ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبح التضخم هاجسًا للمستثمرين المحترفين والمستهلكين على حد سواء في سنة 2022، فلقد أثرت المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي لارتفاع الأسعار – وأيضًا كيفية التعامل معها، وارتفاع أسعار الفائدة – على الأسهم، مما أدى إلى تراجع مؤشر ستاندرد آند بوروز 500 لفترة في حزيران/ يونيو.
للوهلة الأولى، قد لا يكون واضحًا ما إذا كان ارتفاع الأسعار ضارًّا بالأسهم، فعلى الرغم من أن ارتفاع معدل التضخم يمكن أن يكون له عواقب سلبية وخيمة على الاقتصاد الأوسع، إلا أنه لا يمثل كارثة بالنسبة للمستثمرين.
لقد استمر الارتفاع الحالي في التضخم لفترة أطول وكان أكثر صعوبة مما توقعه أي شخص، ولا سيما الاحتياطي الفيدرالي. لحسن الحظ؛ تشير البيانات إلى أن التضخم ربما وصل إلى ذروته، على الرغم من أن هناك بعض الشكوك التي تفيد بأن الأسعار المرتفعة ستظل تشكل مشكلة بالنسبة للأسهم.
كيف يعمل التضخم؟
التضخم هو الزيادة الواسعة والتدريجية في الأسعار عبر الاقتصاد بأكمله، فعندما ترتفع الأسعار، يقلل التضخم من القوة الشرائية للنقود، وتعتبر البنوك المركزية أن مقدار التضخم المعتدل ضروري للحفاظ على النمو الاقتصادي، ويهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تحقيق هدف طويل الأجل يتمثل في استدامة النمو الاقتصادي بنسبة 2 بالمئة، مثلًا، وفقًا لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي.
ومع ذلك؛ عندما يرتفع معدل التضخم لفترة طويلة جدًّا، فهذه علامة أكيدة على أن الاقتصاد يعاني من الإنهاك، ويشير التضخم الحاد إلى أن طلب المستهلكين يفوق العرض، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار؛ وهو ما يسمى بالتضخم نتيجة ارتفاع الطلب. بدلًا من ذلك؛ قد تؤدي مشاكل سلسلة التوريد إلى زيادة تكلفة السلع، وهذا ما يسمى بالتضخم نتيجة ارتفاع التكلفة.
في كلتا الحالتين؛ سيؤدي الاقتصاد المنهك إلى دفع الأسعار في النهاية إلى النقطة التي ينخفض فيها الإنفاق. وعندما ينخفض الإنفاق؛ يمكن للاقتصاد أن ينهار بسهولة في ركود. في الواقع؛ كان الاقتصاد المحموم أحد أكثر أسباب الركود شيوعًا في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
عندما يرتفع التضخم، يتبع ذلك ارتفاعًا في أسعار الفائدة
التضخم المرتفع بحد ذاته ليس بالضرورة سيئًا لأسعار الأسهم؛ حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تعزيز أرباح الشركات، خاصة إذا كان بإمكان الشركات نقل تكاليف مدخلات أعلى لعملائها من خلال ارتفاع الأسعار.
وتعتبر أسعار الفائدة المرتفعة قصة مختلفة تمامًا للأسهم؛ فعندما يخرج التضخم عن السيطرة يكون الحل هو ارتفاع أسعار الفائدة، والذي يجعل الائتمان أكثر تكلفة للشركات والمستهلكين، مما يثنيهم عن الإنفاق والاستثمار.
من جانبه، يقول جيمي كوكس، الشريك الإداري لمجموعة هاريس المالية، إن الاتجاه السلبي لسوق الأسهم في سنة 2022 يتعلق في الواقع بمعدلات الفائدة أكثر من التضخم.
ويتابع كوكس قائلًا: “تميل الأسواق إلى القلق بشأن علاج التضخم – زيادة أسعار الفائدة – أكثر من القلق بشأن التضخم نفسه. وتقوم الأسواق بخصم الأرباح وإجراء تعديلات على المضاعفات بناءً على مستوى ومعدل التغيير في أسعار الفائدة، لذلك يظهر الانتعاش بسرعة كبيرة في الأسواق”.
تأثير التضخم على أسهم مؤشر ستاندرد آند بوروز 500
لم يضر التضخم في سنة 2022 بالأداء التجاري للشركات حسب مؤشر ستاندرد آند بوروز 500 بقدر ما أضر بأسعار أسهمها، وقد سجلت الشركات المكونة لمؤشر ستاندرد آند بوروز 500 نموًّا في الأرباح بنسبة 6.7 بالمئة ونموًّا في الإيرادات بنسبة 13.6 بالمئة في الربع الثاني من سنة 2022، لكنك لن تعرف ذلك من خلال النظر إلى الأداء الضعيف لمؤشر ستاندرد آند بوروز 500 حتى الآن.
الجدير بالذكر أن سوق الأسهم هو انعكاس في الوقت الفعلي لمشاعر المستثمرين والتوقعات الإجمالية للمستقبل بدلًا من تمثيل الظروف الاقتصادية الحالية. وفي هذا الصدد؛ يقول كريس زاكاريلي، كبير مسؤولي الاستثمار في تحالف المستشارين المستقلين، إن ضعف سوق الأسهم في سنة 2022 كان مدفوعًا بالمخاوف بشأن استجابة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي للتضخم المرتفع.
ويضيف زاكاريلي إنه “نظرًا لأن مؤشر أسعار المستهلك أو أرقام نفقات الاستهلاك الشخصي تظل أعلى من اثنين بالمئة إلى ثلاثة بالمئة، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة، وعند تساوي كل الأرقام، فإن أسعار الفائدة المرتفعة تضر بسوق الأسهم. وقد شهدنا هذه السنة عمليات بيع في سوق الأسهم على أساس المخاوف من أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى الركود”.
