ترجمة وتحرير: نون بوست
مرت سنة منذ أن استولت طالبان على العاصمة الأفغنية كابول بعد عقدين من التمرّد. وعندما اتضح أن الحكومة العميلة للرئيس أشرف غني قد تخلت بوضاعة عن البلاد وشعبها، وجدت القوات الأمريكية وحلفاؤها أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه ما اضطرهم إلى تسليم أفغانستان لطالبان.
تمكّن شركاء الناتو من إخراج أفرادهم النظاميين على متن رحلات الإجلاء المنظمة في ظل مناخ محموم، تاركين وراءهم عشرات الآلاف من الموظفين المحليين وعائلاتهم الذين شاركوا عبء المجهود الحربي الغربي. ووسط هذه الفوضى، انتهزت قطر الفرصة للاستفادة من الشبكات التي طورتها مع طالبان والتي استضافتها بناءً على طلب أمريكي منذ سنة 2010.
برزت قطر فجأة كأهم وسيط وميسّر في أفغانستان. وبصرف النظر عن تنظيم رحلات الإجلاء واستضافة اللاجئين الأفغان، توسطت قطر في اتفاقات ثنائية لشركائها الغربيين مع المتمردين الذين تحولوا إلى قيادة. وقد اضطرت الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيون إلى نقل سفاراتهم من أفغانستان إلى الدوحة، مما جعل العاصمة القطرية البوابة الجديدة لأفغانستان.
لم يكن نجاح القوة الناعمة لقطر متوقعًا. فقد كان خصومها المجاورون – في المقام الأول الإمارات العربية المتحدة – يصورون لسنوات استضافة قطر لمكتب طالبان على أنه دعم مباشر للإرهاب.
وفي سنة 2017، اتخذت الإمارات والسعودية إجراءات غاشمة من خلال فرض حصار على قطر مستشهدين من بين أمور أخرى، باستضافة قطر لطالبان. ولكن عندما تمكنت قطر في سنة 2021 من ترجمة روابطها مع طالبان إلى مكسب سياسي في الغرب، عمدت أبوظبي على نحو غريب إلى تغيير سياستها تجاه أفغانستان وموقفها من طالبان.
وسيط آخر
بعد مرور سنة على انقلاب النفوذ القطري، برزت أبو ظبي بشكل غريب كوسيط آخر في أفغانستان ينافس قطر بطريقة متزايدة. كان تقديم اللجوء لأشرف غني، الرئيس الأفغني المشين، في صيف 2021 خطوة أولى من مساعي أبو ظبي للحفاظ على موطئ قدم لها في الشأن الأفغني.
على عكس ما تأمله قطر في رؤية البراغماتيين يتقلدون مناصب رئيسية في حكومة طالبان الجديدة، لم يكن مفاجئًا أن تتولى أقوى الفصائل في الحركة – الحقانيون – مناصب رئيسية في الحكومة الأفغنية الجديدة.
منذ ذلك الحين، أعادت أبو ظبي بناء شبكاتها الشخصية مع شبكة حقاني – فصيل قوي داخل حركة طالبان برز كصانع الملوك الفعلي في كابول منذ سبتمبر/ أيلول 2021. وعلى عكس قطر التي يقتصر نفوذها على طالبان على الأفراد الأكثر براغماتية المحيطين بالملا بارادار الذي تم تهميشه الآن، للإمارات العربية المتحدة علاقات طويلة الأمد مع حقاني تعود إلى الثمانينيات.
كانت الجماعة التي أسسها جلال الدين حقاني، القوة القتالية الأكثر فاعلية بين العديد من الفصائل المتشددة في التمرد المستمر منذ عقدين ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان.
وفي حين صاغ الأعضاء الأكثر براغماتية في حركة طالبان خططا سياسية بأريحية في المنفى القطري، تحمّل الحقانيون عبء الحرب في تمرد صارم ضد الغرب. على هذا النحو، وعلى عكس ما تأمله قطر في رؤية البراغماتيين يتقلدون مناصب رئيسية في حكومة طالبان الجديدة، لم يكن مفاجئًا أن تتولى أقوى الفصائل في الحركة – الحقانيون – مناصب رئيسية في الحكومة الأفغنية الجديدة.
تحوّل في القوة
أصبح سراج الدين حقاني، نجل مؤسس شبكة حقاني، وزيرًا للداخلية يتحكم في المناصب الوزارية الرئيسية للأمن الداخلي والاستخبارات. نُقلت السلطة بعيدًا عن عناصر طالبان الذين عاشوا في قطر لسنوات عديدة والذين ينحدرون في الغالب من منطقة قندهار.
