تحتضن مدينة العلمين الجديدة شمال مصر، الإثنين 22 أغسطس/آب 2022، قمة عربية خماسية تضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الإماراتي محمد بن زايد وملك البحرين حمد بن عيسى ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لبحث سبل التعاون العربي بحسب ما نشرته وسائل الإعلام المصرية.
كان الحديث سابقًا عن قمة ثلاثية تجمع بين مصر والأردن والعراق ضمن آلية الاجتماعات الدورية بين قادة البلدان الثلاث، غير أن تصادفها مع وجود العاهل البحريني في العلمين لقضاء إجازته الصيفية وزيارة ابن زايد لبحث بعض الملفات مع نظيره المصري، حولها من قمة ثلاثية إلى خماسية وهو ما جعل الإعداد لها يتم على عجالة ودون ترتيبات مسبقة.
تأتي تلك القمة في إطار الحراك السياسي العربي تعاطيًا مع ما تشهده الساحة الدولية من تطورات خطيرة، حيث سبقتها لقاءات عدة عقدها زعماء بعض الدول العربية على هامش جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشرق أوسطية التي شملت القاهرة وعمان وأنقرة، الشهر الماضي، سبقتها بساعات قليلة قمة ثلاثية أردنية مصرية بحرينية على مستوى زعماء الدول استضافتها مدينة شرم الشيخ الساحلية.
ويضم جدول أعمال القمة عددًا من الملفات الساخنة، فبعيدًا عن الأجندة التقليدية المتعلقة بتعزيز سبل التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات الراهنة، فإن حقيبة كل طرف من المشاركين حبلى بأجندات خاصة، تتقاطع أو تتصل نسبيًا مع أجندات بقية الحضور، في ظل حزمة من المؤشرات التي سبقت عقدها ما جعلها تحت دائرة الضوء والاهتمام.
أجواء ملبدة بالغيوم
فبجانب الحرب الروسية الأوكرانية التي تخيم على الأجواء منذ فبراير/شباط الماضي وتداعياتها الكارثية على الاقتصاد العالمي وتهديد الأمن الغذائي الإقليمي والدولي، وما نجم عنها من قفزات جنونية في معدلات التضخم والبطالة وتدني المستوى المعيشي لدى معظم الاقتصادات الناشئة وفي المقدمة منها الاقتصادات العربية، فهناك سياقات أخرى تفرض نفسها على القمة قبيل انعقادها.
لعل من أبرزها التوتر الصيني الأمريكي على خلفية الملف التايواني والمناورات العسكرية التي تقوم بها بكين بين الحين والآخر وما يحمله ذلك من تهديد واضح ومباشر لمنظومة الأمن الإقليمي بما يربك كل الحسابات الدولية، هذا بجانب حرب الاستقطابات الأخيرة بين واشنطن من جانب وموسكو وبكين من جانب آخر، وسقوط العديد من العواصم العربية في هذا الفخ كالعادة.
هذا بجانب التوتر الذي يشهده العراق على خلفية اعتصام أنصار “التيار الصدري” الذي دخل أسبوعه الرابع، وفشل جهود الوساطة لتقريب وجهات النظر بين مختلف التيارات والقوى الداخلية، بما ينذر بتصاعد الوضع خروجًا عن سياقه الآمن تقليديًا، وهو ما أثار قلق ومخاوف الكثير من المراقبين من التحول من أزمة سياسية إلى حرب أهلية سيكون لها تبعاتها الإقليمية.
أما السياق الأهم مرحليًا فيتعلق بتوتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، عقب خرق الكيان المحتل للهدنة التي تم الاتفاق عليها بعد الوساطة المصرية، ودخل حيز التنفيذ قرب منتصف ليلة الإثنين 7 أغسطس/آب الحاليّ، وهو ما وضع الجانب المصري في حرج كبير عربيًا، الأمر الذي دفع رئيس جهاز الأمن الداخلي الإٍسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، لزيارة مصر، أمس الأحد 22 أغسطس/آب 2022، لتلطيف الأجواء، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية التي ذكرت أن بار التقى رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، فيما ذكر الكاتب العبري عاموس هرئيل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث مع الرئيس المصري الذي شكره على ما وصفه بـ”دوره الحاسم” في التوصل إلى اتفاق.
