في عام 2016، شهد المغرب انتخابات تشريعية، فاز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية للمرة الثانية على التوالي، لكن أمينه العام حينها والمكلف بتشكيل الحكومة عبد الإله بنكيران بقي أكثر من 5 أشهر في مفاوضات مع الأحزاب لتشكيل حكومته دون جدوى، حتى تم الاستغناء عنه وتكليف زميله في الحزب سعد الدين العثماني بمهمة تشكيل الحكومة.
بقاء المغرب لقرابة نصف سنة دون حكومة، كان بسبب تعنّت شخص واحد وتمسكه بموقفه – طبعًا بمساندة الملك الذي كان يريد تقليم أظافر العدالة والتنمية وزعيمها بنكيران – هذا الشخص الذي تحكم في مشاورات الحكومة دون أن تكون لحزبه الأغلبية البرلمانية هو رجل الأعمال عزيز أخنوش.
استطاع أخنوش حينها فرض شروطه على العدالة والتنمية والحصول على الوزارات التي يريد هو وحليفه، ورغم كونه لم يقدم إضافة تُذكر في الوزارة التي كان يشغلها لسنوات عدة وهي وزارة الزراعة وحداثة عهده بالسياسة، فإنه استطاع إقناع الشارع المغربي بانتخاب حزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتم تعيينه بناءً على ذلك رئيسًا للحكومة.
تبيّن هذه الأسطر القليلة، قوة أخنوش وتحكمه في المسار السياسي للبلاد، لكن لسائل أن يسأل من أين يستمد هذا الرجل هذه القوة؟ وكيف صعد في مجال السياسة؟ وأي علاقة لأعماله الاقتصادية وصداقته للملك محمد السادس بتنامي نفوذه؟
سنحاول فك شيفرات أخنوش والتعرف على بدايته الاقتصادية وكيفية اقتحامه للمعترك السياسي ووصوله للمنصب الثاني في الدولة، فضلًا عن تأثير تزاوج السلطة بالمال على التنمية والديمقراطية في المغرب، دون أن ننسى قضايا الفساد التي تلاحق أخنوش وتنامي الغضب الشعبي ضده، وذلك ضمن ملف”الأوليغارشية العربية”.
مصالح مشتركة بين الملك وأخنوش
في انتخابات سنة 2002، حصل حزب العدالة والتنمية المغربي على 42 مقعدًا برلمانيًا من جملة 325 مقعدًا، وفي الانتخابات التي تلتها سنة 2007 حصل الحزب على 46 مقعدًا.
لم يستسغ الملك محمد السادس تصاعد نفوذ العدالة والتنمية، فأمر بتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 من طرف صديقه ومستشاره المقرّب فؤاد عالي الهمة لمزاحمة العدالة والتنمية وتحجيم قوة الإسلاميين وردعهم في المغرب، لكن لم يتمكن عالي الهمة من أداء مهمته بنجاح، فعقب اندلاع الربيع العربي سنة 2011 ووصوله في شهر فبراير/شباط من السنة نفسها إلى المغرب، أثبت حزب العدالة والتنمية أنه رقم صعب في المملكة، إذ عمل على استغلال الإصلاحات الدستورية والسياسية التي أقرها الملك محمد السادس خوفًا من خروج الوضع عن سيطرته.
قبل سنة 2007، لم يكن لأخنوش أي نشاط سياسي يُذكر باستثناء أنه كان رئيسًا لمجلس جهة سوس ماسة درعة وقبلها عضوًا بجماعة قروية بمحافظة تيزنيت
فاز الحزب في الانتخابات التشريعية التي تم تنظيمها مبكرًا سنة 2011 بأغلبية مقاعد البرلمان وفاز أيضًا في انتخابات سنة 2016 بالمرتبة الأولى، وفي الأثناء أثبت زعيمه عبد الإله بنكيران قوته وأصبح صاحب كاريزما قوية، حتى إنه أصبح ينافس الملك من حيث قوة الشخصية.
