ترجمة وتحرير: نون بوست
يجتمع طوال هذا الشهر ممثلو 191 دولة من الدول الأطراف في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في نيويورك في عشرية “مؤتمرات المراجعة” التي تُعقد بانتظام لتقييم مدى فعالية هذه المعاهدة المعمول بها منذ 52 عامًا.
فشل الاجتماع الأخير لـ “مؤتمرات المراجعة” المنعقد في سنة 2015 لأن المندوب الأمريكي رفض في المؤتمرين الآخرين السماح بمحاسبة “إسرائيل” على انتهاكها المستمر منذ عقود لقواعد حظر الانتشار العالمي. بعبارة أخرى، رفضت إدارة أوباما – مثل كل إدارة أمريكية منذ جون كنيدي – اتخاذ أي خطوة قد تفضح أو تتحدى امتلاك “إسرائيل” لترسانة كبيرة من الأسلحة النووية المتطورة والمدمرة.
هل ستعيد واشنطن حماية ترسانة “إسرائيل” النووية في مؤتمر معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية هذه السنة؟ وهل يمكن أن يؤدي موقفها مرة أخرى إلى فشل المغزى من “مؤتمرات المراجعة”؟ هذا احتمال وارد ولكن من غير المتوقع أن يقوم عمالقة الإعلام بالإبلاغ عن هذه القصة المهمة في أي وقت قريب.
باتفاق مشترك، تلتزم وسائل الإعلام المؤسسية الرائدة بشكل كامل تقريبًا بقسم “أوميرتا” الصارم فيما يتعلق بنشر أي أخبار عن ترسانة “إسرائيل” النووية. لقد سعت منذ أمد إلى تحويل تركيز القراء والمشاهدين إلى أمور أخرى: إما على احتمال اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، أو على “التهديدات” التي تشكلها مجموعة من الأسلحة غير النووية في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة التهديدات المزعومة باستخدام الأسلحة الكيماوية في العراق أو سوريا أو في أي مكان.
ومثّل مقال الرأي الصادر السنة الماضية في صحيفة “نيويورك تايمز” بقلم بيتر بينارت بعنوان “على الولايات المتحدة أن تبدأ قول الحقيقة بشأن أسلحة “إسرائيل” النووية” أحد الاستثناءات الصغيرة الأخيرة لقسم “أوميرتا”. وعدا عن ذلك، لا حياة لمن تنادي.
أصدرت “إسرائيل” أول أسلحتها الانشطارية النووية من طراز قنبلة هيروشيما سنة 1967. وقد استفادت من المساعدة التكنولوجية من الحكومة الفرنسية والجهات الفاعلة الأخرى في النرويج والولايات المتحدة. وبعد أقل من عقدين من الزمن، طوّرت “إسرائيل” القدرة على بناء عدد كبير من الأسلحة النووية الحرارية الأكثر تدميرًا. نحن نعلم ذلك لأنه في سنة 1986 فضح الفني النووي مردخاي فعنونو ما كان يفعله هو وزملاؤه في منشأة “إسرائيل” النووية الرئيسية في ديمونا.
واستنادًا إلى المعلومات التي قدمها فعنونو، خلُص خبير الأسلحة النووية البريطاني فرانك بارنابي إلى أنه في تلك المرحلة، “يمكن لإسرائيل إنتاج حوالي 7 أسلحة نووية سنويًا وقد يكون لديها الآن أكثر من 100 سلاح”. وأضاف بارنابي أن أدلة فعنونو بشأن ديمونا “تشير إلى أن “إسرائيل” تمتلك أسلحة نووية حرارية”.
في أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي، قام رؤساء الولايات المتحدة ببعض المحاولات (التي عادة ما تكون فاترة) لحمل “إسرائيل” على الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. لكن الإسرائيليين كانوا يرفضون في كل مرّة. وفي حال انضموا، فإنه سيتعيّن عليهم تقديم إعلان مفتوح حول ما إذا كانوا دولة حائزة للأسلحة النووية أم لا. وتختلف الالتزامات الواقعة على الدول الأعضاء في المعاهدة بالنسبة للدول “التي تمتلك الأسلحة النووية” والتي “لا تمتلكها”.
