تقدر الأمم المتحدة أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، ويُقدر من يعيشون في فقر مدقع بنحو الثلثين من بين 18 مليون شخص يعيشون في سوريا حاليًّا، ويضطر الكثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
في مُقابل ذلك، تسيطر فئة قليلة على مقدرات البلاد وقوت الشعب السوري بالتعاون مع نظام بشار الأسد الذي ثار ضده السوريون سنة 2011، تزامنًا مع موجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس وجابت دولًا عدة على غرار ليبيا ومصر واليمن.
ضمن هذه الفئة تبرز عائلة “محمد مخلوف” التي سيطرت على كبرى الشركات في سوريا وابتلعت اقتصاد البلاد لخمسة عقود، مستغلة قرابتها العائلية مع نظام الأسد وتحولها إلى واجهته الاقتصادية في مرحلة أولى ثم إلى “ميليشيا أمنية” لحمايته في مرحلة ثانية بدأت مع انطلاق الثورة.
راكمت هذه العائلة الثروة، وكان آخر همها الشعب السوري ومصالحه، إذ لم تترك بابًا للفساد إلا وطرقته بقوة، ولم تترك مجالًا حيويا إلا واحتكرت العمل فيه، إلا أن حاجة بشار الأسد لمزيد من المال ورغبة حلفائه الروس في امتيازات جديدة، عجل بالصدام بين الأقارب.
في هذا التقرير الجديد لنون بوست، ضمن ملف “الأوليغارشية العربية”، سنرجع قليلًا إلى الوراء للتعرف على بداية آل مخلوف وكيفية خلقهم للإمبراطورية المسيطرة على سوريا وتهم الفساد التي تحوم حولهم، إلى أن نصل للأزمة الحاصلة بينهم وخالهم بشار الأسد.
مصاهرة آل مخلوف لعائلة الأسد
سنة 1958، تقدم الملازم الأول في سلاح الطيران السوري حافظ علي سليمان الوحش (الأسد لاحقًا) لخطبة أنيسة مخلوف، وكان حافظ ينحدر لأسرة فقيرة من الطائفة العلوية تعمل في فلاحة الأرض بالقرداحة في اللاذقية على الساحل السوري، فيما تنحدر أنيسة من عائلة علوية معروفة من بلدة بستان الباشا في ريف مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية أيضًا.
هذا التفاوت الاجتماعي كان سببًا في رفض أنيسة لحافظ، وتدعم الرفض نتيجة اختلاف التوجهات السياسية، فالأولى تنتمي لعائلة ميالة إلى الحزب “القومي السوري الاجتماعي”، فيما ينتمي الثاني إلى “حزب البعث العربي الاشتراكي”.
إصرار حافظ الوحش على التقرب من هذه العائلة، مكنه من إقناع الفتاة بالزواج به، فقد كان يسعى للحصول على قوة اجتماعية واقتصادية تسنده وتقوي شوكته في تلك الفترة التي تمر بها سوريا، حيث قررت القيادة في ذلك الوقت الوحدة مع مصر وحل حزب البعث.
اقتحمت العائلة العديد من المجالات الاقتصادية وبدأت العمل فيها محققة أرباحًا مهمةً
تدرج حافظ الأسد في المناصب القيادية إلى أن انقلب على صديقه في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 صلاح جديد ورئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي وسجنهما مع العديد من رفاقهما، وتولى فيما بعد لفترة وجيزة منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ونائب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ثم ما لبث أن أصبح رئيس الجمهورية العربية السورية وأمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
في الأثناء، استغلت عائلة مخلوف نفوذ صهرها حافظ ورغبته في دفع عائلات من الطائفة العلوية إلى واجهات السلطة الأمنية والعسكرية والاقتصادية وحتى الثقافية لمعاضدته في حكمه وإحكام سيطرته على البلاد، للصعود اجتماعيًا واقتصاديًا.
استغلال آل مخلوف لقرابتهم من النظام لتعزيز نفوذهم
اقتحمت العائلة العديد من المجالات الاقتصادية وبدأت العمل فيها محققة أرباحًا مهمةً، وكان محمد مخلوف شقيق أنيسة واجهة العائلة، إذ نقله حافظ الأسد من مجرد موظف في قسم المحاسبة التجارية التابع لشركة الطيران السورية، إلى المدير العام لمؤسسة التبغ والتنباك المعروفة باسم “معمل الريجي” التي كانت حينذاك من كبريات المؤسسات الاقتصادية في البلاد.
