ترجمة حفصة جودة
“ليس مسموحًا لك الحديث مع أي لاجئين، أو التقاط أي صور لهم”، هكذا أخبرني مدير مخيم ماهاما للاجئين من وراء مكتبه في غرفته المكيفة، لقد انتظر حتى هذه اللحظة، بعد 3 ساعات من الجلوس في نفس السيارة من عاصمة رواندا كيجالي ليخبرني بذلك، عندما حاولت أن أسأله في أثناء رحلتنا عن المخيم أخبرني بحدة أنه لن يناقش معي أي شيء حتى نصل مكتبه.
كمراسلة، قدمت للحصول على زيارة لرواندا ومخيم ماهاما لتغطية تأثير الأمراض غير المعدية مثل الضغط والسكر في مخيمات للاجئين، وقد حصلت على تصريح بذلك.
لم يكن موضوعًا حساسًا ومع ذلك مُنعت من الحديث مع الأشخاص الذين أحاول الكتابة عنهم، عندما سألت عن السبب أخبروني عدة أسباب متضاربة من بينها أن الصحة مسألة شخصية وأن اللاجئين لا يعلمون ما هي الأمراض غير المعدية، وأن الذين سأتحدث إليهم قد يعتقدون أنهم سيحصلون على إعادة توطين في دولة أخرى مما يسبب مشاكل لإدارة المخيم.
وقد أخبروني أنني قد أتعرض للاعتقال لإدخال تجهيزات طبية أو دخول منزل أحدهم، كانت المملكة المتحدة ورواندا قد أعلنتا اتفاقًا بينهما، إذ سترسل المملكة المتحدة المئات من طالبي اللجوء إلى تلك الدولة شرق إفريقيا حيث سيتم معالجة قضاياهم، وإذا حصلوا على اللجوء سيُشجعون على البقاء في رواندا لمدة 5 سنوات على الأقل.
وعد كل من ليز تروس وريشي سوناك بالمضي قدمًا في تلك الخطة، لكنها توقفت في يونيو/حزيران بعد تدخل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قال المسؤولون الحكوميون في رواندا والمملكة المتحدة إن البلاد آمنة وسجل انتهاكات حقوق الإنسان أصبح شيئًا من الماضي، لم مُنعت إذًا من أداء عملي؟
مخيم ماهاما للاجئين في رواندا
“إنها رواندا” هكذا قالت فيكتوري إنجابري رئيسة حزب “Dalfa Umurinzi” المعارض بعد سماعها تجربتي، وأضافت “لا تقبل الحكومة أي انتقاد أو أن تقول أي شيء يختلف عن رؤيتها، تريد الحكومة أن تتحكم في كل المعلومات، ولا ترغب في أن تتحدثي مع أشخاص لا يمكنها التحكم فيهم”.
لم يكن موظفو الحكومة فقط هم من أعاقوا دخولي، ومع ذلك بعد أن غادرت مكتب مدير المخيم، انضم إليّ ممثل من المفوضية السامية في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” في أحد المراكز الصحية، وفي أثناء مقابلتي مع مدير المركز أكد على كيفية قيام رواندا وإدارة المخيم بعمل جيد فيما يتعلق بالصحة العامة بما يناقض ويقلل مما قاله خبراء الصحة الآخرون عن تأثير الأمراض غير المعدية على اللاجئين في سن صغيرة.
قالت فيث كاسينا المتحدثة باسم “UNHCR” إن تعليقات الممثل ترجع إلى افتقاره للبيانات والبحث عن الأمراض غير المعدية بين اللاجئين والمجتمع المضيف في رواندا.
عندما وصلت المخيم في اليوم التالي، اعتقدت أنني سأرافق موظفي الصحة المجتمعية وهم يؤدون عملهم ويتحدثون مع الناس الذين يتلقون العلاج للأمراض غير المعدية مثلما اتفقت مع مدير المركز الصحي في اليوم السابق، لكنني قرأت رسالة إلكترونية من ممثل “UNHCR” يخبرني فيها أنه سعى للحصول على تصريح من إدارة المخيم للسماح لي بالحديث إلى اللاجئين لكن الإجابة كانت: لا.
لاحقًا في المقابلة تنقل مدير المخيم في حديثه بين إنكاره وجود مشكلة أمراض غير معدية في المخيم وتفاخره بأن مخيم ماهاما هو أفضل مخيم في رواندا ويضم كامل المنشآت اللازمة، في الوقت نفسه سألني ممثل “UNHCR” عن الهدف من ترتيب أسئلتي وتدخل لإعادة صياغة بعض إجابات مدير المخيم.
إن المفوضية منظمة دولية ذات نفوذ، تحصل على تمويلها من دول من بينها المملكة المتحدة، وقد قال جيف كريسب الباحث المساعد بمركز دراسات اللاجئين في جامعة أوكسفورد والمدير السابق لسياسات التطوير والتقييم بالمفوضية، إنه في الأماكن التي تكون فيها الحكومات سلطوية بشكل ما، تميل المفوضية إلى عدم تجاوز الحدود كثيرًا وتقبل القيود التي تفرضها السلطات.