وقد وجد استطلاع جديد أجراه تشارلز شواب أن 74 بالمئة من تجار الأسهم في الولايات المتحدة يعتقدون أن الركود في الولايات المتحدة قادم قبل نهاية سنة 2022.
وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سلبيًّا في الربعين الأولين، وهو اتجاه يشير عادة إلى الركود. ومع ذلك؛ ظل سوق العمل قويًا، وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في تموز/ يوليو إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة تمر حاليًا بحالة ركود.
الأسهم المقاومة للتضخم
يعد ارتفاع أسعار الفائدة خبرًا سيئًا بشكل عام لمعظم الأسهم، ولكن بعض الأسهم تتأثر سلبًا أكثر من غيرها. وتعتبر أسهم النمو حساسة بشكل خاص لارتفاع أسعار الفائدة، ويستخدم مديرو الصناديق والمحللون الماليون نماذج التدفقات النقدية المخصومة لتقييم أرباح الشركة المستقبلية.
وكلما ارتفعت معدلات الفائدة اليوم، قلت القيمة التي تخصصها هذه النماذج للتدفقات النقدية المستقبلية لمخزون النمو. وحتى الآن في سنة 2022، انخفض صندوق مؤشر نمو “فانغارد” المتداول بنسبة 18.8 بالمئة منذ بداية السنة حتى الآن، بينما انخفض قيمة صندوق مؤشر قيمة “فانغارد” بنسبة 5.1 بالمئة فقط.
كما كان أداء بعض قطاعات البورصة جيدًا نسبيًّا خلال فترات التضخم المرتفع. فمنذ سنة 1973؛ كانت أسهم الطاقة هي القطاع الأفضل أداءً خلال فترات التضخم المرتفع والمتصاعد.
وقد تحقق هذا الاتجاه بالتأكيد في سنة 2022؛ حيث ارتفعت قيمة صندوق مؤشر قطاع الطاقة المتداول الخاص بقطاع الطاقة المحدد بنسبة 35.1 بالمئة حتى الآن، ومعظم الأسهم ذات الأداء العالي في مؤشر ستاندرد آند بوروز 500 هذه السنة هي شركات النفط والغاز.
تاريخيًّا؛ صمدت السلع الاستهلاكية الأساسية والأسهم المالية، وأسهم المرافق بشكل جيد عند ارتفاع معدل التضخم، وقد قام بنك أمريكا مؤخرًا بفحص أسهم مؤشر ستاندرد آند بوروز 500 ذات الارتباطات الإيجابية الأعلى بالتضخم التي تعود إلى سنة 1975، وتصدرت شركة المعادن والتعدين “فريبورت-ماكموران”، وشركة “موزايك” (إم أو إس) الكيميائية، وشركة النفط والغاز “دافون للطاقة” قائمة الأسهم المؤيدة للتضخم.
هل بلغ التضخم ذروته؟
في 10 آب/ أغسطس؛ تلقى المستثمرون بعض الأخبار الجيدة من وزارة العمل، والتي أفادت بأن مؤشر أسعار المستهلكين قد ارتفع بنسبة 8.5 بالمئة على أساس سنوي في تموز/ يوليو، بانخفاض عن مكاسبه التي بلغت 9.1 بالمئة في حزيران/ يونيو، وقد يكون هذا التراجع علامة على أن التضخم قد بلغ ذروته أخيرًا.
ارتفع مؤشر ستاندرد آند بوروز 500 بشكل متوقع بأكثر من اثنين بالمئة في اليوم الذي صدرت فيه بيانات مؤشر أسعار المستهلكين، لكن بيل آدامز، كبير الاقتصاديين في بنك كوميريكا، يقول إن المستثمرين لم يتجاوزوا المخاطر تماما.
ويوضح آدامز أنه “مع انتعاش الاقتصاد كثيرًا مقارنة مما كان عليه في سنة 2021، وارتفاع مستويات المخزون، وانخفاض أسعار الغاز في الأيام العشرة الأولى من آب/ أغسطس، فمن المحتمل أن يكون التضخم قد تجاوز ذروته”.
ومع ذلك؛ يقول إن النقص المستمر في الطاقة في أوروبا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى بحلول فصل الشتاء. ويضيف آدامز أنه “من المرجح أن يظل معدل التضخم ثابتًا في نسبة 5 بالمئة خلال فصل الشتاء؛ حيث تظل أسعار خدمات المرافق مرتفعة وتظل الإمدادات العالمية من المنتجات البترولية محدودة”.
سيواصل الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة
بالإضافة إلى ذلك؛ فمجرد أن التضخم قد بلغ ذروته لا يعني أن أسعار الفائدة قد بلغت ذروتها، فووفقًا لمجموعة “سي إم إي”، يتوقع سوق السندات حاليًا أن ترفع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أسعار الفائدة بما لا يقل عن 50 نقطة أساس في أيلول/ سبتمبر.
كما يقوم السوق بتسعير احتمال بنسبة 58.5 بالمئة بأن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بما لا يقل عن 125 نقطة أساس من الآن وحتى نهاية السنة، ومن المقرر صدور بيانات التضخم الرئيسية التالية للمستثمرين في 26 آب/ أغسطس الجاري عندما يصدر مكتب التحليل الاقتصادي قراءته لتضخم نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر تموز/ يوليو.
وإذا انخفض نمو نفقات الاستهلاك الشخصي على أساس سنوي إلى ما دون مستوى 6.8 بالمئة المعلن عنه في حزيران/ يونيو، فسيكون ذلك دليلًا إضافيًا للمستثمرين ومجلس الاحتياطي الفيدرالي على أن التضخم في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته.
المجلة: فوربس