في سنة 1980 اقتحم مخلوف مجال الطاقة ودخل شريكًا في شركة “الفرات للبترول” التي تنشط في مجال التنقيب عن النفط واستثمار حقوله، وتوزعت حصص الشركة في ذلك الوقت بين الحكومة السورية بنسبة 65% والباقي مملوك لشركات أجنبية منها شركة شل الهولاندية التي تولى محمد مخلوف وكالتها في سوريا.
في نفس السنة، أسس مخلوف مناصفة مع قريبه نزار أسعد، شركة “ليدز” للنفط، ومقرها العاصمة دمشق، وسجل حصته باسم شقيق زوجته غسان مهنا الذي كان موظفًا سابقًا في شركة النفط والغاز السورية.
دخلت هذه الشركة على خط الاستثمار في مجال النفط، مستغلة قربها من النظام، إذ تم سحب عقود معظم الشركات النفطية مثل توتال الفرنسية وغيرها، من أجل توقيع العقود مع شركة بترو كندا، ذلك أن رامي مخلوف وكيلها الحصري في سوريا، كما فرض مخلوف نسبة مئوية على أغلب الصفقات النفطية التي تتم في سوريا.
بالتوازي مع نشاطه في مجال النفط، حصل مخلوف على عقود مُربحة داخل قطاع الاتصالات في البلاد، كما أصبح في سنة 1985، مديرًا للبنك العقاري السوري – أحد أكبر المؤسسات المالية في سوريا – مستغلًا علاقة المصاهرة التي تجمعه بحافظ الأسد.
استغل مخلوف منصبه الجديد في البنك الحكومي لمراكمة الثروة، ففي البداية وضع فائدة للقروض التي يمنحها المصرف بمقدار 15%، يتم صرفها لفائدته الشخصية، إضافة إلى وضع فائدة بنسبة 10% لتأخر سداد القروض أو طلب تمديد مدة القرض، وقاد أيضًا عمليات إقراض وهمية قدرت بمئات ملايين الليرات السورية.
إلى جانب ذلك، حول مخلوف أموالًا طائلةً على ملك البنك العقاري إلى لبنان في مرحلة أولى قبل نقلها لمصارف سويسرا أو لتوطينها عبر شركات وممتلكات بالخارج باسمه الشخصي بدلًا من أن تكون باسم المصرف، ليسيطر على هذه الأموال في وقتٍ لاحق، وهو ما ساهم في مضاعفة ثروته.
فساد محمد مخلوف لم ينطلق مع قطاع النفط والبنوك، وإنما في شركة التبغ، إذ تؤكد تقارير عديدة أن صهر الأسد استغل منصبه الجديد على رأس الشركة الحكومية الكبيرة لبناء إمبراطوريته المالية الكبيرة، مستغلًا خوف الجميع منه.
تمثل بعض فساد مخلوف المعلوم في شركة التبغ، في حصر وكالات شركات سجائر أجنبية باسمه بدلًا من أن تكون مع مؤسسة التبغ، وفرض عمولة 10% على الشركات الأجنبية مقابل كل كمية تستوردها منها مؤسسة التبغ، وهو ما مكنه من ربح أموال طائلة.
أدارت عائلة مخلوف نظام رعاية معقد يشمل شركات وهمية للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة
كما احتكر شراء خطوط الإنتاج للسجائر المحلية عوض أن تشتريها الشركة الحكومية، فضلًا عن احتكار تصدير التبغ الخام السوري إلى الشركات الأجنبية بأسعار أعلى من السعر الحقيقي، فيما أجبر المزارعين على بيع منتجاتهم من التبغ المزروع بأسعار منخفضة، لزيادة الربح.
سيطرة محمد مخلوف على مؤسسة الأسواق الحرة التابعة للدولة، دفعت صهره إلى إصدار قرار بمنع مؤسسة التبغ من استيراد السجائر الأجنبية المصنعة وحصر الاستيراد على المؤسسة الموجودة في مطار دمشق وحلب والمنافذ الحدودية في ذلك الوقت.