يتفاخر مدير المخيم بأنه أفضل مخيم في رواندا
فيما يتعلق بالتحقيقات الصحفية، فليس هناك أي قواعد صارمة مكتوبة، وأضاف “في بعض الدول تتمكن المفوضية نسبيًا من تسهيل الرحلات لرؤية الناس والأماكن، وفي بعضها قد تكون المقاومة شديدة كما هو الحال في رواندا التي تمنع دخول الصحفيين”.
قال كاسينا: “تُسّهل المفوضية دائمًا الرحلات الإعلامية لأننا نؤمن أن عمل الصحفيين يلعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على القضايا التي تؤثر على اللاجئين والمساعدة في رفع الوعي”، ومع ذلك، فالمخيمات في رواندا تديرها السلطات الرواندية ويجب أن تمنح إدارة المخيم الإذن للحديث مع اللاجئين، تلك الإدارة تعمل مع الوزارة المسؤولة عن إدارة الطوارئ.
أطلقت المفوضية بيانًا عامًا تنتقد فيه اتفاقية المملكة المتحدة مع رواندا وعبرت عن قلقها الشديد ومعارضتها للاتفاقية، كما أنها تمادت في الإشادة برواندا وسمحت بترحيل اللاجئين من ليبيا وكانت متفائلة بشأن سياسة راوندا تجاه اللاجئين بشكل عام.
لقد شعرت بالقلق والارتباك وتساءلت عما يكمن خلف تلك الصورة التي تحاول السلطات والأمم المتحدة بشكل ما إظهارها عن رواندا.
لا علاقة بشكل كبير لتجربتي في التعرض لتحكم دقيق والمنع من القيام بعملي، ومع ذلك فإنه يكشف عن لمحة لما هو أسوأ، تقول لوسي هوفيل الباحثة المساعدة في مبادرة قانون اللاجئين بجامعة لندن: “تشويه صورة رواندا كدولة لن يفيد في هذا النقاش، ومع ذلك فهناك أشخاص ما زالوا في مخيمات اللجوء منذ سنوات وسنوات، إنه وضع مروع، فمقارنة بما تفعله المملكة المتحدة، فإن لرواندا سياسات تقدمية بشأن اللاجئين ولهذا فتحت أبوابها بشكل عام للاجئين”.
“إذا نظرت لأعداد اللاجئين الذين تستضيفهم الآن، ستجده أمرًا مهمًا نسبيًا، لكن هناك شيئًا خبيثًا يتخفى خلف ذلك، إذا تحدثت بأي سوء عن الحكومة فإن موقفك سيتغير تمامًا في الحال”.
هُددت سارا جونسون بالاعتقال في حال دخولها موعدًا طبيًا في المخيم
في 2018، عندما تظاهر اللاجئون من جمهورية الكونغو الديمقراطية لعدم حصولهم على طعام كاف، أطلقت السلطات الرواندية النار عليهم وقتلت 12 لاجئًا واعتقلت أكثر من 60 آخرين، كما دُمرت حياة الآخرين لحديثهم عن الظلم في رواندا.
تقول إنجابري – التي حُكم عليها بالسجن 15 عامًا بتهمة نشر إيدولوجية الإبادة الجماعية ومعلومات خاطئة – إن أفراد حزبها اختفوا أو سُجنوا أو تعرضوا للاغتيال، وتضيف “لا مساحة هنا لنعبر عن أنفسنا، يمكنني القيام بذلك لكن غالبية الروانديين لا يمكنهم، إنهم يخشون التعبير عن آرائهم خشية اتهامهم بإيدولوجية الإبادة الجماعية أو معاداة الدولة”.
في الوقت نفسه، بينما لا تزال حرية التعبير بعيدة المنال، تصاعدت حملة العلاقات العامة للحكومة الرواندية في ضوء زيادة الاهتمام بها بعد الإعلان عن اتفاقية رواندا والمملكة المتحدة.
عندما سألت وزارة الداخلية عن كيفية تأكد الحكومة البريطانية من تقديم تقارير حرة وعادلة عن السياسة الرئيسية عندما تُمنع صحفية بريطانية من الدخول إلى مخيم للاجئين في رواندا لم يجيبوا عن ذلك.
بدلًا من ذلك، أُرسل طلبي إلى هاري برنز الخبير الإستراتيجي السياسي الذي أدار الحملة الانتخابية لحزب العمال البريطاني في 2017، ويدير الآن شركة العلاقات العامة “Chelgate Consulting”، وقد عينته الحكومة الرواندية لتسهيل الطلبات المقدمة من وسائل الإعلام الدولية.
كان رد الحكومة الرواندية “من الخطأ تمامًا الاعتقاد بأن السيدة جونسون مُنعت من أداء عملها، في الحقيقة، الشيء الوحيد الذي مُعنت منه كان انتهاك الخصوصية الشخصية للاجئين الذين لا يريدون التحدث للإعلام عن حالاتهم الطبية، هذا يكشف أن الحكومة الرواندية تقوم بمسؤوليتها تجاه من يسعون للحصول على الأمان في تلك البلاد”.
المصدر: الغارديان