ترجمة وتحرير: نون بوست
كان أول جندي روسي يُقتل رسميا في إحدى المعارك في أوكرانيا رجلًا يبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة ويدعى نور محمد جادجيماغوميدوف. ووفقا لوزارة الدفاع، وقع هذا الجندي في كمين خلال المرحلة الأولى من الغزو ففجر نفسه والأوكرانيين المحيطين به بقنبلة يدوية.
عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أنه يمنح أعلى وسام في البلاد – وسام بطل روسيا – إلى جادجيماغوميدوف، شدد على حقيقة أن الملازم الأول كان من داغستان. وأضاف بوتين أنه على الرغم من أنه هو أيضا من أصل روسي، فإن صدور مثل هذه العملية البطولية من جانب أقلية عرقية جعلته يشعر بالفخر لكونه “جزءًا من شعب روسيا القوي ومتعدد الأعراق”.
في الواقع؛ لقد كان الجيش الذي ينفذ “العملية الخاصة” لبوتين يضم عددا مذهلا من الشبان من الجمهوريات العرقية، وكانت الكتيبة الشيشانية متواجدة بوضوح تام في حصار ماريوبول، بما في ذلك على مقاطع تيك توك، كما شوهدت أيضًا مجموعات من البورياتيين والباشكير العرقيين في صفوف المقاتلين والموتى. وهذا التمثيل المفرط الواضح للأقليات هو جزئيًّا نتيجة للاتجاهات الديموغرافية، ولكنه يمثّل دليلًا على عدم المساواة الاقتصادية وانعدام الفرص في العديد من المناطق خارج عاصمتي موسكو وسانت بطرسبرغ الثرية.
ونظرًا لأن غالبية القوات الروسية تتكون من الجنود المتعاقدين، ولأن العقود تكون مربحة نسبيًّا (تصل إلى 4700 دولار شهريا، وفقا لبعض المصادر)، فإن الرجال الذين ينظمون إلى هذه القوات غالبًا ما يكونون من الأفراد الذين لم يتمكنوا من العثور على عمل مربح في مكان آخر.
داغستان هي أيضًا الجمهورية التي شهدت أكبر عدد من قتلى الحروب، وفقًا للأرقام الرسمية، وهي أيضا المنطقة التي يتقاطع فيها الفقر والتقاليد العسكرية والولاء النسبي لموسكو؛ وتقع داغستان في أقصى جنوب روسيا، وتشترك في الحدود مع الشيشان وجورجيا وأذربيجان، كما تقع بالقرب من سلسلة جبال القوقاز، وتتميز أراضيها بقمم بنية شاهقة وأودية صحراوية وسهوب تتخللها الكثبان الرملية.
جمهورية داغستان ذات أغلبية مسلمة ولكنها متعددة الأعراق بشكل لا يصدق، وتعتمد أربعة عشرة لغة رسمية، كما أنها واحدة من أفقر الجمهوريات في البلاد، وعلى الرغم من أنها ظلت موالية لموسكو طوال حملة استقلال الشيشان، في التسعينيات، إلا أن تمردًا إسلاميًّا راديكاليًّا استحوذ عليها في وقت لاحق.
جادلت زارينا سوتيفا، المدافعة عن حقوق الإنسان والباحثة من جمهورية إنغوشيا القريبة، أن التمرد أعاد إحياء مخاوف روسية قديمة من عدم الولاء العرقي، وقلل بشدة من عدد المجندين الداغستانيين في الجيش. وبعد انتهاء التمرد؛ وجهت المخابرات الروسية العناصر المضطربة إلى الحرب في سوريا، حيث قُتل العديد منهم، فكانت النخبة الداغستانية تبذل قصارى جهدها لإثبات ولائها كلما أمكن ذلك.
سافرت المصورة نانا هايتمان، التي تتخذ من موسكو مقرًّا لها، مؤخرًا إلى داغستان للتحدث مع عائلات وأصدقاء القتلى؛ حيث وجدت أشخاصا أصيبوا بصدمة شديدة بسبب الخسارة التي تعرضوا لها، لكنهم في الغالب حافظوا على وطنيتهم. كان الآباء، على وجه الخصوص، مصرين على أن أبنائهم ماتوا في سبيل قضية بطولية، كما تحدثوا عن الفاشية الأوكرانية والانحلال – مثلما فعل الكرملين – إلى حد ما بكل أصالة، لأن داغستان مجتمع متدين ومحافظ بشدة، وذكرت أيضًا أكثر من عائلة واحدة ستالين على أنه رجل كان بإمكانه التعامل مع هذا الموقف بالشكل المناسب.