لم يكتف مخلوف بهذا الأمر، إذ فتح الباب أيضًا أمام تهريب التبغ، خاصة أن عمليات الاستيراد كانت محدودة ولا تفي بالغرض، وقاد مخلوف ومن معه من الطائفة العلوية عمليات تهريب للدخان الأجنبي من قبرص عبر لبنان إلى سوريا.
نفهم من هنا أن محمد مخلوف احتكر مجال التبغ بكل تفاصيله، بدءًا من وكالة الشركات الأجنبية إلى عمليات الاستيراد وصولًا إلى تهريبه وبيعه في الأسواق المحلية، كل ذلك تحت حماية النظام الساعي إلى بناء عائلات علوية تدعم نفوذه وتقوي شوكته في ظل توالي الانقلابات العسكرية ضده.
بالوقت، انتشرت شركات محمد مخلوف في سوريا واحتكرت العمل في العديد من القطاعات المربحة، وسيطرت العائلة على أكبر شركة اتصالات في سورية “سيريتل” وأكبر شركة قابضة “الشام القابضة” وأكبر شركة عقارات “شركة بنا للعقارات” وأكبر شركات تعهدات “عطاءات في مجال العقارات” راماك ليمتيد وأكبر المصارف “مجموعة بنوك سورية الدولي الإسلامي وبنك بييلوس سورية” وشركات التأمين والأسواق الحرة وشركات تسويق النفط والغاز والمنتجات الزراعية الخاصة في سوريا.
كما أدارت العائلة نظام رعاية معقد يشمل شركات وهمية للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة، بهدف غسل الأموال المكتسبة من أنشطة اقتصادية غير مشروعة، بما في ذلك التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات، وفق وزارة الخارجية الأمريكية.
ورغم العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فُرضت على محمد مخلوف، أوضحت تقارير عديدة، اعتماده على العديد من الحسابات والمحافظ العقارية وملاذات ضريبية خارجية، قد تكون مسجلة تحت أسماء مستعارة أو بأسماء أفراد آخرين لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات.
الأولاد يصعدون إلى الواجهة
استطاع موظف الخطوط الجوية السورية البسيط، تكوين ثروة مالية كبيرة وتشكيل إمبراطورية اقتصادية بفضل القرابة التي تجمعه بحافظ الأسد، لكن ما إن غادر هذا الأخير الحياة سنة 2000 حتى بدأ نجم محمد مخلوف يتوارى لفائدة ابنه رامي.
ورث رامي، إمبراطورية والده المالية، وبدأ هو الآخر يتقرب لابن خاله – بشار الأسد – الذي أمسك زمام الحكم عقب وفاة والده في 10 يونيو/حزيران 2000 إثر أزمة قلبية بسبب مرض سرطان الدم الذي كان يعاني منه منذ سنوات.
كانت الانطلاقة عبر مجال الاتصالات، إذ اقتحم وريث محمد مخلوف شركة الاتصالات “سيريتل” التي كانت حينها المشغل الثاني للهواتف النقالة في سوريا، كما اشترى حصصًا في شركة mtn الجنوب إفريقية للاتصالات.
لم يكتف رامي مخلوف بقطاع الاتصالات والأموال الكثيرة التي يجنيها منه، بل قرر التوسع في كل قطاعات الاقتصاد السوري بفضل علاقاته الكبيرة برأس النظام بشار الأسد، ما مكنه من السيطرة على 60% من الاقتصاد السوري وفق منظمة “غلوبال ويتنس” لمكافحة الفساد.
أصبح رامي مخلوف كالأخطبوط الذي يلف أذرعه على الاقتصاد السوري، فاقتحم مجالات البنوك والوساطة المالية والبناء والنفط والصيد البحري وغيرها من القطاعات المدرة للثروة، إلى جانب الاستثمار خارج البلاد خاصة في المجال العقاري لتبييض أمواله وتهريبها من سوريا.
في سنوات قليلة راكم رامي مخلوف ثروة مالية طائلة، لا يُعرف بالتحديد قيمتها لكن تُقدر بمليارات الدولارات، مستفيدًا من الامتيازات والتسهيلات الكثيرة التي منحها له نظام بشار الأسد، كما تلاعب بالنظام القضائي السوري واستخدم مسؤولي الاستخبارات لترهيب منافسيه في الأعمال.
كما استغل رامي مخلوف الثورة السورية التي انطلقت بداية سنة 2011 للمطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، لتدعيم إمبراطوريته الاقتصادية، فاشترى مزيدًا من الأسهم في المصارف السورية وضارب في سوق العملة وتحكم في قوت السوريين.
