لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين أن موانئ دبي العالمية (DP World) التي بدأت باكورة أعمالها عام 1999 لتشغيل وتطوير بعض اللوجستيات في ميناء جدة السعودي، ستصبح يومًا ما واحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم، إذ نجحت في غضون عقدين فقط أن تدير أكثر من 75 محطة بحرية موجودة في أكثر من 40 دولة، متحكمة بـ 10% من حركة الحاويات عالميًا، حيث تتعامل مع 70 مليون حاوية يتم جلبها من نحو 70 ألف سفينة سنويًا، لتتصدر قائمة مشغلي الموانئ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
هذا التمدد العملاق، شرقًا وغربًا، والذي حدث بخطوات متسارعة أثار الكثير من التساؤلات، خاصةً أن أبناء زايد الذين عززوا نفوذهم وحضورهم الاقتصادي والسياسي عالميًا، قرروا استغلال هذا النجاح بإبرام العديد من الاتفاقيات مع الاحتلال في أعقاب توقيع اتفاقية أبراهام 2020، وهو التحول الذي قد يكون بمثابة تهديد للأمن القومي العربي، ولا سيما إذا فتحت أبو ظبي الأبواب لـ”إسرائيل” للتوغل داخل الموانئ والممرات البحرية العربية كما هو الحال في اليمن والقرن الإفريقي.
بداية هادئة
بعد عام واحد فقط من تأسيس الشركة أول مشاريعها في جدة بالشراكة مع “محطة الجنوب للحاويات”، أبرمت عقدًا لتطوير موانئ جيبوتي عام 2002، وميناء فيزاخا الهندي، وفي العام التالي تعاقدت على تطوير ميناء كونستانتا الروماني.
ومنذ عام 2005 انطلقت “موانئ دبي” نحو آفاق أخرى عبر الاستحواذ على عدد من كبرى شركات التشغيل العالمية أبرزها شركة “سي إس إكس العالمية” في سبتمبر/أيلول 2005، وهو العام ذاته الذي شهد دمج “موانئ دبي” مع “سلطة موانئ دبي” تحت اسم “موانئ دبي العالمية”، وفي العام التالي كانت الصفقة الكبرى حين اشترت شركة “الملاحة البخارية البريطانية”، رابع أكبر مشغل موانئ في العالم وقتها، مقابل 3.9 بليون دولار.
وخلال السنوات الـ15 الأخيرة، استطاعت الشركة الإماراتية فرض هيمنة كاملة على معظم موانئ العالم، حتى بات لها حضور قوي في أكثر من 40 دولة في 5 قارات من إجمالي قارات العالم الستة، فبجانب مينائي “جبل علي” و”الفجيرة” في الإمارات، تمتلك “موانئ دبي” العديد من المشروعات في المحيط الهادي الآسيوي، خاصة في الصين، وعلى رأسها محطة حاويات في ميناء “تشينغ داو” على مساحة 393.7 هكتار، ومحطة حاويات في ميناء “تيانجن” على مساحة 47.9 هكتار، ومحطة حاويات في ميناء “يانتاي” على مساحة 44 هكتارًا، بجانب محطة حاويات في هونج كونج على مساحة 16.7 هكتار، وأخرى في ميناء صربيا وميناء البوسنة على مساحتي 35.6 و120 هكتارًا على التوالي.
ومن المحيط الهادي الآسيوي إلى شبه القارة الهندية، حيث تشارك الشركة في أعمال تطوير 7 موانئ هندية وميناء باكستاني، أما في الشرق الأوسط، لديها 3 موانئ رئيسية تستحوذ على نسب كبيرة من حصص التشغيل بها، 2 في مصر وواحد في جدة السعودية.
المستجدات التي شهدتها الخريطة العالمية خلال الـ15 عامًا الأخيرة، والتموجات التي فرضت تموضعات جديدة، دفعت حكومة دبي، عبر ذراعها “موانئ دبي العالمية”، للتوجه صوب إفريقيا والشرق الأوسط
وفيما يتعلق بأمريكا الجنوبية، فهناك أكثر من 9 مشروعات في موانئ البرازيل والأرجنتين وكولومبيا، إضافة إلى 4 مواني في أستراليا، وما يزيد على 14 ميناءً ومحطةً في إفريقيا، إلى جانب 8 محطات في موانئ روسيا مع احتمالية زيادة عددها خلال الآونة المقبلة، الأمر ذاته في أوروبا التي توجد الشركة الإماراتية في 6 موانئ بها.
