئة في ديسمبر/كانون الأول، الزخم قد يكون في تباطؤ ولكن 8.5 بالمئة لا تزال مرتفعة للغاية”، وعارضت ماري دالي، رئيسة فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، تلك النقطة في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز؛ حيث قالت: “لا نريد إعلان النصر في ظل انخفاض التضخم، لم نقترب من الانتهاء بعد”. ولكن هل سيضع ذلك حدا لهذا النقاش؟ لا ليست هناك فرصة لذلك.
تتمثل إحدى المشكلات في أن هذا التبادل الضوضائي، على الرغم من أهميته، يُغرق كل شيء آخر. وفي الوقت نفسه؛ فإن الكثير من مستثمري السندات لديهم مسألة مختلفة في أذهانهم: التخلف عن السداد، فلقد كانت هذه الأمور نادرة الحدوث بينما أغرقت البنوك المركزية النظام بأموال مجانية، لكن من المتوقع أن يصبح إخفاق الحكومات والشركات في سداد ما عليها أكثر ديمومة. بالنسبة للديون الحكومية؛ يمكن أن يصبح هذا الأمر معقدًا للغاية، خاصة بالنسبة لتلك البلدان التي اقترضت بالدولار والتي أصبحت الآن أكثر تكلفة بكثير لتسديدها.
وأشار ليلاند جوس، المستشار العام في الرابطة الدولية لأسواق رأس المال، في تقرير صدر مؤخرًا؛ إلى أنه حتى في العقد الذي سبق أزمة كوفيد، نما الاقتراض في الأسواق الناشئة من 3.3 تريليونات دولار، أو حوالي ربع الناتج الاقتصادي، إلى 5.6 تريليونات دولار، أي ما يقرب الثلث.
بدأ الضغط في الظهور في سريلانكا، التي اعترفت بالفعل بأنها لا تستطيع سداد مستحقات المستثمرين، ولكن أيضًا في السندات التي أصدرتها كينيا ومصر وأماكن أخرى؛ حثي قال جوس إن احتمال حدوث “أزمة ديون سيادية شاملة” أمر حقيقي، ويبقى السيناريو الكابوس هنا هو أن الكثير من حالات التخلف عن السداد تأتي كلها مرة واحدة، فقد قال جوس: “الدائنون الذين يتعرضون للانكشاف ليسوا مقترض واحد أو عدد قليل، ولكن العديد من المقترضين السياديين قد يواجهون انكشافات إجمالية كبيرة، وقد يواجه الدائنون أنفسهم صعوبات مالية وانعكاسات نظامية محتملة، لا سيما إذا كانت مؤسسات مالية”.
هذه في الواقع قضية ملحة محتملة لمديري الصناديق الذين لديهم انكشافات مكثفة للأسواق الناشئة، وإذا كان جوس على حق، فإن الأمر يستحق منا أن نراقب عن كثب أيضًا، فقد قال إنه لا توجد “عصا سحرية” لحل هذه المشكلة، ولكن “إعادة هيكلة الديون الاستباقية المنسقة والمتعددة الأطراف” يمكن على الأقل أن تجلب بعض النظام إلى العملية.
ويستعد مستثمرو ديون الشركات أيضًا لبيئة أكثر صعوبة؛ حيث يقول بيير فيرلي، رئيس قسم الائتمان في شركة كارمينياك لإدارة الأصول الأوروبية: “أنا لست محاربًا على الإطلاق، لا أتوقع موجة لا يمكن السيطرة عليها من التخلف عن السداد. لكننا نعيد دخول عالم حيث يكون لرأس المال تكلفة”، فيما يُظهر مؤشر العائد المرتفع لليورو “آي سي إي بوفا” ذلك بوضوح شديد.
في بداية هذا السنة؛ كانت العوائد – وهي وكيل لتكاليف الاقتراض – تحوم عند أقل من 3 بالمئة بقليل، وتذكّر أن هذا مخصص للمقترضين ذوي المخاطر المرتفعة وليس مصدري الأوراق المالية الآمنة، وقد ارتفع الآن إلى 6 بالمئة، بعد أن تجاوز 7 بالمئة في تموز/يوليو عندما بلغت نوبة رفع أسعار الفائدة لدى البنك المركزي ذروتها.
وتعتقد وكالة التصنيف فيتش أنه مع تكثيف المخاطر الاقتصادية وارتفاع أسعار الفائدة المعيارية؛ يمكن أن تتضاعف معدلات التخلف عن السداد ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة هذه السنة من السنة الماضية، لتصل إلى 1 بالمائة، وتتضاعف أيضًا في أوروبا إلى 1.5 بالمئة، ويعتقد فيرلي بشكل عام أنه يمكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير؛ حيث: “على مدى السنوات الخمس المقبلة، أعتقد أنك سترى معدل تخلف عن السداد بنسبة 4 بالمئة سنويًا، لذلك في فترة خمس سنوات، سيتخلف واحد من كل خمسة في العائد المرتفع”، وذلك عدد كبير.
مستويات كهذه ستعيدنا إلى ما رأيناه في سنة 2020؛ وليس أقدم، وهذا لا يزعج فيرل، فأدواره السابقة في أسواق الديون المتعثرة شدته على هذه التجربة؛ حيث يقول: “لدي خلفية في الديون المتعثرة، لذا فإن توقعاتي منخفضة للغاية”، ولكن من المرجح أن يجد الآخرون هذا أكثر قوة؛ حيثيمتص الجدل الدائر حول محور الاحتياطي الفيدرالي الكثير من الطاقة الفكرية في الأسواق ولسبب وجيه؛ لكن الانتباه إلى هذه القضايا الأخرى على مسؤوليتك.
المصدر: فاينانشيل تايمز