ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يكن من المتوقع أن تصمد حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أسبوعًا أمام الغزو الروسي الشامل للبلاد، كما كان يعتقد محللو المخابرات الأمريكية والغربية في الساعات التي سبقت بدء الكرملين في إرسال موجات من القوات عبر الحدود في أواخر فبراير/ شباط. وكان المسؤولون؛ داخل إدارة بايدن، يناقشون بالفعل كيف أو ما إذا كان يمكنهم دعم المقاومة الأوكرانية بشكل قانوني خارج غرب البلاد إذا سقطت كييف، عاصمة أوكرانيا، ولكن اتضح أنه يمكن أن يتغير الكثير في ستة أشهر.
في الوقت الذي تزداد فيه قوة الحملة العسكرية الروسية، التي رغم تراجع قوتها لا تزال خطرة، ومع التحرك القليل لخطوط القتال في أوكرانيا خلال الشهرين الماضيين، يواجه كلا الجانبين استنزافًا كبيرًا. ونتائج الحرب، التي كان يعتقد أنها ستكون هزيمة حاسمة لصالح روسيا في غضون ساعات، أصبحت غير واضحة على الإطلاق.
وتحدثت مجلة فورين بوليسي مع ستة خبراء في الولايات المتحدة وأوروبا حول الاتجاه الذي ستتخذه الحرب الأوكرانية، التي استحوذت على اهتمام العالم معظم سنة 2022. وقد وصف الخبراء سيناريوهات متنوعة من انهيارٍ عسكريٍّ روسي كامل إلى ضربة نووية إلى صراع مجمّد على غرار جورجيا المجاورة.
وقال مايكل رايان، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية: “أحد المسارات هو استقراء خطي؛ حيث ينهك كل منهما الآخر تدريجيًا ويشعر كلاهما بالإرهاق ويتوصلان إلى اتفاق، ولا أعتقد أن هذا محتمل”. وأضاف: “أعتقد أن الخيار الثاني هو الأكثر احتمالًا – أن ينهار الطرف الروسي”.
هجمات الكر والفر
على الرغم من أن الخبراء يتفقون بشكل شبه عالمي على أن الجيش الروسي يعاني من نقطة ضعف فريدة؛ حيث يفتقر إلى القوات الكافية لاحتلال أرض جديدة ومواجهة الهجمات الأوكرانية المدعومة بأنظمة إطلاق صواريخ متعددة مقدمة من الولايات المتحدة والغرب، مثل نظام الصواريخ المدفعية عالي الحركة؛ يظل الصراع المطول هو النتيجة الأكثر ترجيحًا.
وقال مايكل كوفمان، الخبير في الشؤون العسكرية الروسية في مؤسسة سي أن آي، وهي مؤسسة فكرية: “من المحتمل أن نرى نقطة تحول في هذه الحرب، ومن المحتمل أن يكون هناك هجوم أوكراني مضاد، لكن من غير الواضح ما هي فرص نجاحه، في كلتا الحالتين، ويبدو بشكل متزايد أن هذا سيكون صراعًا طويل الأمد”.
ما لم يتمكن أحد الأطراف من تحقيق تفوق عددي كبير، فقد يستمر الوضع الراهن لبعض الوقت
منذ أسابيع؛ وعد المسؤولون الأوكرانيون باجتياح خيرسون، المقاطعة الواقعة جنوب أوكرانيا المعروفة بفاكهة البطيخ، التي احتلتها روسيا في الأيام الأولى من الحرب، وشن ضربات تمهيدية واسعة النطاق لضرب القواعد العسكرية الروسية ونقاط الإمداد في شبه جزيرة القرم. لكنها لم تسقط بعد تحت سيطرة الجيش الروسي.