صحيح أن الملك قلّص في الدستور الجديد صلاحياته ومنح البعض منها لرئيس الحكومة الذي يكون حصرًا من الحزب الفائز في الانتخابات، إلا أنه لم يستسغ تنامي قوة ومكانة حزب العدالة والتنمية وبالأخص زعيمه بنكيران، الذي قال ذات يوم إن رضا الملك لا يهمه بقدر ما يهمه رضا والدته والشعب المغربي.
بات زعيم العدالة والتنمية بنكيران يمثّل رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية المغربية بسبب خطابه السياسي وقوة شخصيته ونجاحه في تسيير الحكومة وتحقيقه نتائج مهمة وتمتعه بشعبية واسعة لدى عامة سكان البلاد.
بعد فشل حزب الأصالة والمعاصرة في تقليم نفوذ العدالة والتنمية واتهامه بالفساد، رأى الملك محمد السادس ضرورة الاستنجاد بحزب آخر علّه يقوم بهذه المهمة بنجاح، فمحمد السادس لا يقبل أن يُزاحمه أحد في الشهرة والمكانة بالمملكة.
وقع الاختيار هذه المرة على حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي تأسس سنة 1977 على يد أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، إلا أن التركيز الآن كان على شخص حديث العهد بالسياسة لكنه مقرب من الملك وصاحب ثروة.
استنجد الملك بصديق مستشاره فؤاد عالي الهمة وصديق مدير الكتابة الخاصة له ومسير ثروة الأسرة المالكة منير الماجيدي، عزيز أخنوش وساعده بطرق غير مباشرة في تولي رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، حتى يسهل له مهمة التصدي للإسلاميين وردعهم.
المنصب الثاني في الدولة
قبل سنة 2007، لم يكن لأخنوش أي نشاط سياسي يُذكر باستثناء أنه كان رئيسًا لمجلس جهة سوس ماسة درعة وقبلها عضوًا بجماعة قروية بمحافظة تيزنيت، لكن رغبة الملك محمد السادس في تحجيم دور حزب العدالة والتنمية وخاصة زعيمه عبد الإله بنكيران عجل بصعود أخنوش ووصوله أعلى المراتب بسرعة.
يُذكر أن أخنوش ولد في مدينة تافراوت (منطقة سوس الأمازيغية) سنة 1961، وهي منطقة تُعرف بميول سكانها لممارسة التجارة، متزوج وأب لثلاثة أبناء، أكمل دراسته في جامعة شيبروك الكندية حيث حصل على ماجستير في إدارة الأعمال.
سنة 2007 كانت النقطة الفاصلة في تاريخ أخنوش، حيث تم تعيينه وزيرًا للفلاحة والصيد البحري في عهد حكومة عباس الفاسي وذلك ضمن وزراء “حزب التجمع الوطني للأحرار”، ووصل أخنوش إلى الوزارة بفضل دعم المخزن وأصدقائه من رجال الأعمال في جهة سوس ماسة درعة.
وصل أخنوش لهذا المنصب المهم في الدولة المغربية رغم أنه حديث عهد بالسياسة كما أنه لا يحظى بشعبية كبيرة في البلاد
سنة 2011، إثر فوز العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان ومنحهم أحقية تشكيل الحكومة، قررت قيادة “الأحرار” عدم المشاركة في حكومة بنكيران، إلا أن أخنوش خالف قرار الحزب وقرر الاستمرار على رأس وزارة الفلاحة والصيد البحري.
في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016 انتخب أخنوش بالأغلبية رئيسًا لحزب التجمع الوطني للأحرار، رغم أنه حديث الانضمام إليه، كما أنه سبق أن استقال منه سنة 2011، فإن إرادة المخزن حتمت عليه تصدر الحزب لشغل مناصب أهم في مراحل قادمة.
في هذه الأثناء كان أخنوش لا يفارق الملك، إذ يشاركه في أغلب جولاته الخارجية، في الوقت الذي يغيب عنها رئيس الحكومة والوزراء المحسوبون على العدالة والتنمية، حتى إنه استضاف الملك رفقة الأميرة لالة سلمى وولي العهد الحسن والأميرة لالة خديجة في بيته لتناول وجبة إفطار خلال شهر رمضان.