ويعود التوتر بين البلدين رغم حالة الوئام والتناغم غير المسبوقة بين نظامي الحكم لدى الطرفين إلى بدايات يونيو/حزيران الماضي، حين أعلن جيش الاحتلال إسقاطه طائرة مُسيرة مصرية عبرت المناطق الحدودية جنوبي البلاد، وهي الواقعة التي أثارت حفيظة القاهرة رغم التلويح بأن الاستهداف تم بعد التنسيق مع الجانب المصري، تعزز هذا التوتر مع الكشف المفاجئ في يوليو/تموز الماضي عن المقبرة الجماعية لنحو 80 جنديًا مصريًا تعود إلى حرب عام 1967 حين قتلتهم قوات الاحتلال بالقرب من اللطرون، غربي مدينة القدس، بعضهم دفُن حيًا، وذلك بعد رفع الرقابة العسكرية الإسرائيلية السرية عن تلك الجريمة.
ثم جاءت عودة الدبلوماسي الإماراتي سيف محمد الزعابي، لمهام عمله كسفير لبلاده في طهران، 21 أغسطس/آب الحاليّ، بعد 6 سنوات من سحبه في 2016 عقب توتر العلاقات السعودية الإيرانية، وفق بيان صادر عن الخارجية الإماراتية، لتلقي بظلالها على المشهد العربي برمته مع حلحلة جزئية في مسار المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي.
ملفات على طاولة اللقاء
وعليه فإن الملفات الأبرز أن تكون حاضرة في تلك القمة لا تخرج عن أربعة أو خمسة ملفات على الأكثر، على رأسها ما يحدث في العراق ومحاولة تهدئة الأجواء قبل تفاقم الوضع واحتمالية أن تبذل القاهرة وأبو ظبي جهودًا دبلوماسية لاحتواء الأزمة التي تهدد الإقليم برمته خاصة في ظل كثرة الأجندات الخارجية التي تسعى لاستغلال هذا التوتر لحسابات خاصة.
كذلك ترتيبات القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في ظل التحديات التي تواجه المنطقة بأسرها، وحالة التشتت والتنافر إزاء بعض الملفات البينية التي أدت إلى اتساع الهوة بين كثير من الحلفاء حتى إن لم يخرج هذا للعلن بشكل رسمي.
الملف الليبي والتطورات التي شهدها خلال الآونة الأخيرة في ظل التنسيق التركي المصري من المرجح أن تكون واحدة من الملفات الحيوية على طاولة النقاش، خاصة بعد التناحر بين القوى السياسية بين المعسكرين، الشرقي والغربي، وإعادة ترتيب الخريطة السياسية في أعقاب هذا التنسيق الذي فرض تموضعات جديدة.
التقارب الدبلوماسي الإيراني الإماراتي وتداعياته على موقف طهران من الاتفاق النووي من المسائل التي تمثل حرجًا وجدلًا كبيرًا لدى الشارع العربي، الذي يتهم في كثير من الأحيان أبو ظبي بالتغريد خارج السرب العربي والبرغماتية الفجة التي لا تضع في حساباتها الاعتبارات الخاصة بالأمن القومي العربي ومواقف الدول الحلفاء، ومن ثم فإن حضور ابن زايد ربما سيشجع على مناقشة هذا الملف.
كما أنه من المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة لكن بمنظور مختلف، يتعلق ببحث مستويات التنسيق مع الجانب الإسرائيلي ومحاولة الضغط على المقاومة الفلسطينية بالتزام ضبط النفس وعدم التصعيد، رغم الاختراقات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين، دون أي اعتبارات للتدخلات المصرية وهو ما أساء للقاهرة بشكل كبير، بما يهدد الدور الذي لعبته قبل ذلك إبان الحرب السابقة وأثار إعجاب الإدارة الأمريكية وغير نسبيًا من موقف إدارة جو بايدن إزاء نظام السيسي.
