ما زال التوتر يتصاعد في العراق بين القوى الشيعية الفاعلة في الشأن السياسي خاصة بين الإطار الحكومي الذي يضم الأغلبية البرلمانية والتيار الصدري الذي يريد تغيير العملية السياسية وفرض تصور جديد في البلاد، حيث شهدت بغداد خلال الأسابيع الأخيرة حراكًا للتيار سيطر فيه أنصاره على العديد من المباني الحكومية أهمها البرلمان.
وفي زحمة الرسائل السياسية الصادرة من كل الأطراف العراقية، حاور “نون بوست” السياسي العراقي السيد أثيل النجيفي للحديث عن الأزمة العراقية والقوى الشيعية وموقع السنة في المشهد العراقي العام، إضافة إلى العلاقة مع تركيا وآليات التعامل مع حزب العمال الكردستاني.
أثيل النجيفي، من مواليد الموصل عام 1958، وهو مهندس أنهى دراسته في كلية الهندسة المدنية ثم درس في كلية القانون بجامعة الموصل، والتحق بعالم الأعمال واهتم بأعماله الخاصة، فهو ينحدر من عائلة مرموقة تهتم بالعقارات والزراعة، بعد سنة 2003 دخل المعترك السياسي وأصبح محافظًا لمدينة الموصل عام 2009. وبعد عام من احتلال تنظيم “داعش” للموصل في عام 2014، أقيل النجيفي من مجلس النواب ومن منصب المحافظ، وعمل على تشكيل حرس نينوى (قوة لمحاربة داعش لا تزال موجودة حتى الآن) وما زال يمارس السياسة حتى الآن، وفي تلك الأثناء أسس عددًا من مؤسسات المجتمع المدني ويعمل فيها حتى الوقت الحاضر.
بدايةً، لو نتحدث عن الصراع الشيعي الحاصل في العراق بين التيار والإطار؟
لا يمكننا بدء الحديث عن صراع شيعي – شيعي الآن دون العودة إلى السنة الأولى من الغزو الأمريكي، فمنذ عام 2003 انقسم الشارع العراقي بشأن العملية السياسية، حيث آمن البعض بالعملية السياسية وتحمس لها وقسم آخر قاطعها نهائيًا بل دعا إلى محاربتها وحمل السلاح ضد أطرافها، وقسم ثالث وقف بين الأطراف السابقة بغية تغيير العملية السياسية من داخلها وهؤلاء كانوا من السنة والشيعة.
دخل السنة في العملية السياسية حينها، ثم حدثت صراعات بينهم وبين القوى السياسية، ونجحت القوى الشيعية حينها في تحويل الخلاف السياسي إلى طائفي. وفي عام 2013 عندما بدأت المظاهرات المناهضة للحكومة استطاعت الأخيرة أن تؤطرها طائفيًا، في حين عملت على إيهام الشيعة بأن الغاية من المظاهرات القضاء على حكم الشيعة في العراق ونجحت في ذلك، وبالتالي استطاعت إسقاط كل الوسائل الموجودة بأيدي السياسيين الموجودين داخل العملية السياسية، بالتوازي مع ذلك تم فتح المجال للمتطرفين من السنة الذين كانوا يدعون إلى تغيير العملية السياسية بقوة السلاح، فأصبحت كفة المتطرفين هي الكفة الراجحة، ما مهد لدخول تنظيم داعش.
في تلك الفترة اضطر الشيعة الذين يدعون إلى تغيير العملية السياسية من داخلها للسكوت وعدم التحرك مع السنة لأن الأحزاب الشيعية الدينية نجحت في اعتبار أي عمل يحصل هو ضد الشيعة ككل وبالتالي لن تكون الأطراف التي تتحرك للتغيير قادرة على مواجهة الرأي العام الشيعي في ذلك الوقت.
والآن وبعد أن تم القضاء على السنة وإخماد صوتهم، لم يبق إلا الشيعة المطالبون بتغيير العملية السياسية والشيعة المطالبون بإبقاء العملية السياسية على وضعها وهو ما بات يعرف بالتيار والإطار، وما نشهده الآن من صراع ما هو إلا استمرار للنزاع السابق، لكن بعد أن كان في السابق صراع سني – شيعي، حاليًّا أصبح صراعًا داخل البيت الشيعي.