ومع ذلك؛ كان هناك حزن عميق في داخلهم، وفي الجنازات، كانت العائلات تبكي وتصرخ، وكانوا بالكاد قادرين على المشاركة في الاحتفالات الرسمية المزدحمة لتلقي التكريم نيابة عن أبنائهم. في المقابل؛ لا يبدو أن الجميع مؤيدون للحرب، إذ قال أحد الشباب: “ابق في المنزل، واعتنِ بحديقتك. لا فائدة تذكر من الذهاب إلى مكان ما لقتل الناس، مهما كانت هويتهم”.
خديجة سايكوموف هي مدرّسة في أواخر الأربعينيات من عمرها، وتعيش في قرية فيركني كازانيشتشي الجميلة الواقعة على سفح التل، على بعد حوالي ساعة بالسيارة من محج قلعة، عاصمة داغستان. وتعيش خديجة هي وزوجها رسول في منزل محاط بحقول البابونج والأبقار التي ترعى، كلاهما في حداد على ابنهما الأكبر، ماخاش، الذي التحق بالجيش بعد تخرجه من المدرسة الثانوية.
في كانون الثاني/يناير الماضي، تزوج ماخاش وكان بإمكانه رفض الانضمام إلى الغزو، لكن في 23 شباط/فبراير الماضي، اتصل بوالده وأخبره أنه تلقى الأمر بالذهاب في عملية خاصة، رغم أنه لم يكن يعرف حينها ما هي العملية، وقال إنه سيضطر قريبًا إلى تسليم هاتفه.
يتذكر رسول أنه قال له: “ربما لا يجب أن تذهب؟”
فسأله ماخاش: “هل كنت لتذهب؟”
كان رسول قد خدم كمظلي في الجيش الروسي في الشيشان في التسعينيات، لذلك أجاب ماخاش: “بالطبع سأذهب”.
بعد ثلاثة أسابيع، في 17 آذار/مارس الماضي، أصيب ماخاش بشظية في مؤخرة رأسه بالقرب من مدينة ميكولايف الأوكرانية، وكان من المستحيل نقله وتوفي في وقت لاحق من ذلك اليوم، وكان يبلغ من العمر أربعة وعشرين سنة.
كان والدا ماخاش من العائلات المحرومة. وكل يوم جمعة؛ تزور خديجة قبر ابنها في إحدى مقابر القرية، وفي الطريق، توزع الحلوى على الأطفال وتقول لهم إنها من ماخاش، كما تترك الشوكولاتة للمارة على قبره. يبدو رسول، الذي يعمل خلال فصل الشتاء في حقول الغاز في شمال روسيا، والذي أصيب بجلطة دماغية بعد عشرين يوما من وفاة نجله، خشن الملامح وصامتًا معظم الوقت.
خلال إحدى المحادثات؛ قال رسول إنه كان يجدر بروسيا قصف بولندا وألمانيا بالفعل لمعاقبتهما على دعم أوكرانيا، وأضاف: “طوال الفترة التي عرفت فيها جدتي، كانت تبكي كل يوم، فقد مات اثنان من أشقائها في الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، لم تختف هذه الفاشية، لكن لم أكن أعتقد أنها ستأخذ مني أطفالي أيضًا”.
يوبخ رسول نفسه باستمرار لأنه شجع ابنه على الذهاب إلى أوكرانيا، فكان خلال النهار يختبئ في الحقول ويصلح الأسوار أو يبني مرحاضًا في الحديقة ويفعل أي شيء لتجنب الحديث عن موت ماخاش، ولا يعود إلى المنزل إلا في المساء، ووجهه محمر.