التجربة الأمريكية
في عام 2006 أبرمت “موانئ دبي العالمية” صفقة ربما تعد الكبرى خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، حين اشترت شركة “بي أند يو” البريطانية مقابل 8.6 مليار دولار، وبموجب تلك الصفقة تولت الشركة الإماراتية إدارة 51 ميناءً في 30 دولة حول العالم، من بينها 6 موانئ أمريكية هي: نيويورك ونيوجيرسي ونيو أورليانز وميامي وفيلادلفيا وبالتيمور.
الصفقة حينها أثارت جدلًا واسعًا داخل الشارع الأمريكي الذي رأى فيها تهديدًا لأمنه البحري لا سيما أنه كان يتهم الإمارات بتورطها في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وقتها هدد حاكما ولايتي نيويورك جورج باتاكي وميريلاند روبرت أيرليتش أنهما سيسعيان إلى اتخاذ خطوات قانونية للحيلولة دون إتمامها.
ورغم معارضة الشارع الأمريكي للصفقة، فإن الرئيس جورج دبليو بوش كان متحمسًا لها جدًا، وفي 22 فبراير/شباط 2006، هدد باستخدام الفيتو ضد أي تشريع يمرره الكونغرس لإيقاف الصفقة، قائلًا في بيان صحفي: “سيرسل هذا التشريع إشارة مروعة للأصدقاء والحلفاء في حال عدم السماح بتنفيذ هذه الصفقة”، وبالفعل تم تمريرها رغم عرقلة الكونغرس لها بداية الأمر على خلفية ذريعة الأمن القومي.
استشعرت الشركة الإماراتية القلق إزاء وجودها في الولايات المتحدة في ظل الرفض الشعبي والتشريعي لها، فأعلنت في 23 فبراير/شباط من نفس العام إرجاء أعمالها داخل أمريكا، وفي 9 مارس/آذار، أي بعد قرابة أسبوعين فقط أعلنت نقل عملياتها من الموانئ الأمريكية في ظل الضغوط الشديدة التي مورست عليها.
الخروج من السوق الأمريكي بهذا الشكل شكل غصة أليمة في حلق حكومة دبي، التي كانت تؤمل نفسها بوضع قدم لها قرب البيت الأبيض، كأحد الأدوات لتعزيز العلاقات الأمريكية الإماراتية في ذلك الوقت الحساس، إذ كانت تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات كبيرة وتصاعدًا كبيرًا في نفوذ واشنطن الإقليمي، وعليه كان لا بد من البحث عن مناطق نفوذ أخرى، لتنتقل الإمبراطورية الإماراتية من قارة أمريكا الشمالية إلى القارة الإفريقية.
الهيمنة على إفريقيا: خلطة اقتصادية بنكهة سياسية
في عام 2005 وقعت مؤسسة موانئ وجمارك دبي اتفاقية تعاون مع جيبوتي، تقضي بتولي “موانئ دبي العالمية” إدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي، وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش، وكانت مدة الاتفاق 21 عامًا، لكن التعاون لم يستمر حتى نهاية الاتفاق، ففي 2014 فسخ الرئيس الجيبوتي حينها، إسماعيل عمر، العقد بعد اتهام موانئ دبي بتقديم رشى لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط.
ومن جيبوتي إلى الصومال، في مايو/آيار عام 2017، تسلمت الشركة الإماراتية إدارة ميناء “بربرة” في جمهورية أرض الصومال، تنفيذًا لعقد تم إبرامه بين الطرفين لإدارة وتطوير الميناء، ثم دخلت إثيوبيا هي الأخرى كشريك متعاون لاحقًا، وقد قوبلت الاتفاقية بموجة انتقادات حادة شككت في قانونيتها واعتبرتها خرقًا للقانون الدولي، الاتفاقية ذاتها أبرمتها “موانئ دبي العالمية” مع إريتريا، تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عامًا، نظير مقابل سنوي يدفعه الجانب الإماراتي إضافة إلى 30% من دخل الموانئ بعد تشغيلها.