والأهم من ذلك، يتعين على الدول “غير الحائزة للأسلحة” الخضوع لعمليات تفتيش منتظمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجميع المرافق التي تمتلكها للأغراض النووية السلمية – الطاقة النووية، والبحوث، والأجهزة الطبية، وما إلى ذلك – لضمان حماية جميع المواد النووية القادرة على صنع الأسلحة وحصرها بعناية، وعدم تحويل أي منها إلى أسلحة متطورة.
هل تعلم أن إيران عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي منذ سنة 1970 بينما لم تنضم إليها “إسرائيل” مطلقًا؟ إذا كنت تعلم ذلك بالفعل، فأنت تنتمي إلى أقلية صغيرة من الأمريكيين. ومن شبه المؤكد أنك لم تعرف هذه الحقائق من قبل مؤسسات الإعلام التي تبذل جهودا كبيرة للتعتيم على هذه النقطة الأساسية.
من الطرق الرئيسية التي قامت بها وسائل الإعلام، لأكثر من 30 سنة حتى الآن، لإخفاء الحقيقة الجوهرية المتمثلة في وضع “إسرائيل” المخالف للقانون، كما هو مذكور أعلاه، تحويل انتباه القراء المهتمين بالشرق الأوسط إلى الادعاءات الأكثر غموضًا وغير متبلورة المتعلقة بـ “أسلحة الدمار الشامل”. وتشمل هذه الفئة الأسلحة النووية إلى جانب الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كما لو أن جميع هذه الأنواع من الأسلحة لها نفس أنواع التأثيرات المدمرة (الجماعية) تقريبًا.
لكن ليس هذا هو الحال. صحيح أن للأسلحة الكيميائية والبيولوجية آثار مروعة، إذ أن الآلاف من الناس قُتلوا في خنادق الحرب العالمية الأولى أو أصيبوا بالعمى أو شوهوا بسبب هذه الأسلحة. ويُذكر أن صدام حسين استخدم الأسلحة الكيماوية (التي قدمتها الولايات المتحدة) لإحداث تأثير ديمغرافي فظيع على القرى الكردية في شمال العراق في منتصف الثمانينات. (وهل تعلم أن أفضل حالة موثقة لاستخدام الأسلحة البيولوجية في الشرق الأوسط كانت استخدامها من قبل الميليشيات الصهيونية في عكا سنة 1948؟)
لكن كل تلك الأنواع الرهيبة من الأذى لا تقارن بالضرر الذي يمكن أن تحدثه قنبلة نووية واحدة “بدائية”. فقد خلقت القنبلة الذرية الوحيدة التي أسقطتها القوات الجوية الأمريكية فوق هيروشيما في السادس من آب/ أغسطس 1945 عاصفة نارية اجتاحت المدينة وأسفرت عن مقتل 200 ألف شخص. وتوفي البعض على الفور والبعض الآخر بعد شهور وسنوات من المعاناة والألم الشديد في كثير من الأحيان.
في مطلع خمسينات القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة تطوير قنابل نووية حرارية حيث يتم استخدام قنبلة صغيرة من نوع قنبلة هيروشيما كمحفز لانفجار “اندماج نووي” أكبر بكثير له قوة تدميرية أكثر من قنبلة هيروشيما بألف مرة في انفجار واحد. وهذا هو نوع القنبلة التي كشف مردخاي فعنونو عن وجودها في بعض الأعداد في ترسانة “إسرائيل”.
