خيام ممزقة بلا مرافق صحية وبلا مياه نظيفة، وأيام تمضى دون طعام أو شراب، وحتى المساعدات العينية والمالية والمعونات الإنسانية التي كانت تقدمها المنظمات الدولية توقفت الغالبية منها.. هذا هو حال النازحين في اليمن الذين يزداد تعدادهم يومًا بعد آخر منذ اندلاع الحرب عام 2014.
يحيى الأسلمي، نازح من محافظة الحديدة غربي اليمن منذ عام 2016، يعيش حياة بائسة في منزل مستأجر وصغير مسطح بالتراب في منطقة شملان بالعاصمة صنعاء شمال البلاد، ويعيل أسرة مكونة من عشرة أفراد لا يضمنون الحصول على الوجبة القادمة.
يقول يحيى لنون بوست: “أنا نازح منذ عام 2016، ومستأجر غرفة صغيرة بـ25000 ألف ريال (نحو 50 دولارًا أمريكيًا)، أنام فيها وأنا قلق على أطفالي من سقوط السطح الترابي”، ويضيف بصوت حزين “لم أستطع أن أسجل أطفالي بالمدرسة لأنني لا أمتلك المال وأبكي لأجل ذلك كثيرًا، كما أن والدتي مريضة وتحتاج إلى شراء الأدوية شهريًا”.
مطبخ العائلة فارغ من أي طعام أو مواد غذائية مثل القمح والأرز والزيت، فيحيى لا يستطيع شراءها، ولو وجد عملًا بالكاد يوفر طعامًا يكفيهم ليوم واحد أو لوجبة واحدة.
وبخصوص عمله يقول يحيى: “لدي صديق يعطيني سيارته الأجرة، أحيانًا أعمل بها لتوفير مصروفات الأسرة، ويعطينا الجيران الطعام أحيانًا، وفي الكثير من الأحيان ننام بلا طعام”، مضيفًا “ساعدي الأيمن كسر في حادث سير بالحديدة، لذلك لا أستطيع القيام بأي أعمال ثقيلة”.
يتابع حديثه لـ”نون بوست” “أجلس أمام أطفالي وأراهم يتألمون تارة من الجوع وتارة من المرض، وأنا لا أمتلك قيمة قرص من الخبز أو حبة من الدواء، فأذهب إلى مكان أختلي بنفسي وأجهش بالبكاء”.
أسرة يحيى أنموذجًا للآلاف النازحين في اليمن الذين يفتقرون إلى الطعام والدواء وأيضًا تنقصهم الكثير من الخدمات.
عائلة حسن محمد التي تعيش في مخيم للنازحين بمحافظة مأرب شرقي اليمن، تعيش معاناة هي الأسوأ في ظل خيام مهترئة وأمطار وسيول تجتاح المخيم بين الحين والآخر، فلقد نزحت العائلة خلال المواجهات الدامية بين جماعة الحوثي وقوات الجيش الحكومي، إثر محاولة الأولى السيطرة على مدينة مأرب العام الماضي.
يقول حسن: “أنا من مديرية العبدية، ونتيجة المواجهات بين الحوثيين وقوات الجيش اضطررت إلى الفرار من العبدية والنزوح إلى هذا المخيم مع أسرتي وأطفالي الخمس، ونعاني كثيرًا من نقص الطعام والشراب والأدوات الأخرى”.
مخيماتهم الممزقة لا تقيهم من برد الشتاء ولا من الأمطار المتساقطة والسيول التي دمرت الكثير من المخيمات، ناهيك بسلبهم ما يملكون من مؤونة وطعام.
يضيف حسن في حديثه لـ”نون بوست” “عندما يهطل المطر نشعر بالرعب والخوف، وقد عشنا خلال الأيام الماضية بسبب الأمطار والسيول أوضاعًا مزرية، حيث طمرت السيول الخيام وأفسدت الفراش والطعام والملابس”.
وبصوت حزين وموجوع يقول: “هربنا من جحيم الحرب، لكننا لم نجد الأمان في ظل السيول، فضلًا عن المخاوف التي نعيشها كل يوم خشية انهيار الهدنة الأممية وعودة المواجهات مرة أخرى، ما قد يضطرنا إلى النزوح مجددًا إلى مكان آخر بحثًا عن المأوى الآمن”.
إحصاءات غير دقيقة
أعلنت الأمم المتحدة أن اليمن يعد رابع دولة في العالم من حيث عدد النازحين داخليًا الذين يتجاوزون 4 ملايين بسبب الصراع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات. وقالت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في تقرير حديث لها، إن في اليمن “يوجد رابع أكبر عدد من النازحين داخليًا بسبب الصراع في العالم”، ويقدر عددهم بنحو 4.3 مليون نازح، إضافة إلى 97.018 لاجئ وطالب لجوء.
