ترجمة وتحرير: نون بوست
في حي لا يزال يعاني من الكراهية؛ اختفى اللاجئون السوريون جميعًا في أحد أيام الأسبوع الماضي؛ فقد سارعوا إلى الشوارع وأغلقوا متاجرهم، حيث كان ذلك اليوم هو الذكرى السنوية لثورة من قبل حشد مناهض لسوريا، فيما وجهت السلطات للسوريين تحذيرًا: من الأفضل الاختفاء.
بدأت أعمال العنف في آب/ أغسطس الماضي عندما اتُّهِمَ شاب سوري بطعن إمرهان يالسين، وهو مراهق تركي، خلال قتال في منطقة ألتينداغ بأنقرة، حيث نزلت جماعات من المواطنين الأتراك على الحي، وقاموا بتخريب ونهب المتاجر والمنازل والسيارات الخاصة بالسوريين، في فورة مروعة من حيث شراستها ومكان وقوعها: على حافة العاصمة التركية، على بعد أميال قليلة من القصر الرئاسي.
وقال أبو حذيفة، وهو ناشط سوري محلي: “لقد تعرضوا لغسيل دماغ”، وقال إنه تعرض للتهديد بالضرب بينما كان يشاهد أعمال الشغب من الشرفة، وبالنسبة للسوريين في جميع أنحاء تركيا؛ كان الغضب الذي اندلع في ألتينداغ بمثابة تحذير من موسم كراهية الأجانب القادم.
وأدت زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين خلال السنة الماضية في تركيا إلى اعتداءات مميتة على اللاجئين وهجمات الغوغاء على أحياء المهاجرين؛ وهو منعطف محفوف بالمخاطر بالنسبة لتركيا، التي كانت تفخر ذات يوم بترحيبها بالسوريين، وتستضيف ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ وطالبي لجوء، أكثر من أي دولة في العالم.
ونشأ الغضب من الجمهور الذي وترته الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي لم تستقر بسبب الادعاءات بأن المهاجرين يغيرون طابع تركيا، ويحرضهم السياسيون مستخدمين الخطاب الاستفزازي أو العنصري لاستغلال كل خوف.
وتركيا هي أحدث دولة أوروبية تكافح ضد صعود السياسات المعادية للمهاجرين، لكن لاجئيها يواجهون أيضًا ضغطًا دائمًا من النزعة الأصلية التي تفضل بعض المهاجرين – مثل أولئك القادمين من البلقان – على الآخرين، خاصة من الشرق الأوسط.
وقالت أصلي أيدينتاسباس، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن تركيا “تأرجحت في اتجاه قومي من جميع النواحي”.
كافح الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي سمح لملايين اللاجئين السوريين بالقدوم إلى تركيا، للرد على الغضب؛ حيث تناوبت حكومته بين الدفاع عن المهاجرين وإصدار لوائح جديدة للحد من ظهورهم. وفي مواجهة انتخابات حاسمة السنة المقبلة؛ تعهد أردوغان بإعادة مليون سوري إلى وطنهم، وهي سياسة يُنظر إليها على أنها غير عملية وغير قانونية، ولم تفعل الكثير لتهدئة الدعوات من خصومه لاتخاذ المزيد من الإجراءات.
وسادت المخاوف بين السوريين على جانبي الحدود من ظهور تدابير أكثر صرامة، بما في ذلك أن أنقرة قد تعيد العلاقات المنقطعة منذ فترة طويلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يهدئ القوميين التركيين، الذين يرون أن دعم أردوغان للمعارضة يساهم في أزمة اللاجئين.
وكان الاستياء يشتد منذ سنوات؛ وتفاقم خلال الصيف الماضي عندما وصلت موجة جديدة من اللاجئين الأفغان إلى حدود تركيا، والآن تحدد استطلاعات الرأي بانتظام الهجرة على أنها المشكلة الأولى أو الثانية الأكثر إلحاحًا التي تواجه الأتراك.
وانتشر فيديو هذا الشهر لرجل تركي يصرخ وهو على ترام في حي السلطان أحمد المليء بالسياح في اسطنبول، في فورة بدت وكأنها تهدف لتوجيه المزاج الوطني: “نحن مثل الكلاب في بلدنا”.
ووضع سياسي قومي متطرف يُدعى أوميت أوزداغ نفسه في قلب الفورة العامة، مما أدى إلى تضخيم كل جدل يتعلق بالمهاجرين وخلق جدل جديد أثناء سفره في جميع أنحاء البلاد للترويج لحزبه السياسي الجديد المناهض للمهاجرين.
ويتذكر السكان عندما ظهر أوزداغ في ألتينداغ، بعد وقت قصير من أعمال العنف، وقدم عرضًا بتركه حقيبة فارغة كتحذير للسوريين، حيث علق على هذه الحيلة على تويتر قائلًا “حان الوقت للرحيل الآن”.