وهناك سبب آخر، بالإضافة إلى القوة التدميرية المطلقة للأسلحة النووية، لماذا يتم التعامل مع الأسلحة النووية على مستوى معظم الجهود العالمية للحد من التسلح أو نزع السلاح بشكل منفصل مقارنة بجميع أنواع الأسلحة الأخرى، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبيولوجية؟ ذلك لأن جميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية – والتي يبلغ عددها تسعة حاليًا – تجد أن عليها تطوير “مذاهب” لاستخدامها والتي تضع كل هذه الترسانات النووية التسعة، بشكل أساسي، في حالة تأهب قصوى يمكن أن تدفع بسهولة جميع القوى النووية في العالم إلى سلسلة من ردود الفعل السياسية النووية من شأنها أن تدمر جميع أشكال الحياة البشرية على الأرض بسرعة.
على النقيض من ذلك، لم تؤدي الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية في أي من الحالات العديدة المعروفة لاستخدامها إلى أي “سلسلة من ردود الفعل” التي لا يمكن تفاديها، ولم ينتج عنها اللجوء إلى استخدام مذاهب الأسلحة النووية لجميع الدول التسعة التي تمتلك أسلحة نووية كما هو متوقع.
أدى هذا التمييز الواضح بين الآثار (المدمرة والمتعلقة بالسلاسل العالمية) لاستخدام الأسلحة النووية وتلك الناجمة عن استخدام أي نوع آخر من الأسلحة الموجودة اليوم منذ زمن بعيد إلى فصل الجهود المبذولة للسيطرة على الترسانات النووية أو تفكيكها عن الجهود المبذولة للسيطرة أو تفكيك أي أنواع أخرى من الأسلحة. وبالعودة إلى الحرب الباردة، أبرمت كل اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو. وعلى الصعيد العالمي، لدينا معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وفي الآونة الأخيرة، كنا نأمل أن تدخل المعاهدة العالمية لحظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ ولكنها لم تصبح سارية المفعول سوى السنة الماضية فحسب.
بالتوازي مع هذه الجهود، ولكن بصورة منفصلة دائمًا، كانت هناك أيضًا جهود دولية للسيطرة على الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية والألغام الأرضية وما إلى ذلك أو إزالتها.
على المستوى العالمي، هناك الآن خمس معاهدات رسمية جيدة أنشأ الموقعون عليها مناطق خالية من الأسلحة النووية في خمسة أجزاء مختلفة من الأرض: في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (1969)، في جنوب المحيط الهادئ (1986)، في أسيان (1997) وآسيا الوسطى (2009)، وكل أفريقيا (2009)
قدّمت الأمم المتحدة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة دعما قويا لإنشاء هذه المناطق الخالية من الأسلحة النووية. لكن ماذا عن تلك الأجزاء من غرب آسيا التي تشمل “إسرائيل” وجيرانها؟ قد تتساءل لماذا لا توجد مناطق خالية من الأسلحة النووية في تلك المنطقة. حسنًا، أنا متأكد من أنه يمكنك تخمين سبب عدم وجود منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. لكن هذه المسألة أصبحت أكثر إثارة للاهتمام.
فرضت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لسنة 1970 – كما أشرت أعلاه – التزامات مختلفة بين تلك الدول التي انضمت إليها كدول تمتلك أسلحة نووية والتي تضم خمس دول وجميع الأعضاء الآخرين في المعاهدة. ولكن في المادة السادسة من المعاهدة، تعهّد جميع الأعضاء “بمواصلة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بنزع السلاح النووي وبشأن معاهدة بشأن نزع السلاح العام والكامل في ظل رقابة دولية صارمة وفعالة”. كان لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مدة متفق عليها مبدئيًا تبلغ 25 سنة، وبعد ذلك وافق أعضاؤها على عقد مؤتمر خاص لتقرير ما إذا كانوا سيمددون مدتها أم لا.