تبنت “موانئ دبي العالمية” منذ عام 2010 سياسية جديدة تعتمد على التوسع الأفقي على حساب الرأسي، بمعنى أنها لجأت في كثير من الأحيان إلى تصفية أصولها في بعض الأسواق أو التنازل عن بعض أسهمها في مشروعات محددة نظير التوسع جغرافيًا في مناطق أخرى أسرع نموًا وأكثر استقرارًا
التغلغل الإماراتي داخل إفريقيا لم يقتصر على منطقة القرن الإفريقي ولا شمال القارة حيث مصر وميناء العين السخنة الذي أثير حوله الكثير من الجدل بشأن إجهاض الإمارات لحلم المصريين في الحضور على خريطة النقل البحري العالمي، فقط، لكنه تجاوز ذلك إلى قلب إفريقيا حيث السنغال التي أبرمت الشركة معها اتفاقية منذ 2008 تتضمن تسيير محطة الحاويات بميناء دكار، ثم الحديث مؤخرًا عن ميناء بورتسوادن السوداني الذي يمثل الشريان الوحيد للسودانيين على البحر الأحمر وسط دعم وتأييد من جنرالات البلاد المهيمنين على السلطة حاليًّا في مقابل رفض شعبي كبير.
وفي الجهة المقابلة للقرن الإفريقي، الجانب الآخر من مضيق باب المندب، حاولت الإمارات من خلال عملاقها البحري السيطرة على موانئ اليمن، حيث تهيمن الدولة النفطية على خمسة موانئ يمنية تجارية ونفطية من أصل ثمانية موانئ، فيما تسعى إلى إعادة شركة “موانئ دبي” لإدارة ميناء عدن اليمني مرة أخرى، بعد خمسة أعوام من خروجها، عقب إنهاء وجود الشركة بالميناء في عام 2012 بعد عام واحد من الثورة.
أزمة مالية.. بيع الأصول لتقليص الدين
منذ عام 2010، تبنت “موانئ دبي العالمية” سياسة جديدة تعتمد على التوسع الأفقي على حساب الرأسي، بمعنى أنها لجأت في كثير من الأحيان إلى تصفية أصولها في بعض الأسواق أو التنازل عن بعض أسهمها في مشروعات محددة نظير التوسع جغرافيًا في مناطق أخرى أسرع نموًا وأكثر استقرارًا.
وتهدف الشركة من تلك الإستراتيجية تخفيف الديون المتراكمة عليها التي زادت في الآونة الأخيرة، لتصل إلى 11 مليار دولار مستحقة السداد قبل 2026 بحسب بيانات وكالة “بلومبيرج” الأمريكية، وخلال 2021 و2021 باعت حصتها في عدد من المنشآت لصالح صندوق “سي دي بي كيو” الكندي (CDPQ)، بهدف جمع نحو 8 مليارات دولار، وتتعلق تلك الصفقة ببيع حصة في “ميناء جبل علي”، وهو أكبر موانئ شحن الشرق الأوسط، و”المنطقة الحرة بجبل علي”، و”مجمع الصناعات الوطنية” في إمارة دبي، (تبلغ قيمة الأصول الثلاث نحو 23 مليار دولار) حسبما جاء على لسان الرئيس التنفيذي للشركة، سلطان أحمد بن سليم، الإثنين 6 يونيو/حزيران 2022، لافتًا ان الصندوق الكندي سيستحوذ على نحو 22% من الشركة.
وكان العملاق البحري الإماراتي قد تعرض لانتكاسات كبيرة خلال مسيرته الأعوام الخمس الأخيرة تتعلق بإنهاء تعاقدات بصورة مفاجئة والانسحاب المتتالي من بعض المناطق اللوجستية المهمة، كما هو الحال في جيبوتي وتعثر الوضع في الصومال والمشاكل التي يواجهها ابتداء في السودان، وهو ما زاد من أعبائه المادية ما دفعه للبحث عن أصوله لتخفيف تداعيات تلك الهزات القوية، رغم تأكيد إدارة الشركة أن الدافع الرئيسي للتخلص من بعض الأصول تنويع مصادر الاستثمار والبحث عن مسارات أخرى أكثر استفادة وربحية.
الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي
بعد أيام قليلة من إبرام اتفاق “أبراهام ” بين الإمارات والبحرين ودولة الاحتلال منتصف سبتمبر/أيلول 2020، عززت الشركة من شراكتها مع الجانب الإسرائيلي، فوقعت العديد من اتفاقيات التعاون. وكانت الاتفاقية الأبرز التي وقعت بين الجانبين تلك التي وقعتها الشركة الإماراتية مع شركة “دوفرتاور” الإسرائيلية (مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي شلومي فوجيل أحد ملاك شركة “إسرائيل شيبياردز” و”ميناء إيلات”) العام الماضي، الخاصة بالتعاون في أنشطة الشحن والموانئ في منطقة الشرق الأوسط، وقيل إن هناك عرضًا إماراتيًا لخصخصة ميناء حيفا.
