كشفت وزيرة الدولة الكويتية لشؤون البلدية ووزيرة الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، رنا الفارس، عن ملامح خطة الحكومة الجديدة لتوطين الوظائف، التي من المقرر أن تبدأ مرحلتها الأولى مطلع سبتمبر/أيلول المقبل بإنهاء عقود 33% من الوافدين بفترة إنذار أولي، تليها المرحلة الثانية مطلع فبراير/شباط العام المقبل بإنهاء تلك العقود رسميًا، فيما تبدأ المرحلة الثالثة في الأول من يوليو/تموز 2023 بإنذار العدد المتبقي من العمالة الأجنبية بهدف الوصول إلى معدل تكويت بنسبة لا تقل عن 90% خلال المرحلة القادمة.
وطالبت الوزيرة بإعداد قوائم خاصة بأسماء الموظفين الوافدين تمهيدًا لإرسال إنذارات لهم كخطوة أولية نحو إنهاء عقودهم بشكل نهائي، لافتة إلى أن هناك 5 فئات مستثناة من إنهاء عقودها، هي: الموظف غير الكويتي لأم كويتية، والموظفون من أبناء دول مجلس التعاون، والموظفون غير محددي الجنسية المقيمون بصفة دائمة بالكويت، بشرط تسجيلهم لدى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، فضلًا عن موظفي الخدمات “سائق وخدمات مناولة”، و50% من موظفي إدارة الجنائز العاملين في المقابر.
الخطة تضمنت إيقاف جميع التنقلات الخاصة بالعاملين غير الكويتيين بين الإدارات والقطاعات اعتبارًا من تاريخه، مع عدم تجديد عقود عمل الموظفين الوافدين العاملين في بلدية الكويت، مشددة على “إعداد خطة لتدريب الكوادر الوطنية العاملة في البلدية، بما يتوافق مع خطة إنهاء عقود موظفيها غير الكويتيين، ورفعها للوزارة خلال أسبوعين”.
وتمثل العمالة الوافدة 70% من عدد سكان الكويت البالغ 4 ملايين نسمة، ينتشرون في مواقع متفرقة من السوق الكويتي، فيما شهدت الأشهر الماضية موجات مغادرة كبيرة لغير الكويتيين، إذ غادر أكثر من 470 ألفًا منهم خلال الـ16 شهرًا الأخيرة، بسبب تداعيات جائحة كورونا بجانب بعض القرارات الحكومية الأخرى الخاصة بإعادة هيكلة الخريطة السكانية.
الخطة بشكلها الجديد أثارت مخاوف قرابة 3 ملايين وافد في الكويت ممن باتوا مهددين بالرحيل خلال موعد أقصاه 9 أشهر من الآن، ما دفعهم لإعادة ترتيب أوراقهم من جديد والبحث عن فرص عمل أخرى في ظل التضييقات التي تمارس على الوافدين في معظم الدول الخليجية.
إرهاصات مسبقة
الخطة في مضمونها لم تكن جديدة، إذ تعد حلقة في سلسلة مطولة بدأتها الكويت منذ ثلاث سنوات، تزامنًا مع جائحة كورونا وتداعياتها التي دفعت الكثير من الدول إلى إعادة النظر في هيكلها الاقتصادي وتوزيع مواردها وخريطة احتياجاتها من العمالة وإدارة المورد البشري بصفة عامة.
البداية كانت مع وقف تعيينات الوافدين في جميع الدوائر الحكومية بداية من العام 2019/2020، مع تشديد الحكومة على منع الاستثناءات في كل القطاعات، في محاولة للوصول بمعدل التكويت إلى 90% خلال عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وهو ما بدأ بالفعل تطبيقه، إذ يبدو أنه توجه عام لدى معظم دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي قصت شريط التوطين مبكرًا.
ولجأت الحكومة الكويتية إلى العديد من الإجراءات والممارسات لإدخال هذا التوجه حيز التنفيذ، سواء داخل القطاع العام أم الخاص، وعلى الفور بدأت في تبني إستراتيجية “التطفيش” من خلال تضييق الخناق على الوافدين عبر حزمة من القرارات منها إعادة هيكلة المناطق التي يقيم فيها المغتربون وترحيل غير المتزوجين عن المناطق السكنية العائلية، مع تجميد عقود البعض لأسباب غير معلنة من إدارات الشركات والقطاعات الحكومية.