عندما عقدوا هذا الاجتماع في سنة 1995، أشارت الغالبية العظمى من الأعضاء المشاركين في المعاهدة الذين يزيد عددهم عن 150 عضوًا إلى أن الدول الخمس التي “تمتلك” أسلحة النووية لم تبذل أي مجهودات فعالة للتحرك نحو نزع السلاح النووي. وأشارت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء إلى أن واشنطن، التي كانت في ذلك الوقت القوة المهيمنة القوية في العالم، لم تفعل شيئًا لمواجهة المخاوف التي أعرب عنها الكثير منهم منذ فترة طويلة فيما يتعلق بسلوك “إسرائيل” النووي المستهتر. لذلك بعد الكثير من المساومة في قاعة المؤتمر، وافقت غالبية أعضاء معاهدة حظر الانتشار النووي على تمديد فترة معاهدة حظر الانتشار النووي إلى أجل غير مسمى – بشرط أن تدعم معاهدة عدم الانتشار أيضًا إنشاء “منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط”.
يمكنك أن ترى كيف أن هذا الاقتراح، الذي يُطلق عليه اسم منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أخرى في الشرق الأوسط، يختلف بالفعل بشكل واضح عن مشاريع المناطق الخالية من الأسلحة النووية التي كانت قد بدأت في الانتشار في أجزاء أخرى من العالم. ولكن حتى مع هذا التنازل للرغبة الإسرائيلية – الأمريكية في التعتيم على دور الأسلحة النووية، استمرت الولايات المتحدة على مدى 27 سنة أي منذ سنة 1995 في عرقلة تنفيذ أي خطة للعمل من أجل إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أخرى في الشرق الأوسط. وقد فشلت المؤتمرات الاستعراضية الأربعة لمعاهدة الحد من الأسلحة التي عقدت منذ سنة 1995، في إحراز أي تقدم بشأن هذه المسألة التي أثارت جدلا كبيرا بين وفود معاهدة عدم الانتشار ولا تزال كذلك.
خلال “حدث” مُضيّق للغاية على الإنترنت استضافته الأمم المتحدة بشأن هذه القضية في أوائل آب/أغسطس، كان أكثر ما يمكن للمشاركين التوصل إليه هو “رسم بياني” معقد حول جميع “الروايات” التي لا تزال مختلفة فيما يتعلق بمقترح منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أخرى في الشرق الأوسط. (انظر الصورة.)
ترتكب “إسرائيل” الكثير من الفظائع المروعة، بشكل يومي ومستمر، ضد الفلسطينيين داخل الأراضي فلسطين التاريخية وخارجها. من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل لماذا يجب أن نقلق بشأن ترسانتها من الأسلحة النووية؟ هناك سببان رئيسيان على ما أعتقد. الأول هو القدرة التي تمنحها هذه الترسانة للقادة الإسرائيليين لاستخدام الابتزاز النووي ضد العديد من دول العالم بشكل حاسم، وتحديدا ضد الولايات المتحدة.
لقد تحدث بيل كوانت ومسؤولون سابقون في الأمن القومي الأمريكي بوضوح عن الطريقة التي كان المسؤولون الإسرائيليون، في مفاوضات الأسلحة مع واشنطن، مستعدين لاستخدام حجج على غرار: “إذا لم تعطنا ذلك الشيء أو نسخة من طراز طائرة مقاتلة متقدمة معينة، قد نضطر إذن إلى بناء تخطيطنا العسكري على معايير غير تقليدية”.
هناك أيضًا عدد من السيناريوهات الأخرى، لا سيما تلك التي تنطوي على أزمات إقليمية واسعة النطاق، حيث أن مجرد إشارة قادة “إسرائيل” إلى قدرتهم على إطلاق سلسلة من ردود الفعل تنذر باندلاع حرب نووية عالمية، من شأنه إما إجبار الجهات الفاعلة الأخرى (بما في ذلك الولايات المتحدة) للتصرف بطريقة معينة، أو ردعهم عن اتخاذ خطوات لا تخدم مصالحهم.
ينبغي أن يفهم هذه الحقيقة – المتمثلة في قدرة “إسرائيل” على استخدام الابتزاز النووي إما للإكراه أو “الردع” بوضوح – أي شخص يدرس دور البلاد في النظام العالمي – وليس فقط داخل الشرق الأوسط. في واشنطن وعواصم أخرى، كان لدى المخططين العسكريين منذ فترة طويلة فهم واضح لقدرة “إسرائيل” على اتخاذ قراراتها الخاصة فيما يتعلق باستخدام أو نشر الأسلحة النووية، بما في ذلك القرارات التي يمكن أن تدفع العالم بأسره إلى مواجهة نووية.
