التركمان أو الأتراك هم أقوام آسيوية جاؤوا من أواسط آسيا، انحدروا من قبائل “الأوغوز”، إحدى أكبر القبائل التركية الأربعة والعشرين أو الاثنين والعشرين كما ورد في الدراسات المختلفة، وتبقى هذه القبيلة أكبر وأهم قبيلة تركمانية وإن اختلفت أعداد تلك القبائل التي انحدرت منها أهم الدول والإمبراطوريات التركية التي عرفها التاريخ، فهم والتركمان في يومنا هذا، من ذات القبيلة.
تميزت موجات هجرة التركمان على دفعات من موطنهم الأم آسيا الوسطى، وبشكل واضح نحو الجنوب، فكانت حياتهم قبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حاليًّا، عبارة عن ترحال مستمر وتدريجي، أشبه بحياة البدو الرحل، تهاجر قبيلة تلحقها الأخرى وهلم جرا.
وكانوا يختلفون عن البدو بطريقة الترحال، إذ يعدون مستقرين في وجهتهم، من الشمال إلى الجنوب، مقتربين أكثر فأكثر من منبع الحضارة آنذاك، الشرق الأوسط، وأسسوا دولًا من خلال ترحالهم، مثل الدولة الخوارزمية ودولة القراخانات، وغيرها من الدول، وصولًا إلى السلاجقة والعثمانيين، ويوجد اليوم الكثير من التركمان في الدول العربية أبرزها العراق وسوريا، ويسجلون وجودًا في لبنان لكنهم غائبون عن المشهد الإعلامي والسياسي، يواجهون بعض التحديات والمشاكل، ورغم الغموض الذي يحيط بهم، تربط تركمان الشمال اللبناني خاصة علاقة جيدة مع تركيا، فمن هم تركمان لبنان؟ وما أبرز مشاكلاتهم؟
التوزع التركماني في لبنان
تعددت الروايات بخصوص أصل وجود التركمان في لبنان، منهم من جاء إلى لبنان وكان محاربًا في الجيش العثماني، ومنهم من كان موجودًا حتى قبل الحكم العثماني لبلاد الشام، ومنهم الرحل الذين وصلوا بحثًا عن معيشة أفضل.
لا يشكل التركمان في لبنان أكثر من 1% من سكانه، أي أنهم من الأقليات، وتتراوح أعدادهم بين 30 إلى 40 ألف نسمة، وبحسب تقرير حمل عنوان “الأتراك المنسيون: الوجود التركي في لبنان” قدم توزيع هؤلاء الديموغرافي في لبنان، بناءً على جولات ميدانية أجراها عدد من الباحثين الأتراك، في القرى التركمانية بالبلاد، فإن:
الوجود التركي في لبنان يمكن تقسيمه في إطار 8 مجموعات هي: تركمان عكار (شمال لبنان) وهم القاطنون في قريتين مجاورتين للقبيات، وتركمان بعلبك الموجودون في تجمعات سكانية بوادي البقاع وقرية محاذية للحدود السورية في الهرمل، وتركمان الضنية (الشمال) الذين يقطنون قريتين في القضاء، وأتراك كريت الذين يسكنون مدينة طرابلس بعدما قدموا إليها من جزيرة كريت اليونانية، إضافة إلى الماردينيين وهم الذين هاجروا إلى لبنان من تركيا في القرن الماضي (خلال الخمسينيات، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة في ماردين في ذلك الوقت)، وتركمان سوريا الذين سكنوا مناطق تركمانية في بعلبك وعكار بعد الحرب في سوريا.
تشكل قرية الكواشرة إحدى أبرز القرى التي تحتضن سكانًا حافظوا على هويتهم (3000 نسمة)، علمًا بأنهم يتحدثون اللغة التركية وينتمون إلى المذهب السني، ويلاحظ أن العلم التركي يرفرف في أماكن كثيرة بالبلدة، ويبلغ عدد سكان بلدة عيدمون 3000 نسمة أيضًا، 75% منهم من التركمان، فيما يشكل المسيحيون النسبة الباقية من سكانها.
يتركز تركمان بعلبك في قرية دورس التي تحتضن 10 آلاف شخص وقرية شيمية (1200 نسمة) والنعنية (900 شخص) وعدوس (1000 نسمة) والحديدية (600 نسمة) ومشاريع القاع (500 شخص)، أما تركمان الضنية فيتمركزون في قرية الحوارة (600 نسمة) وجيرون (2500 نسمة)، فيما يعيش معظم الماردينيين (50 ألفًا) في بيروت، كما استقرت 30 عائلة من التركمان في صيدا.
أبرز مشكلاتهم
اندمج أغلب التركمان بالمجتمع اللبناني وصنفوا على المسلمين السنة، ليس لديهم ممثل أو جمعية يتوحدون تحت رايتها أو تطالب بحقوقهم أو حتى نائب، فهم مشتتون على طول الخريطة اللبنانية ومهملون من الدولة، عانى الكثير منهم الأمرين بسبب تقسيمات لبنان الطائفية، فقد بقي بعضهم دون هوية أو جنسية لبنانية (مكتومو القيد)، خاصة الموجودين في البقاع، ومنهم من غادر إلى سوريا بسبب الحروب اللبنانية الداخلية، حيث وضع التركمان أفضل.