تعد العمالة المصرية هي الضحية الكبرى لهذا القرار نظرًا لتصدرها قائمة الجنسيات الأكثر حضورًا في الكويت، وبحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام المصرية فإن خطة التكويت الجديدة تهدد نحو 771 ألف مصري وتمهد نحو عودتهم لوطنهم مرة أخرى، وهو ما أثار قلق الكثيرين
وتحملت الكويت كلفة هذا التوجه التي تقترب من حاجز المليار دينار سنويًا (3 مليارات دولار)، وهو عبارة عن الفارق في الرواتب بين العمالة الوافدة والكويتيين، الذي يبلغ في المتوسط 820 دينارًا للموظف الواحد (متوسط راتب الوافد في القطاع الحكومي قرابة 680 دينار مقابل 1500 للكويتي)، ما يعني أن الدولة بحاجة إلى قرابة 80 مليون دينار شهريًا لتكويت 90 ألف وظيفة فقط، وهو رقم كبير، ولعله السبب في تلكؤ الدولة النفطية في تنفيذ قرارها حتى اليوم.
اللافت للنظر أن إستراتيجية “التكويت” تحولت إلى خطاب شعبوي يتبناه البعض لتحقيق مكاسب سياسية في ظل الانتقادات الحادة من المعارضة بشأن إرهاق ميزانية الدولة بسبب الوافدين وعدم تمكين المواطنين من الوظائف في بلادهم، بل وصل الأمر إلى المطالبة بطرد كل الوافدين رغم استحالة هذا القرار الذي قد يمثل زلزالًا مدويًا لا تتحمل الكويت تبعاته، على الأقل في الوقت الراهن في ظل عدم امتلاكها للموارد البشرية المؤهلة والكافية لعملية الإحلال.
العمالة المصرية.. الضحية الكبرى
تعد العمالة المصرية هي الضحية الكبرى لهذا القرار نظرًا لتصدرها قائمة الجنسيات الأكثر حضورًا في الكويت، وبحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام المصرية فإن خطة التكويت الجديدة تهدد نحو 771 ألف مصري وتمهد نحو عودتهم لوطنهم مرة أخرى، وهو ما أثار قلق الكثيرين.
وفي هذا السياق أعرب “علاء” (32 عامًا) الذي يعمل محاسبًا في إحدى شركات القطاع الخاص بالكويت عن قلقه من القرار الجديد، منوهًا أن الأمر في السنوات الماضية كان سجالًا دعائيًا وإعلاميًا بين الحكومة والمعارضة بهدف تحقيق مكاسب سياسية، لكنه ظل حبيس الأدراج بسبب كلفته العالية وعدم توافر البديل.
مضيفًا في حديثه لـ”نون بوست” أن هناك جدية من الحكومة في تنفيذ خطة التوطين، وأن ذلك سيهدد مستقبل عشرات آلاف المصريين تحديدًا، بجانب جنسيات بلدان أخرى، مؤكدًا أن البعض منذ عام تقريبًا بدأ يفكر في فرص عمل في بلدان خليجية كالسعودية وسلطنة عمان وقطر، لكن الأوضاع كلها باتت مقلقة في ظل تبني تلك الدول لسياسة التوطين ذاتها.
وكشف الشاب المصري عن بعض الضغوط والتضييقات التي تعرضوا لها خلال العامين الماضيين، لافتًا أن راتبه تقلص من 350 دينارًا إلى 300 دينار رغم أن العقد المبرم مع الشركة يشير إلى زيادة الراتب بنسبة 7% سنويًا، لكن هذا لم يحدث، كاشفًا عن لجوء الكثير من أصحاب الشركات إلى تخيير الموظفين الوافدين بين البقاء بالراتب الأقل والأعباء الوظيفية الأكثر والرحيل، و”للأسف نضطر للقبول فإن عدنا إلى مصر فلن نجد فرصة عمل”.. هكذا اختتم علاء حديثه.
تتعامل الكويت مع التركيبة السكانية التي تميل للأجانب على حساب المواطنين كمسألة أمن قومي، فهذا التباعد الواضح بين نسبة الكويتيين إلى الوافدين التي تقترب من 30 – 70% يشكل هاجسًا لدى الشارع الكويتي الذي يجد في هذا الفارق الكبير تهديدًا لأمنه الثقافي والمجتمعي
أما “سالم” (30 عامًا) الذي يعمل مندوب مبيعات في الكويت منذ عام 2015، فيشير إلى أن الشركة التي يعمل بها تخلصت من أكثر من 60% من قوامها في غضون عام واحد فقط، مع توفر نية الإدارة في تكويت العمل بأكمله، غير أنه عدم وجود الموظف الكويتي الكفء في هذا المجال كان الحائل الوحيد لتعميم التجربة، هذا بجانب الكلفة العالية المتوقعة، فراتب الكويتي ربما يصل إلى ضعفي راتب الوافد وربما يزيد إلى خمسة أضعاف في بعض القطاعات.