قربه من الملك وبقاؤه في منصب وزارة الزراعة لسنوات عدة مكن حزبه من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة، وبذلك تم تكليفه بتشكيل الحكومة وخلافة سعد الدين العثماني في منصب رئاسة الوزراء، ليكون بذلك الرجل الثاني في الدولة خلف الملك محمد السادس.
بدايات أخنوش وسيطرته على سوق المحروقات
سنة 1986، عاد عزيز أخنوش من كندا، حينها كان والده وزوج عمته يشتغلان في مجال المحروقات، وقد كانا في بداية الطريق، وانضم إليهما بعد أن تزوج من ابنة عمته سلمى، فتوسعت أعمال الشركة التي تحمل اسم “إفريقيا غاز” وأصبحت مجموعة تحت اسم “أكوا” لها مكانة كبيرة في مجال المحروقات بالمملكة.
في أثناء ترؤس مجموعة “أكوا”، اقتنى أخنوش مجموعة “سوميبي” لصاحبها مصطفى أمهال ليدمجها في مجموعته وتصبح بذلك الرقم الأول في مجال المحروقات بالمغرب، ويتحكم بالتالي في قطاع المحروقات بالمملكة من حيث الأسعار وغيرها.
لم يكن أخنوش قادرًا على شراء شركة “سوميبي” في ذلك الوقت، إلا أن مساعدة ملكية مكنته من ذلك، إذ تم تمكينه من قرض من “التجاري وفا بنك” التابع للهولدينغ الملكي، كما تدخل القائمون على البنك لإقناع مصطفى أمهال بقبول عرض أخنوش.
تمددت مجموعة “أكوا” القابضة بسرعة وأصبحت تستحوذ على حصة 40% من السوق المغربية للمحروقات، و45% من سوق غاز البوتان، و62% من سوق الغاز النفطي المسال، ما جعل صاحبها، وبلا منازع “إمبراطور المحروقات” بالبلاد.
ووفق المعطيات المتوافرة في الموقع الرسمي لمجموعة “أكوا“، فإن رقم معاملاتها ناهز سنة 2015 نحو 30 مليار درهم، إذ تتوافر على أكبر شبكة لتوزيع المحروقات وأكبر قدرة تخزينية في المغرب، كما توفر المجموعة، من خلال 70 شركة، نحو 10 آلاف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
استثمارات كبرى
يبلغ صافي ثروة أخنوش حاليًّا قرابة 2.2 مليار دولار، حسب تقديرات مجلة فوربس الأمريكية، ليحافظ بذلك على مرتبته الثالثة عشر كأكثر إفريقي غني في القارة السمراء ضمن 18 ثريًا، وتبين المجلة أن ثروة أخنوش تضاعفت بمليار دولار ما بين 2020 و2022.
يرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى حصته في مجموعة “أكوا” التي طورت عملها وأصبحت تشمل نشاطات عدة على غرار المحروقات عبر شركة “أفريقيا غاز” للمحروقات المداولة علنًا ومجال الصحة عبر شركة”مغرب أوكسجين” وفي مجال الإعلام عبر مجموعته “Caractères”، المالكة لـ”العديد من الصحف، من بينها (La Vie Éco ) والمجلة النسائية الأسبوعية الفرنسية (Femmes Du Maroc) ومؤسسات أخرى عديدة، إلى جانب العقارات والسياحة من خلال “مارينا أكادير”.
تعمل شركات أخنوش في المغرب إلى جانب العديد من الدول الإفريقية والأوروبية على غرار موريتانيا والسنغال فضلًا عن فرنسا، وهو ما زاد من شهرته وشهرة مجموعاته الاقتصادية التي تجاوزت المحلية إلى العالمية.
يُعتبر مشروع تسيير ميناء طنجة المتوسطي، من أبرز المشاريع التي بدأ فيها أخنوش مؤخرًا، إلى جانب “ميرسك” الدنماركية و”يورغيت” الألمانية، ويدرّ هذا المشروع أموالًا طائلة لمجموعات أخنوش الاستثمارية.