الهياج الليلي
وقال أبو حذيفة، الناشط السوري، الذي طلب الإشارة إليه باسم مستعار لأسباب تتعلق بالسلامة، إن بعض آلاف الرسائل التي تلقاها ليلة الهياج في ألتينداغ كانت مليئة بالخوف مثل تلك التي سمعها في وطنه في محافظة إدلب السورية خلال الحرب، فقد أخبره أحد السكان الغاضبين أنه إذا تعرض منزله للهجوم، فإنه سيشعل أسطوانة غاز المطبخ، وقالت امرأة إنها كانت مذعورة لدرجة أنها تبولت على نفسها، واقترح آخرون تشكيل مجموعات أهلية للرد، وأضاف: “لم أكن أتوقع أن أرى مثل هذا الموقف. في كل مبنى، هناك أتراك وسوريون؛ نحن جيران”.
اليوم؛ تمت مساواة بعض المباني في الحي بالأرض فيما تقول الحكومة المحلية إنه مشروع تحسين مخطط له منذ فترة طويلة، ويخشى السوريون أن يكون ذلك جزءًا من حملة لتطهير الحي – الذي أُطلِق عليه اسم “حلب الثانية” – منهم.
وقال أبو حذيفة إنه خلال السنة الماضية، غادر ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 60 ألفًا والذين كانوا يعيشون في المنطقة.
في أحد المتاجر التي يملكها تركي، كان المالك يقوم بإصلاح جهاز كمبيوتر عندما دخل المتجر شابان سوريان وأحد الأتراك ويدعى كمال إيبيك، وهو يدير وكالة عقارية؛ حيث تحول الحديث باللغة التركية إلى موضوع الهجرة، فقال أحمد، وهو لاجئ من حلب يبلغ من العمر 27 سنة جاء إلى تركيا سنة 2016: “الجميع يحبون بلدهم، لكن الظروف سيئة هناك”. مضيفًا “أريد حقًا أن أعود”.
لم يبد على إيبيك الاقتناع؛ حيث قال “أنا أعرف شخصًا يدعى محمد حيدر، وهو سوري، وهو في سوريا الآن في إجازة”، مضيفًا “إنه هناك منذ ستة أشهر”. وكرر: “لقد كان هناك منذ ستة أشهر”، في حالة لم تفهم وجهة نظره؛ فإنه يقول: لم تكن سوريا خطرة كما ادعى اللاجئون.
هدأ المالك من النقاش، مستشعرًا بداية جدل، وتراجع الرجلان، فيما قال أحمد “لقد مر وقت طويل منذ أن جئنا إلى هنا”، فقال صاحب المتجر: “رئيس الوزراء هو من أوقعنا ضحية هذا الأمر” في إشارة إلى أردوغان الذي شغل منصب رئيس الوزراء قبل أن يصبح رئيسًا، وقد وافقه إيبيك قائلًا: “إن شاء الله تتغير الحكومة وتتغير الأمور”.
السخط القومي
بالنسبة لأوزداغ، السياسي المناهض للمهاجرين، فإن منتقدي سياسات أردوغان هم مصوتون محتملون لحزب النصر الجديد؛ حيث تركز برنامجه على الزعيم التركي الذي يتهمه بخلق أزمة “هوية وطنية”- لكنه يستهدف اللاجئين بشكل أساسي، باستخدام كلمات مثل “الغزو” لوصف وجودهم؛ حيث قال في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن المهاجرين خلقوا “أزمة وجودية عميقة للمجتمع التركي والدولة التركية”.
وتعتبر منشوراته على تويتر منبعًا للغضب القومي؛ مع منشورات توثق الهجمات المزعومة من قبل المهاجرين أو الامتيازات الأجنبية، مثل اللافتات المعلقة باللغة العربية بدلًا من التركية، ويؤكد أن حزبه هو “آخر منقذ لتركيا قبل أن تنحدر”، كما أنه يقول: “لا يمكنك إدماج أكثر من 5 ملايين عربي في تركيا”، متسائلًا عما إذا كان يثير المشاعر التي تشكل خطرًا على المهاجرين، وتدارك بأن مثل هذه المشاعر متفشية بالفعل.
وأضاف: “هناك الكثير من الغضب في الشوارع، وعدم تمثيله في السياسة يزيد في الواقع من خطر العنف. والآن، نحن نسيطر على هذا الغضب”.
قال جان سلجوقي، مدير وكالة “تركيا رابورو” الانتخابية إن الانتخابات الأخيرة أظهرت “تنامي القومية العلمانية في تركيا” التي تحمل المشاعر المعادية للمهاجرين؛ حيث رفضت معظم الأحزاب السياسية الرئيسية الاستفادة من الغضب، مدركة لمخاطر تأجيج الغضب العام في الوقت الذي تتفشى فيه المعاناة الاقتصادية.
وقفز معدل التضخم إلى 80 في المئة في شهر تموز/ يوليو وفقًا للأرقام الرسمية؛ حيث كافح الأتراك من أجل تأمين السلع الأساسية، مع الزخم الذي اكتسبته القصص التي تتحدث عن الدعم الحكومي المالي لللاجئين رغم أن كثير منها غير صحيح.
