يومًا بعد آخر تزداد معاناة اللاجئ السوري في تركيا نتيجة تصاعد الخطاب العنصري بالإضافة إلى الواقع المعيشي السيئ، ما يجعل هذا اللاجئ يعيد التفكير بشأن بقائه في هذا البلد بعد سنوات من الإقامة فيها ومحاولة الاندماج في مجتمعها، وكما الأيام السابقة فإن البدائل باتت معروفة للسوريين، فالدول الأوروبية هي الوجهة التي يحلمون بها لما فيها من قوانين تحمي اللاجئين من عدة نواح.
لم تعد أوروبا الوجهة الوحيدة للسوريين خاصة مع تشديد الإجراءات التي تعيق وصول اللاجئين إليها، فباتت الوجهات متعددة مثل مصر وبعض الدول الإفريقية والبرازيل، ويسلك اللاجئون الجدد طرقًا متعددةً وجديدةً للوصول إلى مبتغاهم، وكما يقول الشاب فؤاد مستو في حديثه لـ”نون بوست”: “كل الطرق هينة وكل الاتجاهات سالكة إلا ذلك الطريق المؤدي إلى سوريا، لا أريد العودة طوعًا أو كرهًا”.
أسباب ازدياد المهاجرين
يزداد الوضع في تركيا صعوبةً بالنسبة للاجئ السوري في ظل خطاب العنصرية والكراهية والأزمات الاقتصادية المتلاحقة عدا عن التشديد في الإجراءات القانونية من قبيل منح الإقامات ومنع السفر بين المدن وحالات الترحيل التي باتت عنوانًا يوميًا للحالة السورية في تركيا، لكن كل هذه الأمور لم تدفع بالشاب فؤاد مستو أن يتكلم بالسوء عن هذه البلاد.
يقول: “أحببت تركيا كثيرًا ولي العديد من الأصدقاء الأتراك، لكن الحالة الاقتصادية الصعبة دفعتني للخروج منها بعد 7 سنوات من العمل في الكثير من معامل الخياطة”، يضيف مستو “الوضع بات غير مريح، فصرنا نسمع الشتائم يوميًا لأننا سوريون، لم يكن الوضع هكذا قبل سنة من الآن، لم أعد أستطيع التحمل”، يكمل فؤاد: “جلست في تركيا 7 سنوات وتحملت فيها مشقة العمل ولكن هل استطعت أن أجمع المال؟ لا أكيد.. كنت أعمل ليومي فقط”.
“أنا شاب أبلغ من العمر 24 عامًا اليوم وليس في يدي شيء على الرغم من كل سنوات العمل دون أي حقوق لي، مع العلم أن أجرتي لم تتعد في يوم من الأيام ما يقارب 350 دولارًا” يقول مستو، ويضيف “لم يكن خيار الهجرة هذا العام سهلًا، لكن لا بد عليّ من الإقدام على هذه الخطوة، يجب أن أرى الحياة وأجمع المال وأعيش باستقرار فقدته منذ سنوات”.
تشير الإحصاءات إلى أن العمالة السورية تشكل 2.9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي، وتشير ذات الإحصاءات أيضًا إلى أن 92% من العمال السوريين يعملون أكثر من 8 ساعات عمل يوميًا بينهم 59% يعملون لما يزيد على 65 ساعة أسبوعيًا، دون الحصول على تعويض مالي يتناسب مع العمل الإضافي أو الحصول على حد مقبول من الإجازات أو الحقوق القانونية، بالإشارة إلى أن هذه الإحصائية صادرة في العام الماضي.
في الأشهر الأخيرة تناقصت أعداد السوريين العاملين في المعامل التركية مع تشديد الإجراءات القانونية، خاصة التدقيق على أصحاب الهويات الصادرة من ولايات أخرى، يقول الشاب وائل أبو قصي 23 عامًا إنه ترك عمله نتيجة خوفه من الشرطة التي تنتشر في الطرقات وتشدد في إجراءات التفتيش والتدقيق على الهويات، مضيفًا “أصدرت بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي من ولاية أورفا وأنا أعمل في مجال الخياطة، وفي أورفا لا يوجد عمل يحقق لي دخلًا جيدًا”.