وقال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لأوروبا وحلف شمال الأطلسي خلال فترة حكم أوباما: “الهجوم المضاد الذي قد يشنه الأوكرانيون لن يبدو وكأنه شيء من هوليوود”، وأضاف: “لن تكون مثل حملة العلمين الضخمة ضد الماريشال الألماني إرفين روميل”، مشيرًا إلى المعركة الحاسمة في الحرب العالمية الثانية في شمال إفريقيا، بل “ستكون أبطأ قليلاً وأكثر تنظيماً وانتقائية. سنرى هذا يستمر لفترة طويلة”، بحسب ما قال.
وقال الخبراء إنه ما لم يتمكن أحد الأطراف من تحقيق تفوق عددي كبير، فقد يستمر الوضع الراهن لبعض الوقت. وقال أوسكار جونسون، الباحث في جامعة الدفاع السويدية: “أعتقد أنه لا أحد يستطيع إصدار حكم قاطع، فلم أر بعد أي طرف قادرًا على حشد عدد حاسم من القوات”. وقال الخبراء إن روسيا ستضطر إلى تكريس وقتها لتجهيز دفعة أخرى، لتفادي احتمال حدوث انهيار في صفوف قواتها، التي أصيبت بتراجع في المعنويات.
الصراع المُجمّد
ولكن حتى في الوقت الذي أصبحت فيه أوكرانيا أكثر ثقة بشأن هجوم مضاد محتمل – أو اعتباره ضرورة سياسية لإبقاء الغرب منخرطًا في الصراع – فإن الكرملين يحاول جر الحرب في الاتجاه المعاكس؛ يث يمكن لصراع مطول ومجمد أن يختبر صبر الغرب بشكل مميت، ويتعين على إدارة بايدن الآن أن تعود إلى الكونجرس من أجل المزيد من تمويل الأسلحة لأوكرانيا بعد الدعم التاريخي لهذا الأسبوع.
ونظرًا لأن روسيا تواجه تحديات متزايدة في تجنيد المزيد من القوات للانضمام إلى القتال في أوكرانيا، يرى الخبراء على نحو متزايد أن كييف تكتسب ميزة في القوة البشرية؛ وإن لم تكن كافية بالضرورة لشن هجوم مضاد ناجح لاستعادة مساحات كبيرة من الأراضي التي يحتلها الكرملين.
وقال دارا ماسيكوت، باحث السياسة البارز في مؤسسة راند والذي يدرس الجيش الروسي: “حيث تقود روسيا، يجب أن يكون الصراع مجمدًا لفترة من الوقت حتى تتاح لها فرصة التجديد، ويمكن أن يسمح لها ذلك بالبقاء هناك على أمل أن يتغير العالم، والبقاء لمدة عام أو عامين حتى تبدأ في رؤية نتائج من نوع من الاستحواذ أو الإصلاح”.
قد يكون ذلك شبيهًا بالاستراتيجية العسكرية الروسية في جورجيا؛ حيث قضت على جيبين انفصاليين – أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية – بعد حربها سنة 2008، أو في أوكرانيا بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم سنة 2014؛ حيث عزز الكرملين مكاسبه في دونباس وواصل قصف المواقع الأوكرانية بشكل متقطع لكنه حقق مكاسب قليلة.
وقال ماسيكوت إن خسائر روسيا، التي قدر المسؤولون الأمريكيون أنها تجاوزت 20 ألف قتيل في ساحة المعركة (تعتقد أوكرانيا أن أكثر من ضعف عدد القوات الروسية قد قتل)، تركت روسيا في حالة من الترنح. وكان الكرملين قد أعلن يوم الخميس أنه سيحشد 137 ألف جندي إضافي للقوات المسلحة الروسية بحلول بداية السنة، وأمر الجيش الروسي بتسليم المزيد من المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، مثل مركبة بي إم بي -2 البرمائية من الثمانينيات، في إشارة إلى أن العقوبات الغربية وضوابط التصدير بدأت تؤتي ثمارها. ويقدر مسؤولو البنتاغون أن روسيا فقدت ما يصل إلى 4000 عربة مدرعة في أوكرانيا منذ فبراير/ شباط. كما وردت تقارير عن قيام العمال بعمل نوبات ثلاثية في مصانع الصواريخ لإعادة تكوين الإمدادات الروسية المتضائلة من الأسلحة الدقيقة.
