ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور عام على تولي إبراهيم رئيسي رئاسة إيران، يمر هذا البلد بأزمة اجتماعية عميقة، وقبل كل شيء، انقلاب سياسي خطير، مثلما يتضح من التصعيد الحالي للقمع، والأهم من ذلك، زيادة عدد عمليات الإعدام، والتي تمثل، حتى الآن هذا العام وحده، ما يقرب 320 عملية مقارنة بحوالي 330 سنة 2021.
كما صرح مصطفى هجري؛ الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، إحدى مجموعات المعارضة الرئيسية، لصحيفة بوبليكو، أنه تم بالفعل تسجيل 280 عملية إعدام في حزيران/يونيو، معظمها في عمليات تنطوي على “تحقيقات واعترافات خارج نطاق القضاء انتُزعت منهم تحت التعذيب ودون مساعدة محامين”؛ حيث كانت الأقليات الكردية والبلوشية الضحايا الرئيسيين للتصعيد القمعي إلى جانب الأشخاص الذين تم اعتقالهم لمشاركتهم في احتجاجات الشوارع.
وأضاف هجري قائلًا: “إن قسوة النظام أصبحت أكثر وضوحًا في كردستان؛ ففي الأشهر الستة الأولى من سنة 2022 فقط؛ تم تقديم 154 شخصًا متهمًا بالأنشطة السياسية إلى المحكمة في هذه المنطقة، وفرضوا أحكامًا تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات في السجن”.
تجدر الإشارة إلى أن واحدة من أكثر الحالات دراماتيكية هي حالة سعودة خضير زاده، وهي امرأة كردية حامل تبلغ من العمر 32 سنة تم القبض عليها في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بتهمة الاعتداء على وحدة الدولة، ولكن في الواقع، انتقامًا لعدم تمكنهم من القبض على زوجها. وخلال فترة سجنها، حُرمت من الرعاية الطبية اللازمة، كما نددت منظمة العفو الدولية، بتعرضها للاستجواب والتحقيق المستمر والتحرش الجنسي الذي دفعها إلى محاولة شنق نفسها في 18 آب/أغسطس في سجن أورمية بعد إعطاء طفلها حبة نوم.
تعد النساء على وجه التحديد أحد الفئات التي تعاني بشدة من الانقلاب السياسي في ظل رئاسة رئيسي، الذي لم يتوقف عن تعزيز منظمات مثل “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أو ما يسمى بدوريات المراقبة، والمخصصة على وجه التحديد لحث جميع النساء على ارتداء الحجاب. بالإضافة إلى ذلك، أنشأ رئيسي، في منتصف تموز /يوليو، لنفس الهدف “أسبوع العفة” والذي تحدته آلاف النساء في المدن الرئيسية من خلال خلع الحجاب علانية.
بالإضافة إلى ذلك؛ تم اعتقال المئات من النساء لهذا السبب، ومن بينهن قضية سپیده رشنو نویسنده، الشابة التي خلعت حجابها في حافلة في المدينة وتم تسجيلها في فيديو انتشر على نطاق واسع وأعاد تنشيط الحملة ضد الحجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على حساب تويتر # No2Hijab
في ظل دعم روسيا والصين؛ شعر النظام الإيراني بالقوة الكافية في الوضع الدولي الحالي للسماح لنفسه برفاهية تأخير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية نووية جديدة.
ومن الأمثلة على ضجر النساء المتزايد من الوضع تزايد الاعتداءات على رجال الدين في وسط الشارع، كما يتضح من مقطع فيديو تم بثه في مدينة قم المقدسة، حيث شوهدت امرأة تخطف عمامة أحد المتدينين وقامت برميها على الأرض وداست عليها ثم تهجمت على رجل دين آخر كان يمر بجانبها.
كما طالت موجة القمع مؤخرا مجموعة من المفكرين ردًّا على البيان الذي وقعه قرابة مائتي شخص من مجال السينما والأدب والفن يطالبون فيه قوات الأمن بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. لهذا السبب؛ تم اعتقال صانعي الأفلام مصطفى الأحمد ومحمد رسولوف وجعفر بناهي، الذي اشتهر بجوائزه في كان وبرلين، في آب /أغسطس الماضي.
علاوة على ذلك؛ خلال هذه السنة جرى تسجيل أكثر من 2000 احتجاج عام في إيران، بشكل أساسي ضد ارتفاع الأسعار وندرة المياه وعدم دفع الأجور وتخفيض المعاشات التقاعدية، وذلك يعود – إلى حد كبير – للعقوبات الدولية بعد خرق طهران الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في سنة 2015 مع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، احتجاجًا على قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب من الاتفاقية بعد ثلاث سنوات.
وأوضح مصطفى هجري لصحيفة بوبليكو، أن “مستوى المعيشة تدهور سنة 2022 وارتفعت أسعار الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء بين 50 و150 بالمائة”، وأضاف أنه: “عندما تولى الرئيس رئيسي مقاليد السلطة، كان كيلو الأرز يساوي 30 ألف تومان أي ما يساوي دولارًا واحدًا، وبعد مرور سنة تضاعف السعر ثلاث مرات حتى وصل إلى 110 آلاف؛ ووفقًا لبيانات النظام نفسه، يعيش حوالي 60 بالمائة من السكان تحت خط الفقر”.
