تم حشر ثماني نساء في غرفة فندق خانقة بلا نوافذ في الحدود الجنوبية الشرقية لأفغانستان، وامتلأت أعينهن بالخوف والتصميم أثناء تفصيلهن لخطة هروبهن.
قالت فرحناز عزيزي، 24 سنة، مشيرة إلى الجميع بالتزام الصمت: “لا يمكن لطالبان أن تمسك بنا، إنهم يمنعون النساء من الذهاب إلى باكستان”، وتمكنت النساء الثمانية جميعًا من عبور الحدود بنجاح في أكتوبر 2021، بعد شهرين من اقتحام طالبان كابول مرة أخرى لتأسيس إمارة إسلامية مرهوبة الجانب منذ فترة طويلة.
غادر مئات الآلاف من الأفغان وطنهم منذ ذلك الحين، من بينهم أكثر من 122 ألف شخص نقلتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها جوًا، وكثير منهم خلال الإخلاء الفوضوي من مطار كابول فور استيلاء الجماعة على السلطة في 15 آب/أغسطس 2021. في ذلك الوقت؛ تدفق مقاتلو طالبان إلى العاصمة وتجولوا في الشوارع وزاروا حديقة الحيوان وجدّفوا في بحيرة قرغا في كابول، فلقد كانوا أكثر انشغالا في الآونة الأخيرة.
بعد مرور سنة؛ تحسنت بعض الأشياء في أفغانستان، فيبدو أن الفساد، وهو لعنة للجمهورية الأفغانية السابقة، في طريقه إلى الزوال، وتوقف القتال على نطاق واسع إلى حد كبير (على الرغم من وجود الكثير من أعمال العنف المتفرقة في مناطق معينة)، ويقوم الناس في المناطق الريفية بإعادة البناء. في الوقت نفسه؛ يعيش الآن كل أفغاني تقريبًا، وفقًا للأمم المتحدة، تحت خط الفقر، ولقد قتلت حركة طالبان موظفين حكوميين سابقين ومسؤولين أمنيين وجرّدوا النساء – مرة أخرى – من معظم حقوقهن التي كن قد نلنها بعد زوال نظام طالبان السابق في التسعينيات، وتم حظر واستئصال وسائل الإعلام المحلية والدولية على حد سواء.
ولكن حتى هذا الوحش المتطرف يمكن أن يكون مصدر ارتياح بعد حياة كانت في كثير من الأحيان قبيحة ووحشية؛ وتقريبًا قصيرة، فقد قال علاء محمد، 30 عامًا، وهو أب لتسعة أطفال، ونجا من هجوم بقذائف الهاون قبل أسابيع من سيطرة طالبان على ولاية وردك؛ إن عائلته كانت مختبئة في حظيرة للأبقار تحت الأرض عندما اندلع القتال، ولهذا على مدى السنوات العشرين الماضية من القتال بين الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف وطالبان، قُتل ما يقرب من 50 ألف مدني أفغاني في الحرب.
وقال محمد مع اقتراب نهاية [الجمهورية] عندما كان القتال يدور يوميًّا: “كنا متعبين. نحن لا ندعم طالبان، لكننا سعداء بأن الأمور هدأت على الخطوط الأمامية”.
وفي منطقة سانجين بولاية هلمند، التي كانت في السابق ساحة معركة بين طالبان والقوات البريطانية، بدأ عمال البناء من الصفر ببناء بلدة سُوّيت بالأرض؛ حيث قال محمد والي، 50 عامًا: “انتهت الحرب وغادر الأجانب. لقد دُمِّر منزلي، لكن هذه المرة يمكنني إعادة البناء دون خوف من اندلاع المزيد من القتال”.
إن منزل والي هو ليس الوحيد الذي يتم تجديده، فقد تم نشر العمال في جميع أنحاء البلاد لإصلاح الطرق ذات الحالة السيئة على الرغم من ما يقدر بنحو 3 مليارات دولار من الإنفاق الأمريكي على مر السنين؛ حيث إن الخراب في الطرقات لم تفعله عبوات طالبان المتفجرة بدائية الصنع بتفجير الرصيف ولم تسببه الشمس الحارقة والشاحنات الثقيلة بتذويب وتحطيم الاسفلت.