ويرى آخرون احتمال نشوب حرب حدودية أقل حدة إذا خفت حدة القتال، مع تعرض كلا الجانبين لإطلاق النار في محاولة لاحتلال أو استعادة المزيد من الأراضي؛ حيث قال تاونسند: “لا أرى صراعًا مجمدًا، ولا أرى أن كلا الجانبين يستقران في شيء مثل ما يحدث في جورجيا؛ حيث يجلسان هناك وبين الحين والآخر يقومان بغزو”.
الانهيار الاقتصادي
استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى يوم استقلال أوكرانيا يوم الأربعاء، علامة مرور ستة أشهر على اندلاع الصراع؛ وللإصرار على أنهم يخوضون الحرب منذ فترة طويلة. وقد تعهدت إدارة بايدن بتقديم 3 مليارات دولار إضافية كمساعدات عسكرية، وسوف يستغرق تسليم معظمها عدة أشهر كما يتطلب الوضع إجراء تدريبات مكثفة وتعاونًا عسكريًّا مع أوكرانيا.
يُذكر أن رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته بوريس جونسون قام برحلة أخرى إلى كييف لإظهار التضامن مع زيلينسكي، ولكن الخبراء يقولون إن روسيا تراهن على أن التداعيات الاقتصادية للحرب وتمويل الغرب لأوكرانيا ستصبح شديدة للغاية في الأشهر المقبلة.
في الواقع؛ تواجه أوروبا أزمة حادة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وهو جزء ليس بالسهل ويعتب نتيجة ثانوية لحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد قال جونسون إن “روسيا تعتمد في المقام الأول على المشاكل الاقتصادية الغربية والافتقار إلى العزيمة”.
أضر الضغط الاقتصادي بموسكو، لكن الرد الروسي كان له تأثير مدمر على القاعدة الصناعية الدفاعية في أوكرانيا
ويمكن لاحتياطيات روسيا الهائلة من الغاز الطبيعي وإمكانية إحداث أضرار اقتصادية ضد الدول الأوروبية التي تعتمد على الهيدروكربونات الروسية أن تمنح الكرملين نفوذًا على دول مثل ألمانيا في فصل الشتاء، مما يخنق الصناعات الثقيلة التي تعتمد على تلك الأنواع من الوقود.
من جانبه؛ صرح دميتري ألبيروفيتش، الرئيس التنفيذي في شركة “سيلفرادو بوليسي أكسيليورور”، قائلًا “أعتقد أن بوتين يدرك أنه يتمتع بأفضلية اقتصادية. إن لعبة الغاز التي يلعبها مع أوروبا تتمحور حول قطع إمدادات الغاز ببطئ. وقد نشهد ركودًا عميقًا في ألمانيا وأجزاء أخرى من أوروبا”.
لم تتم محاربة الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا وصده بالقنابل والصواريخ والرصاص فقط، فلقد كانت أيضًا ساحة اختبار لعلامة تجارية فريدة من نوعها في القرن الحادي والعشرين للحرب الاقتصادية التي شنت في أعقاب فرض عقوبات صارمة وضوابط تصدير ضد الكرملين من قبل الغرب والضغط الموازي للهجمات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية.
لقد أضر الضغط الاقتصادي بموسكو، لكن الرد الروسي كان له تأثير مدمر على القاعدة الصناعية الدفاعية في أوكرانيا، وهي واحدة من أقوى القواعد في الاتحاد السوفيتي السابق.
وقالت ماسيكوت، خبيرة شركة راند، إن “القاعدة الصناعية الدفاعية الأوكرانية تعرضت لهجمات صاروخية وقصف مدفعي خلال الأشهر الستة الماضية؛ إنه ليس مكانًا صحيًّا، ويتم دعمهم من الخارج”. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” هذا الأسبوع أن أوكرانيا كانت تكافح حتى لدفع رواتب جنودها.