“أتيت إلى إسطنبول لأعمل هنا خاصة أن هذه المدينة فيها الكثير من العمل في هذا المجال، بقيت أعمل هناك 3 سنوات دونما خوف، لكن منذ بداية هذا العام بدأت حملات التفتيش والترحيل”، ويضيف وائل “كنت أعمل دون إذن عمل حكومي ومعاشي يصل إلى 7500 ليرة ومع تدهور الليرة مقابل الدولار لم يعد هذا المبلغ يكفيني لكنني أعمل لعدم وجود البديل”.
قبضت الشرطة التركية على وائل في شهر يونيو/حزيران الماضي بسبب بطاقته الشخصية الصادرة من ولاية مختلفة وأرسلته إلى أورفا بعد حبس دام 7 أيام عانى فيها من الإهانة وفقًا لما ذكر لـ”نون بوست”، رجع وائل إلى إسطنبول مرة أخرى لكن هذه المرة ليس للعمل إنما ليتحضر لسلوك طريق الهجرة إلى أوروبا، ويقول إن خمسة من أصدقائه تركوا العمل في ذات المصنع الذي كانوا يعملون به بسبب التشديد القانوني وقلة الرواتب وطول ساعات العمل، إضافة إلى أنهم يبحثون عن “مهرب ابن حلال للخروج إلى أوروبا” بحسب وائل.
أظهرت بعض المقاطع مصنعًا تركيًا للخياطة وهو فارغ من العمال بعد أن هجره العمال السوريون في الوقت الذي لم يجد صاحبه عمالًا آخرين يسدون مسد العمال السابقين، هذا وتقود وزارة الداخلية التركية حملة شديدة على اللاجئين السوريين عمومًا بسبب ما تقول إنه مخالفة للقوانين، وتمتلئ مراكز الترحيل بالسوريين والأجانب “المخالفين” وفقًا للداخلية.
الطالب الجامعي أسامة أبو حمزة قال لـ”نون بوست” إنه كان عائدًا إلى منزله حينما قبضت عليه الشرطة وأخذته إلى مركز الترحيل في منطقة توزلا، ويقول أبو حمزة: “التعامل كان سيئًا خاصة أنني أظهرت لهم أنني طالب في إحدى جامعات مدينة إسطنبول وأوراقي القانونية مكتملة، لكنهم لم يأخذوها بعين الاعتبار، ولم أكن لأخرج لولا أن السكن الطلابي الذي أقيم فيه تكلموا مع مسؤول كبير وأخبروه قصتي وعمل على إخراجي”.
تعد صربيا محطة ما قبل الدخول إلى أوروبا، حيث يستطيع المواطن التركي الدخول إلى هذه البلاد دون فيزا، وباتت تفاصيل رحلة التهريب منتشرة بين السوريين
ما سبق هي قصص يعيشها السوريون كل يوم وهو ما يدفعهم إلى الخروج أو التفكير بالخروج من تركيا، ولا تقتصر الأسباب على ما سبق، فالخطة التركية لإعادة مليون لاجئ سوري إلى المناطق الآمنة باتت مخيفة لبعض العوائل السورية التي لا تريد العودة إلى سوريا بسبب انعدام الأمان في كل المناطق هناك، ويقول وائل أبو قصي إن هذه الخطة “ضحك على اللحى، أنا حينما أصل إلى أوروبا فورًا سأحاول إخراج أهلي من تركيا كي لا تشملهم تلك الخطة، لا أريد لهم أن يعودوا إلى سوريا”.
يضاف إلى كل ما سبق، تنامي الخطاب العنصري والتحريضي ضد اللاجئين السوريين، حيث تتعالى أصوات بعض السياسيين الذين صار شغلهم الشاغل انتقاد الوجود السوري والتحريض عليه، هذا الأمر يشعر اللاجئين بعدم الأمان وفقدان الاستقرار في هذه البلاد، يقول الطالب أبو حمزة: “صرت أمشي في الشارع وأشعر بأن الكل يرمقني بنظرات الكراهية لأني سوري أو عربي، من أجل ذلك أفكر مليًا بالهجرة من هذا البلد لأننا بتنا غير مرغوب بنا ولا أريد أن يعتدي العنصريون عليّ، أنا خائف من هذا الأمر”.