يحاول زعماء هذه الدول بوجه عام من خلال هذا الحراك الدبلوماسي تحقيق هدفين لا ثالث لهما: الأول إثبات حضور – ولو ظاهري – في ظل المعمعة الدولية التي تدور رحاها منذ فبراير/شباط الماضي وحتى اليوم، والثاني الإيحاء بوجود موقف عربي مبلور إزاء جملة التحديات التي تواجهها المنطقة، وهو الموقف الذي تعرض للكثير من الاختبارات خلال الأشهر الماضية، إثر تباين الأجندات الإقليمية والتغريد المنفرد الذي يسلكه البعض بعيدًا عن السرب.
مصر – الإمارات.. ملف خاص
بعيدًا عن اللقاءات الثنائية المتوقعة بين زعماء الدول الخمسة ومحاولة القاهرة تعزيز حضورها كلاعب أساسي في الإقليم في ظل حرب الاستقطابات العالمية، فإن لقاء السيسي – ابن زايد سيكون الأكثر حضورًا، وربما الأطول زمنًا والأكبر على مستوى الحضور والمشاركين، ومن ثم النتائج والمخرجات.
ويجمع السيسي وابن زايد على المستوى الشخصي علاقات قوية، حيث التقيا معًا منذ 2014 وحتى 2021 أكثر من 25 لقاءً، فيما تعد الزيارة الحاليّة هي الأولى للرئيس الإماراتي منذ توليه منصب رئيس بلاده في مايو/آيار الماضي، وكانت آخر زيارة له للقاهرة في يوليو/تموز 2021 حين حضر افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية المصرية في منطقة جرجوب بمحافظة مطروح (شمال غرب).
ورغم تباين الرؤى بين البلدين في الفترة الأخيرة، في أعقاب التقارب الإماراتي التركي، وتداعياته على الموقف من الملف الليبي في مجمله، بجانب التقارب المثير للجدل مع دولة الاحتلال، فإن كلاهما يعيشان هذه الأيام أجواء من التناغم الاقتصادي غير مسبوق، إذ تهرول الدولة الخليجية للاستحواذ على الأصول المصرية، مستغلة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها ما اضطرها لبيع بعض أصولها، ما وجدته أبو ظبي فرصة مواتية لتعزيز حضورها ونفوذها الاقتصادي داخل السوق المصري، ففي خلال الأشهر الست الماضية أبرمت الدولة الخليجية أكثر من 20 صفقة استحواذ تتصدر بها قائمة المستحوذين الأجانب على الأصول المصرية، فيما ارتفعت الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال تلك الفترة بنسبة 169%.
وتتزامن الزيارة مع الأجواء المتوترة داخل جزيرة الوراق الواقعة في قلب النيل القاهري، وهي الجزيرة التي تسعى قوات الأمن المصرية لتفريغها من سكانها، إما بالترحيل الإجباري وإما عبر التراضي نظير مقابل مادي، تمهيدًا لطرحها للاستثمار الخارجي فيما تشير حزمة من المؤشرات إلى أن الاستثمارات الإماراتية سيكون لها نصيب الأسد في تلك الجزيرة التي يخطط لها أن تكون باكورة موجة استثمار عاتية في الجزر النيلية المصرية التي تتجاوز 80 جزيرة.
في ضوء ما سبق، فإن المخرجات المتوقعة من تلك القمة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تلبي طموحات الشارع العربي، اقتصاديًا وسياسيًا، وهو ما يحول مثل تلك اللقاءات إلى اجتماعات تقليدية من باب إثبات الحضور الإقليمي وتصدير صورة عن التنسيق العربي الموحد، وهي الصورة التي تتعرض بين الحين والآخر لشروخات برغماتية بحتة تجهض كل الجهود المبذولة لترميمها.