وصلت عائلة مخلوف، خاصة رامي، إلى درجة من النفوذ لم يمتلكها أي طرف في الدولة السورية، وهو ما أقلق عائلة الأسد
مع رامي صعدت أيضًا أسماء أخرى من العائلة، فبرز اسم إيهاب مخلوف الذي منحه مؤخرًا نظام بشار الأسد عقود تشغيل الأسواق الحرة، وهو الشقيق الأصغر لرامي، ويمتلك إيهاب استثمارات في قطاعي الخدمات المالية والمصرفية ويدير أكثر من 200 مكتب صرافة في دمشق، فضلًا عن قطاع الاتصالات والجامعات الخاصة والعقارات والمقاولات والتأمين.
يبرز أيضًا الشقيق التوأم لإيهاب، إياد مخلوف، الذي يشغل منصب ضابط في مديرية المخابرات العامة، ورغم انخراطه في العمل الأمني، له أنشطة اقتصادية عديدة، فهو يمتلك 90% من شركة “لاما” للمفروشات، ويرجح أن يكون له دور اقتصادي مهم خلال الفترة المقبلة.
نجد أيضًا عدنان مخلوف الذي شغل لفترة طويلة منصب قائد الحرس الجمهوري، حيث استغل منصبه وعلاقته القوية مع عائلة الأسد خصوصًا “باسل الأسد” لجمع ثروة مالية كبيرة عن طريق الرشاوى والابتزاز، وقد استفاد منها ابنه خلدون الذي أنشأ استثمارات وشركات عقارية وسياحية وفنادق في أماكن مختلفة في سوريا.
نتيجة نشاطاتهم المشبوهة وارتباطهم بالفساد وعلاقاتهم الوثيقة بنظام بشار الأسد، تم استهداف أفراد عائلة مخلوف بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، انطلاقًا من سنة 2008، وللهروب من هذه العقوبات، لجأوا إلى الجزر العذراء وروسيا وإيران فضلًا عن لبنان.
تصدع العلاقة بين عائلة مخلوف وعائلة الأسد
وصلت عائلة مخلوف، خاصة رامي، إلى درجة من النفوذ لم يمتلكها أي طرف في الدولة السورية، وهو ما أقلق عائلة الأسد، فمعروف أن كل الأنظمة الاستبدادية تستخدم رجال الأعمال لدعم نظامها وإذا حاول هؤلاء الاستقواء على النظام وفرض قواعد اللعبة بأنفسهم، فإن ذلك سيفتح عليهم باب البلاء كما حدث تمامًا مع رامي مخلوف.
في ربيع سنة 2020، طالب نظام الأسد رامي مخلوف بدفع مبالغ مالية كبيرة كضرائب مستحقة على شركة “سيريتل” إلى “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد السورية”، الأمر الذي رفضه مخلوف وعده استهدافًا مباشرًا له من النظام، مؤكدًا وجود رغبة من أطراف لانتزاع ملكية شركة الاتصالات الأكبر في البلاد منه.
واتهمت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، في 27 أبريل/نيسان الماضي، شركتي اتصالات “سيريتل” و”MTN” بعدم دفع الضرائب لحكومة النظام، التي تبلغ 233.8 مليار ليرة (نحو 456 مليون دولار)، ونتيجة عدم التزام مخلوف بالقرار، أصدرت حكومة الأسد قرارًا بالحجز الاحتياطي على أمواله وأموال زوجته وأولاده.
لم يقر النظام السوري بمسؤوليته عما وصل إليه حال البلاد، إذ يعمل على تحميل مسؤولية الانهيار الاجتماعي والاقتصادي لسوريا لأسباب خارجية
تخفي معركة الاستحواذ على شركة سيريتل معركة نفوذ كبرى بين عائلتي مخلوف والأسد، فهذا الأخير الباحث عن مصادر جديدة لتمويل حربه ضد الشعب السوري يرفض أن يُنازعه أحد النفوذ في البلاد وأن يقول له أي طرف لا أو يتلكأ في الجواب، وما إن حاول رامي مخلوف إقامة علاقات خارج الصندوق حتى بدأت نهايته.
