الصورة: رئيس وزراء مولدوفا
ترجمة وتحرير نون بوست
تعقد مولدوفا اليوم انتخابات برلمانية هامة ستقرر غالبًا حسب نتائجها ما إذا كانت ستمضي في طريقها قدمًا نحو الاتحاد الأوروبي، وهو الطريق الذي بدأته منذ خمس سنوات، أم ستدير وجهها لروسيا، التي كانت جزءًا من اتحادها السوفيتي منذ ربع قرن.
تقول استطلاعات الرأي إن المعسكرين يتقاربان في شعبيتهما، إذ يبدو أن المعسكر الموالي لأوروبا يتفوق بأغلبية ضئيلة، ومع ذلك يصعب التنبؤ نظرًا لوجود أعداد كبيرة من المصوتين لم تتخذ قرارها النهائي بعد.
مولدوفا، البلد الصغير البالغ تعداده 3.5 مليون نسمة، هي أفقر بلدان أوروبا، حيث تعج عاصمتها كيشيناو بالتجمعات السكنية الخرسانية السوفيتية، وتتلاشى الطرق المرصوفة ابتعادًا عن العاصمة، ويأتي حوالي رُبع الدخل من تحويلات المولدوفيين العاملين بالخارج – معظمهم في روسيا -.
اللغة الرسمية في مولدوفا هي الرومانية، ولكن الكثيرين يعرفون الروسية جيدًا، ومثل أوكرانيا، تنقسم البلاد بين معسكر أوروبي يشعر بالانتماء للغرب (الرومانية لغة رومانسية بعيدة الصلة عن اللغات السلافية في شرق أوروبا)، ومعسكر روسي يشعر بالانتماء لعالم الشرق الأوروبي، لدى مولدوفا أيضًا ولاية منفصلة محكومة ذاتيًا ويقبع فيها 1500 جنديًا روسيًا منذ حرب أهلية قصيرة عام 1992، وهي ترانسنيستريا.
بعد الانتخابات البرلمانية الماضية في 2009، نجح تحالف من ثلاثة أحزاب كبرى موالية لأوروبا في تشكيل ائتلاف وإزاحة الحزب الشيوعي، والذي هيمن على البلاد منذ 1991، في يونيو من هذا العام، وقعت مولدوفا مع أوكرانيا وجيورجيا، اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي تتيح علاقات اقتصادية أقوى وأوسع، وحركة بدون فيزا عبر أوروبا كلها، بيد أن هذا الأمر لم ينل رضا كل المولدوفيين، والذين يفضّلون أن تكون بلادهم جزءًا من الاتحاد الجمركي الروسي، مع بيلاروسيا وكازاخستان.
تضغط روسيا بشدة لكبح جماح التوجه الأوروبي في مولدوفا، لاسيما اقتصاديًا، فقد منعت استيراد الخمور المولودوفية، ثم الفواكه والخضروات، وتبعها أخيرًا اللحوم، أضف إلى ذلك أن البلاد، ككثيرين مثلها في أوروبا، تعتمد على الغاز الروسي الذي هددت موسكو مرارًا بقطع إمداده ما لم تخضع كيشيناو لضغوطها.
يقول رئيس الوزراء الحالي “إيوري ليانكا” إن العقوبات تضر كثيرًا بمولدوفا، ولكن هذا لن يثنيها، حيث تمتلك مصادر إضافية لتعويض التجار والمزارعين الخاسرين جراء عقوبات روسيا، “قرارات موسكو ستضرنا بشكل مباشر، ولكن على المدى المتوسط والبعيد، ستجعلنا أقوى، ما لا يقتلك يجعلك أشد بأسًا”.
المشكلة الأبرز لليانكا وائتلافه الحاكم هو السخط العام تجاه حكومته، والذي يسببه ضعف الاقتصاد والتقدم الضئيل حيال مكافحة الفساد، بل والتناحر بين أحزاب الائتلاف نفسه، وهو ما يدفع الكثيرين للبحث عن بدائل.
يشتكي “فيتالي دوروجان”، قسيس من شمال البلاد، أن الحكومة لا تقوم بدور كافٍ لمعالجة المشاكل الاجتماعية؛ وهو ما يجعله غير قادر على حسم موقفه من التصويت، وما إذا كان الاتجاه للاتحاد الأوروبي هو بالفعل القرار الصائب، “أعتقد أننا يجب أن نبقى في الوسط، الطريق الوسط قرار أيضًا، لا يقل قوة عن الاتجاه شرقًا أو غربًا – أن تكون علاقاتنا جيدة بالطرفين دون أن ننضم بالضرورة إلى أي منهما – .
نما الاقتصاد المولدوفي في العام الماضي بنسبة 8.9٪، وهو أعلى معدل نمو منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، ولكنه في الأغلب سيصبح 2٪ فقط هذا العام رُغم أن الصادرات للاتحاد الأوروبي نجحت في موازنة خسائر التجارة مع روسيا وحلفائها جرّاء العقوبات.
يقول “أدريان لوبوسور”، المدير التنفيذي لمركز بحوث اقتصادي، إن الكثيرين الآن يربطون بين الوضع الاقتصادي السيء والتوجه نحو أوروبا، وبالحكومة التي يرونها غير قادرة وغير كفء في مكافحة الفساد، مؤخرًا، ورد في تقرير لمعهد السياسات العامة بأن المولدوفيين إذا واجهوا اليوم الاختيار بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي الروسي، سيصوّتون بنسبة 39٪ للأول، و43٪ للأخير.
انتخابات اليوم ستكون أول انتخابات منذ توقيع اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وهي قضية تُعَد الشغل الشاغل لمعظم الحملات الانتخابية الجارية، إذ تحوم الشكوك حول مدى فائدة الاقتراب من أوروبا، ومعنى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف.
يقول ليانكا إن مواطني مولدوفا ضحايا حملة تشويه معلوماتية شديدة غير مسبوقة، حيث يتم نشر الأكاذيب الطفولية التي تجد صدى في نهاية المطاف بين الناس.
يوم الخميس الماضي، قامت محكمة الاستئناف المولدوفية بحظر حزب باتريا الموالي لروسيا من خوض الانتخابات، بعد اتهامات بأنه يستخدم تمويلاً أجنبيًا لدعم حملته الانتخابية، وكان الحزب قد تأسس بقيادة رجل الأعمال المولدوفي “ريناتو أوساتي” الموالي لروسيا والمعادي للانضمام للاتحاد الأوروبي، قال أوساتي بعد صدور الحكم بأنه هرب إلى روسيا خشية أن يتم إلقاء القبض عليه في مولدوفا.
قال ليانكا في إحدى الحوارات الصحفية، بعد فعالية انتخابية له، إنه يؤمن بشدة بأن السواد الأعظم من المولدوفيين، بغض النظر عن هويتهم الإثنية أو لغتهم الأم، أوربيون، وأنهم يطمحون إلى الاتحاد مع عائلتهم الكبرى – الاتحاد الأوروبي – وأن هذه الانتخابات حرجة ومهمة للغاية، لأن فوز المنافسين لمعسكر أوروبا فيها يعني ضياع كل شيء قام به الائتلاف من أجل مولدوفا، وتوقف مسيرتها الأوروبية، والعودة إلى الوراء.
المصدر: الغارديان