كانت خديجة أكثر رزانة منه، وخلال تواجدها في منزلها الكبير والمرتّب، أشارت إلى أنها دعمت الحرب فقط لأن ماخاش كان يقاتل فيها؛ حيث قالت: “ماخاش كان فتى متدينًا للغاية، ولو لم تكن مجرّد مهمة لما ذهب للقتال”، وتتوافق تفسيرات خديجة مع رسائل الكرملين، التي تفيد بأن الأوكرانيين كانوا نازيين، ويريدون نشر المثلية الجنسية في روسيا.
وأضافت خديجة: “أحب أوكرانيا والثقافة الأوكرانية، إنهم أناس طيبون للغاية. لكنني لست متأكّدة بشأن الذين استولوا على المكان هناك. بصفتي مدرسّة، أعتقد أنه كان يجب حرمانهم من الحنان عندما كانوا صغارًا، ولا أعرف كيف أشرح ذلك بطريقة أخرى”.
كان الأقارب الآخرون غاضبين؛ فوالدة رسول، التي تعيش في منزل صغير في نهاية الشارع، وتبلغ من العمر أربعة وثمانين سنة، وبشرتها فاتحة وعيونها زرقاء؛ قالت إنها قامت بتربية ماخاش أثناء عمل والديه، وإنها تعتبره ابنها، ولم تفهم لماذا كان يجب أن يموت؛ حيث قالت “لماذا نحتاج هذه الحرب؟”، وكان من النادر في مثل هذه الأحاديث أن تُنطق كلمة “حرب”؛ حيث قالت خديجة بلطف إن الحرب ضرورية لتحقيق العدالة، لكن الجدة كانت صارمة، وقالت: “لماذا نحتاج أوكرانيا؟”؛ ليبقى السؤال بلا إجابة.
في يوم خميس حار وعاصف، اجتمعت عائلة غسان بيك أغابيكوف للحداد، وهو جندي متعاقد يبلغ من العمر 24 سنة، وكان عشان بيك قد ترك زوجته وطفله الرضيع المولود في آذار/مارس الماضي للقتال في أوكرانيا، وعاد إلى أسرته في إجازة لمدة عشرة أيام في أيار/مايو الما ضي، لكنه غادر بعد ثلاثة أيام فقط للعودة إلى الحرب قائلًا لوالدته: “هذا عملي وواجبي”، وبعد ثلاثة أيام فقط، وفي 27 أيار/مايو الماضي، قُتل بطائرة مسيرة.
تعيش عائلة غسان بيك في منزل من الحجر الرملي على بعد أميال قليلة من مدينة ديربنت، أقدم مدينة في روسيا، والمدينة محصنة بجدران حجرية سميكة، وكانت معقلًا تاريخيًًا مهمًًا؛ حيث سيطر عليه الأتراك والفرس والعرب قبل أن تغزوها روسيا في القرن التاسع عشر، ينحدر جد غسان بيك من قرية صغيرة في الجبال لكنه انتقل إلى السهول حول ديربنت من أجل حياة أفضل.
وبعد مرور أسبوعين على جنازة غسان بيك – وفقًا للإمام – قُتل 15 رجلاً آخر من المنطقة في الحرب. وفي داغستان يجتمع أفراد أسرة المتوفى على فترات منتظمة للحزن، وكان أكثر من اثني عشر منهم حاضرين الآن في حفل تأبين؛ حيث قرأ الإمام سور من القرآن بالقرب من المقابر كما صلى الجميع، وقال الإمام: “إن الله هو الذي خلق الحياة والموت، فقط من أجل هذا الاختبار”.
بعد ذلك؛ ووفقًا للتقاليد اجتمع الرجال خارج المنزل؛ حيث كانوا يقضون كل اليوم تكريمًا لذكرى غسان بيك، فيما انسحبت النساء إلى غرفة المعيشة؛ حيث جلسن في دائرة؛ بعضهن على الأريكة، والبعض الآخر على الأرض، على سجاد سميك، وكانت الغرفة مليئة بالنواح وأصوات الحزن؛ حيث أخبرتني والدة غسان بك أن ابنها قد أنهى للتو شهادة في القانون، وقالت: “حصل على شهادته السنة الماضية ولم يستخدمها”، وأضافت أنه انجذب إلى الجيش لأنه أراد أن يسير على خطى جده، الذي قاتل ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية.
