ترجمة وتحرير: نون بوست
عاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رسميًًا إلى وضع جيد؛ بعد أن أمضى الصيف في وضع اللمسات الأخيرة على إعادة تأهيل سمعة ناجحة للغاية؛ حيث التقى الحاكم الفعلي للمملكة بالرئيس بايدن، الذي اتهمه منذ وقت ليس ببعيد برئاسة دولة منبوذة، وتنعم بالثناء المتملق للمسؤولين اليونانيين في مهد الديمقراطية الغربية؛ واحتفل في قصر الاليزيه مع الرئيس إيمانويل ماكرون.
يشير المسؤولون الأجانب أحيانًا إلى القتل المروع للصحفي جمال خاشقجي أو الفظائع السعودية في اليمن، لكن تلك الإدانات العابرة بدت وكأنها التزام تم القيام به على عجل حتى يتمكن الجميع من العودة إلى البحث عن النفط. ومع حرب روسيا في أوكرانيا التي تضغط على أسواق الطاقة العالمية، فإن الأخلاق هي ترف لم يعد الغرب قادرًا على تحمله، أو هكذا يعتقدون. لكن، بالطبع، لا يمكنهم قول ذلك.
ما يقولونه بدلًا من ذلك هو أن الشخصية الزئبقية المعروفة باسم محمد بن سلمان جلبت التقدم الاجتماعي والاقتصادي إلى المملكة العربية السعودية. صحيح أنهم يقرون بأن بن سلمان قد قمع منافسيه وسجن رجال الدين واتخذ إجراءات صارمة ضد المعارضين، ولكن مع وعود بإسلام “معتدل”، دفع المملكة المتشددة بسرعة إلى حقبة جديدة شجاعة مع سباقات الفورمولا 1، وحفلات جاستن بيبر وماريا كاري، ودور السينما والمطاعم؛ حيث يختلط الرجال والنساء؛ أكرر: يختلط الرجال والنساء. لهذا؛ من المؤكد أنك ستسمع ما يقال عن محمد بن سلمان من أنه قد حرر النساء السعوديات، وسمح لهن بقيادة السيارة وخفف من السيطرة التي تفرضها الدولة عليهن عن طريق أولياء أمورهن.
ومع ذلك، عند التدقيق، فإن تحرر المرأة السعودية ليس كل ما يبدو؛ فأولًا، من الصعب مناقشة حرية المرأة بينما تحاكم المملكة العربية السعودية النساء والرجال على أنهم إرهابيون بسبب انخراطهم في السياسة. فخلال الأسبوع الماضي فقط حكم على سلمى الشهاب، طالبة دكتوراه وأم لطفلين، بالسجن 34 عامًا لاستخدامها حسابها على تويتر لدعم المعارضين.
ولكن حتى الحريات الدنيوية في حياة المرأة لا تزال مقيدة؛ صحيح أن محمد بن سلمان ألغى بالفعل الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، والذي كان دائمًا مصدرًا غريبًا للازدراء الدولي، كما أزال بعض الإنفاذ القانوني لنظام الوصاية المخيف، الذي وضع كل امرأة سعودية تحت السيطرة شبه الكاملة لأحد أفراد الأسرة الذكور، ويُعتقد أن المزيد من النساء دخلن سوق العمل الآن بعد أن سمحت لهن الحكومة بالتنقل بسهولة أكبر، كما قام بتشويه سمعة الشرطة الدينية سيئة السمعة وأنهى الفصل الإلزامي بين الجنسين الذي كان مفروضًا في الأماكن العامة.
هذه تغييرات حقيقية جديرة بالثناء؛ لكن السؤال المعقد هو: من يمكنه الاستفادة منها؟
تعني الإصلاحات الأخيرة أنه إذا ولدت امرأة أو تزوجت في عائلة رجالها من ذوي تفكير الحر ومستعدون لاعطائها مساحة من الحرية، فلن تتدخل الدولة، لكن بالنسبة للعديد من النساء السعوديات اللاتي يفتقرن إلى ولي أمر بذهنية متفتحة، لا يوجد حل. على سبيل المثال؛ إذا كان زوج المرأة أو والدها لا يعتقد أنها يجب أن تحصل على رخصة القيادة الخاصة بها، فإنها تبقى مضطرة لإطاعة أوامره.
بعبارة أخرى؛ ووفقًا للخبراء القانونيين السعوديين الذين استشرتهم، فإن التغييرات صُممت لتجنب إزعاج الرجال، فلن تجبر الحكومة الرجال قانونًا على إبقاء نسائهن تحت سيطرة مشددة، وفي نفس الوقت لن تجبرهم على تحريرهن أيضًا.