انفتح أخنوش أيضًا على عالم الملابس والموضة عبر زوجته سلمى الإدريسي، وتشغل هذه الأخيرة مناصب قيادية في الشركات التجارية، سواء التي تملكها وحدها أم التي تجمعها بزوجها عزيز أخنوش والمدرجة في أسواق المال، فتمتلك عدة محلات للماركات العالمية، وأطلقت في السنوات الأخيرة علامة مغربية بمواصفات عالمية للتجميل، وقبل ذلك دشنت أكبر مول تجاري في شمال إفريقيا “موروكومول”، ومن أكبر الشركات التي تدير مجموعة “اكسال”.
قبل 4 سنوات من الآن عرف المغرب حملة مقاطعة كبرى استهدفت العديد من الشركات أبرزها شركة “إفريقيا غاز”، وهي جزء من المجموعة المغربية “أكوا” الناشطة في عدة مجالات منها الغاز والوقود والزيوت والعقارات التي تقترب حصتها في السوق من 50%.
جاءت حملة المقاطعة نتيجة الارتفاع الصاروخي في أسعار العديد من المستلزمات، وحمّل العديد من المغاربة مسؤولية الزيادات الصاروخية للأسعار في البلاد إلى أخنوش بحكم أن مجموعته الاقتصادية تمثل أخطبوطًا متشعبًا في الساحة التجارية المحلية.
استغل أخنوش تحرير حكومة بلاده نهاية سنة 2015 أسعار المواد النفطية
بعد حملة المقاطعة عرف المغرب إلى جانب باقي دول العالم انتشار وباء كورونا وهو ما حتّم على سلطات البلاد الإغلاق التام لأشهر عديدة، ما أثر على الاقتصاد الوطني المرتبط كليّا بالاقتصاد العالمي، وعرفت العديد من القطاعات ركودًا تامًا.
لكن، رغم حملة المقاطعة التي استمرت لأشهر وتداعيات وباء كورونا، فقد سجلت ثروة عزيز أخنوش، الذي يشغل حاليًّا منصب رئيس الحكومة، ارتفاعًا ملحوظًا وتضاعفت إلى أن وصلت 2.2 مليار دولار أمريكي، بداية شهر أبريل/نيسان الماضي.
تهم فساد
يتساءل العديد من المتابعين لمراحل حياة أخنوش عن سر هذه الثروة الكبيرة التي جناها الرجل في فترة وجيزة، صحيح أنه ورث عن والده وزوج عمته شركة المحروقات، لكن هذه الشركة لم تكن بتلك القوة التي لها أن تمكن صاحبها من جني الثروة التي يمتلكها حاليًّا.
يكمن السرّ بداية في تدخل الملك محمد السادس وبنك التجاري وفا في إتمام صفقة شراء مجموعة “سوميبي” التي كانت مُنتشِرة في جميع المدن المغربية، ما جعل أخنوش يسيطر كليًا على قطاع المحروقات ويتمكن بذلك من جني أرباح كثيرة.
ليس هذا فحسب، إذ استغل أخنوش منصبه الوزاري لمضاعفة ثروته، حيث مكنه شغل منصب وزير الزراعة لسنوات عديدة من مراكمة الثروة، وذلك عبر الاستفادة من الامتيازات التي استحوذ عليها بقوة السلطة التي يمتلكها.
عوض الاهتمام بمشاكل الزراعة في المملكة، استغل أخنوش منصبه الوزاري من أجل مضاعفة ثروته، وعمل على تبادل المصالح مع وزراء آخرين على رأسهم الوزير السابق مولاي حفيظ العلمي الذي كان يرأس شركة “لساهام”، وهي شركة قابضة تنشط في مجالات التأمين والخدمات المالية والتوزيع التجاري.
كدليل على تضارب المصالح واستغلال النفوذ فتح أخنوش الباب أمام جميع مزارعي المغرب للتأمين على محصولهم الزراعي، لكن فرض عليهم التأمين لدى شركة واحدة بعينها وهي شركة “لسهام” المسيطرة على قطاع التأمين في المملكة.
استفاد مولاي حفيظ العلمي من فرض أخنوش التأمين الزراعي لدى شركاته، فيما استفاد أخنوش من الامتيازات والتسهيلات التي منحها له حفيظ العلمي الذي كان يشغل منصب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي في حكومة بنكيران الثانية.
