مقروط اللوز
يواصل المطبخ الجزائري تحقيق مراتب متقدمة في آخر التصنيفات العالمية، التي تهتم بمختلف الأطباق والأطعمة والحلويات الخاصة بكل منطقة، وآخرها تصنيف الحلوى التقليدية الجزائرية مقروط اللوز في المرتبة الرابعة، ضمن قائمة أفضل 50 نوعًا من الحلويات في العالم من قبل موقع “تيست أتلاس” الذي يُعنى بمجال الطبخ والأكلات.
ومقروط اللوز، أو كما ينطق في بعض المناطق مقروض اللوز، من الحلويات الضاربة في جذور تاريخ المطبخ الجزائري، وارتبطت بأفراح الجزائريين ومناسباتهم التقليدية والدينية، فما سرّ هذه الحلوى التي تسيّدت حسب هذا التصنيف مختلف الحلويات العربية والأفريقية وحتى أصناف من الحلويات الشهيرة في العالم؟
تصدُّر
أظهر تصنيف “تيست أتلاس”، الذي يصدر من فترة إلى أخرى ترتيبًا لمختلف أصناف الأكل والأطباق في العالم، أن مقروط اللوز الجزائري يحتل المرتبة الرابعة على المستوى العالمي، محتلًّا بذلك المرتبة الأولى عربيًّا وأفريقيًّا، ضمن إحصاء شمل هذه المرة قائمة تضمّ 50 نوعًا من الحلوى اعتبرها الأفضل في العالم.
وسبق مقروط اللوز في الترتيب حلوى ألفاجور الأرجنتينية التي حلّت ثالثًا، وروكساكيا اليونانية التي حلّت ثانيًا، فيما تصدرت القائمة حلوى فنوكني كوكروفي من جمهورية التشيك.
ويتغيّر هذا الترتيب حسب مستوى تقييم الزوار، فقد أشار إحصاء آخر للموقع ذاته إلى أن مقروط اللوز الجزائري جاء في المرتبة الثالثة لقائمة أفضل 10 حلوى بسكويت في العالم، وهو ما يؤكّد مكانة هذه الحلوى لدى الجزائريين، وباقي الدول التي اكتشفتها وصارت ضمن باقة الحلويات التي تحضّرها في مناسباتها.
قصة
مقروط اللوز هو حلوى تقليدية مصنوعة من عجينة اللوز المطحون بماء الزهر، مكسو بطبقة كثيفة من السكر الناعم، وبرائحة الليمون الذي يتم بشره داخل العجينة ليعطي مذاقًا خاصًّا للحلوى، فيأخذك في رحلة إلى عوالم أزقة القصبة العتيقة، وسهول متيجة القديمة التي كانت تحضر منها مختلف المكونات الضرورية لصناعة هذه الحلوى المعشوقة في هذه المناطق من البلاد.
ويتطلّب تحضير هذه الحلوى المعروفة بالخصوص في العاصمة الجزائر، التي تقدّم في مختلف المناسبات والأفراح، وجود ماء الورد وبيض ولوز مطحون وقشر الليمون وسكر ناعم، لتكون بذلك واحدة من الحلويات النادرة التي لا تحتاج إلى طحين القمح في مكوناتها.
ومقروط اللوز هو أحد أنواع حلوى المقروط المعروفة في الجزائر وتونس ومناطق أخرى من المغرب العربي، حيث مثلًا تُعرَف مدينة القيروان التونسية بهذا النوع من الحلويات الذي يُسمّى المقروض القيرواني، ويُعتبر ذو شهرة كبيرة في البلاد، وهو نفسه الحلوى المعروفة باسم المقروط المعسل المعدّ بطحين القمح الصلب (السميد) والتمر المطحون (الغرس) والسكّر.
ولا تتوفر كتابات كثيرة عن تاريخ المقروط، مثله مثل كثير من الأطباق الجزائرية، إلا أن ما جاء في كتاب “الطبخ في المغرب العربي والأندلس في عهد الموحّدين” للمؤلف “الأندلسي المجهول”، يشير إلى أن ولاية بجاية شرقي وسط البلاد هي مهد هذه الحلوى المميزة، والذي يعود إلى أكثر من 8 قرون مضت، حينما كان يُعرَف وقتها باسم الخوشكلان.
وفي الحقيقة، ليس من الغريب أن تكون بجاية مهد المقروط بالنظر إلى مناخها المساعد على نمو شجرة اللوز ووفرة ثمارها، إضافة إلى أن المدينة التي كانت عاصمة الدولة الحمادية تتوفر على مناخ وموقع يساعدان على توفُّر معظم المكونات الأساسية لإعداد مقروط اللوز.
عدم اهتمام
رغم هذا التصنيف الذي نالته حلوى “قلب اللوز” الجزائرية، إلا أن استغلال هذا الاستطلاع والترويج لها من قبل السلطات والجمعيات المهتمة بهذا المجال يظلّان خارج الاهتمام في البلاد، في سلوك لا يتطابق مع ما يتمّ في جميع دول العالم، التي صارت أطباقها وحلوياتها ملازمة لاسمها وثقافتها.
وهذه اللامبالاة ليست جديدة في الجزائر، بالخصوص عندما يتعلق الأمر بثقافة وتاريخ البلاد، والذي يشكّل الطعام وطريقة طهيه أحد أهم هذه الجوانب، وهنا سبق للموقع ذاته أن وضع المطبخ الجزائري في المرتبة الأولى عربيًّا في الطبخ اللذيذ، وفي المركز 26 عالميًّا ضمن قائمة ضمّت أفضل 50 مطبخًا من عدة دول من مختلف قارّات العالم.
ورغم أن هذا التصنيف وضع المطبخ الجزائري في الصدارة العربية، إلا أن شهرته في المنطقة العربية والمتوسطية في المجال السياحي والدعائي تبقى محدودة، مقارنة بمطابخ أخرى كاللبناني والسوري والمغربي الذين جاؤوا في مراكز متأخرة عنه.
ومن الطبيعي أن يصنَّف المطبخ الجزائري ضمن ألذ المطابخ العالمية، بالنظر إلى ثرائه واختلافه من منطقة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال يمكن للخبز أن تجد منه عشرات الأنواع، رفقة الكسكسي الذي صُنِّف عام 2020 ضمن القائمة الممثلة للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، في كل من الجزائر وتونس والمغرب وغيرها من دول المنطقة.
وإذا كان قطاع الطعام يشكّل أحد القطاعات المساهمة في اقتصاد البلاد، بالنظر إلى أن شهرة ماركاته تحدّت الحلول المحلية، على شاكلة بعض ماركات المطاعم الأمريكية الشهيرة، فإن هذه النظرة التجارية تبقى غائبة عن خطط الحكومة التي لا ترى في قطاعات الثقافة والطعام وحتى السياحة موضع استثمار يستحق تخصيص الميزانيات لتنميته.