وأوضحت الباحثة والناشطة الحقوقية السعودية هالة الدوسري: “بالنسبة للنساء اللواتي لا يحظين بالدعم من أولياء أمورهن؛ لا تتاح لهن الفرصة للاستمتاع بالانفتاح في المجتمع. وأود أن أقول إنهن غالبية النساء في المملكة العربية السعودية، هن من اللاتي يعشن في أسر أكثر تحفظًا”، وأضافت: “يتم إجراء إصلاحات لفئة معينة من الناس، وليس من أجل جميع النساء”.
تفاخر محمد بن سلمان بشدة بأن قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي أصدره يمثل “قفزة نوعية كبرى” في مجال حقوق المرأة.
وقد قرأتُ القانون الذي ظهر مؤخرا على موقع حكومي سعودي باللغة العربية بدون ترجمة رسمية. كانت لدي فكرة عما سأجده، بعد السماع من بعض النساء السعوديات ونشطاء حقوق الإنسان، لكنني ما زلت مندهشًا من مدى إخفاقه الصارخ في الخطاب المحيط بالتحول الاجتماعي المزعوم لمحمد بن سلمان.
لا تزال المرأة السعودية بحاجة إلى إذن ولي الأمر للزواج، وصحيح أنه يُمنع إجبارها على الزواج رغمًا عنها، لكن الدور الأبوي لولي الأمر مثبت بالكامل في القانون – مع انتقال السيطرة على النساء بين الآباء والأزواج والأعمام والأخوة وحتى الأبناء بترتيب محدد حسب الأهمية – وبما أن اتفاق الزواج يتضمن “عرض ولي الأمر” وقبول الزوج “، يحتمل أن يمنع الولي المرأة من الزواج حسب رغبتها. (يجب أن أوضح، من أجل الإنصاف، أنه على الرغم من كل هذا، فإن قوانين الإجهاض في المملكة العربية السعودية أكثر ليبرالية من تلك المعمول بها في بعض الولايات الأمريكية، مما يسمح بإنهاء الحمل عندما تكون صحة الأم العقلية أو الجسدية مهددة).
بعد الزواج؛ يجب على المرأة السعودية طاعة زوجها، ولا يجوز لها أن “تمنع نفسها” عنه، ويجب عليها إرضاع أولادها؛ وهذا التزام شرعي على زوجها، وكما هو شائع في البلدان الإسلامية الأخرى، لا يجوز لأي امرأة مسلمة أن تتزوج من غير مسلم، وتحصل الأرامل من النساء، مقارنة بالأرامل من الرجال، على نصيب أقل من تركة الزوج المتوفى.
إذا فالأمر كالتالي: حرية حسب نزوة الأب، وتحرير عند رغبة الأمير.
عند إلقاء نظرة فاحصة، جاء كل جزء من التقدم بشكل ينذر بالسوء مع رسائل تحذير لا لبس فيها للجمهور السعودي.
لم تجد الولايات المتحدة أبدًا -وربما لم تسع بصدق- طريقة فعالة لدعم حقوق الإنسان في الخارج بشكل ثابت ومتسق، لا سيما في الشرق الأوسط. حتى قبل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001؛ كانت الإدارات المتعاقبة تتشدق بالكلام في قضايا مثل القمع السياسي، والانتخابات، وربما الأهم من ذلك كله، حقوق المرأة، لكن لحظات الضغط هذه لمرة واحدة كانت نفاقًا؛ حيث تأتي في الخلفية إراقة الدماء وزعزعة الاستقرار التي سببتها الحروب، وتميل إلى الاختفاء في مواجهة الأولويات الأمنية أو الاقتصادية.
اليوم؛ في أعقاب الانتفاضات الساحقة في الربيع العربي وإدارة ترامب التي حطمت التقليد الأمريكي المتمثل في التظاهر على الأقل بالاهتمام بحقوق الإنسان؛ تترسخ عزلة ما، فمن مصر إلى الأراضي الفلسطينية إلى المملكة العربية السعودية؛ يتبين أن مواقف الولايات المتحدة كلها براغماتية، فلم يردعها السجناء السياسيون المضربون عن الطعام أو الصحفيون الأمريكيون المقتولون؛ وربما يكون السؤال هو كيف نقدم أنفسنا في بلادنا.