وألمح الشاب المصري في حديثه لـ”نون بوست” إلى تعرض المصريين على وجه الخصوص إلى عنصرية فجة من بعض الكويتيين، في ظل تنامي خطاب الكراهية المستخدم من بعض الساسة والنواب والشخصيات العامة بحق العمالة المصرية تحديدًا، الأمر الذي يجعل من استمرارهم هناك مغامرة ربما تكلف بعضهم حياته كما حدث في أكثر من مرة، لكن الوضع السيئ في مصر ربما هو السبب الوحيد في تحمل تلك الانتهاكات في الغربة، مضيفًا “لو هناك ربع فرصة عمل في مصر لما تحملت تلك الإهانات في الكويت”.
لم يكن المصريون وحدهم ضحايا خطة التكويت الجديدة، فالمصير ذاته يواجه 437 ألف هندي و158.7 ألف بنغالي و69.5 ألف باكستاني و64.3 ألف فلبيني و63.3 ألف سوري و38 ألف نيبالي و25.5 ألف أردني و20 ألف إيراني، وذلك حسب الإحصائية الصادرة عن الدائرة المركزية للإحصاء في الكويت.
التركيبة السكانية والأمن القومي
تتعامل الكويت مع التركيبة السكانية التي تميل للأجانب على حساب المواطنين كمسألة أمن قومي، فهذا التباعد الواضح بين نسبة الكويتيين إلى الوافدين التي تقترب من 30 – 70% يشكل هاجسًا لدى الشارع الكويتي الذي يجد في هذا الفارق الكبير تهديدًا لأمنه الثقافي والمجتمعي، إذ وصل عدد سكان الكويت إلى 4.420.110، منهم 1.335.712 كويتيًا، بينما يبلغ عدد العاملين والمقيمين الأجانب 3.084.398، حسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء الصادرة في يناير/كانون الثاني 2019.
في مايو/أيار 2020 تقدم عدد من النواب بمقترح يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في الكويت، المقترح الذي قدمه النائب بدر الملا وآخرون، يستهدف تحقيق التوازن بين نسبة الكويتيين والأجانب، محددًا بعض الأوزان النسبية لكل جنسية أجنبية بما يحول دون تفوقها على الجنسية الكويتية، حيث حدد أن تكون نسبة الجنسية الهندية 15% والمصرية 10% والفلبينية 10% والسريلانكية 10% والبنغلاديشية 5% والنيبالية 5% والفيتنامية 5% والباكستانية 5%، أما باقي الجنسيات فلا تزيد عن 3%.
وهناك عقوبات رادعة لمن يخالف المقترح بعد تطبيقه، منها السجن 10 سنوات والغرامة لا تزيد على 100 ألف دينار أو تطبيق إحدى العقوبتين على كل موظف عام أمر أو وافق على استقدام عامل إذا تجاوزت الجنسية التي ينتمي إليها العامل النسبة المنصوص عليها، فضلًا عن الحبس 5 سنوات والغرامة 50 ألف دينار لكل موظف عام ساهم في تحويل زيارة شخص إلى إقامة عمل أو قام بتجديدها على نحو مخالف، فضلًا عن العزل من الوظيفة.
المقترح استثنى بعض الفئات أبرزها “مواطنو دول مجلس التعاون، زوج المواطن الكويتي وأبناؤهم، العمالة المنزلية والعمالة المستقدمة على عقود حكومية ورؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الموفدون إلى الكويت وأزواجهم وأبناؤهم بشرط المعاملة بالمثل، رؤساء الدول وأفراد أسرهم، مشغلو وسائل النقل وأعضاء البعثات العسكرية للدول التي تبرم الكويت معها اتفاقيات أمنية”.
وفي الأخير.. يبقى 3 ملايين وافد داخل الكويت في انتظار وترقب لمدى جدية الحكومة في تنفيذ خطتها التي رغم ما تواجهه من عقبات تتعلق بالتمويل والكفاءة البشرية لكنها تسير بخطوات متأرجحة وصولًا إلى التكويت بصورته الكاملة، وهو ما سيكون على حساب الملايين وأسرهم ممن يدفعون ثمن فساد بلادهم وسوء تخطيطها وتبنيها سياسات طاردة للكفاءات وموردها البشري.