الملياردير عزيز اخنوش معروف عند غالبية المغاربة قبل ان يرأس الحكومة انه متهم بقضايا فساد كبيرة واستغلال للسلطة حين كان وزير الفلاحة والصيد البحري من 2002 الى 2020
دمّر القطاع الفلاحي في #المغرب وساهم في نهب اسبانيا واوروبا للسمك المغربي الذي لا يستطيع المواطن شراءه بسبب غلائه pic.twitter.com/LDR1qIQ1p6
— الرادع المغربي ???? (@Rd_fas1) February 21, 2022
لأنه صديق الملك، لم يكن الوزراء ولا المخزن يردّون طلبًا لأخنوش في أي مجال بما في ذلك المخصصات المالية التي تهم وزارة الفلاحة والصيد البحري، حتى إنه مُنح حقّ تدبير صندوق التنمية الفلاحية، رغم أن العادة تقول إن تدبير هذا الصندوق يرجع لرئاسة الحكومة.
كما استغل أخنوش تحرير حكومة بلاده نهاية سنة 2015 أسعار المواد النفطية، فعقب هذا القرار قررت شركات المحروقات التواطؤ فيما بينها وعدم تخفيض الأسعار، ومن بين تلك الشركات وهي الأهم في قطاع المحروقات شركة إفريقيا المملوكة لعزيز أخنوش.
بلغت أرباح تلك الشركات نتيجة هذا القرار ما يناهز 17 مليار درهم، وقد ظهرت مطالب في البرلمان لاستعادة هذه الأموال، إذ سبق أن قام رئيس مجلس المنافسة إدريس الكراوي بإعداد تقرير عن الأرباح غير المشروعة لأخنوش، وذكر التقرير أن المستهلك المغربي سدد مبالغ إضافية أعلى من المسموح به كهامش ربح نتيجة المعاملات الاحتكارية ورفع الأسعار بشكل غير قانوني، وقام الكراوي برفع التقرير للملك محمد السادس، لكن في مارس/آذار 2021، تم إعفاء الكراوي من منصبه وتعويضه بأحمد رحو.
كما وجّه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، طلبًا مباشرًا لعزيز أخنوش، بـ”إعادة 17 مليار درهم لخزينة الدولة”، واستند وهبي إلى تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية لسنة 2018، الذي عُرض على مجلس النواب، ويتحدث عن شركات المحروقات الموجودة في المغرب بصفة عامة وفي مقدمتها شركة “أفريقيا” المملوكة لآل أخنوش باعتبارها الفاعل الأول في السوق الوطني.
نواصل مع ملفات الفساد التي تحوم حول أخنوش، إذ يقول تقرير أعده الحزب الليبرالي المغربي إن عزيز أخنوش عضو في المجلس الإداري للبنك المغربي للتجارة الخارجية الذي يرأسه رجل الأعمال عثمان بنجلون، وقد منح هذا البنك أخنوش قرضًا بقيمة 200 مليون دولار بعد أن أسس أخنوش شركة “هولدكو” للاستثمار في قطاع الاتصالات من خلال شراء أكثر من 17% من أسهم شركة ميديتيل، وهو ما يُبين تضارب المصالح.
تزاوج السلطة والمال أثر على الديمقراطية في المملكة أيضًا، حيث لم يعد هناك جدوى من الانتخابات ما دام الملك يضع جماعته في الحكم
كما يُتهم أخنوش حاليًّا بـ”الاستفادة من ارتفاع أسعار المحروقات”، ذلك أنه يرفض أن يتم تحديد سقف لأسعار بيع المحروقات ضمن هوامش الأرباح التي كانت تضعها الدولة عندما كانت تدعم هذه الأسعار، وذلك حتى يربح أكثر.
فضلًا عن ذلك يُتهم أخنوش بالسماح لشركة “والماس للمياه المعدنية” باستنزاف الثروة المائية الموجودة بمنطقة والماس بجبال الأطلس، رغم معاناة الأهالي هناك من العطش، وذلك من أجل شراء الغاز الموجود بعيون المنطقة لفائدة شركة “مغرب أكسجين” التي تنتج وتسوق الغازات الطبية والصناعية، وكما قلنا في الأعلى فإن “مغرب أكسجين” هي شركة مملوكة في غالبيتها لعائلة عزيز أخنوش.