هذا هو المكان الذي تأتي فيه حقوق المرأة، فلطالما كانت المرأة في المملكة العربية السعودية تعتبر مواطنة من الدرجة الثانية، وهو ما كان يعتبر مصدرًا معقدًا للإحراج والانتقاد في العلاقة الأمريكية السعودية، فقد تمت مطالبة السياسيين والشركات الأمريكية بشكل روتيني بالتغاضي عن القوانين التي تحرم النساء من الحقوق الأساسية في شغل الأماكن العامة أو الزواج أو التنقل بحرية، أو حتى انتقادها بشكل معتدل للغاية حتى “في حالة المطاعم وسلاسل الفنادق”. وفي الوقت نفسه،؛ عندما خرج الدبلوماسيون الأمريكيون بإدانات أو إهانات، تعرضت المملكة للإذلال وأبدت غضبها، ويبدو أن محمد بن سلمان كان حريصًا على استئصال هذا الإحراج.
وقال خالد أبو الفضل، أستاذ القانون البارز في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، والناقد القوي للوهابية شديدة المحافظة المهيمنة في المملكة العربية السعودي: “إنه يريد أن يكون المصلح العظيم في نظر الغرب، ليعطي مظهر الخير والحرية؛ وكلنا ننظر في الاتجاه الآخر حتى لا يزعج ضميرنا كثيرًا”.
الصور التي نراها ساحرة؛ فمن المثير بلا شك إلقاء نظرة خاطفة على النساء اللواتي يسرن في طريق الملك فهد أو يختلطن في مضمار سباق الملك عبد العزيز؛ فيما يرسم المراسلون الأجانب لوحات حية من حلبات المصارعة والحفلات المجنونة.
مع ذلك؛ لا يسعني إلا أن أشك في أن المملكة العربية السعودية الحقيقية، التي يعيش فيها مجتمعات متنوعة من بشر من لحم ودم؛ مغطاة بسيل من الدعاية اللامعة.
ولكن؛ عند إلقاء نظرة فاحصة، جاء كل جزء من التقدم بشكل ينذر بالسوء مع رسائل تحذير لا لبس فيها للجمهور السعودي.
فعلى سبيل المثال؛ فتمامًا عندما أعلنت المملكة أن النساء يمكنهن القيادة، قامت باعتقال النساء اللواتي قمن بحملات بلا كلل وعلانية من أجل هذا الحق على وجه التحديد وحبسهن بعيدًا؛ حيث قالت عائلة إحدى أبرز الناشطات من أجل الحق في القيادة، لجين الهذلول، علنًا إنها تعرضت للتعذيب والتحرش الجنسي أثناء احتجازها؛ ويقول محققو حقوق الإنسان إن آخرين تعرضوا لسوء المعاملة. عند إطلاق سراحهم؛ تعرضت النساء وحتى أفراد أسرهن لحظر السفر، وحظر مغادرة المملكة العربية السعودية أو التحدث علنًا عن السياسة.
وهناك منطق قاس لهذا التناقض الظاهر: فقد ضرب محمد بن سلمان عنصرين سياسيين محرجين؛ حظر القيادة والنساء اللواتي تجرؤن على الاحتجاج على الأسرة الحاكمة؛ حيث قال عبد الله العودة، الباحث القانوني السعودي ومدير الأبحاث في منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن “DAWN”، وهي منظمة حقوقية وثقت اعتقالات ناشطات القيادة من خلال المقابلات وسجلات المحكمة: “في الوقت نفسه؛ يريد استخدام راية تمكين المرأة غير المفعلة في الحقيقة”.
وتتطرق قصة السيدة الهذلول، التي تم الإفراج عنها العام الماضي، إلى تناقض آخر في سعي المملكة العربية السعودية الاسمي لتحقيق المساواة للمرأة: وهن سفرائها؛ حيث عينت المملكة لأول مرة امرأة في منصب السفيرة في عام 2019، عندما تم إرسال الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان إلى واشنطن، وسرعان ما تم تعيين امرأة ثانية، أمل المعلمي سفيرة في النرويج، والتي يشغل شقيقها – منذ فترة طويلة – منصب مندوب المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة.
وقد التقت أمل المعلمي بلجين الهذلول؛ حيث كانت جزءًا من وفد من هيئة حقوق الإنسان التابعة للحكومة السعودية والذي زار الناشطة في حقوق القيادة أثناء احتجازها في الحبس الانفرادي؛ حيث قالت لجين الهذلول لأمل المعلمي إنها تعرضت للصعق بالكهرباء والاعتداء الجنسي والتهديد بالقتل أثناء احتجازها، وطلبت الحماية، وفقًا لتقرير جمعته منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن “DAWN”.