تزامن ذلك مع اتفاق شراكة آخر أبرمته “موانئ دبي” مع بنك “لئومي” الإسرائيلي، لتعزيز التجارة بين دولة الاحتلال ودول الشرق الأوسط، وقد أصرت الشركة الإماراتية على الاتفاق رغم كل الاتهامات التي تلاحق البنك الإسرائيلي بدعم الأنشطة الاستيطانية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وصل حد الانسجام بين الجانبين إلى حد تصدي الشركة الإماراتية للمقاطعة الدولية لـ”إسرائيل”، ودعمها خارجيًا، وقمع أي تحركات شعبية مناهضة لها بسبب سياساتها الاستيطانية وانتهاكاتها المستمرة داخل الأراضي الفلسطينية، وهو ما حدث حين عاقبت “موانئ دبي” أكثر من 90 عاملًا لديها يعملون في مشاريعها بكندا، بسبب مشاركتهم في اعتصام تضامني مع فلسطين، حيث رفضوا تفريغ شحنة إسرائيلية في ميناء “برينس روبرت”.
يعلم الإماراتيون جيدًا أن الهيمنة على الموانئ تقود إلى السيطرة على حركة التجارة العالمية، وعليه فإن صاحب النفوذ الأكبر في خريطة تلك التجارة سيكون حضوره السياسي أكثر تأثيرًا وثقلًا، وهو ما بدأ يستقر في أذهان أبناء زايد الذين يتعاملون مع “موانئ دبي العالمية” كسلاح نفوذ بتار
وليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها عملاق الموانئ الإماراتية إلى استخدام سلاح العمال تنفيذًا لأجندات سياسية، فوفق موقع “موندويز” الإخباري، فإن الشركة حاولت الانتقام من عمال الموانئ على الساحل الشرقي لكندا، في أعقاب مشاركتهم في تظاهره احتجاجية نهاية 2018، رفضًا لبيع كندا أسلحة إلى الإمارات والسعودية.
الموانئ وتساؤلات عن الأمن القومي
يدرك الإماراتيون جيدًا أن الهيمنة على الموانئ تقود إلى السيطرة على حركة التجارة العالمية، وعليه فإن صاحب النفوذ الأكبر في خريطة تلك التجارة سيكون حضوره السياسي أكثر تأثيرًا وثقلًا، وهو ما بدأ يستقر في أذهان أبناء زايد الذين يتعاملون مع “موانئ دبي العالمية” كسلاح نفوذ، قادر على تحقيق الطموح السياسي لهم وتوسيع رقعة تمددهم على حساب قوى المنطقة التقليدية.
وفي ظل الثقل السياسي المترنح للإمارات كدولة صغيرة لا تملك من الإمكانات إلا النفط وبنية تحتية جيدة نسبيًا، وتعاني في الوقت ذاته من تهديدات خارجية قوية، كان البحث عن أدوات أخرى لتعزيز هذا الثقل ودعم حضوره الإقليمي والدولي من الأهمية بمكان، خاصة في ظل النزاع الخفي على قيادة المنطقة بين الدولة الخليجية الصغيرة والعواصم الكبرى: القاهرة والرياض.
ومن هنا كان الاهتمام بالموانئ، فقد سخرت حكومة دبي كل إمكاناتها لدعم شركتها العملاقة، مع الضغط لاستعادة ملكية الشركة بالكامل، حين عرضت في عام 2020 دفع 29% فوق سعر تداول سهم شركة “موانئ دبي العالمية” لشراء الحصة المطروحة للشركة في بورصة ناسداك دبي، بعدما تحول هذا الكيان الكبير إلى لعب دور رأس الحربة الصريح في مباراة الطموح الجيوسياسي المتنامي التي تلعبها الإمارات خلال السنوات الماضية.
ويرى الباحث والكاتب السياسي اليمني الدكتور عادل دشيلة، أن الإمارات وضعت عبر ذراعها الممتدة “موانئ دبي العالمية” خطة مسبقة للسيطرة على الموانئ الموجودة على البحر الأحمر والمتوسط منذ سنوات، لافتًا إلى استفادتها من الصراعات في البلدان المطلة على البحرين، خاصة اليمن والصومال وبلدان القرن الإفريقي، وهو ما يكشف مساعيها للسيطرة على موانئ تلك الدول مقابل إغراءات مادية تُسيل بها لعاب حكومات البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية.