يتزامن صعود سراج الدين، الذي لا يزال على قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، مع تراجع النفوذ القطري على سياسات طالبان. تم تهميش العديد من عناصر حركة طالبان التي كانت تتخذ من قطر مقراً لها لصالح الجهات الفاعلة الأقرب إلى الشبكات القبلية في شمال شرق وجنوب شرق أفغانستان.
في الأثناء، كانت أبو ظبي حريصةً على تنمية شبكاتها الخاصة بالقرب من صانعي الملوك الجدد في كابول. منذ أوائل الثمانينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتمدت شبكة حقاني على الإمارات العربية المتحدة كمركز لغسيل الأموال والتجنيد. ومن خلال شركات وهمية وشبكة من المغتربين الأفغان الموثوق بهم، قام حقاني ببناء بنية تحتية صلبة في الإمارات لتمويل عملياتهم لتحويل مجموعة طالبان الفرعية إلى القوة القتالية الأكثر فاعلية للتمرد.
وفي حين استجابت الإمارات للضغوط الأمريكية في سنة 2014 من خلال إدراج شبكة حقاني في القائمة السوداء، من المحتمل أن هذه العمليات ظلت تعمل في كنف السريّة مع تكهن بعض المحللين بأن عمليات غسيل الأموال غير الرسمية لشبكة حقاني عبر الإمارات لم تتوقف أبدًا.
كان التعاطف الشخصي مع الإمارات عميقًا لدرجة أن مؤسس الشبكة جلال الدين تزوج امرأة عربية من الإمارات وأنجب منها ابنًا واحدًا على الأقل، وهو سراج الدين وزير داخلية طالبان الحالي. ويُعتقد أن سراج الدين قضى فترات طويلة في الإمارات في زيارة والدته وتعلم اللغة العربية والتفاعل مع المجندين الأجانب.
في كانون الثاني/ يناير 2017، قُتل السفير الإماراتي وأربعة دبلوماسيين إماراتيين آخرين بقنبلة في قندهار – و يُعتقد أن وكلاء حقاني هم المنفذون ما أدى إلى تراجع العلاقات بين الإمارات وحقاني حتى لو لم يستهدف الهجوم الدبلوماسيين الإماراتيين على الأرجح.
لقمة سائغة
مع سهولة النفاذ لأفغانستان وسط منافسة قوية على الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، عاودت الإمارات الانخراط في الشأن أفغني في سنة 2021 من خلال المساعدات الإنسانية بعد استيلاء طالبان على السلطة. ووفقًا لعدة مصادر في كابول، قامت سفارة الإمارات العربية المتحدة بشكل منهجي بالتواصل مع الحماة الرئيسيين لشبكة حقاني في معقل قبيلتهم شرق أفغانستان في خوست ولويا باكتيا.
وهناك مزاعم بأن دبلوماسيين إماراتيين أقاموا علاقات وثيقة مع حاكم ولاية خوست الذي يُعتقد أيضًا أنه صديق شخصي لسراج الدين حقاني. وتزعم مصادر أخرى أن سفارة الإمارات لها اتصالات أيضًا بالمساعد الشخصي لسراج الدين منذ السنة الماضية.
آسيا الوسطى أصبحت أرضية رئيسية لبناء شبكة تجارية في الإمارات العربية المتحدة والتعاون الصيني الإماراتي
مع فشل المفاوضات القطرية التركية مع طالبان بشأن إدارة مطار كابول في وقت سابق من هذه السنة بسبب المطالب القطرية والتركية لمواصلة إدارة أمن المطار، كان لدى الإمارات العربية المتحدة التواصلات للتأثير والضغط على وزارة الداخلية من خلال سراج الدين لتظفر بالعقد. وعلى عكس منافسيها، لم تضع أبو ظبي أي شروط على العقد، مما سمح لشبكة حقاني بإدارة أمن المطار.
في النهاية، فاز تحالف “جي إيه إيه سي” الذي يتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً له، بالمناقصة مما يمثل انتصارًا لدولة الإمارات منافستها مع قطر. والأكثر من ذلك، نظرًا لأن آسيا الوسطى أصبحت أرضية رئيسية لبناء شبكة تجارية في الإمارات العربية المتحدة والتعاون الصيني الإماراتي، من المنطقي أن تصبح طموحات أبوظبي محاورًا صينيًا رئيسيًا في المنطقة.
بعد كل شيء، على عكس قطر التي عملت كوسيط محايد في النزاع تقع أفغانستان في قلب إستراتيجية الإمارات التجارية الكبرى لربط المصالح اللوجستية وسلاسل التوريد في آسيا الوسطى – وهو أمر تديره شبكة حقاني الآن ما يُسعد طالبان بالاستفادة منها.