لكن أمل المعلمي، التي كانت تقود منظمة حقوق الإنسان السعودية، اتُّهِمَتْ “بدفن” الشكوى، وفشلت في التحقيق أو اتخاذ إجراء. وكسفيرة؛ فقد وصفت بحماس الخطوات الكبيرة التي قطعتها المرأة السعودية. (لقد أرسلتُ بريدًا إلكترونيًّا إلى وزارة الخارجية السعودية لطلب إجراء مقابلة مع السيدة أمل المعلمي والرد على تقرير منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن “DAWN” لكنني لم أتلق أي رد).
أما بالنسبة للسفيرة لدى الولايات المتحدة؛ فهي أيضًا لها تاريخ غريب عندما يتعلق الأمر بالتضامن مع السعودياته، فلقد صاغت ذات مرة هاشتاغ: #i_choose_to_stay، والذي كان يُفهم على أنه توبيخ يستهدف النساء السعوديات اليائسات اللائي يحاولن الهروب من القيود القاسية في الداخل من خلال الفرار إلى الخارج. وإحدى هاتيك النساء هي دينا علي لسلوم، التي وصلت إلى مانيلا في عام 2017، قبل أن تتم مطاردتها وإجبارها على العودة على متن طائرة متجهة إلى الرياض من قبل أفراد الأسرة الذكور، ولم يسمع عنها أية أخبار علنية مرة أخرى. (لم يرد متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن على الأسئلة التي طرحتُها).
المدافعون عن محمد بن سلمان يشيرون إلى أنه يتمتع بشعبية كبيرة بين السعوديين، وأنا أستطيع أن أصدق بسهولة أنه محبوب من قبل بعض رعاياه، مثل الشباب ذوي الميول العلمانية، ومع ذلك؛ لا يسعني إلا أن أشك في أن المملكة العربية السعودية الحقيقية، التي يعيش فيها مجتمعات متنوعة من بشر من لحم ودم؛ مغطاة بسيل من الدعاية اللامعة.
وقد أخبرتني ياسمين فاروق؛ الباحثة التي أجرت أبحاثًا مكثفة عن المملكة العربية السعودية لصالح مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن بعض المبادرات الأكثر شعبية لولي العهد لم تحظ باهتمام دولي يذكر. فعلى سبيل المثال؛ قالت إن الناس فرحوا بأنه قام بتبسيط البيروقراطية الحكومية من خلال منصات سهلة الاستخدام عبر الإنترنت، وأضافت على الفور؛ أن الجانب السلبي هو أنه سيتم الآن جمع بيانات الجميع بسهولة في براثن دولة المراقبة.
وبينما كانت المملكة دائمًا غامضة؛ فإنها – في هذه الأيام – ترسخ نوعًا من الصمت المخيف، فلم تعد الثقافة السياسية الفوضوية قليلاً التي اعتدتُ تغطيتها في السنوات الأولى من حرب العراق، عندما كان المشاغبون والنقاد مثل السيد خاشقجي يعيشون على حواف الدولة ويثرثر أفراد العائلة المالكة المعارضون على القهوة؛ كل هؤلاء الناس صمتوا أو ذهبوا إلى الأرض؛ حتى أنني لا يمكنني تحديد بعض المصادر التي كنت أتحدث معها.
وقالت السيدة ياسمين فاروق: “من الصعب للغاية الوصول إلى القواعد الشعبية السعودية والمجتمع لفهم عمق وواقع ما يفعله”، مضيفة: “إنه يجعل الصورة غير مكتملة حقًا؛ حيث إنهم يعتقلون الناس بسبب حديثهم، وأيضًا هناك الكثير من الرقابة الذاتية. حتى أنا، لم أعد أتصل ببعض الناس لأنني قلقة من إمكانية تعرضهم للأذى”.
في مذكراته القادمة؛ كتب جاريد كوشنر أنه صادق ولي العهد لأن “الإصلاحات التي كان ينفذها محمد بن سلمان كان لها تأثير إيجابي على ملايين الأشخاص في المملكة؛ وخاصة النساء”، وهو أمر طبيعي يجب تسليط الضوء عليه، وأقل الأمور التي قد تجعل العلاقة مع محمد بن سلمان محرجة.
المصدر: نيويورك تايمز