محاولات تقليم أظافر رامي مخلوف وانتزاع النفوذ المالي منه وتقوية شوكة أخوته إياد وإيهاب، الهدف من ورائها فسح الطريق أمام سيطرة عائلة الأسد على الاقتصاد السوري، خاصة بعد وفاة والده محمد وخالته أنيسة والدة بشار الأسد.
وبدأ بشار الأسد في السنوات الثلاثة الأخيرة، خاصة بعد تراجع قوة المعارضة وتمكنه من استعادة العديد من الأراضي لحوزته، في توجيه اهتمامه للجانب الاقتصادي من أجل إنعاش الخرينة، فبادر أولًا بإنهاء نفوذ رامي مخلوف على قطاعات عديدة كان يحتكر العمل فيها وضم موارد إمبراطوريته المالية إليه، وسط أنباء عن أخذ أسماء، زوجة بشار، زمام المبادرة لاستلام الدفة الاقتصادية وإدارتها.
تداعيات إمبراطورية آل مخلوف على الشعب
انتشرت عائلة مخلوف ومعها عائلة الأسد والمقربون منهما واستحوذوا على اقتصاد البلاد، وانتشر معهم الفساد بأشكاله المختلفة (الأخلاقي والسياسي والمالي والحكومي)، وتغلغل في جنبات الحياة الاقتصادية في معظم المؤسسات الحكومية، فدائمًا ما جاءت سوريا في المراتب الأخيرة كأكثر الدول فسادًا، وفقًا لتقارير منظمة الشفافية الدولية.
جنى آل مخلوف والأسد الأموال الكثيرة نتيجة سيطرتهما لأكثر من نصف قرن على اقتصاد البلاد، لكن في المقابل كان وقع ذلك وخيمًا على الشعب السوري، إذ فاقم هذا الأمر الوضع الإنساني والاقتصادي المتردي، وكبد القطاعات الاقتصادية السورية المختلفة خسائر باهظة.
كان لسيطرة هاتين العائلتين ارتدادات وآثار واضحة على معدلات الفقر العام التي بلغت 90% بين عامي 2020 و2021 وفقاً لإحصاءات رسمية، مقابل 14.26% عام 1997 و11.39% عام 2004، وهو ما يبين حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وتوضح إحصاءات أجريت بالتعاون بين “المكتب المركزي للإحصاء” وبرنامج الغذاء العالمي، أن “نحو 8.3% من الأسر تعاني من انعدام شديد بالأمن الغذائي، و47.2% يعانون من انعدام متوسط، في حين يتمتع نحو 39.4% بأمن غذائي مقبول، لكنهم معرضون لانعدامه مع أي صدمة تتعلق بارتفاع الأسعار”.
وتقول الأمم المتحدة إن عدد المحتاجين إلى المساعدة في سوريا بلغ 14.6 مليون عام 2021 بزيادة 1.2 مليون عن 2020، ويُقدر من يعيشون في فقر مدقع بنحو الثلثين من بين 18 مليون شخص يعيشون في سوريا حاليًّا.
كما سبق أن أشار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إلى وجود نحو مليوني شخص – معظمهم من النساء والأطفال – يعيشون في مخيمات هشة أو في الوديان التي تغمرها المياه أو على سفوح التلال الصخرية المعرضة للعوامل الجوية.
من مؤشرات تفاقم الوضع الاقتصادي أيضًا، ارتفاع نسبة البطالة، فوفق بيانات منظمة العمل الدولية ومنظمات مختصة أخرى، فقد تراوحت نسبة البطالة في سوريا بين 50 و70% خلال عام 2020، بمعدل ارتفاع قارب الضعف عما كان عليه عام 2016.
إلى جانب ذلك، يُصنف متوسط دخل الفرد في سوريا من بين الأدنى في العالم، إذ بلغ عام 2021 نحو 768 ألف ليرة سنويًا، وهو ما يعادل 305.73 دولار (وفقًا للسعر الرسمي للدولار في سوريا)، وصنف تقرير لصندوق السلام العالمي سوريا في المركز الثالث في مؤشر الدول الهشة أو الفاشلة وأخطر بلد في العالم.
مع ذلك، لم يقر النظام السوري بمسؤوليته عما وصل إليه حال البلاد، إذ يعمل على تحميل مسؤولية الانهيار الاجتماعي والاقتصادي لسوريا لأسباب خارجية، خصوصًا العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على أعمدة النظام من رجال أعمال وعسكريين ومؤسساته.