ترجمة وتحرير: نون بوست
في ظل مزاعم بشأن المبادرات التي ستؤدي إلى مبادلات ديموغرافية جماعية وعودة قسرية لملايين اللاجئين؛ رد السوريون في المعارضة وفي الشمال الكردي من البلاد بقلق على التحركات التركية لتطبيع العلاقات مع دمشق.
ضم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، صوته خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى أصوات المسؤولين المتنامية الذين غيّروا خطابهم بشكل ملحوظ تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، زاعمًا بأنه: “لا يمكن قطع الحوار السياسي أو الدبلوماسية بين الدول”.
وكانت تصريحاته أوضح إشارة إلى الآن على أن تركيا قد شرعت في سياسة جديدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار فيما يتعلق بموضوع الأسد، بعد أن كانت من أبرز المؤيدين الإقليميين للإطاحة به لأكثر من عقد من الزمان.
وجاء هذا الأمر عشية الذكرى التاسعة لأقبح انتهاكات للحرب؛ حيث قُتل حوالي 1300 مدني بالغاز في منطقة معارضة بريف دمشق الخارجي بقذائف السارين في 21 آب/ أغسطس 2013.
في السنوات التي تلت ذلك؛ دفعت روسيا وإيران بالأسد إلى نصر باهظ الثمن في ساحات القتال في البلاد. وفي الوقت الراهن تمتلك الدولتان وتركيا حصة بارزة في بلد ممزق يوصف بسوريا ما بعد الحرب؛ حيث لا تزال أجزاء كبيرة من المناطق المأهولة بالسكان خارج سيطرة الحكومة المركزية.
نشأت تركيا نفوذًا كبيرًا على مدار السنتين الماضيتين. ومع ذلك؛ لم تلق الهجمات الجديدة أي رد فعل من أنقرة
لكن في الشمال الغربي؛ استمرت مدافع الحرب في العمل حتى يوم الإثنين الماضي؛ حيث استهدفت الغارات الجوية الروسية 13 موقعًا مختلفًا في محافظة إدلب، التي يبقى فيها الجزء الأكبر من المعارضة المناهضة للأسد في البلاد، أو أولئك الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم كجزء من ما يسمى صفقات المصالحة، في الاحتماء بين الجماعات المتشددة.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا؛ كانت الضربات الجوية على كييف من بين الأشد كثافة، مما أدى إلى تحويل الطائرات المستخدمة عادة لقصف سوريا إلى منطقة صراع جديد؛ حيث لا يزال عدد الضحايا فيها مجهولًا.
في السنوات الأخيرة؛ عارض أردوغان بشدة القصف الروسي في إدلب، فقد أنشأت تركيا نفوذًا كبيرًا على مدار السنتين الماضيتين. ومع ذلك؛ لم تلق الهجمات الجديدة أي رد فعل من أنقرة التي اقتربت أكثر من رؤية فلاديمير بوتين بشأن حل لسوريا في الأشهر الأخيرة.
ويُعتقد أن الزعيم التركي قد تم ثنيه عن شن توغل جديد في شمال شرق سوريا الكردي الشهر الماضي بعد التحدث إلى بوتين خلال مؤتمر القمة في سوتشي. وبعد فشله في الفوز بمباركة بوتين؛ بدا أن أردوغان يلجأ إلى الدبلوماسية، في الوقت الذي يشن فيه ضربات بطائرات مسيرة ضد من قال مسؤولو مخابراته إنهم متمردين أكراد، وقد ضربت إحدى هذه الضربات مباراة كرة طائرة بالقرب من مدينة الحسكة الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل أربع فتيات وإصابة سبع أخريات.
وتستعد الجماعات الكردية في الشمال الشرقي، المدعومة من حزب العمال الكردستاني (PKK)، لتوغل تركي جديد، يخشون أنه يهدف إلى إقامة مجال نفوذ جديد على طول الحدود مع تركيا؛ حيث ستتولى أنقرة نقل اللاجئين العرب الذين استُضيفوا في تركيا خلال العقد الماضي.
ويواجه أردوغان انتخابات السنة المقبلة التي تتصاعد فيها المشاعر المناهضة للاجئين في الوقت الذي يكافح فيه للتعامل مع الاقتصاد المتدهور والاضطرابات الاجتماعية المحتدمة، وقد أعلنت تركيا بالفعل عن خطط لإعادة ما يصل إلى مليون لاجئ إلى سوريا، وقامت بتمويل بناء منازل في المناطق الواقعة بين الأكراد في الشمال الغربي والشمال الشرقي، مما أدى فعليًّا إلى خلق فجوة بينهم.
لا يزال أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب نازحين داخليًّا، أو خارج حدود سوريا، ولا يزال معظمهم غير راغبين في العودة
ومن غير المرجح أن يحدث الاتصال المباشر مع الأسد قريبًا، ولكن من المتوقع أن يستأنف المسؤولون، بمن فيهم شخصيات استخباراتية، التعاون؛ حيث وقال مسؤول كبير مقيم في بيروت: “سيتم تنفيذ ذلك على مراحل. إن رسائل الأتراك واضحة للغاية؛ فهم يريدون التعامل مع حزب العمال الكردستاني، الذي يمتلك الأسد لأول مرة بعض النفوذ معهم. ولكن كان بوتين واسطة في كل شيء، لذلك لا ينبغي له أن يبالغ في الأمر”.
لا يزال أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب نازحين داخليًّا، أو خارج حدود سوريا، ولا يزال معظمهم غير راغبين في العودة، مشيرين إلى المخاطر التي يشكلها مسؤولو النظام الذين يعتقدون أنهم سييبتزونهم ماليًّا ويحتجزونهم بشكل تعسفي.
ووصف مسؤول كردي كبير في شمال شرق سوريا، يوم الإثنين، التقارب التركي مع الأسد بأنه “خدعة”؛ حيث قالت إلهام أحمد، عضو المجلس التنفيذي للمنطقة، إن “تركيا لم تقم بدعم الثورة السورية قط، بل استخدمتها لأجل أجنداتها التوسعية القائمة على الاستعمار والتغييرات الديموغرافية. لقد استخدمت تركيا اللاجئين السوريين”.
وأصرت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة إليها بالنسبة للكثيرين الذين فروا من الاضطهاد طوال الحرب، كما غيَّر لبنان أيضًا موقفه تجاه اللاجئين السوريين الذين يحتمون بالبلاد؛ حيث أصبح المجتمع عدائيًّا في بعض المناطق واضطر اللاجئون للاختباء لتجنب الاعتقال.
وقال مصطفى الحلاني، وهو سوري يعيش في بيروت منذ ست سنوات: “أفضل أن أجرب فرصي في هذا المكان المحطم على أن أذهب إلى سجون بشار؛ فلا وجود لحياة هناك”.
المصدر: الغارديان