تتشابه “إسرائيل” مع فرنسا في هذا الشأن، التي ظلت تحافظ على سيطرتها على قوتها النووية القوية (القوة الضاربة) خارج عملية التخطيط العسكري المركزية لحلف الناتو حتى سنة 2009، بهدف السماح لباريس بمزيد من الاستقلالية في صنع القرار. ( وتجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة الخمسينيات، ساعدت فرنسا “إسرائيل” في صنع أول أسلحتها النووية).
هناك سبب آخر لفهم البعد النووي لموقف “إسرائيل” في العالم وهو النفاق والكذب الصريح اللذان يتم التعامل بهما مع هذا الموضوع على كل مستوى من مستويات الخطاب العام الأمريكي. وهو نوع من النفاق الذي يجب التنويه له والكشف عنه دائما.
ما يحصل هو مثال رئيسي على “استثناء إسرائيل” لجميع كتب القواعد التي يتبعها أي فرد في النخبة السياسية الغربية. تخيل لو أن هيئات التحرير في واشنطن بوست أو نيويورك تايمز أو الإذاعة الوطنية العامة، أو أي من الشبكات التلفزيونية قد خصصت مساحة لتغطية ترسانة “إسرائيل” النووية الكبيرة والتدميرية للغاية تعادل حتى عُشر المساحة التي تخصصها بالفعل لتغطية أحدث “العروض” المثيرة للإعجاب حول المنشآت النووية الإيرانية (التي تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، أو الادعاءات بشأن منشآت “أسلحة الدمار الشامل” المزعومة في العراق في السابق (قبل دحض جميع هذه الادعاءات في أعقاب غزو 2003)، أو الادعاءات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية في سوريا.
تخيل لو أنه في كل مرة يصدر تقرير إخباري حول خطة العمل الشاملة المشتركة، “الاتفاق النووي” لسنة 2015 مع إيران الذي انسحب منه ترامب فجأة في 2017 – يقوم المراسل أو المعلق بتذكير المشاهدين أو القراء بشكل روتيني بأن هناك دولة واحدة فقط تمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط وهي (إسرائيل) وأنها (على عكس إيران) ليست حتى عضوا في معاهدة حظر الانتشار النووي.
تخيلوا لو أن أعضاء الكونغرس الذين يزعمون قلقهم بشأن الانتشار العالمي للأسلحة النووية قاموا بتشكيل لجنة مكلفة بالتحقيق في الوضع في “إسرائيل” والتحقيق في هذه المخاطر من خلال إجراء عمليات تفتيش خاصة بهم في ديمونا وجميع المنشآت النووية الإسرائيلية الأخرى!
في الحقيقة، لن يتحقق هذا الافتراض الأخير في أي وقت قريب، لكن هذا لا ينبغي أن يمنع أي منا، من الذين يهتمون بحقوق الفلسطينيين والمصممين على مواجهة الدبلوماسية العامة في “إسرائيل” (هاسبارا)، من إثارة مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية في كل فرصة ممكنة. إذا سمحنا لإسرائيل ومجموعاتها الهائلة من المدافعين في الغرب بالإفلات من العقاب بالكذب علينا مرارا وتكرارا بشأن الترسانة النووية الإسرائيلية الكبيرة والخطيرة، فما الذي سنعطيهم المجال للكذب بشأنه أيضًا؟
منذ أن كانت الولايات المتحدة الدولة الأولى – والوحيدة – على الإطلاق التي تستخدم الأسلحة النووية في الحرب في آب/ أغسطس 1945، أصبحت هذه الأجهزة المروعة مكونا رئيسيا للقوة الإمبريالية؛ واليوم تمتلك تسع دول ترسانات نووية (انظر الرسم البياني). من بين هذه الدول التسع، قدمت الصين والهند تعهدات رسمية بأنهما لن تكونا أول من يستخدم الأسلحة النووية في أي صراع، أي أنهم بنوا ترساناتهم ويحتفظون بها فقط لغاية الانتقام في حال استخدمت دولة أخرى الأسلحة النووية ضدهم أولًا. وتحتفظ بقيّة الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، بخيار استخدام ترساناتهم النووية حتى ضد المعارضين الذين لم يبادروا باستخدام الأسلحة النووية ضدهم.