ويضيف المحلل اليمني “هي تعرف أهمية الموانئ جيدًا، واليوم تخوض حرب موانئ في الشرق الأوسط، لأنها تعرف أن لا مستقبل للنفط على المدى البعيد، فهي تزيد من الاستيلاء على الموانئ الحساسة كي تستمر قوتها الاقتصادية في المنطقة”، وتابع في حديثه لـ”الخليج الجديد” “لا يمكن القول إنها تعمل من أجل اليمنيين أو الصوماليين أو الإريتريين وبقية البلدان، لأنها تريد السيطرة والاستفادة من تلك الموانئ، وهي تقود حربًا مكشوفةً”.
وإن كان التغريد الإماراتي المنفرد عبر “موانئ دبي العالمية” في القرن الإفريقي واليمن وشمال إفريقيا، كان مثار ترقب وتحفظ بعض القوى الإقليمية العربية فإن دخول “إسرائيل” على خط الأزمة كشريك محوري في أعمال الشركة في المنطقة سيحول تلك التحفظات إلى تخوفات مشروعة.
في 22 يونيو/حزيران نشر موقع “MiddleEastMonitor” البريطاني تقريرًا تحت عنوان “المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا في اليمن “صديق سري” لإسرائيل”، تحدث فيه تفصيلًا عن العلاقات بين الطرفين وكيف مهدت أبو ظبي الطريق أمام تل أبيب لوضع أقدامها في الشريط الساحلي اليمني ومشاركة الإمارات وشركتها “موانئ دبي العالمية” في السيطرة على الموانئ اليمنية ذات الموقع الإستراتيجي المهم على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، الذي يتحكم في نسبة ليست بالقليلة من حركة التجارة ومسارات نقل النفط عالميًا.
الانصهار الإماراتي الإسرائيلي الذي يتناغم مع هدف كليهما في توسيع دائرة النفوذ، دون أي اعتبارات أخرى، يثير القلق بشأن اتخاذ دولة الاحتلال لـ”موانئ دبي العالمية” جسرًا نحو التمدد داخل إفريقيا والشرق الأوسط، نظير تعاظم الدور الإماراتي إقليميًا
وفي 20 يوليو/تموز الماضي، نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” تقريرًا ترجمه “الجزيرة نت” كشف عن اتفاقية تعاون جديدة بين الإمارات و”إسرائيل” في مشاريع داخل القارة الإفريقية في العديد من المجالات منها المياه والنقل البحري والاتصالات الرقمية والزراعة، منوهة أن تلك المشروعات ستتمركز في 6 دول إفريقية هي: أوغندا وكينيا ونيجيريا وغانا وساحل العاج والسنغال، فيما نقلت الصحيفة عن نائب رئيس قسم الاقتصاد في الخارجية الإسرائيلية، ياعيل تسادوك قوله: “الإماراتيون أظهروا اهتمامًا كبيرًا بالتعاون مع الشركات الإسرائيلية في المشاريع بإفريقيا”.
هذا التمدد الإسرائيلي – بمساعدة الإمارات – في خاصرة مصر والسودان تحديدًا، وعلى أحد أبرز المضائق التي تهدد الأمن القومي السعودي في خلفيته الجنوبية، بجانب المشاركة في الإشراف على واحد من أخطر الممرات المائية وأهمها لوجستيًا على المستوى العالمي، كل هذا بلا شك يحمل الكثير من الشكوك والمخاوف لدى العرب.
الانصهار الإماراتي الإسرائيلي الذي يتناغم مع هدف كليهما في توسيع دائرة النفوذ، دون أي اعتبارات أخرى، يثير القلق بشأن اتخاذ دولة الاحتلال لـ”موانئ دبي العالمية” جسرًا نحو التمدد داخل إفريقيا والشرق الأوسط، نظير تعاظم الدور الإماراتي إقليميًا، وقد أثبتت التجارب السابقة أن الميكافيللية هي الإستراتيجية الأبرز حضورًا في تعامل أبو ظبي مع العديد من الملفات التي تتجاهل فيها حسابات حلفائها كما هو الحال مع السعودية في اليمن ومع مصر في إفريقيا.
ورغم الكثير من الانتقادات التي وجهت للشركة الإماراتية الخاصة بتورطها في قضايا فساد ورشى لتمرير أجندتها، مستخدمة إستراتيجية الأبواب الخلفية لتعزيز تمددها في معظم دول العالم، فإنها تحولت إلى رقم صعب في خريطة الملاحة البحرية العالمية، وما لذلك من مكاسب قوية على المستويين السياسي والاقتصادي للدولة الخليجية الصغيرة، لكن يبقى السؤال: هل يكون ذلك على حساب الأمن القومي العربي الذي يعاني من ثغرات كبيرة في السنوات القليلة الماضية؟