وتحتاج أوكرانيا أيضا إلى مساعدات اقتصادية للقيام بذلك، وقد قدر البنك الدولي أن 55 بالمئة من الأوكرانيين سيعيشون في فقر بحلول نهاية السنة المقبلة نتيجة لتأثير الحرب والنزوح، فيما قال جونسون إن “الجانب الروسي لا يزال يعتقد أنه سيفوز في الحرب؛ لقد دمروا الاقتصاد الأوكراني بنجاح”.
في المقابل قال جونسون إن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها روسيا جراء الحرب، بما في ذلك تراجع الاستثمار الأجنبي والافتقار إلى الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، قد تجبر الكرملين أو عامة الناس على إعادة تقييم تكلفة الحرب. وتساءل قائلًا: “أي نوع من الاقتصاد سيكون لديهم؟”.
أحداث غير متوقعة
على الرغم من أن روسيا لم تصعد الصراع في أوكرانيا بهجوم نووي أو استخدام واسع النطاق للأسلحة الكيميائية، إلا أن رفض الكرملين السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول إلى محطة زابوريزهزهيا للطاقة النووية، وهي أكبر منشأة من نوعها في أوروبا، أثار شبح الانهيار النووي أو أي حدث آخر غير مرجح، مما يؤدي إلى اكتساب الجانب الروسي ميزة في ساحة المعركة.
روسيا المحاصرة والمسلحة نوويًا بجيش غير مدرب وسيء التجهيز ومكافح يمكن أن تتسبب في أذية العالم بأكمله
ويوم الخميس، أفادت تقارير أن روسيا فصلت محطة الطاقة عن شبكة الكهرباء، مما يمكن أن يحرم أجزاء من أوكرانيا من الكهرباء ويعرض أيضًا أنظمة تبريد المحطة للخطر، مما قد يؤدي إلى انهيارها.
وقال ألبيروفيتش: “أعتقد أنهم يستخدمون التهديد بحدوث كارثة نووية لإيجاد سبب لإغلاق المحطة والادعاء بأن ذلك لأسباب تتعلق بالسلامة. وإذا حدث ذلك بحلول فصل الشتاء، فسيكون ذلك مدمرًا للأوكرانيين وقدرتهم على إنتاج ما يكفي من الكهرباء، حتى لتدفئة منازلهم”.
وهناك بعض الأحداث غير المتوقعة التي قد لا ترغب روسيا في رؤيتها عن قرب؛ حيث إن محاولة توجيه ضربة قاضية للعزيمة الأوكرانية التي ترسل صاروخًا روسيًا إلى أراضي الناتو مثلا من المرجح أن تؤدي إلى رد غربي قوي.
ووفقًا للمسؤولين الأوكرانيين؛ نجا زيلينسكي من عدة محاولات لاغتياله من قبل عملاء روس في الأيام الأولى من الصراع، ويشعر بعض الخبراء بالقلق من أن محاولة الكرملين الناجحة للقبض على زعيم زمن الحرب أو قتله يمكن أن تقلل من معنويات أوكرانيا العالية.
وقال تاونسند، المسؤول السابق في البنتاغون، إنه “إذا ألقوا القبض على زيلينسكي، فلا يمكنني تخيل ما سيحدث في الغرب. وإذا قاموا بسجنه أو قدموه للمحاكمة أو شيء من هذا القبيل، يا إلهي. هناك بعض الأشياء التي يمكن أن تعطي ارتدادًا سيئًا حقًا لما يحدث”.
لا يتبنى جميع الخبراء فكرة أن الجيش الروسي على وشك الانهيار على الرغم من الاضطرابات المستمرة في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن روسيا المحاصرة والمسلحة نوويًا بجيش غير مدرب وسيء التجهيز ومكافح يمكن أن تتسبب في أذية العالم بأكمله؛ ناهيك عن احتمال وجود أسلحة نووية.
المصدر: فورين بوليسي