يؤدي خراب الطرقات إلى تحطم حياة الافغان؛ فاليأس منتشر على نطاق واسع ولم تعد الأقليات العرقية وغيرها مثل مجتمع المثليين تشعر بالأمان، ويبدو أن العاصمة كابول التي كانت تنبض بالحياة – رغم أنها لا تزال مزدحمة – فقدت روحها؛ حيث يتكدس المتسولون على الطرقات ولا يزال الرجال يصطفون خارج البنوك في محاولة يائسة للحصول على السيولة النقدية بينما تبقى الأموال الأفغانية التي تبلغ مليارات الدولارات مجمدة في حسابات الولايات المتحدة، فيما تندلع الخلافات بين عناصر طالبان، ولا توافق النساء على القيود الجديدة التي فرضتها الحركة.
وقامت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي حلت محل وزارة شؤون المرأة سابقًا، بتعليق ملصقات كبيرة في كابول تشير إلى ضرورة ارتداء النساء اللواتي يخرجن إلى الخارج ألبسة تغطي كامل أجسامهن، بما في ذلك وجوههن.
وفي محاولة لتجنب الحكام الجدد مهما كلف الأم؛، لم تخرج هوسي التي كانت سابقًا طالبة في الجامعة الأمريكية في أفغانستان والبالغة من العمر 24 سنة؛ كثيرًا في السنة الماضية، وفي حين غادر معظم صديقاتها البلاد، بقيت هي في الخلف.
وقالت مفضلة عدم الكشف عن اسمها بالكامل: “عند وصول طالبان؛ هرع أصدقائي إلى المطار. حينها، كنت خائفة جدًّا، ولكنني اليوم آسفة لأنني لم أتمكن من الرحيل. أنا سعيدة بالأمان الذي يتمتع به أصدقائي الآن، ولكن لم يتبق لي شيء هنا”.
على اليمين: تجلس ناسانين، 50 سنة، في مستشفى مرويس في قندهار، أفغانستان، مع حفيدتها البالغة من العمر 7 أشهر، سيتارا، في 25 سبتمبر/ أيلول. وقد وصلتا من منطقة بانجواي، على بعد ساعة بالسيارة، لتلقي العلاج. وقد قال أطباء بالمستشفى إن حالات سوء التغذية كانت متفشية في السنة الماضية؛ حيث لم يكن لدى الناس سوى القليل من المال لشراء الطعام أو الدواء.
خلال تدافعهم مرة أخرى إلى السلطة، ألمحت طالبان إلى أن موقفهم هذه المرة سيكون مختلفًا عن المرة الأولى التي قاموا فيها بإدارة المكان منذ سنة 1996 إلى سنة 2001، عندما فرضوا نسخة شديدة القسوة من تفسيرهم للإسلام. وفي هذا السياق؛ قالت فرشتا عباسي، الباحثة في “هيومن رايتس ووتش”، إن الأمر لم ينجح بهذه الطريقة وإن: “القيود المفروضة قد جعلت من الصعب على المرأة أن تعيش حياة طبيعية؛ حيث تشعر النساء باليأس. الأمر الذي يجعل أفغانستان تشهد أسوأ أزمة إنسانية تتعلق بحقوق الإنسان”.
ورغم أن طالبان لم تذهب إلى الأماكن النائية، إلا أن سلطتهم قد وصلت إلى هناك، ومن جملة هذه الأماكن توجد شيل دختاران، وهي قرية نائية في أعماق جبال مقاطعة باميان الأفغانية في المرتفعات الوسطى من البلاد التي تعيش فيها رويا البالغة من العمر عشر سنوات والتي تنتمي إلى عرقية الهزارة؛ وهي أقلية تعرضت منذ فترة طويلة لمضايقات من قبل حركة طالبان التي قامت بقتل الكثير منهم في التسعينيات. وأوضحت رويا: “تقع أقرب مدرسة حكومية على بعد ساعتين سيرًا على الأقدام، ولكنها الآن مغلقة أمام الفتيات بعد الصف السادس”؛ ولقد كانت لديها طموحات كبيرة؛ مثل الالتحاق بالمدرسة الثانوية الأولى، ثم الجامعة، وربما كلية الطب، وهو حلم كبير لطالما دفعها والدها نحوه. وأضافت: “لم يعد الحلم ممكنًا”.
