ترجمة وتحرير نون بوست
في عام 2007، فُقِدَت ستة صواريخ نووية أمريكية لمدة 36 ساعة إثر وضعها عن طريق الخطأ على متن طائرة من قبل طاقم قاعدة جوية في شمال داكوتا، وهي الطائرة التي عبرت الولايات المتحدة كلها من شرقها إلى غربها، يشير تقريران حديثان من وزارة الدفاع – البنتاجون – أن الأوضاع اليوم لم تتحسن، إذ يعاني البرنامج النووي الأمريكي من مشاكل في نظام تشغيله وطاقم العاملين به والمسؤولين عن تسيير دفته.
يتابع البتناجون هذه الأيام في قلق المعلومات التي تصله من تقارير شتى حول تعاطي المخدرات بين بعض العاملين في هذا المجال الحسّاس، والاختراقات الأمنية الحاصلة فيه، وغيرها من إخفاقات في القواعد النووية في مونتانا وشمال داكوتا ووايومينغ، والتي تشير لتعفّن المنظومة النووية الأمريكية، كما وصفها أحد الضباط.
تشير تلك التقارير، المبنية على استقصاءات ميدانية تمت في كافة القواعد النووية الفاعلة في الولايات المتحدة، إلى مشاكل هيكلية في البرنامج النووي على كافة مستوياته أدت إلى تراجع كفاءة المنشآت التي تحتوي على الأسلحة، وصوامع إطلاق الصواريخ، وأسطول الغواصات النووية، على سبيل المثال، أدى تقليص أطقم العاملين إلى بقاء الغواصات النووية في الموانئ لفترات أطول من المحدد لها، كما يستخدم العاملون في القواعد النووية خدمة فيدكس للنقل السريع لتبادل المفتاح الخاص بتركيب الرؤوس النووية نظرًا لعدم توافر مفاتيح أخرى! جدير بالذكر أن المراقبين العسكريين غضوا الطرف عن الأبواب القديمة لصوامع يزيد عمرها عن الستين لم تعُد تُغلق بإحكام!
بالإضافة إلى ذلك، تبدو هناك بعض المشاكل بشأن العاملين، إذ يتفشّى الغش في امتحانات الكفاءة، كما تمت إقالة ضابط رفيع المستوى لضلوعه في لعب القمار بشكل غير قانوني العام الماضي، وجنرال لم يلتزم المعايير المهنية في زيارة إلى روسيا، حيث شرب الخمر أكثر من اللازم وصاح بصوت مرتفع عن أهمية الولايات المتحدة في العالم (!)، وقابل نساء أجنبيات تحوم حولهن شكوك بخصوص الأمن القومي.
إحدى الأزمات التي يعاني منها العاملون هي أنهم لا يدركون حساسية المهام التي يضطلعون بها نظرًا لتراجع أهمية الأسلحة النووية في الرؤية الأمريكية للأمن، فقيمتها تكاد تكون معدومة في مواجهة الإرهاب مثلاً، أو مخاطر التعرّض لهجوم إلكتروني؛ وهو ما يدفع الكثيرين للتعامل بشكل مستهتر مع المنشآت والأسلحة النووية، على عكس الحال خلال القرن الماضي.
من ناحيته، قال هيجل، قبل دفعه للاستقالة الإثنين الماضي، إن المنظومة النووية الأمريكية تعاني نقصًا مستمرًا في الاستثمارات والموارد الموجهة لها، وأن الكثير من العاملين فيها لا يشعرون بأن لهم فرصًا حقيقية لمسار وظيفي مشجّع ينمو مع الوقت ويحقق ذاتهم، وكان هيجل قد وعد سابقًا بإصلاح المشاكل التي تعاني منها الترسانة النووية الأمريكية، وذلك بميزانية خمسة مليارات دولار على مدى خمس سنوات، بيد أن المشكلة أن الكونجرس قلّص كثيرًا من الميزانية العسكرية مؤخرًا، وهو ما سيعيق تلك الجهود.
كانت تلك خطوة حسنة من هيجل على أي حال، ولكن المسألة الأكبر التي ينبغي أن يتعامل معها وزير الدفاع القادم تتجاوز تلك التحسينات البسيطة؛ إنها مرتبطة بمستقبل البرنامج النووي نفسه وترسانة الأسلحة النووية التي تملكها البلاد، والتي تفوق بشكل واضح احتياجاتها الأمنية.
فرُغم انتهاء الحرب الباردة منذ أكثر من عقدين، لاتزال الكثير من الصواريخ النووية في الواقع في وضع الاستعداد للإطلاق، ناهيك عن أن روسيا، التي توجَّه لها الصواريخ، لم تعد هي الغريم الأول أو الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة.
يعرف الرئيس أوباما هذه المعلومات جيدًا، وقد قام في مرة بالدعاية لخطة نزع سلاح على مستوى العالم تؤدي لنهاية الأسلحة النووية، مع ذلك، مضى أوباما قدمًا في خطة تحديث هائلة للصواريخ والغواصات النووية، وطائرات إلقاء القنابل النووية، والتي تمت في إطار جهد كلّف أكثر من تريليون دولار على مدى العقود الثلاثة الماضية – ولا تشمل تلك إصلاحات هيجل التي وعد بها بشكل عاجل – .
لايزال هناك وقت ليناقش أوباما مسألة نزع السلاح تلك، على الأقل لإجراء حوار أمين ومفتوح حيال تضاؤل أهمية الترسانة النووية في عالم اليوم وما يجب فعله حيال ذلك، وفي نفس الوقت الانتباه لضرورة تعزيز تأمين المنشآت والأسلحة الموجودة حاليًا بغض النظر عما سيؤول له النقاش، وتقليص الإنفاق على أنظمة أسلحة جديدة غير ذات فائدة للأمن القومي الأمريكي في القرن الحادي والعشرين.
نُقل بتصرف من بي بي سي الإنجليزية و نيويورك تايمز