و قال سلجوقي: “تدخل أوميت أوزداغ بخطاب شعبي وتمكن من استغلال الغضب حول هذه القضية، كان الموضوع موجودًا بالفعل، وقد تمكن السيد أوزداج من جعل الوضع يغلي”.
وأضاف سلجوقي أنه بينما لا يزال أوزداغ سياسيًّا ثانويّا نسبيًا مع دعم يصل إلى بضع نقاط مئوية، إلا أنه يمكن العثور على هذا الدعم في جميع أنحاء تركيا حتى في الأماكن التي يوجد فيها عدد قليل من اللاجئين، مبينًا أن نصف الدعم الذي يحص عليه يأتي أيضًا من الناخبين لأول مرة.
ويقول هوارد إيسنستات، أستاذ التاريخ في جامعة سانت لورانس، إن خطاب أوزداغ المعادي للسوريين ليس “مفاجئًا في الخطاب الشعبي التركي”، مشيرًا إلى أن العداء للمهاجرين “متغلغل بعمق في القومية التركية ومتأصل بعمق في الإحساس بمن هم الأتراك”.
وأضاف هاوارد قائلاً إنه من خلال هذه الرؤية، يوجد مساحة صغيرة للعرب. عندما يفكر الناس في تركيا في “العلاقات الأخوية فإنهم يفكرون في المسلمين في الإمبراطورية الروسية في البلقان، ولا يفكرون حقًا في مسلمي الشرق الأوسط العثماني” .
وتقول يلدز أونين، المتحدثة باسم منصة “كلنا لاجئين” إن أوزداغ ليس المسؤول الوحيد عن ظاهرة كراهية الأجانب المتصاعدة.
وأضافت إن حكومة أردوغان كانت بطيئة في مكافحة المعلومات المضللة التي انتشرت في تركيا بشأن حصول المهاجرين على مزايا سخية من الدولة. وتابعت قائلة: “نتيجة لذلك؛ بدأت تزداد قوة الأشخاص الذين كانوا ضد المهاجرين – وأنا أسميهم عنصريين – وقد بدأوا في التنظيم “.
توتر التضامن
تقول أيدينتاشباش، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه في السنوات الأولى من الحرب السورية، “كان هناك شعور كبير بالتضامن والتعاطف”؛ حيث فتح الأتراك منازلهم للسوريين المصابين بصدمات نفسية، في وقت بذلت فيه الحكومات الأوروبية كل شيء لمنعهم من الوصول إلى حدودهم، بما في ذلك دفع الأموال لإبقائهم بعيدًا بموجب اتفاق سنة 2016 الذي قدم لتركيا 6 مليارات يورو (6.6 مليار دولار) كمساعدة.
وتتابع أيدينتاشباش قائلة: “الحقيقة هي أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة، ومسألة أن على تركيا أن تتعايش مع واقع اللاجئين السوريين هو أمر تحرص الحكومة بشدة على قمعه”.
واصطدم التحامل القديم بمخاوف جديدة مشكلاً مزيجًا قابلًا للاشتعال؛ حيث توصم الإهانات العرب بالقذارة، وهو صدى لا إرادي للنعوت المطروحة ضد الأتراك الذين استقروا في أوروبا في العقود الماضية. ويقال إن مقاطع الفيديو تُظهر مهاجرين يتحرشون بالنساء التركيات أو يتصرفون بطرق تعتبر غير مقبولة تسبب الغضب كل بضعة أسابيع.
وقال مصطفى ميناوي، أستاذ التاريخ في جامعة كورنيل ومؤلف كتاب سيصدر قريبًا عن العثمانيين العرب في إسطنبول في أواخر القرن التاسع عشر، إن مسببات المناخ الحالي “قد تكون اقتصادية وسياسية لكن الأدوات هي الهوية الثقافية”.
على سبيل المثال؛ تصف بعض أشكال الخطاب العرب بأنهم “خونة”؛ وهذا له جذور عميقة يرجع تاريخها إلى الثورة العربية ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، لكن النقد اللاذع مدين أيضًا للتيارات اليمينية الحديثة المعادية للمهاجرين التي ترسخت في أوروبا وأماكن أخرى. ويتابع قائلاً: “تركيا ليست محصنة ضد هذا”.
ويقول أبو حذيفة: “إنه على الجانب الآخر من الاضطرابات في ألتنداغ، كان هناك سكان أتراك دافعوا عن جيرانهم المهاجرين؛ حيث إنهم عرضوا منازلهم أو أحضروا طعامًا للاجئين. وعندما غادر السوريون الحي مؤقتًا، منحهم بعض أصحاب العمل الأتراك أيام إجازة مدفوعة الأجر”.
يخطط أبو حذيفة للبقاء، عندما لا يشارك في تنظيم المجتمع السوري، حيث إن لديه وظيفة في مجال الإعلان واثنتان من بناته تدرسان في جامعة تركية، ويقول: “نحن نعمل بشكل جيد، نحن فقط بحاجة إلى بعض الاستقرار”.
المصدر: واشنطن بوست