يحاول قلة من الحكام الجدد الذين ذهبوا إلى جامعة مشعل بكابول بأنفسهم؛ اللحاق بالركب، فقد وقد قال نجيب الله بهادر، نائب رئيس الجامعة الأكاديمي: “يدرس أكثر من 100 طالب من طالبان هنا، كما أن معظمهم ليسوا من كابول ولكنهم انتقلوا إلى هنا من باكستان بعد آب/أغسطس. ويعمل بعضهم في الوزارات والاستخبارات، كما أننا نقوم بتدريس نواب الوزراء ورئيس الأركان الملا عبد الغني برادر”، وأضاف أنهم بحاجة إلى أن يتعلموا في أسرع وقت ممكن لأنهم سبق وأن درسوا في مراكز غسيل الدماغ من قبل.
وفي مكتبه؛ يحتفظ بهادر بكل من علم طالبان والعلم الوطني الأفغاني القديم، وقد أشار إلى أن العديد من عناصر طالبان يحبون الألوان الثلاثة الأفغانية أيضًا.
ومن ضمن طلابه، قائد في القوات الخاصة يدرس العلوم السياسية، وهو الطالب سالم مسلوم البالغ من العمر 30 سنة، وهو يتحدث بلطف لكنه طموح بشكل واضح: ” لطالما كنت أرغب في الالتحاق بالجامعة، ولكن لم تتح لي الفرصة أثناء الحرب، ورغم انشغالي بعملي، إلا أنني لا أفوت دروسي في المساء”. وأوضح أنه كان يقود سيارته طوال اليوم عائدا من مقاطعة نورستان النائية في شرق أفغانستان، وأضاف: “إنها فرصة آخذها على محمل الجد”.
لا يزال هناك عدد قليل من النساء اللاتي يدرسن في جامعة مشعل أيضًا واللاتي بدأن جميعًا قبل إنشاء الإمارة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك؛ لا توجد نسبة توظيف كبيرة في الحرم الجامعي. ومن جهته؛ قال بهادار: “أولئك الذين لديهم فرصة للهروب لن يتوانون عن فعل ذلك، إذ لا توجد وظائف كافية لهم هنا – ولا مستقبل”.
وفي حين يُعتبر أولئك الذين غادروا محظوظين، إلا أن الحياة في الخارج ليست بهذه الروعة؛ حيث يشعر معظم الأفغان بارتباط وثيق بوطنهم، ومثل جميع اللاجئين في كل مكان، لم يختاروا مصيرهم.
وقد قال الفنان الأفغاني المعروف زكي رسولي، 28 سنة، إن آلاف الأشخاص الذين فروا من كابول السنة الماضية لا يزالون يحترقون تحت أشعة الشمس في معسكرات بأبوظبي، وقد توفي العديد منهم. وفي ظل حكم طالبان؛ لم يعد رسولي يشعر بالأمان لمواصلة مسيرته المهنية. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما تسللت فرحناز عزيزي والنساء الأخريات عبر الحدود إلى باكستان، قامت المنظمة غير الربحية الأمريكية “Save Our Allies” بإجلائهم إلى معسكر في أبو ظبي، والذي لم يُسمح لهن بمغادرته منذ ذلك الحين.
وقال رسولي: “إننا عالقون جميعا في طي النسيان، وقد أصبح بعض الناس انتحاريين. كما أنني أعاني من نوبات هلع، وانهيارات عقلية، والكثير من القلق، وهو أمر لم أشعر به من قبل. وكما تعلم، لقد كانت الحياة جيدة في كابول، ولكن في الوقت الراهن، لم يتبقى هناك أي أمل”.
المصدر: فورين بوليسي