كثيرًا ما يسمع المرء أن الشباب الداغستاني يخجلون من البقاء في القرية، بكامل قواهم، بينما يقاتل إخوانهم، وأخبرتني خالة غسان بيك في المنزل أن كل أسرة تقريبًا لديها ولد في أوكرانيا، وكان ابنها قد عاد مؤخرًا مصابًا بارتجاج في المخ، ويتقيأ طوال الوقت ويبدأ بالصراخ، قالت: “كل الأبناء الذين كانوا هناك يتغيرون”.
وأضاف الإمام: “ليس هناك عمل آخر، كلهم يذهبون بموجب عقد مع الجيش”، فيما أومأت الخالة برأسها، وقالت إنها عندما تحدثت إلى ابنها عبر الهاتف في أوكرانيا، كان الشيء الوحيد الذي تسمعه في الخلفية هو القصف.
تشوككومونا هي قرية صغيرة تقع في أعالي الجبال في وسط الجمهورية، والطرق هناك تتجه صعودًا وهبوطَا في اعوجاج وانحدار شديد، ومن بعض الأجزاء من القرية؛ يمكنك إلقاء نظرة على غونيب، وهي قلعة رائعة الجمال ظهرت بشكل بارز في حرب القوقاز في القرن التاسع عشر؛ حيث اتخذ الإمام شامل، زعيم القبائل الشيشانية والداغستانية، موقفه الأخير ضد الروس في غونيب، قبل الاستسلام في 25 آب/أغسطس 1859.
اليوم؛ على جدار حجري بالقرب من القرية، يجد الشخص ملصقًا لسبعة جنود من المنطقة قُتلوا خلال العملية في أوكرانيا؛ إحداها صورة لحسين جاسيموف، وهو شاب وسيم ورشيق بملامح حادة، والذي كان قد وقع على عقد عسكري منذ أقل من سنة، وعندما توفي في أوكرانيا، يوم 6 آذار/مارس، كان يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة، وبحسب إدارة القرية، ستُعاد تسمية بعض الشوارع باسمه.
إن حزن والديه ماخاش وعتيقة واضح، فملامح الأسى ترسم وجه مفخاش، ويبدو أن عتيقة في حالة حركة دائمة لإلهاء نفسها، فيما تظهر عينها اليسرى وهي مصابة، ربما من الدموع، ولا تتحدث كثيرا. وآل جاسيموف مزارعون بسطاء، ولديهم عدد قليل من الأبقار. في المساء؛ تقود عتيقة أبقارها إلى الحظيرة لحلبها، وتبيع ما لا يحتاجون إليه من اللبن والحليب والجبن.
خارج منزل جاسيموف هو موقع تحت الإنشاء؛ حيث يظهر الطابق الأول من المنزل، الذي بدأ ماخاش ببنائه لابنه؛ حيث قال: “الآن علينا الانتهاء منه، لا يمكننا تركه نصف منتهي”. وبعد ذلك؛ أخرج وسام الشجاعة الذي حصل عليه ابنه بعد وفاته، وقال إنه لا يعني شيئًا، فلن يعيد ابنه.
الملصقات في كل مكان في تاباسارانسكي رايون وهي واحدة من أفقر المناطق في داغستان؛ حيث تراها مرارًا وتكرارًا، والوجوه غير واضحة في جميع الملصقات، فيما تتكون الطرق هنا من الحصى وتمتد عبر الجبال، والأرض خضراء وتزهو التلال والغابات الصغيرة بالزهور الأرجوانية.
هناك الكثير من الجنازات التي يصادفها الشخص. فعند مفترق الطرق؛ أغلق طابور من السيارات الطريق: وهم أقارب جندي مات مؤخرًا في أوكرانيا؛ حيث تم نقل الجثة للتو في سيارة إسعاف، وشقت السيارات طريقها إلى قرية صغيرة ذات مناظر خلابة تسمى نيتشراس؛ ووفقًا للتقاليد الإسلامية، تم غسل الجسد ونقله إلى منزل الأسرة.
من الممكن سماع صرخات النساء من خارج الجدران، وبعد أن قال أفراد الأسرة وداعهم، حمل الرجال الجثة باتجاه المقبرة، وكان اسم القتيل رستموف منير زالبيغوفيتش، وكان عمره أربعين سنة.
