يستعدّ آلاف الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال للدخول في معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، ضمن معركتهم التي أطلقوا عليها “موحَّدون في وجه السجّان”، اعتبارًا من الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل، رفضًا للانتهاكات الإسرائيلية بحقّهم.
ويتزامن هذا الاستعداد مع إجراءات تصعيدية قام بها الأسرى الفلسطينيون ابتداءً من 22 أغسطس/ آب، تمثّلت في حلّ التنظيمات في سجون الاحتلال، وارتداء زي “الشباص” في السجن الذي يعني استعدادهم للمواجهة والتصعيد مع مصلحة السجون الإسرائيلية، إلى جانب إعادة الطعام والدواء.
وتأتي هذه الإجراءات كردٍّ دفاعي من الأسرى على نقض الاحتلال للتفاهمات التي جرت في مارس/ آذار 2022، والتي تمَّ التوصل إليها في أعقاب الإجراءات العقابية التي فرضتها مصلحة السجون الإسرائيلية، بعد عملية نفق الحرية في سبتمبر/ أيلول 2021.
وتشكّل خطوة حل التنظيمات ضغطًا كبيرًا على مصلحة السجون الإسرائيلية، كونها تجعلها تضطر للتعامل مع الأسرى بشكلٍ منفرد، ما يشكّل إرهاقًا كبيرًا عليها مع وجود أكثر من 4500 أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال.
وعادة ما يكون تمثيل الأسرى بشكل جماعي، بحيث يمثّل الأسير لجنة من التنظيم الموجود به داخل السجون، وهو الأمر المعتاد منذ عقود في السجون، في الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال لنسف هذه الفكرة خلال الفترة الأخيرة.
من جماعة مشتتة إلى جيش منظَّم
وثّق المؤرخون الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة منذ عام 1967، في أعقاب هزيمة يونيو/ حزيران واحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، وزجّ الآلاف من أبنائها في معتقلات الاحتلال وارتفاع عددهم بشكل كبير، بحيث أصبحت حياة المعتقل ظاهرة بارزة في حياة الشعب الفلسطيني ككُلّ.
في أعقاب بلورة القواعد الأساسية وظهور الحركات والتنظيمات الفلسطينية وبروز الأعمال الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقع الآلاف من الفلسطينيين في أسر القوات الإسرائيلية لأسباب تتعلق بالمقاومة، كما كانت هذه القوات تطارد العشرات الذين لم يسلّموا أنفسهم، فقامت باعتقال ذويهم، وبرزت تساؤلات أين سيتمّ حجز هذه الأعداد الهائلة، وكيف سيتمّ إيجاد الوسائل القضائية لاحتجازهم، فأقامت “إسرائيل” العديد من معسكرات الاحتجاز (الأمن) في سيناء.
ولا يعني توثيق الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة عام 1967 غياب حالة النضال الفلسطيني ضد المحتل قبل هذا العام، إذ تعود فكرة إنشاء أماكن اعتقال إسرائيلية إلى ما قبل إعلان دولة “إسرائيل” بعدة سنوات، ويبدو أن تصاعُد حالة الصدام بين المنظمات الصهيونية ومجموعات المقاومة العربية والفلسطينية كانت وراء هذا التفكير.
طوّرت التنظيمات لوائح داخلية وهيكلية تنظيمية، وأصبحت تختار ممثليها عن طريق الانتخاب.
فالحركة الأسيرة هي مجموع الأسرى والأسيرات الفلسطينيين الذين تعرّضوا للاعتقال منذ بداية الانتداب البريطاني لفلسطين عام 1917، وحتى الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 إلى الآن.
أما عن بداية تشكيل التنظيمات داخل السجون فبدأ مطلع السبعينيات، متزامنًا مع تشكيل الفصائل الفلسطينية خارج السجون، فعمل الأسرى من هذه الفصائل على تشكيل هيئات تكون امتدادًا للفصائل الأم في الخارج، وهو ما حوّل الأسرى داخل السجون من “جماعة مشتتة إلى جيش منظَّم”.
ومع الوقت، وزيادة أعداد الأسرى، تبلورت هذه التنظيمات ووضعت لوائح داخلية تتناسب مع ظروف الحياة داخل السجن، حتى تمكّن الأسرى من فرض هذه التنظيمات على الإدارة والاعتراف بممثلين عنهم أمام إدارة سجون الاحتلال.
وسعى الأسرى من وراء تشكيل هذه التنظيمات لتكريس التعريف بهم على أنهم أسرى حرب، وتحويل السجن إلى ساحة نضال اشتباك مع الاحتلال، حيث كان من يقود السجون هم الأسرى الأعلى من حيث الرتب العسكرية، وأحيانًا الأقوى، فالصراع مع الإدارة كان في ذلك الوقت جسديًّا، وكانت إدارة السجون، التي كانت في حينه تابعة إلى جيش الاحتلال مباشرة، تتعامل مع كل أسير بشكل منفرد.