هل تتجه الأوضاع الآن إلى التصاعد أم أن هناك حلًا معينًا قد يُفرض من الخارج؟
أظن أن الأمور تتجه نحو مطالب شعبية متصاعدة من أجل التغيير، فالفشل داخل السلطة يقف عائقًا في وجه استمرارها لأنها لا تمتلك مقومات الحياة، وأصبحت فاشلة في كل شيء كما أن استنزافها من داخلها بات أكبر من الاستنزاف الذي يأتيها من الخارج وأرى أن علامات التغيير موجودة بما يعني أنها قادمة.
النقطة الثانية هي أن الجهات الشيعية الرافضة للعملية السياسية الآن أصبحت جهات قوية والقضاء عليها سيولد حرب أهلية فيما لو استخدمت الجهات الحاكمة نفس الطريقة التي تم استخدامها مع السنة سابقًا.
النقطة الثالثة، هناك علاقة وثيقة تربط بين ما يحدث في العراق والاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.
انطلاقًا من النقطة الثالثة، لو تحدثنا عما إذا كان سيؤثر الاتفاق النووي على الصراع في العراق؟ وهل يمكن أن يطلق يد إيران في العراق بشكل أكبر مما هي عليه الآن؟
ينبغي علينا أن نفهم موضوع إطلاق يد إيران بطريقة مختلفة، أنا في تقديري أنه إذا تم الاتفاق النووي فإن إيران ستبدأ بالتحول من دولة خارجة عن النظام العالمي إلى دولة داخلة ضمن هذا النظام. ماذا يعني أنها دولة داخلة ضمن النظام العالمي؟ يعني أنها ستستخدم الأدوات السياسية المتعارف عليها في صراعاتها السياسية (النفوذ الاقتصادي – العلاقات السياسية) وتترك استخدام الأدوات الخشنة في السياسة (الفصائل – الميليشيات – القوى المسلحة) التي تستخدمها الآن.
موضوع إطلاق يد إيران لا يعني أنها تستطيع فعل ما تريد، وإنما يعني أن تغير أسلوبها، لهذا أنا أقول إذا تم الاتفاق النووي فإن طهران ستندمج مع المجتمع الدولي، فمن مصلحتها أن تتخلص من بعض الأدوات الخشنة الموجودة في العراق، لأنها فاشلة وليس لأنها خشنة، بالإضافة إلى أنها أصبحت تشكل عبئًا عليها.
هل من الممكن أن يكون هذا التخلص من خلال الدمج مع فصائل أو كيانات أخرى؟
التخلص منها يكون من خلال أساليب كثيرة وغالبًا ما تكون أساليب سلسة، وليس بالأساليب المباشرة، من خلال إيقاف التمويل والسماح بملاحقة بعض مسؤولي هذه الفصائل عن قضايا فساد، وبهذه الطريقة يبدأ نفوذها بالضعف والاضمحلال وتبدأ بالتحول.
عطفًا على ما سبق، هل يمكن أن يؤدي ما يحصل إلى انتخابات مبكرة في العراق؟
بالتأكيد الانتخابات المبكرة قادمة، فكل الأطراف الآن أصبحت تقول لا بد من الانتخابات المبكرة، حتى تحالف الإطار الذي يسيطر على الأكثرية في مجلس النواب يعلم أنه إذا لم يتم فتح باب الانتخابات المبكرة فإن الصراع سينتقل إلى الشارع وبالطبع سيكون دمويًا وعنيفًا، لذلك فإن فتح الباب للانتخابات المبكرة يعني نقل الصراع من صراع شيعي إلى صناديق الانتخاب على الأقل إلى حين إجراء الانتخابات.
الصراع بين الطرفين بات يتمحور حول سؤال: ماذا سنفعل قبل الانتخابات المبكرة؟ هل نبقي على حكومة الكاظمي ونبقي قانون الانتخابات نفسه وهو ما يطالب به الإطار، أم يتم تغيير القانون وتغيير الحكومة قبل الانتخابات وهذا ما ينادي به الصدريون؟
فالانتخابات المبكرة قادمة، لكن الخلاف على مرحلة ما قبل الانتخابات المبكرة.
هل يمكن أن نشهد اقتتالًا شيعيًا شيعيًا؟ وإذا تعرض العراق لهذا الاقتتال من سيكون الدافع للاحتراب؟ وما هي القوى التي قد تدفع للتوافق؟
في الحقيقة، أستبعد الاقتتال الشيعي الشيعي، فرغم وجود أزمة، توجد حلول يمكن أن يتم التوافق عليها قبل مرحلة الاقتتال، واليوم كل الأطراف تتراقص على حافة الهاوية، والكل يأمل أن صاحبه سيتنازل قبل أن يهوي هو، إلا إذا حدث منزلق غير محسوب وانهاروا جميعًا دون إرادتهم، لكن الطرفين لا ينوون الوصول إلى القتال، هم ينوون الضغط حتى يحصل كل طرف على ما يريد.