وهناك فئة أخرى وضعت (قيد الدرس) أي ارتمت أوراقهم في أدراج الدولة اللبنانية يأكلها الغبار بانتظار معجزة من مسؤول سياسي نافذ يطالب بحقوقهم، لكن دون جدوى! فالواقع الديمغرافي اللبناني لا يفضل تجنيس أقليات من المسلمين السنة، وإلا سيختل التوازن الطائفي، ورغم أن وجودهم قديم جدًا، يعاني بعضهم من مشكلة انعدام الجنسية.
عملوا في مجالات عدة، فمنهم المثقفون والمتعلمون، ولم تسجل لهم مشاركة بأي حروب أو مناوشات ولم يحملوا السلاح، ورغم كل الأزمات التي واجهت لبنان بقي جل التركمان صامدين.
أحب التركمان لبنان واستقروا فيه وتزوجوا وأنجبوا، لكن لبنان لم يعطِ هؤلاء حقوقهم كما أعطت الدولة سائر الأقليات مثل الأرمن والسريان والعلويين، فلهؤلاء أحزابهم السياسية ومقاعدهم داخل البرلمان اللبناني ولهم وضعهم المؤثر داخل الدولة اللبنانية، رغم أن أعداد التركمان قد تفوق أعدادهم، لكن على ما يبدو أن مصلحة السلطات العليا تقتدي بأن يبقوا في الظل غير مرئيين.
يعاني الكثير من التركمان بصمت واليوم تزيد معاناتهم في لبنان مع تردي الأوضاع، ناهيك بالعنصرية المقيتة والطائفية.
العلاقة بين تركمان لبنان وتركيا
لم تكتشف تركيا وجود التركمان في لبنان إلا منذ فترة قصيرة نسبيًا، وهي تعود بحسب سكان القرى التركمانية في شمال لبنان إلى ما بين عامي 1988 و1989 عبر حادثة عرضية، هذه الحادثة يتناقلها سكان قرية الكواشرة التركمانية في عكار وتقول إن أحد أبنائها كان يخدم في الجيش اللبناني بمنطقة الرابية في المتن الشمالي ويتكلم بعض الكلمات التركية، فقام الضابط المسؤول عنه بتعريفه على سفير تركيا حينها إبراهيم ديشليلي، فبات هذا الاكتشاف محط اهتمام تركي، وقرية الكواشرة وجارتها عيدمون أصبحتا مقصدًا دوريًا للسفراء الأتراك المتتالين.
في عام 2010 زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرية الكواشرة حيث أقيم له حفل شعبي حاشد بحضور رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، بعدها بدأت تركيا ترسل مساعدات لبعض القرى اللبنانية التركمانية لا سيما عيدمون والكواشرة، ومن أبرز تلك المساعدات: المنح الجامعية لطلابها للتعلم في تركيا، كما أن السفارة التركية في بيروت والهلال التركي بنوا مدرسة ثانوية في القرية، كذلك قدم الجيش التركي العامل ضمن قوات حفظ السلام مولدًا كهربائيًا للمنطقة، بالإضافة إلى تجهيز مبنى وتقديم مستلزماته لتعليم الكمبيوتر في القرية.
تبني السفارة التركية شبكة مياه للري الزراعي وأخرى لمياه شفة وقاعة لمسجد البلدة، وقدمت مستوصفًا صحيًا وسيارة إسعاف إلى قرية البيرة المسيحية القريبة من الكواشرة، كما تؤمن السفارة التركية في بيروت أستاذًا تركيًا ليعلم أبناء الكواشرة وعيدمون وطرابلس اللغة التركية.
أشرفت تركيا على تأسيس جمعيات تضمن لها استمرار التواصل مع تركمان لبنان، ويلاحظ أنها أوعزت إلى التركمان اللبنانيين الذين تلقوا تعليمهم في تركيا عبر المنح الدراسية لإنشاء تلك الجمعيات، حيث تنظر إليهم كأفضل دعاة لها داخل الوسط التركماني اللبناني، ومن تلك الجمعيات “رابطة الشباب اللبناني – التركي” و”الجمعية اللبنانية التركية” و”الجمعية الثقافية التركية في لبنان و”جمعية الصداقة اللبنانية التركية في صيدا”، وتعمل هذه الجمعيات على نشر اللغة التركية وإقامة معارض الجامعات التي تجري دوريًا في لبنان بالإضافة إلى الاهتمام بالتراث العثماني والتركي.
وفي عام 2020 وبعد حادثة انفجار مرفأ بيروت صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، باستعداد بلاده منح الجنسية للتركمان في لبنان إن رغبوا في ذلك، ما خلق حالة واسعة من الجدل بين المتابعين للشأن اللبناني خاصة والشأن العربي عامة، إذ اعتبرها الكثيرون خطوة على درجة عالية من الخطورة تمكن الدولة التركية من التدخل في لبنان وإنشاء قاعدة شعبية لها على غرار الشمال السوري والعراقي.
حتى الآن لم يتم الإعلان عن تجنيس أي من تركمان لبنان، وهنا يجب التنويه إلى أن الأرمن في لبنان يتم منحهم الجنسية الأرمنية عبر السفارة الأرمنية في بيروت، وهذا حقهم الطبيعي، فيما تقابل الخطوة التركية بالشجب والاستنكار إعلاميًا.