ومع الوقت طوّرت التنظيمات لوائح داخلية وهيكلية تنظيمية، وأصبحت تختار ممثليها عن طريق الانتخاب، ففي داخل القسم الواحد يوجد ممثل لكل تنظيم، ومن بين الممثلين يتمّ انتخاب ممثل القسم ليكون جزءًا من الهيئات الاعتقالية العليا، الممثِّلة لكل السجن لدى إدارة السجون.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة إلى التنظيمات داخل سجون الاحتلال، حيث تطوّر الأمر بالنسبة إلى الحركة الأسيرة لتشارك في صناعة القرار السياسي لتنظيماتها والمشاركة في إجراء الانتخابات الخاصة بالهيئة القيادية لكل تنظيم بشكل دوري، وهو أمر معتاد في الكثير من التنظيمات، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي.
مواجهة متحدة وتمثيل جماعي
يُعتبر وجود التنظيمات بالنسبة إلى الأسرى أمرًا مهمًّا للغاية، فمن خلاله يتمّ تنظيم العمل السياسي للحركة الأسيرة والتنسيق مع التنظيمات في الخارج بناءً على الطرق المتوفرة، إلى جانب التصدي لأي هجمات تقوم بها مصلحة السجون.
ويشكّل حل التنظيمات في السجون إحدى الأوراق التي تضغط بها الحركة الأسيرة، خصوصًا أنها تشكّل لجنة للطوارئ تعمل على تنظيم الفعاليات الخاصة بالإضرابات، كما يجري حاليًّا، ولمنع أي استفراد من قبل الاحتلال بالأسرى.
إلى جانب ذلك، فإن التمثيل الجمعي للأسرى يؤدّي إلى دعم الأسير فيما لو قرر الدخول في معارك الإضراب الفردي عن الطعام، ويشكّل رافعة إسنادية له، وهو ما تكرر في أكثر من حالة إضراب خلال السنوات الأخيرة الماضية.
يعتبر الإضراب الحالي، فيما لو تمَّ كما هو معلن من قبل الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، هو الأول من نوعه الذي تشارك فيه جميع التنظيمات بشكل موحّد للمرة الأولى منذ إضراب 2004.
واستطاعت هذه التنظيمات نزع استحقاقات بنَتْ عليها الحركة الأسيرة الكثير، مثل أن يكون لكل أسير فراش خاص للنوم، ثم سرير “بورش”، وتحديد نوعية الأكل المقدَّم لهم ومدّة العزل، وغيرها من القضايا الحياتية للأسرى.
وينبثق عنها مسؤول لكل غرفة في القسم، يكون مسؤولًا عن تقسيم العمل داخلها، ولجان ثقافية، ولجان أمنية تحافظ على أمن المعتقل من اختراق جهاز استخبارات السجون، وهو الأمر الذي يعكس الأهمية القصوى لوجودها.
ماذا يعني غياب التمثيل الجماعي؟
يُعتبر غياب التمثيل الجماعي إحدى خطوات الضغط على مصلحة السجون الإسرائيلية، وهو ما يدفعها عادة للاستجابة لمطالب الأسرى في سجون الاحتلال، خصوصًا أن غياب التمثيل الجماعي يحوّل السجون لحالة من الفوضى التي لا تحبّذها الإدارة.
ومن الصعوبات التي تواجهها مصلحة السجون بعد حل التمثيل الجماعي، أنه خلال أي خلل داخل القسم عادة ما يتمّ مراجعة ممثل القسم وليس الأسير نفسه، وبالتالي إن غياب التمثيل وحل التنظيمات يخلقان حالة من التوتر الذي يؤدّي إلى تعبير كل أسير عن رفضه أو غضبه بطريقته الخاصة، تصل أحيانًا إلى عمليات طعن للسجّانين من قبل الأسرى.
لكن في الوقت نفسه، فإن إعلان الأسرى حل الهيئات التنظيمية يتعلق بالممثلين فقط أمام إدارة السجون، لكنها تبقي على حالة التنسيق قائمة بينها، بحيث لا تتوقف عن تنسيق الشؤون الداخلية للأسرى المتمثلة في ظروفهم داخل الأقسام والغرف.
ويعتبر الإضراب الحالي، فيما لو تمَّ كما هو معلن من قبل الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، هو الأول من نوعه الذي تشارك فيه جميع التنظيمات بشكل موحَّد للمرة الأولى منذ إضراب 2004 قبل 18 عامًا، حيث تشكّلت لجنة طوارئ تضمّ كل التنظيمات الفلسطينية.
وبحسب إحصاءات نادي الأسير الفلسطيني، فإن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ نحو 4550 أسيرًا، وذلك حتى نهاية شهر يوليو/ تموز 2022، من بينهم 27 أسيرة، و175 قاصرًا، ونحو 670 معتقلًا إداريًّا.