حتى المجنسين يهاجرون
على الرغم من أن الطالب أسامة أبو حمزة حصل على الجنسية التركية، فإنه يفكر مليًا بالهجرة، فخلال الشهور الأخيرة تزايدت أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية الذين يسلكون طرق اللجوء إلى أوروبا، خاصة أن الجواز التركي يختصر الطريق قليلًا وهو ما يتيح لهم الوصول إلى دولة صربيا فورًا دون تحمل عناء الذهاب إلى اليونان وطرقها المرعبة للاجئين.
تعد صربيا محطة ما قبل الدخول إلى أوروبا، حيث يستطيع المواطن التركي الدخول إلى هذه البلاد دون فيزا، وباتت تفاصيل رحلة التهريب منتشرة بين السوريين، فيتم حجز تذكرة ذهاب وإياب قبل أن تبدأ الإجراءات الأخرى، وهنا يروي الدكتور قاسم – 43 عامًا – تفاصيل رحلته إلى أوروبا عبر صربيا، فيقول: “بداية لم أستطع العيش في تركيا لأنني خريج سوريا وتعديل شهادتي هنا صعب وإلى الآن لم أستطع مزاولة المهنة لكسب الرزق”، مضيفًا “في الآونة الأخيرة ساء الوضع كثيرًا من حيث العنصرية والوضع الاقتصادي في البلاد، فقررت أن أخرج من هنا إلى أوروبا”.
يقول الدكتور قاسم إنه فكر كثيرًا قبل الخروج، لكن حصوله على الجنسية التركية لم يمنع بعض الموظفين في الدوائر الحكومية من الكلام معه بعنصرية مشيرًا إلى أنه “بعد حصولي على الجنسية التركية أحسست بنفسي غريبًا أكثر مما كان عليه الأمر قبل أن أحصل عليها”، أما عن تفاصيل رحلة التهريب من إسطنبول إلى أوروبا، يقول الطبيب: “حجزت في الطيارة إلى صربيا وهناك كان ينتظرني أحد أصدقائي لنترافق معًا في رحلتنا إلى هولندا”.
مع تصاعد الخطاب العنصري وسوء الأزمة الاقتصادية بات السوريون يسارعون الخطى للخروج من تركيا
يكمل الدكتور حديثه “عند وصولي إلى صربيا انتظرنا أنا وصديقي لمدة أسبوعين قبل أن نعثر على مهرب يأخذنا من صربيا إلى المجر، وعلى الحدود استغرقنا أكثر من خمسة أيام لأن الإجراءات مشدة كثيرًا ودوريات حرس الحدود كثيفة، ما جعلنا ننتظر قبل أن نصل المحطة التالية التي أتاحت لي الوصول إلى ألمانيا وقد دفعت ما يقرب من 6000 يورو ثمنًا لهذه الرحلة”.
مضيفًا “أنا مرتاح الآن سأقدم أوراقي لقبولي كلاجئ مع أنني أخفيت أوراقي الثبوتية التي تشير إلى أنني مواطن تركي لأنهم في حال علموا بذلك سيعيدوني إلى تركيا وهو ما سيكون كارثة لي”.
ليست صربيا الوجهة الوحيدة للسوريين أصحاب الجنسية التركية، فهناك بلدان مثل البوسنة والهرسك التي توصلك إلى كرواتيا ومن ثم سلوفينيا وإيطاليا.
إذًا، مع تصاعد الخطاب العنصري وسوء الأزمة الاقتصادية بات السوريون يسارعون الخطى للخروج من تركيا حتى لو كانوا من المجنسين، حيث لم تعد تركيا “آمنة ومستقرة” وفقًا لما قاله الدكتور قاسم الذي كان يتمنى أن يظل في تركيا ويعمل بها لكن الظروف لم تتح له تحقيق أمنياته.