لا يتوقف تضارب المصالح هنا، إذ يظهر أيضًا في ملف استغلال الغاز المستخرج من حقل تندرارة الموجود في إقليم فكيك شرق المملكة، وتستغل هذا الحقل الشركة البريطانية Sound Energy PLC، لكن من المهم التذكير أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش يملك 9.8% من أسهم الشركة، وفق صحيفة إيكوبريس الإلكترونية.
لتحصين نفسه، سارع رجل الأعمال الثري عزيز أخنوش، بعد شهر من تقلده منصب رئيس الحكومة مباشرة، إلى سحب مشروع القانون الجنائي الذي يضم مادة عن “تجريم الإثراء غير المشروع“، في الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون مصادقة البرلمان والحكومة على المشروع لتعزيز منظومة مكافحة الكسب غير المشروع ومحاسبة الفاسدين في المملكة.
تأثير تزاوج السلطة بالمال على التنمية والديمقراطية
في الوقت الذي تزايدت فيه ثروة أخنوش وبلوغها أرقام خيالية، سجلت نسبة الفقر ارتفاعًا كبيرًا حيث بلغت النسبة السنة الماضية، 12.3%، كما تضاعف معدل الهشاشة في المملكة وتضاعف التفاوت الطبقي والاجتماعي هناك، ويعرف المغرب أزمة اجتماعية عميقة، وهو ما تجلى في إعلان أعلى سلطة في البلاد فشل النموذج التنموي الذي كان معمولًا به لعقود، وتُبرز العديد من الإحصاءات، الفوارق الكبيرة بين جهات المملكة، سواء على مستوى التشغيل والبطالة أم النسيج الصناعي والسياحي أم البنية التحتية، الأمر الذي يفرز خريطة من الاختلالات بين الجهات، التي تنعكس على الجانب الاجتماعي في البلاد.
كما انتشرت العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية في المملكة من ذلك انتشار الأطفال المشردين أو ما يطلق عليهم “أطفال الشوارع” في عدة مدن مغربية بأعداد كبيرة، حيث ينتشر المئات من الأطفال في جنبات الشوارع، تحت العربات أو السيارات المركونة، داخل البيوت المهجورة، قرب المطاعم، وفي الحدائق العمومية، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، فلا ملجأ ولا مسكن لهم.
ويعتبر الشارع الملاذ الوحيد والاضطراري لآلاف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 15 سنة، ولم تعد هذه الظاهرة تقتصر على الذكور فقط، بل والإناث أيضًا، وهذا ما يعني أن هناك أطفالًا سيولدون في الشارع مستقبلًا.
في أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة الأخير عن مؤشر التنمية البشرية الذي شمل 189 دولة، جاءت المملكة المغربية في مراتب متأخرة بعدما احتلت المرتبة 121 عالميًا، واستند التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى عدة مؤشرات أهمها الصحة والتعليم والفقر وأمد الحياة ومعدل الدخل الفردي.
يعتمد التقرير على أربعة مؤشرات هم مؤشر التنمية البشرية المعدل بحسب درجة الفوارق ومؤشر التنمية الجنسية ومؤشر الفوارق بين الجنسيين الذي يركز على تمكين المرأة ومؤشر الفقر المتعدد الأبعاد الذي يقيس جوانب الفقر غير المتصلة بالدخل.
تزاوج السلطة والمال أثر على الديمقراطية في المملكة أيضًا، حيث لم يعد هناك جدوى من الانتخابات ما دام الملك يضع جماعته في الحكم، أي أن صوت الناخب المغربي لم يعد ذا معنى والانتخابات مجرّد خسائر إضافية للأموال.
ظهر هذا الأمر في انتخابات سنة 2016، فرغم فوز العدالة والتنمية، لم يتمكن من تشكيل الحكومة بسهولة واضطر الحزب للاستغناء عن أمينه العام لإرضاء الملك وجماعته وكانت الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة لأخنوش.
يسير أخنوش على خطى أندريه بابيس في جمهورية التشيك، كقادة استفادوا من مناصبهم لجني ثروات إضافية، في الوقت الذي تعاني فيه شعوبهم من الفقر والبطالة والهشاشة الاجتماعية.