تبنت “إسرائيل” منذ فترة طويلة العبارة التي قد تبدو لطيفة في ظاهرها بأنها “لن تكون الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تدخل رسميا أسلحة نووية إلى المنطقة”، لكن قادة البلاد لم يكونوا أبدا على استعداد لشرح ما يقصدونه بكلمة “إدخال”.
تمثّل قصة مردخاي فعنونو قصة بطولية وحزينة، ويجب أن تكون معروفة وأن تُحكى دائما مثل قصة المخبرين المضطهدين من أمثال جوليان أسانج أو إدوارد سنودن. وكما نعلم، يمكن أن تكون الإمبراطوريات قاسية بلا رحمة على أولئك الذين يكشفون أسرارهم الأكثر سريّة.
في هذه الأثناء، يجب أن يعمل الأشخاص في حركة الحقوق الفلسطينية أيضا على تعزيز روابطهم مع حركة الحظر النووي الواسعة التي انتشرت بنجاح على الساحة العالمية خلال العقد الماضي. تمت قيادة هذه الحركة من طرف العديد من حكومات الجنوب العالمي التي استاءت لأكثر من نصف قرن من الهيكل التمييزي الشبيه بالفصل العنصري لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. لقد قاموا بالتنسيق مع شبكة مجتمع مدني ذكية تسمى الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية ومع دولتين في أوروبا ظلتا محايدتين بين “الشرق” و”الغرب” طوال الحرب الباردة وإلى غاية اليوم، وهما أيرلندا والنمسا.
تأسست الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية في 2006 وهي قائمة على شبكات عالمية لمكافحة الأسلحة النووية كانت قد أنشئت خلال الحرب الباردة. ولاحقا في سنة 2015، عندما فشل المؤتمر الاستعراضي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في ذلك العام في تحقيق أي تقدم جوهري بسبب قضية “إسرائيل” الحساسة، قرر قادة دول جنوب العالم والحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية وحلفاؤهم التركيز بدلًا من ذلك على تصميم المعاهدة من أجل حظر جميع الأسلحة النووية.
لقد نجحوا في إبرام هذه المعاهدة بسرعة ملحوظة. في اجتماع كبير في مقر الأمم المتحدة في تموز/ يوليو 2017، وافق مندوبون من عشرات الدول على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وبحلول نهاية ذلك العام كانت أكثر من 50 حكومة قد وقّعت عليه. وبعد ذلك، في كانون الثاني/ يناير 2021، صادقت الحكومات الخمسون أيضا على المعاهدة، مما أدى إلى دخول المعاهدة حيز التنفيذ الكامل بين جميع أعضائها. ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد الدول الأعضاء كاملة العضوية إلى 66 دولة.
وليس بالأمر المفاجئ أنه حتى الآن لم توقع أي من الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية على معاهدة حظر الأسلحة النووية. في المقابل، يجب على الفلسطينيين وحلفائهم أن ينضموا إلى حركة الحظر النووي العالمية بحماس وأن يساعدوا في قيادتها، إذ يعاني الفلسطينيون من آثار ابتزاز “إسرائيل” لهم بالأسلحة النووية في كل يوم من حياتهم. في عالمنا اليوم، تعتبر الأسلحة النووية ركيزة أساسية للسيطرة الإمبريالية، وفي حال توجب تفكيك السيطرة الإمبريالية، فيجب حينها تفكيك الترسانات النووية التي تحميها.
المصدر: موندويس