التيار الصدري الآن يدعو إلى تغيير العملية السياسية والإطار يدعو للإبقاء على العملية السياسية، يعني أين ترى الأزمة أنت!
أنا لا أستطيع أن أحدد، ربما أنت تخبرنا أين مصلحة العراق اليوم؟
مصلحة العراق حسبما يراها الصدريون وثوار تشرين والشعب العراقي الذي قاطع الانتخابات تكمن في تغيير العملية السياسية، هناك جهات تعتقد بأن تغيير العملية السياسية قد يجلب الفوضى، وبالتالي يقبلون بما هو موجود، لكن هؤلاء هم الأقلية لأن الأغلبية تريد تغيير العملية السياسية.
الكتل السنية أين تصطف هنا؟
الكتل السنية حاليًّا أصبحت بلا لون ولا طعم ولا رائحة.
في الحقيقة ما وصل له وضع السنة مؤسف، وهذا نتيجة لأفعال الأحزاب السياسية حيث لم يبقوا لدى السنة أي شخصيات سياسية، فقط تركوا الشخصيات التي تقدم ولاءها فقط مقابل المصالح الشخصية والبقاء في المنصب، وبتنا لا نجد رأيًا أو مشروعًا سياسيًا تطرحه الكتل السنية الموجودة، عدا عن أن الشارع السني أيضًا أصبح يخشى الحديث عن السياسة.
أعتقد أن السنة يحتاجون إلى وقت أكثر حتى يجدوا أن الوضع الشيعي بدأ يتغير والعملية السياسية بدأت أركانها بالاهتزاز، عندها سيتحرك المجتمع السني.
هل ترى أنه من الممكن أن يعود نوري المالكي للحكم بتوافق معين؟ ومن برأيك الأجدر بحكم العراق؟
نحن موقفنا واضح، لن ندخل في المفاضلة بين الطرفين ولن نكون طرفًا في هذا الصراع، على الرغم من أن هذا الشأن هو عراقي فشيء بديهي أن نكون طرفًا، لكننا نعرف النتيجة إذ إن الأطراف الشيعية تريد أن تصدر هذا الصراع من أجل تحويله إلى صراع سني شيعي مرة أخرى، وبهذا يعيدون توحيد الشيعة وتخويفهم من السنة، وكأن السنة يتحضرون للقضاء على حكم الشيعة في العراق.
من مصلحتنا إيجاد تغيير حقيقي للعملية السياسية، وكل من يريد الإصلاح من السنة عليه أن لا يتدخل في هذا الصراع على الإطلاق، وكما ذكرت نحن دخلنا في هذا الصراع سابقًا وطالبنا بإصلاح العملية السياسية وخرجت مظاهرات في العراق تطالب بالإصلاح، لكننا وقعنا في مشكلة ظهور المتطرفين وفقدنا قدرتنا على التعاون مع العملية السياسية. أشدد على أننا لن نعيد هذه الكرة مرة أخرى ولن ندخل أبدًا كطرف في مثل هذا الحوار.
لكن لو سألتني عن التقييم وهل المالكي لديه حضور، أقول إن المالكي رجل قوي في العراق ولا أحد ينكر هذا، وقوته ليست ضمن حزبه فقط وإنما ضمن مجموعة الأحزاب التي تجمع الإطار، ومقتدى الصدر يعرف ذلك ويضع المالكي هدفًا له في صراعه.
ودعني أقول إن المالكي يتصدر الطرف المساند للعملية السياسية والمتمسك بها، ويدعو إلى تأسيس دولة بمفهوم يختلف عن المفهوم الذي يدعو إليه الصدر، فالصراع بينهما في تقديري ليس كما يقال صراع شخصي أو صراع شعبي بقدر ما هو صراع بشأن مفهوم الدولة وكيف سيكون شكل العراق.
أين أمست الدعوات لإيجاد إقليم للسنة في العراق؟
منذ البداية كنا رافضين فكرة الإقليم السني وحذرنا دائمًا مما يطرح من فكرة الإقليم السني، فنحن نعتبره فخًا يقع فيه السنة وعليهم أن يبتعدوا عنه، لكننا كنا نطالب بالأقاليم الإدارية، بحيث تتحول المحافظات إلى أقاليم، وهذا يعني أن المحافظات تمتلك صلاحيات أعلى من صلاحياتها الحاليّة وتستطيع إدارة شؤونها الخدمية بصورة كاملة وتبقى الإدارة في العراق من تحديد السياسة والأمن المشترك والأمور المالية تابعة للحكومة المركزية.