وتشير تقديرات مفوضية اللاجئين إلى أن نحو 286 ألف يمني نزحوا حديثًا عام 2021، بينما ومنذ بداية العام الحاليّ 2022 وحتى الآن، اضطر ما يقرب من 40 ألف يمني إلى الفرار من ديارهم.
وأشار التقرير إلى أن اليمن لا يزال واحدًا من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، فبعد سبع سنوات من الصراع المدمر، أصبح نحو 23.4 مليون يمني (73% من إجمالي السكان) يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
“الإحصاءات التي تصدرها الأمم المتحدة غير دقيقة، فالعدد أكبر من ذلك بكثير، سواء على مستوى النازحين داخليًا أم اللاجئين في الخارج”، يقول منصور الجرادي رئيس منظمة وجوه للإعلام والتنمية الإنسانية، وأضاف منصور في حديثه لنون بوست “يصل عدد النازحين داخليًا إلى نحو 7 ملايين نازح، بالإضافة إلى اللاجئين في مختلف الدول العربية والعالمية، ففي مصر وحدها يوجد نحو مليوني ونصف المليون لاجئ يمني”.
لا تسمح المملكة العربية السعودية الحدودية مع اليمن، التي تقود تحالفًا عربيًا لدعم الشرعية، بلجوء اليمنيين إليها
وأكد أن الإحصاءات الأممية غير دقيقة فيما يخص النازحين، في ظل استمرار الصراع، فضلًا عن عدم رصدها لكل حالات النزوح في مختلف مناطق البلاد منذ بدء الحرب في العام 2014.
وأشار إلى أن النازحين في اليمن يعانون الأمرّين، من نقص الخدمات من مياه ومدارس وصرف صحي، بالإضافة إلى نقص الطعام والشراب، ومع تقليص الأمم المتحدة للمساعدات العينية عن الملايين منهم، زادت معاناتهم أكثر، خاصة مع ارتفاع الأسعار بنسبة تتجاوز 300%.
طرق مسدودة
يرغب الكثير من اليمنيين بالسفر إلى الخارج والفرار من جحيم الحرب، لكن تقف الكثير من المعوقات في طريق سفرهم، أهمها الحصار، وأيضًا ارتفاع تكاليف السفر، إذ لا تسمح المملكة العربية السعودية الحدودية مع اليمن، التي تقود تحالفًا عربيًا لدعم الشرعية، بلجوء اليمنيين إليها أو النزوح داخل أراضيها، فضلًا عن صعوبة اللجوء إلى دول أخرى مثل البلدان الغربية والأوروبية، بعد أن أصبحت بلادهم بيئة لنمو الإرهاب ومركزًا رئيسيًا لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ويعد زيادة أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء من مختلف دول العالم الثالث، نتيجة الحروب والجفاف والفقر، ورفض الكثير من البلدان استقبالهم، واحدًا من الأسباب التي تحيل دون محاولة اليمنيين تقديم اللجوء.
ومع بدء الهدنة الإنسانية قبل نحو خمسة أشهر التي كان من أهم بنودها تسيير رحلات جوية من مطار صنعاء الدولي إلى العاصمة الأردنية ومصر، غادر الكثير من اليمنيين البلاد، رغبة في طلب اللجوء والاستقرار في دول أخرى.
كان برنامج الغذاء العالمي، قد أعلن الشهر الماضي تقليص مساعداته لليمن إلى 50% لـ5 ملايين شخص من الأكثر احتياجًا
وحذر برنامج الغذاء العالمي من خطورة الوضع الذي يمر به اليمن عقب تقليص المساعدات، بسبب الحرب في أوكرانيا، مؤكدًا أنه يعمل بشكل مستمر على رصد وتلبية احتياجات الأشخاص الأكثر ضعفًا من أجل توفير المساعدات الغذائية المنقذة للحياة”، وأكد البرنامج تعرض 17 مليون و400 ألف مواطن يمني للجوع.
وكان برنامج الغذاء العالمي، قد أعلن الشهر الماضي تقليص مساعداته لليمن إلى 50% لـ5 ملايين شخص من الأكثر احتياجًا، في حين سيتم تقليص المساعدات لـ5 ملايين آخرين إلى 25% وسيتم أيضًا إيقاف أنشطة تعزيز القدرة وسُبل كسب العيش والبرامج التغذوية وأنشطة التغذية المدرسية لأربعة ملايين مستفيد.
وأشار البرنامج إلى أنه سيستمر في تقديم المساعدات ضمن هذه الأنشطة والبرامج لنحو 1.8 مليون شخص فقط نتيجة النقص الحاد في التمويل وتداعيات الحرب في أوكرانيا إلى جانب التضخم المشهود على المستوى العالمي.