يعتقد ابراهيم أرابشانوف، وهو مدرس وإمام من السكان المحليين، أن آلاف الرجال من تاباسارانسكي رايون يخدمون في أوكرانيا، ومن بينهم كان ثلاثون شخصًا من قريته “نوفوي ليدزشي”، حيث قُتل نجل أرابشانوف، كمران، في آذار/مارس الماضي، تاركًا وراءه زوجة وابنتان.
أرابشانوف، الذي كان يرتدي بدلة رمادية وقبعة صلاة، تحدث عن الإمام شامل، الذي حارب روسيا لمدة ثلاثين سنة، وقال: “عندما تعرف الإمام شامل على روسيا، قال إنه لو عرف أن روسيا دولة قوية، لما قاتل ضدها”، واعتقد أرابشانوف أن بوتين كان “رجلاً قوياً”، لكنه قال أيضًا إنه عندما كان في المفوضية العسكرية المحلية، اشتكى الناس هناك من أنهم لا يستطيعون مواكبة عملهم، فقد كان الكثير من الجنود يموتون، وادعى بعض المصلين في مسجده أن بوتين اختلق سببًا لمهاجمة أوكرانيا، ولكن كان أرابشانوف مقتنعًا بأن روسيا كانت تدافع عن نفسها، وكان يعلم أن الجنود كانوا يرون أشياء مروعة. في الآونة الأخيرة – على حد قوله – عاد رجلان من المنطقة على قيد الحياة من أوكرانيا، فقط ليشنقا نفسيهما.
في يوم الإثنين في أواخر حزيران/يونيو الماضي؛ سافر رسول وخديجة إلى بويناكسك، المركز الإداري المحلي، لتلقي وسام الشجاعة نيابة عن ماخاش؛ حيث ركبوا سيارتهم الخاصة من ماركة “لادا” والمزينة بعلامة “زد” المصنوعة من شريط لاصق على النافذة الخلفية؛ فيما أكدت خديجة، وهي تلبس ثوبًا أسود وغطاءً للرأس، إنها تخطط لاصطحاب ميدالية ماخاش معها في فصلها الدراسي، لتتفاخر كيف مات ببطولة؛ حيث قالت: “لا بد لي من تثقيف الوطنيين، وليس أولئك الذين يهربون”، وأضافت أن العديد من الأشخاص من منطقتهم الذين رفضوا الخدمة العسكرية قد نبذهم المجتمع.
وأخبرتني خديجة أن الأسرة تلقت تعويضات مالية كبيرة عن مقتل مخاش: ثلاثة عشر مليون روبل، أي ما يعادل حوالي مائتين وأربعين ألف دولار، لكنها أنفقت بالفعل معظم الأموال؛ على شقة في محج قلعة لشقيق مخاش الأصغر، الذي يخدم أيضًا في الجيش؛ وعلى المواشي والثمار للقرية؛ وعلى الصدقات للنساء الأخريات اللائي فقدن أبناءهن، كما دفعت الحكومة لها رسومًا لتحضر مناسك الحج هذه السنة، وهو الحج السنوي إلى مكة المكرمة؛ حيث كانت المرة الأولى التي تقوم فيها برحلة الحج.
في قاعة المدينة، انتظرت هي ورسول وصول رئيس البلدية في غرفة ممتلئة حول طاولة اجتماعات كبيرة؛ حيث كانت هناك عائلة أخرى قد فقدت ابنهاوالتي جلست في مكان قريب، ويبدو أن العمدة قد نسي أمر الحفل، فعندما وصل متأخرًا عدة دقائق كانت الغرفة خانقة، فيما جلس رسول ورأسه مائل وعيناه على الأرض، وإلى يساره بدأ رجل من المندوبية العسكرية يتحدث بجو من الروتين، حيث قرأ: “بموجب مرسوم رئيس الاتحاد الروسي رقم 174 بتاريخ 31 آذار/مارس 2022، مُنح الرقيب سايكوموف ماخاتش رسولوفيتش وسام الشجاعة بعد وفاته”، ووقف العمدة ليمنح رسول الميدالية، لكن رسول ظل جالسًا، ودفع خديجة بمرفقه، فحملت الميدالية في يديها وانفجرت بالبكاء.
المصدر: نيويوركر