المطالبة بأقليم السنة فخ لأننا نعرف أن هذا غير ممكن من الناحية العملية، لأن المحافظات الخمسة ذات الأغلبية السنية مخلوطة الطوائف، وهي (نينوى – صلاح الدين – ديالى – بغداد – الحلة) ومجرد طرح الفكرة سيولد مشاكل أخرى كثيرة جدًا داخل المحافظات وهذا ما كنا نحذر منه.
كيف تنظر إلى القيادات التي تتصدر التكتلات السنية في العراق؟ وهل يمكن أن نرى دورًا أكبر لهم في قادم الأيام؟
لا أريد أن أقول القيادات كلها بالمجموع، لكن 70% ممن يتصدر المشهد السني في العراق يمكن وصفهم بالتافهين، حيث ولغوا بالسرقات العلنية والفساد واستخدام القضاء والقانون لضرب المخالفين إضافة إلى استغلال المنصب بطريقة بشعة، وبالتالي لا يمكن أن يكون عند هؤلاء ما يسمى قيادة أو زعامة.
القيادات السنية الحقيقية تعرضت لضربات في الأيام السابقة واضطرت إلى الانحسار، وإذا تغيرت الأوضاع سيكون على السنة الاختيار: إيجاد قيادات جديدة أو الالتفاف حول القيادات التي لديها قيم واحترام بين الناس.
إلى أين وصلت قضية المصالحة بين بعض الشخصيات السنية والحكومة العراقية على غرار ما شهدناه من مصالحة رافع العيساوي؟ بخصوص حضرتكم هل توجد أي وساطات بشأن تسوية معينة مع السلطة؟
بصراحة توجد إلى الآن معالجات قانونية للقضايا التي أثيرت ضدي، لكن الرأي السياسي الذي أوجد هذه القضايا لم يتغير حتى الآن أو لا يوجد رأي بإنهاء هذا الملف، ونحن لا نجد أن الوقت مناسب الآن لمثل هذه المصالحات.
متى يكون الوقت مناسبًا، إذن؟
لا نعرف كيف ستؤول الأمور في بغداد، هل نحن الذين وقفنا بوجه تغيير العملية السياسية من الداخل؟ ثم هل آتي أنا وأترك ما تحملته من أذى خلال السنوات الماضية واتفق مع الذين يريدون استمرار العملية السياسية التي أعارضها؟ أنا لا أضحي بكل الماضي مجانًا، أنا سأتفق مع الذين سيأتون لاحقًا، حينها لن أحتاج إلى تغيير مواقفي.
لهذا نحن الآن نريد الهدوء وعدم التعجل في اتخاذ الخطوات تجاه أي طرف.
بالانتقال إلى الشأن العراقي المرتبط بتركيا.. نسمع دائمًا أهمية الموصل بالنسبة إلى أنقرة، لكن اليوم كما نعرف فإن الوجود التركي هو الأضعف مقارنة بالفاعلين الدوليين في نينوى والعراق.. ما الذي يمكنك إخبارنا به بهذا الشأن؟ وما تفسيره؟
في الحقيقة لدي نظرة أخرى تختلف عن نظرة أخواننا وجماعتنا من السنة، فهم غالبًا ما يريدون من تركيا أن تكون البديل لإيران أو المناظر لها، يعني يريدون أن تتدخل تركيا كي توازن ما تفعله إيران في البلاد ولا يطلبون هذا فقط من تركيا بل يطلبونه من السعودية وبقية الدول العربية السنية، لكن هناك فارقًا في التفكير بين تركيا كدولة وإيران كدولة.
إيران لديها فكرة تصدير الثورة وبالتالي لديها قيم ومفاهيم تريد أن تصدرها للعراق، بينما تريد تركيا أن تتعاون مع العراق كدولة وتعاملها على هذا الأساس يفرض عليها أن تستخدم سياسة وأساليب معينة لا تستطيع أن تتجاوزها مع العراق، ما عدا نقطة واحدة ظهرت في الفترة الأخيرة وهي ملف حزب العمال الكردستاني.