خلال هذا الوقت، واستغلالًا لضعف الكتلة الغربية عند اندلاع الأزمة الأوكرانية بشكل خاص؛ اتخذ رئيسي أيضًا منعطفا مهمًّا في السياسة الخارجية بما يتماشى مع المواقف الأكثر راديكالية للنظام والتي يجسدها مرشد الثورة علي خامنئي ومنظمة الحرس الثوري الإيراني، وتمثل هاتين الجهتين السلطات الفعلية والحقيقية للجمهورية الإسلامية والتي أوصلته إلى الرئاسة.
ومن هذا المنطلق؛ كرس وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان نفسه لتعزيز العلاقات التجارية والإستراتيجية مع الدول الآسيوية والأفريقية وخاصة مع روسيا والصين، وقد عُقدت ثلاث قمم روسية إيرانية فقط في منتصف هذا العام 2022، وقد أيد فيها علي خامنئي صراحة الغزو الروسي ضد أوكرانيا.
وتمثّلت إحدى أهم الاتفاقيات بين روسيا وإيران في تطوير برنامج الطائرات بدون طيار العسكري الإيراني المتقدم بالفعل لدرجة أن القوات الروسية تستخدم بالفعل هذه الطائرات الإيرانية بدون طيار وخاصة طرازي شاهد 129 وشاهد 191.
وفي ظل دعم روسيا والصين؛ شعر النظام الإيراني بالقوة الكافية في الوضع الدولي الحالي للسماح لنفسه برفاهية تأخير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية نووية جديدة.
أولًا؛ رفضت إيران التفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة ثم قدمت شروطًا يصعب قبولها مثل إغلاق التحقيق الذي فتحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المفاعلات الجديدة وأجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، أو أن ترفع واشنطن منظمة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية. وانتهى الأمر بتقليص المطالب لضمان عدم تكرار الانسحابات الأحادية الجانب مثل تلك التي قام بها دونالد ترامب.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من “إسرائيل”؛ فإن احتمال أن تمتلك أوروبا احتياطيات ضخمة من الغاز الإيراني بعد رفع العقوبات والحاجة الإيرانية الملحة لوقف الاحتجاج الاجتماعي المتزايد؛ أوصل الطرفين إلى نقطة التقارب الأقرب في المفاوضات.
ليس من المستغرب إذن أن تتضاعف الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق نظرًا لضعف القوى الغربية “المحاصرة” في الأزمة الأوكرانية، ومن الواضح أن منظمة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية التي لا تعلن مسؤوليتها عن هذه الأفعال لكن لا أحد يشك في أنها الجهة المصممة والمنفذة الحقيقية للسياسة الخارجية وتدعم وتمول العديد من الجماعات.
أدى انتشار أعداد كبيرة من القوات على طول حدود إيران مع كردستان العراق، إلى فتح مصدر توتر جديد على بعد بضع عشرات من الكيلومترات من قاعدة حرير الأمريكية.
وحدث هذا الأمر في السنوات الأخيرة؛ حيث تم اغتيال قادة معارضين بارزين في العراق ولبنان وألمانيا والنمسا أو في أي مكان آخر في العالم بنفس الطريقة التي كاد أن يقتل فيها مسلحون مرتبطون بحزب الله اللبناني الموالي لإيران الكاتب سلمان رشدي في لندن في أوائل التسعينيات.
وربما حدث الشيء نفسه في محاولة الاغتيال الأخيرة والجديدة في نيويورك، أو في الخطة المحبطة بنفس القدر لقتل المعارضة الإيرانية المعروفة مسيح علي نجاد، المنفية في الولايات المتحدة، بغض النظر عن مدى نفي حكومة رئيسي ذلك رسميًّا، لأنها فعلت الشيء ذاته في قضية رشدي أو هذا الأسبوع بشأن الهجمات على القواعد الأمريكية في الصحراء السورية.
ولعل الأخبار السيئة الوحيدة التي تلقاها النظام الإيراني في الذكرى الأولى لصعود رئيسي للرئاسة هي إعادة توحيد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو على الأرجح التنظيم السياسي الذي يتمتع بأكبر قدرة على زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية.
فبعد مسيرة طويلة من النقاش؛ توحد الفرعان اللذان انقسم إليهما هذا الحزب مرة أخرى علما أنه أول من حمل السلاح ضد الجمهورية الإسلامية، وكما أعلنوا رسمياً في 22 آب/ أغسطس الجاري؛ فإنهم بذلك يبدؤون، كما أعلن مصطفى هجري، “مرحلة جديدة” في القتال ضد النظام.
كما كانت إيران بطيئة في الاستجابة للتحدي، فقد أدى انتشار أعداد كبيرة من القوات على طول حدودها مع كردستان العراق، المنطقة التي يوجد بها مؤيدو الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الرئيسيون، والتهديدات الجديدة لحكومة أربيل الإقليمية، إلى فتح مصدر توتر جديد على بعد بضع عشرات من الكيلومترات من قاعدة حرير الأمريكية.
المصدر: بوبليكو