بعد دخول حزب العمال الكردستاني العراق خصوصًا سنجار، أصبحت تركيا تنظر إلى هذا الموضوع على أنه يشكل خطرًا على أمنها القومي، وبالتالي تدخلها هناك هو تدخل عسكري، ما عدا عن ذلك، فإن أنقرة تريد أن تتعاون مع العراق كدولة، وعلى الرغم من أنها تدعم شخصيات وأحزاب عراقية مؤيدة لها، فإن كل هذا تحت المظلة العراقية ولا تستطيع أن تخرج منها، أما بالنسبة للموصل حسب معلوماتي واطلاعاتي وأنا لست بعيدًا عنها فإن الملف الوحيد المهتمة به تركيا هو ملف حزب العمال الكردستاني.
ما مدى أهمية وجود حزب العمال الكردستاني في نينوى؟
نعم، هم موجودون في سنجار بشكل قوي ولهم حدود سيطرة لا بأس بها، وتركيا تحاول الضغط على هذا الموضوع وأن تنسق مع الحكومة العراقية في شأنهم، بالإضافة إلى التنسيق مع الجيش العراقي في موضوع العمليات العسكرية التي تتم بين حين وآخر، لكن حزب العمال يحظى بتأييد بعض المؤيدين للنفوذ الإيراني في العراق أو لنقل بعض أطراف الحرس الثوري تؤيد حزب العمال الكردستاني.
هل من الممكن أن نرى حلًا تركيًا لعقدة سنجار؟
الأصعب أن يصل موضوع سنجار إلى نقطة أخطر خصوصًا مع ازدياد احتمالية اتفاق في سوريا بشأن إزاحة حزب العمال الكردستاني من المنطقة الشمالية – القامشلي وما حولها – سواء كان بالاتفاق مع النظام السوري أم دون الاتفاق معه، فكلاهما يؤدي إلى لجوء حزب العمال الكردستاني إلى داخل العراق، وسيشكل عقدة أكبر وسيضطر العراقيون عاجلًا أم آجلًا إلى التعامل مع تركيا لحل هذه المشكلة، لكن الوضع في العراق يمكن التفاهم فيه أكثر من سوريا لأن العلاقات مفتوحة بين تركيا والعراق.
ما رأيكم في الاتهامات التي طالت تركيا بعد القصف الذي استهدف إقليم كردستان العراق؟
أنا لا أظن أن الأمور تسير بهذا الشكل، لأنه حتى وزير الدفاع العراقي أدلى بتصريح واضح، وقال إن تركيا لم يسبق لها أن قامت بمثل هذا العمل، وتركيا في تقديري تملك من الوثائق ما ينفي علاقتها بهذا الأمر، لكن في العراق لم يتم فتح أي ملف من أجل التحقيق بخصوص الضربة، وكان الهدف من اتهام تركيا هو توجيه اللوم إليها على إثر فشل القمة التي حصلت في إيران بين أردوغان وبوتين ورئيسي. وكل الدلائل في تقديري تشير إلى أن تركيا ليس لها علاقة بها.
بما أن علاقة عائلتكم “النجفيين” جيدة مع أنقرة، دعنا نتحدث عن الوجود العراقي في تركيا..
لم ألمس حتى الآن أزمة حقيقية مع العراقيين الموجودين في البلاد، سابقًا حدثت أزمة واستياء من أهالي تلعفر ذوي القومية التركمان، وأنا أفهم ما القصد من هذا رغم أنهم لا يقدرون، تركيا لم تكن ترغب في أن يستوطن التركمان العراقيون في تركيا، بمعنى أن وجودهم في العراق أنفع لها من وجودهم على أراضيها، حتى تركمان سوريا رغم أنهم يتجنسون حاليًّا، إلا أن سياسة الدولة تحكم بإبقاء أذرع ومؤيدين وموالين لها في مناطق مختلفة.
أنا أتحدث هنا من وجهة نظر إستراتيجية، بالنسبة للعراقيين لا توجد مشكلة ولن تحدث، والسبب الرئيسي في ذلك أن المعارضة العراقية لم تشكل عبئًا على الحكومة التركية على خلاف المعارضة السورية التي باتت تشكل عبئًا.
هل العلاقة التركية العراقية ستظل ثابتة حتى لو تغير الحزب الحاكم في أنقرة؟
لا أظن أنها ستتغير، لأنهما يتشاركان ملف حزب العمال الكردستاني المتعلق بالأمن القومي التركي، فسواء كان في الحكم حزب العدالة والتنمية أم الحركة القومية أم الحزب الجمهوري، لا يمكن لأي منهم أن يضحي بالملف الأمني.
في الشأن العربي، ما الدور العراقي الذي يقوده رئيس الوزراء الكاظمي خلال حضوره القمم التي تعقد بين الحين والآخر؟
أعتقد بأنه إلى الآن حضور شكلي فقط بالنسبة للعراق، لأنه لا يوجد في داخل العراق قرار واضح، حتى الكاظمي نفسه لا يحظى بتأييد الإطار الذين هم الأغلبية في البرلمان ويمثلون جزءً كبيرًا من الحكومة، ولا يتفق مع الصدريين بشأن هذا المسار ولا يتفق مع الأكراد أيضًا، وبالتالي هذا التحرك خاص برئيس الوزراء ولا يمكن أن يؤدي إلى قرار دولة.
حضور العراق في هذه القمم في الوقت الحاضر أراه أشبه بالمجاملات، لأن العراق لا يريد أن ينعزل، لكن متى ظهر قرار حقيقي من هذه الاجتماعات، فعلى رئيس الوزراء العودة إلى العراق وسؤال الشعب ومجلس النواب هل يؤيد أم يرفض، لأنه لا يمتلك القرار وهو ليس كالمالكي، فالأخير لديه حزب سياسي وعنده جمهوره العريض.
إلى أين تتجه علاقة العراق مع العرب؟ وكيف تصف الدور الخليجي في العراق اليوم؟
في الحقيقة منطقة الشرق الأوسط تتحرك فيها أربعة محاور: المحور الأول هو الحلف الإيراني والثاني هو حلف تركيا والثالث هو “إسرائيل” وحلفاؤها، وحاليًّا بدأ المحور الرابع وهو السعودي المصري الذي يعمل على التحرك في المحاور السابقة خصوصًا بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة.
مؤخرًا المحور الإسرائيلي بات يضعف، فهو ليس بقوته السابقة، أما باقي المحاور فهي ما ستحدد شكل المنطقة وسياستها.
في حال حدثت مصالحة بين النظام السوري وتركيا.. كيف سينعكس ذلك على العراق؟
المخاوف الموجودة لدينا هي لجوء حزب العمال الكردستاني من سوريا إلى العراق وهذا سيسبب لنا مشكلة أولية.
ربما هذا جواب لسؤالي التالي عن تأثير العمليات التركية المحتملة في الشمال السوري؟
سيكون هناك إزاحة لحزب العمال وسيهزم في سوريا، وسيكون جبل سنجار أقرب منطقة سيلجأ إليها وهي قاعدتهم الرئيسية، وهناك سيكون للحزب بعض التفاهمات مع التشكيلات التي لديها تأييد ودعم إيراني.
أما عن المصالحة بين النظام السوري وتركيا، لطالما كان التفاهم بين الدول أسهل بكثير من التفاهم بين دولة وفصائل، مهما كانت تطلعات هذه الفصائل ومدى التزامها، لكن الدول تحكمها القوانين والأعراف الدولية التي يتم التعامل من خلالها، واستقرار هذه المنطقة ينعكس مباشرة على الموصل في العراق. حاليًّا ما يأتينا من حزب العمال الكردستاني في سوريا “المخدرات” وما شابه، والحزب اليوم هو أقوى مهرب مخدرات في المنطقة.
النظام السوري أخطر من ناحية تهريب المخدرات ولعلنا لاحظنا ما يحصل في الأردن؟
هو قوي بتهريب المخدرات، لكنه يلتزم بأعراف دولية، أما ما يحصل على الحدود الأردنية فهذا لأنه ليس هناك علاقات رسمية بين البلدين حتى الآن.
في نهاية الحوار، ماذا تحب أن تضيف؟
نحن نفتقر إلى السياسة ونحتاج إلى الواقعية السياسية وأن لا نحلق في الخيال والشعارات، وبالتالي يجب أن نعرف كيف نتعامل مع كل جهة بما يضمن مصالح تلك الجهات ومصالحنا في آن واحد.
أما أن أطلب من الآخرين أن يدعموني ويؤيدوني دون أن تتضح مصلحتهم، فهذا خيال سياسي وليس واقعية، والمشكلة في بلادنا العربية أنها خرجت من رحم الأحزاب الشمولية ولذلك فإن مستوى التفكير السياسي متدنٍ، لذلك أقول دائمًا يجب أن تكون هناك نخب سياسية، وآمل أن تتغير الأمور بهذا الاتجاه.